القائمة الرئيسية

الصفحات

إستقلال القضاء وفق المعايير الدوليه والواقع الليبي

إستقلال القضاء وفق المعايير الدوليه والواقع الليبي
من إعداد الأستاذ 
د. محمد رمضان باره أستاذ القانون الجنائي بكلية القانون بجامعة طرابلس  

إستقلال القضاء وفق المعايير الدوليه والواقع الليبي


تقديم عام للبحث

إن القول بإستقلال القضاء يقتضي تحديد مفهوم هذا الإستقلال كما حددته  المبادىء والمعايير الدوليه بصفة عامة، ومدى توفرها فعليا بالنسبة للقضاء الليبي، كما يقتضي أيضا تحديد ضمانات إستقلال القضاء،وهو ما يتطلب دراسة النصوص الدستوريه والتشريعيه للقضاء الليبي لمعرفة ما صدر في ليبيا من تشريعات تتعلق بعمل القضاء   وتستجيب للمعايير الدولية المتعلقة بإستقلال القضاء ،كما أن ذلك سيمكننا أيضا من معرفة الأليات التى ينبغي إتباعها لضمان جعل  القضاء مستقلا عن بقية السلطات الأخرى فى الدوله، بما يجعله مؤهلا لأن يكون قضاء عادل صالح نزيه . 
كما أن معرفة واقع القضاء الليبي يقتضي الإحاطة بواقع هذا القضاء على  ضوء ما رصدته أدوات الرصد التى تدرس عادة المعلومات والإستبيانات والإحصاأت المتوفرة التى تسجل ذلك ،والتى فى العادة تصدرها الدولة وترصد من خلالها واقع القضاء فيها ،وما يعتري مسيرته العدلية من صعوبات .إلا أن  ما يلاحظ هو أن نظام الحكم في  ليبيا قبل 17 فبراير2011 كان يفتقر فيما نشر من معلومات رسمية عن الواقع القضائي أنداك الى معلومات دقيقه ،أما بعد 17 فبراير 2011  فإن الدولة الليبية أصبحت  تعيش  مرحلة إنتقالية وهي في طور البناء، مما يجعلها تفتقر الى أدوات الرصد الحديثه التى تظهر فى حالة الإستقرار والثبات السياسي ، بحيث يمكن أن يستقى منها ما يلزم من معلومات،ولذا فإن ما يمكن معرفته عن الواقع القضائي الليبي فى الماضي وكذلك حاضر هذه الأيام لا يتعدى النصوص الدستوريه والتشريعيه وبعض القرارات، وسبب هذه المحدودية فى الرصد يعود في ظل النظام السابق الى غياب الشفافية المطلوبة فى المعلومات المقدمه من طرف الحكومه الليبية عن واقع القضاء الوطني ومدى إلتزامه بالمباديء والمعايير الدوليه وتقدير قيمة الأداء الفعلي للقضاء، يضاف الى ذلك  أن القضاء كان يعمل فى نظام يؤمن بمبدأ وحدة السلطة،وهي طبيعة كل نظم الإستبداد. ولذا فإن النظام السابق كان لا يؤمن بمبدأ الفصل بين السلطات وهو أولى الخطوات لتحقيق إستقلال القضاء ، حيث لم يكن ينظر للقضاء أكثر من أنه مرفق يقوم بوظيفة خدمية عامه أسوة بغيره من مرافق الدوله العامه ،وهي الفصل فى النزاعات التى تحدث بين الأفراد أو بينهم وبين مؤسسات الدوله وهيئاتها والشركات العامه والخاصه،ولم تكن وظيفة القضاء تتميز بأي إستقلال عن باقي السلطات الأخرى فى الدوله ،ولم يكن القضاء يلعب الدور المطلوب فى حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان ، بل إن ما حصل من مساس بحقوق وحريات للأفراد فى ظل العهد السابق لا يمكن إحصائه أو عده فى قائمة معينه ،حيت كانت جميع السلطات العامة التشريعيه والتنفيديه وحتى القضائيه تخضع لإشراف رأس الدوله ،وهو ما جعل التشريعات المتعلقة بنظام القضاء الليبي التى صدرت فى ظل النظام السابق ترى فى القضاء مجرد هيئة من ضمن هيئات قانونية أخرى إطلق عليها هيئات قضائية،رغم أنها هيئات قانونيه لا تمارس وظيفة القضاء بالمعنى الدقيق ،وقد أصبحت هذه الهيئات يديرها جميعا مجلس عرف بالمجلس الأعلى للهيئات القضائيه ، ولا يظهر من خلال ما صدر فى ظل النظام السابق من وثائق دستوريه أو تشريعات قانونيه ما يدل على أن ذلك النظام كان يسعى لإستقلال السلطة القضائية ، ويفهم ذلك من المفردات القانونية التى عبر عنها  ذلك النظام فيما أصدره من تشريعات تتعلق بالقضاء، حيث خلت  من أية إشارة أو مصطلح للسلطة القضائيه، مما أفاد عدم رغبة ذلك النظام في تحقيق إستقلال القضاء.أما بعد إصدار الإعلان الدستوري المؤقت سنة 2011م، فقد غير المشرع الليبي ما كان يستخدمه من مصطلحاته ومفردات قانونية، وإستخدم مفردات ومصطلحات جديده  تظهر إتجاهه الى تحقيق إستقلال القضاء،وبالتالي فإنه يبقى أن المصطلحات والمفردات القانونية التى تظهر من خلال نصوص التشريعات تعد من أهم  ما يمكن الإستعانة به لتقييم مدى تمتع القضاء من إستقلال عن باقي سلطات الدوله، ويمكن فهم ذلك من خلال دراسة النصوص الدستورية والقانونية والقرارات المتنوعه، فهي التى تكون سندا ومقدمه لتقييم مدى تحقق الإستقلال للقضاء من عدمه .
 غير أننا نبادر بالقول بأنه قد لا توجد معلومات وإستبيانات ودراسات حقيقيه في ليبيا ،يمكن الوثوق بها والرجوع اليها لمعرفة حقيقة الواقع القضائي قبل 17 فبراير 2011م ، كما أنه بعد هذا التاريخ وحتى تاريخ إعداد هذه الدراسة لا زالت ليبيا تعيش مرحلة إنتقالية لم تستكمل بناء مؤسساتها العامة بعد ،والذى سيكون بإذن الله تعالى بعد إصدار دستور دائم للبلاد .وعليه فإن من أهم أهداف هذه الدراسة خلق وعي قانوني بمدى أهمية تحقيق إستقلال السلطة القضائيه، وهو ما يقتضي منا  تحديد مفهوم إستقلال القضاء، ومكونات مؤسسة القضاء أو السلطة القضائية التى ينبغي أن تستهدف بالإستقلالية، ثم بيان الأليات التى ينبغي إستخدامها والحرص على توفرها لضمان الوصول الى مرحلة الإستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيديه .
   كما أن التوعية القانونية تقتضي التنوير بواقع علاقة السلطة القضائيه ببقية السلطات العامة الأخرى التشريعية والتنفيدية فى الدوله،فى الماضي والحاضر ،وحدود هذه العلاقة، وكيف يمكن ضبطها بما يحقق مبدأ الفصل بين السلطات وإستقلال السلطة القضائية وتحقيق توازن السلطات والتعاون بينها .
   كما أنه لما كانت كثير من دول العالم الديمقراطيه قد قطعت شوطا طويلا فى تحقيق إستقلال السلطة القضائية، ووضعت شعوب العالم معايير دولية تحكم هذه الإستقلالية، فإن ذلك يقتضي معرفة المباديء والمعايير الدولية التى أقرها المجتمع الدولي لتحقيق هذا الإستقلال وبيان الأليات الدقيقة والفعاله التى إستخدمتها كثير من الديمقراطات للوصول الى مرحلة إستقلالية السلطة القضائية،وهو ما ينير الطريق أمام الدول حديثة العهد بالحرية والديمقراطيه فى كيفية إنهاء الإستبداد والتحول الديمقراطي وإستخدام هذه الأليات والخطوات اللازمة لإستقلال القضاء في مواجهة كافة السلطات والجهات والأفراد، وعلى كافة المستويات والصعد السياسي والدستوري والقانوني،والتغلب على الصعوبات والعراقيل التى يمكن أن تواجه عملية التحول الديمقراطي وكيف يمكن التغلب عليها.
 إن توضيح المفاهيم الدولية المستقرة اللازمة لإستقلال السلطة القضائية سيساعدنا على معرفة متطلبات إستقلال القضاء، وآليات الوصول اليه وما قد يصادف تحقيق هذا المبدأ من معوقات وصعوبات، ويمكننا من معرفة  المراحل التى وصل اليها المجتمع الليبي فى تحقيق هذا الإستقلال،ومعرفة  الخطوات التى ينبغى إستكمالها حتى يتحقق الإستقلال الفعلي للسلطه القضائيه وفق المعايير الدوليه،حتى نصل الى جعل أحكام القضاء عادلة ونزيهة ومكتسبة لثقة المواطن أسوة بما هو سائد فى الدول الديمقراطية البعيدة عن  الإستبداد.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات