القائمة الرئيسية

الصفحات

العقود التمهيدية في القانون المغربي

العقود التمهيدية في القانون المغربي

العقود التمهيدية في القانون المغربي
العقود التمهيدية في القانون المغربي



مقدمة

إن حياة الأشخاص تقتضي القيام بالكثير من الأعمال والتصرفات في حياتهم اليومية، وذلك لأجل إشباع رغباتهم في شتى المجالات، ولعل أهم ما يميز هذه الرغبات هو محاولة القيام بما هو واجب لأجل نيلها والمحافظة عليها ويمثل العقد الوسيلة المثلى والأداة الأنجع باعتباره الأكثر شيوعا بين الأفراد.
وبالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود نجد أن المشرع المغربي لم يعمد إلى تعريف العقد[1]. لذلك تولى الفقه هاته المهمة ونفضل التعريف الذي خلص إلي القول بأنه : " إتفاق بين شخصين أو أكثر بهدف إنشاء التزام أو نقله أو إنهائه أو تعديله " هذا التعريف أهميته تتجلى في كونه يتجاوز التفرقة التقليدية[2] العميقة بين العقد والاتفاق و يتميز بالخصائص التالية :
        أ‌-          العقد يستلزم وجود أكثر من إرادة واحدة.
       ب‌-       إقتصار مفهوم العقد على الاتفاقات التي تهدف إلى إنتاج أثر قانوني .
       ت‌-       التعريف يأخد بالمفهوم الواسع للعقد[3].
وبالتالي إن توافقت الإرادتين وتطابق الإيجاب والقبول وفقا لما هو معروف في نظرية العقد، فإن التعاقد يأخذ صورته النهائية.


لكن بالمقابل العقود ذات جانب من الاهمية غالبا ما تكون مسبوقة بجملة من الاتفاقات و التعهدات الأولية التي تمهد لإبرام العقود النهائية، هاته الفترة الفاصلة بين إنشاء الاتفاقات التمهيدية وإبرام العقود النهائية من شأنها أن تمنح الطرفين المتعاقدين فرصا إضافية للتفكير في النتائج و الآثار التي ستترتب عن إبرام التصرف النهائي، وهي تختلف عن ما يسبق عادة مرحلة الارتباط العقدي من مفاوضات ومناقشات بين طرفيه، رغبة منهما في الوصول إلى اتفاق نهائي حول شكل ومضمون العقد. وتسمى هذه المرحلة بمرحلة التفاوض على العقد  (Pre- contractuel negotiations)  وهي مرحلة لا تعتبر لازمة لتكوين العقد أو لصحته وإنما هي تلك الفترة الزمنية التي تبدأ بالاتصال مابين الطرفين وتنتهي بقيام العقد أوالعكس ومثل هذه المرحلة قد تكون قصيرة جدا إلا أنها موجودة من الناحية النظرية.
ففي هذه المرحلة ينشأ ما يسمى بالالتزام بالإعلام، و واجب الإفصاح عن العيوب الكامنة في الشيء المبيع أو تقديم النصيحة، كما لها التزاماتها المستقلة عن الالتزامات العقد ذاته والتي تنتج عن الثقة المتبادلة بين الطرفين مثل الالتزام بعدم التفاوض دون نية التعاقد، والالتزام بعدم قطع التفاوض في وقت غير مناسب، والالتزام بعدم إفشاء المتفاوض للأسرار التي علمها عن الطرف الآخر بمناسبة التفاوض، إلا أن المشرع المغربي لم يحتم مظهرا للتفاوض وإنما ترك ذلك الحرية الأفراد في الإفصاح عن إرادتهم.
وتتجلى أهمية المفاوضات من خلال أنها تعد تجسيدا لمبدأ سلطان الإرادة بوجهيه السلبي والإيجابي، فإذا خلصت هذه المفاوضات إلى إبرام العقد، تجسد هذا المبدأ بجلاء في القوة الملزمة للعقد عملا بالقاعدة الشهيرة العقد شريعة المتعاقدين، وإذا لم تسفر المفاوضات عن بلوغ الغاية فإن مبدأ سلطان الإرادة يطل من نافذة إضفاء الشرعية على الامتناع عن التعاقد .
إذا فالمفاوضات لا ترقى بذاتها إلى مرتبة العقد ولا تنشئ التزاما أو رابطة عقدية بين طرفيها، ولايجب على الطرف المنسحب أن يبدي سببا مبررا لانسحابه، فعملية التفاوض ليست سوى عملية أخذ ورد وتبادل لعروض قد لا تنال رضا أحد الأطراف، ثم إن ترتيب مسؤولية ما على عاتق الطرف المنسحب قد يخلق صعوبة في التعامل يخشى معها أن يحجم الشخص عن مفاوضة الغير في أمر يرغب في التعاقد فيه دفعا لما قد يترتب عليه من مسؤولية.
وبالرجوع إلى العقود أو الاتفاقات التمهيدية لتحديد طبيعتها بعد تمييزها عن المفاوضات في مرحلة ما قبل العقد، نجد أن المشرع المغربي لم ينظمها هي الاخرى بشكل صريح وإنما تمت الإشارة إليها بشكل ضمني مما جعل الفقه يؤسس لها.
حيث عرفها بعض الفقه[4] بأنها :
"كل عقد يهدف إلى إبرام عقد نهائي. وهي لا تتضمن الإيجاب فقط بل تتكون من إيجاب وقبول".
إذن فالغاية من العقود التمهيدية هو حماية ضمان العلاقة التعاقدية الاولية الهادفة إلي تسهيل إبرام العقد النهائي، لدى سنحاول إعضاء لمحة بسيطة عن هذا النمط من العقود و عن موقعها داخل الترسانة القانونية من خلال التساؤلات التالية :
ماهي أهم هاته النماذج؟ وكيف نميزها لتحديد طبيعتها القانونية ؟ وما هو نطاق تطبيقها؟ وهل تدخل المشرع لأهميتها بتنظيمها في إطار قوانين خاصة؟
سنحاول من خلال هذا البحث التقرب من ملامسة إجابات عن هذه التساؤلات.ولهذا الغرض قسمنا هذا البحث على الشكل التالي:

المبحث الأول: تمييز وموقع العقود الممهدة
المطلب الأول: تمييز العقود الممهدة لتحديد طبيعتها القانونية
المطلب الثاني: موقع العقود الممهدة ضمن المنظومة التقليدية
المبحث الثاني: العقود الممهدة المنظمة بقوانين خاصة
المطلب الأول: بيع العقار في طور الإنجاز
 المطلب الثاني: عقد الإيجار المفضي إلى تملك عقار

المبحث الأول: تمييز وموقع العقود الممهدة


معظم المعاملات المالية المعاصرة تقتضي ضرورة مرور العاقدان بمراحل إعدادية قد تطول أو تقتصر حسب الأحوال وطبيعة العلاقة التعاقدية لإبرام العقد النهائي الذي تسبقه مرحلة الاتفاقات التمهيدية، ومن خلال هذا المبحث سنحاول تمييز العقود التمهيدية عن ما قد يقترب أو يتشابه إلى حدما مع مضمونها )المطلب الأول (لنحدد بعد ذلك موقعها داخل الترسانة القانونية التقليدية )المطلب الثاني .(

المطلب الأول: تمييز العقود الممهدة لتحديد طبيعتها القانونية

الاتفاقات التمهيدية لها أهمية بالغة باعتبارها مرحلة سابقة للتعاقد النهائي لدى ثارت نقاشات حول طبيعة هذه الاتفاقات من قبيل هل نعتبرها عقد أم تصرف بإرادة منفردة، كما حاولت بعض النطريات التأسيس لبعض التصرفات على أساس كونها تدخل في نطاق العقد الممهد وهذا ما سنحاول معالجته في هذا المطلب.

1.    الإيجاب الملزم:

إذا اقترن الإيجاب بمهلة للقبول فيلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه طيلة مدة هذه المهلة، ومن ثم لا يحق له الرجوع عنه قبل انقضاء ذلك الأجل ما لم يكن هذا الإيجاب قد سقط برفض الموجه إليه له قبل انقضاء المهلة[5]. وهذا ما ذهب إليه القضاء والفقه في فرنسا، حيث أن التقنين المدني الفرنسي لعام 1804 سكت عن بيان حكم مثل هذا الإيجاب. ولكن الفقه الفرنسي التقليدي اختلف في تحديد الأساس القانوني للقوة الملزمة للإيجاب في مثل هذه الفرضية، وظهرت نظريتان هما: العقد التمهيدي أو الأولي الضمني، والمسؤولية التقصيرية[6]. وسنتطرق للأفتراض الأول كونه الأهم بالنسبة لنا.

العقد التمهيدي الضمني:

العقد التمهيدي، في نظر أنصار هذه النظرية، هو عقد مؤقت، ومن ثم ملزم على غرار بقية العقود، يهدف إلى الإعداد والتحضير لإبرام عقد نهائي. ونظراً إلى أنه عقد فهو يتطلب توافر إرادتين متطابقتين. وفي الإيجاب الملزم هناك قبول ضمني من الموجه إليه بمدة تفكير في هذا الإيجاب ويؤدي هذا القبول الضمني إلى انعقاد عقد تمهيدي محله التحضير لإبرام عقد نهائي يمكن أن ينعقد أو لا ينعقد. ومن ثم يلتزم الموجب في الإيجاب الملزم بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة استنادا إلى هذا العقد التمهيدي الذي ينعقد بينه وبين الموجه إليه هذا الإيجاب. وتبرير التزام الموجب بالبقاء على إيجابه خلال هذه المدة على أساس وجود عقد تمهيدي هو افتراض قد لا يتطابق مع الإرادة الحقيقية للموجه إليه الإيجاب، فقد يكون سبب عدم تعبيره عن إرادته فورا هو أن الإيجاب الذي وجه إليه لا يهمه.[7] وبالمقابل يرى أنصار نظرية الإرادة المنفردة أن الإيجاب الملزم هو تصرف بإرادة منفردة.[8]

2.     الوعد بجائزة:

الوعد بجائزة هو إيجاب من نوع خاص موجه إلى شخص غير معين، ومن ثم لا يجوز للواعد الرجوع عن وعده عندما يكون قد بدأ أحد الأشخاص بتنفيذ العمل الموعود به، كأن تبدأ أعمال البحث عن شيء مفقود إذا كان الوعد يتضمن منح جائزة لمن يعثر عليه، فهنا ينعقد عقد بين الواعد ومن باشر بأعمال البحث، وذلك لأن من باشر بهذه الأعمال قبل ضمنا الوعد الذي يحقق مصلحة له. كما لا يجوز للواعد الرجوع عن وعده حتى قبل المباشرة بالعمل محل الوعد إلا إذا علم به الجمهور في الوقت المناسب وبالطريقة ذاتها التي تم إعلان الوعد للجمهور، وذلك لأن الواعد يلتزم ضمنيا بعدم الرجوع عن إيجابه من دون إعلان عنه، على أساس وجود عقد تمهيدي.[9] حسب معارضي نظرية الإرادة المنفردة[10].
وبالرجوع إلى ظهير الالتزامات والعقود المغربي، الذي خصص خمسة فصول من الفصل 14 إلى الفصل 18 نجده ينص في افتتاحه لتنظيم مؤسسة الوعد بالجائزة على أن " بأنه مجرد الوعد لا ينشئ التزاما "، وهذا ما يجسد بأن الإرادة المنفردة إذا ما كانت مجردة من التنظيم التشريعي لا يرتب عليها القانون أي أثر، كما أن الوعد بالجائزة يجب أن ينسحب إلى العموم، ليس إلى أشخاص معينين، لأنه حينئذ لا نكون أمام وعد بجائزة، إنما أمام عقد يقوم على اقتران الإيجاب بالقبول، وإن كان طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون الالتزامات والعقود، ألزم الواعد بعدم الرجوع عن وعده طوال المدة التي حددها للوعد حالة الوعد بالجائزة المحدد المدة لنبني عليه أساس وجود عقد تمهيدي نجد المشرع المغربي اعتد بالإرادة المنفردة[11] كمصدر للالتزام إلى جانب العقد، متفاديا ذلك النقص الملحوظ في النظرية التي اتبعها المشرع الفرنسي.

3.     العرض المسبق

إذا إستلزم الأمر لإبرام عملية قرض استهلاكي إجراء تقنية العرض المسبق حتى يتمكن المقترض من التعرف بدقة على بنود العقد ومما يتضمنه من شروط، خاصة وأن معظم هذه العقود هي من العقود النموذجية، والتي تعد سلفا من قبل المؤسسة المقرضة لتحقيق نوع من السرعة وتضمينها ما شاءت من الشروط. وإذا كان المشرع المغربي في المادة 77 من قانون 08-31 يقضي بتدابير لحماية المستهلك وعلى ضرورة اعتماد تقنية العرض المسبق قبل كل عملية قرض منصوص عليها في المادة 74 من نفس القانون. فإن العرض المسبق يعتبر بمثابة اقتراح عقدي كامل غير قابل للرجوع فيه طوال المهلة المحددة أو أثناء المدة المعقولة. وإذا كان للعرض المسبق أهمية، فهل يعد عقدا تمهيديا أو نموذجا مستقبليا للعقد النهائي،مع الإشارة إلى حق المقرض في قبول أو رفض طلب القرض، وإلا اعتبر العرض نهائيا والعقد تاما فور قبول المقترض حسب منطوق المادة 85.
القانون ألزم المقرض بالإشارة في عروضه المسبقة إلى بيانات إضافية، فبالنسبة لعقد فتح اعتماد تجب الإشارة فيه إضافة إلى ما سبق بكون مدته هي سنة قابلة للتجديد بشروط يحددها المقرض قبل انتهاء مدته بثلاثة أشهر، وللمقترض حق التعرض عليها (المادة 79 من قانون 31.08). وفي حالة ما إذا سلم المقترض قرضا دون عرض مسبق مستوفي لكافته البيانات، فانه يفقد حقه في استحقاق الفوائد، وإذا كان قد استخلصها فهو ملزم بردها أو خصمها من الرأسمال المتبقي(المادة 89 من قانون 31.08).
ومهما يكن الأمرفالمشرع المغربي قد تدخل لوقاية المقترض. وهنا نشير إلى الحق في التراجع كآلية من آليات الحماية حيث يكرس هذا حق بقدرة المتعاقد على إبرام العقد على المفاضلة أو الاختيار بين إمضائه أو الرجوع فيه كوسيلة بمقتضاها يسمح له بأن يعيد النظر من جديد ومن جانب واحد في الالتزام الذي ارتبط به مسبقا إذن فثمة عقد سبق تكوينه وموقع من قبل الأطراف، لكن أحد الأطراف – المستهلك المقترض– سوف يستفيد من مهلة التفكير والتي من خلالها يمكن تفعيل حقه في الرجوع عن الالتزام الذي أبرمه. لكن بتوفر مجموعة من الشكليات والشروط المحددة في المادة 85 من قانون 08-31، كالتالي:
·        يجب أن يمارس الحق في التراجع داخل أجل 7 أيام تحتسب من تاريخ قبوله للعرض.
·        إرفاق العرض المسبق باستمارة قابلة للاقتطاع من طرف المستهلك.
·        إلزامية إيداع استمارة مقابل وصل يحمل طابع وتوقيع المقرض.
وفي الحالة التي ينص العرض على أن المقرض يحتفظ لنفسه بحق قبول أو رفض طلب القرض المقدم من المقترض، فإن العقد الذي قبله هذا الأخير لا يصبح تاما إلا بتوفر الشرطين التالين (المادة 86 من قانون 31.08):
·        أن يكون المقرض قد أبلغ المقترض قراره بمنح القرض.
·        أن لا يكون المقترض قد مارس الحق في التراجع.
ومهما يكن من أمر، فإنه لا يجوز للمقترض باتفاق مع المقرض أن يتنازل عن حق الرجوع أو يقلص من أجله أو الاتفاق على إسقاطه لكونه يعتبر من النظام العام وذلك بصريح نص المادة 151. كما أن التنفيذ الفوري ليس إلا تنفيذا للعرض المسبق وليس للعقد الأصلي في ظل الرغبة الفورية للمستهلك في التنفيذ. ولئن كان القرض الاستهلاكي يعد عقد إذعان بامتياز، حيث يعتبر مجال رحب للشروط التعسفية أمام الحاجة الملحة والضرورية للمقترض فللحد من ذلك تدخل المشرع المغربي في قانون 08-31 حيث نص في المادة 18 منه على لائحة بأهم الشروط التعسفية وأكثرها شيوعا، وذلك من أجل تحقيق اكبر قدر ممكن من الحماية[12]،كما يوجد الى جانب هذه الحماية التشريعية، حماية قضائية متمثلة في أن القاضي يقوم تلقائيا بإبطال أي شرط يعتبر تعسفيا، وذلك لأن هذه الشروط تعتبر من النظام العام، والجدير بالذكر أن بطلان الشرط التعسفي لا يؤدي إلى بطلان الالتزام ككل إلا إذا لم يكن بإمكان العقد أن يبقى قائما بدون الشرط المذكور في العقد، لأنه غالبا ما يكون المقترض في حاجة ماسة لهذا العقد. إذن العرض المسبق يرتب التزامات يجب احترامها بل هي في الأصل تقنية لربما أقرب إلى العقد الابتدائي إن لم نجزم بذلك.

4.     عقد الاستهلاك المبرم عن بعد

عقد الاستهلاك المبرم عن بعد هو اتفاق إرادتي المستهلك والمورد على إحداث أثر قانوني متمثل في بيع منتوج أو سلعة أو خدمة دون حضورهما شخصيا في مجلس العقد[13]، وباستعمال على وجه خاص واحد أو أكثر من تقنيات الاتصال عن بعد ولاسيما التقنيات الإليكترونية من أجل إبرام هذا العقد، كما أن المادة 417-1 من ق.ل.ع المعدلة بمقتضى القانون رقم 05-53[14] تنص على أنه تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إليكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الورقة المحررة على الورق. لكن بقراءة قانون حماية المستهلك يبدو أنه يحيد عن المبادئ العامة لإنشاء العقود من خلال تبنيه آجالا للتفكير) (délai de réflexion، وحق العدول أو الرجوع (droit de repentir ) عن إبرام العقد أو إتمامه داخل أجل محددة بإرادة منفردة دون حاجة لتبرير موقفه للبائع ودون تحمل أي تعويض أو تبعات باستثناء مصاريف الإرجاع إن اقتضى الحال، وبخصوص هذا الحق فإنه يعد رخصة للمستهلك والذي ينطلق من فرضية عدم وجود توازن واقعي بين مورد ذي تجربة في مجال نشاطه ومستهلك فاقد لها من حيث الأصل. وأما القبول فتجسدت خصوصياته في شكله وفاعليته، فمن حيث شكله، فإن القبول على خلاف مثيله في العقود التقليدية لا يكون نهائيا إلا إذا استوفى مرحلتين؛ مرحلة أولى يصدر فيها الزبون إذنه بالتعاقد، ومرحلة ثانية يؤكد فيها هذا الأخير الإذن الصادر عنه بعد أن يكون قد تحقق من أمور ثلاثة: من تفاصيل إذنه، ومن السعر الإجمالي، ومن الأخطاء المحتملة. أما فاعلية القبول فتظهر في الأثر الذي يترتب عنه إذا ما تم على النحو السابق، والأثر هذا هو إبرام العقد، وبعد صدور القبول النهائي المشرع ألزم صاحب العرض بالتوجيه الفوري للإشعار تسلم القبول إلى المرسل إليه، الذي بعد تسلمه له يصير ملزما به بشكل لا رجعة فيه، ودون الدخول في النقاش حول الفرق بين إمكانية الولوج والولوج الفعلي[15]. إذن المرحلة الأولية التي يصدر فيها الزبون إذنه بالتعاقد هل ينبني على أساسها العقد التمهيدي .. ؟
ولتعميق النقاش سنذهب إلى حالات مشابهة في ظل القواعد العامة في الفقرة الموالية وهي المتعلقة بالبيوع الخاصة وخيار الشرط لنؤكد أن الأمر أصبح هنا مكرسا نصيا. إلا أن خيار الشرط العقدي مترتب عن عقد نهائي. والذي يعطي الإمكانية للدائن بمطالبة مدينه بالوفاء، وهو أبعد عن حق العدول مادام البائع أو مقدم الخدمة محروما حتى من التعويض[16] إذن حق التراجع هو حماية حقيقية لرضا المستهلك كطرف ضعيف بإرادة منفردة.

5.     البيوع الخاصة

تناول المشرع المغربي بعض البيوع الخاصة: كبيع الثنيا، وبيع الخيار، وبيع السلم.
وبيع الخيار هو اعطاء الحق لكل من البائع والمشتري في أن يرجع في الصفقة التي أجراها مع الطرف الآخر[17].
ويمر عقد الخيار بمرحلتين: قبل الخيار وبعده.
أولا: قبل الخيار يعتبر البيع في هذه المرحلة معلقا على شرط واقف، يتمثل في اختيار المضي في الصفقة، حيث يتأكد البيع ويتملك المشتري المبيع، وإلا انتهى البيع بأثر رجعي. إلا أن تعليق عقد بيع الخيار على الشرط له حد أقصى لايتجاوزه، يحدده الطرفان وإلا تم الركون إلى العرف، وفي كل الأحوال لايمكن تجاوز المدة التي حددها القانون (الفصل 604 ق ل ع ) كما يلي :
- بالنسبة للعقارات البلدية والأراضي الزراعية: خلال مدة ستين (60) يوما تبتدئ من تاريخ العقد.
- بالنسبة إلى الحيوانات الداجنة وكل الأشياء المنقولة: خلال مدة خمسة (05) أيام وهذا الأجل قاطع لايمكن للمحكمة تمديده.
أما الحق في ثمار المبيع وملحقاته والزيادة الطارئة عليه، فيبقى موقوفا خلال الأجل المقرر للخيار، وتؤول هذه الأشياء مع المبيع نفسه لمن يكسب ملكيته نهائيا. (الفصل 606 ق ل ع ).
ثانيا: عند مرحلة الخيار.فلا يخلو الأمر من ثلاث حالات:
 - أن يختار صاحب الخيار نقض الصفقة: فيتم تراد المبيع والثمن بين الطرفين.
- أن يختار صاحب الخيار إمضاء العقد في الأجل الاتفاقي أو القانوني: فيصبح عقد البيع باتا بأثر رجعي من تاريخ إبرامه.
- أن يسكت من له حق الخيار: حتى تنتهي مدة الخيار، فإنه يعتبر كأنه أمضى عقد البيع، وتكون الزيادات الطارئة على المبيع من حق المشتري. (الفصل 608 ق ل ع ).
وعليه، فإن خيار الرجوع في إطار القواعد العامة في العقد لا يفترض وإنما على من يرغب في استعماله أن يصرح بذلك صراحة في العقد ذاته أو في ملحقاته وقد قضى المجلس الأعلى بان بيع الخيار لا يفترض بل يجب التنصيص عليه في عقد البيع أو في عقد لاحق، وبالتالي عندما يكون عقد البيع لا يتضمن أية إشارة على بيع الخيار، فإنه لا يكون هناك مجال لإعمال المقتضيات المتعلقة ببيع الخيار[18] إذن فهي عقدية وليست مفترضة كحق الرجوع.

6.     العربون:

لقد تناول المشرع المغربي مؤسسة العربون في الفصول من 288 إلى 290 من قانون الالتزام والعقود إلى جانب حق الحبس تحت عنوان بعض الوسائل لضمان تنفيذ الالتزامات.مما يدل على أن العربون ينطوي على فكرة ضمان الالتزام، لذلك فهو يعتبر بمثابة أداة قانونية هامة لحماية حقوق المتعاقدين من عبث بعضهم أو أحدهم، مادام أنه في جميع التشريعات والمذاهب يشكل أداة رادعة للمتعاقد المخل بالتزاماته[19] وهو بذلك يختلف عن المؤسسات القانونية المشابهة له كالكفالة النقدية والشرط الجزائي المدرج في العقد إلى غير ذلك من الأدوات القانونية الأخرى التي تهدف إلى توثيق العقود وضمان تنفيذها، بمعنى أن المشتري بمجرد دفعه للعربون فإن ذلك لا يمنعه من التراجع عن البيع على اعتبار أن العربون مجرد إعراب عن الرغبة في إبرام العقد. كما أن قرينة تأكيد العقد بالعربون، تعد من القرائن البسيطة التي يمكن دحضها بما هو أقوى.

المطلب الثاني: موقع العقود الممهدة ضمن المنظومة التقليدية

يرغب كثير من الناس- خاصة في العقود التي تحظى بأهمية كبيرة – في أن لا يمروا مباشرة الى مرحلة توقيع العقد النهائي، فكان لابد من ان تكون مسبوقة باتفاقات تمهيدية تهدف الى تحقيق أغراض متنوعة منها:
-التثبت من الوضعية القانونية.
-الحصول على التمويل الكافي.
ويعد الوعد بالبيع والبيع بالتفضيل) الوعد بالعقد[20]( من أهم هذه الاتفاقات التمهيدية:

الفقرة الأولى: الوعد بالبيع

على خلاف باقي التشريعات العربية التي نظمت الوعد بالتعاقد عامة والوعد بالبيع خاصة فان المشرع المغربي
اكتفى بللإشارة لهذه المؤسسة بمقتضى نصوص قانونية متفرقة يكتنفها الابهام والغموض في كثير من الحالات.
فقد اعتبر المشرع الفرنسي الوعد بالبيع بمثابة بيع إذا اتفق طرفاه على البيع والثمن، في حين اعتبره المشرع المصري بمثابة اتفاق يتم ابرامه عن طريق توافق ارادتين او أكثر دون توضيح ما إذا كان الاتفاق تمهيديا او نهائيا.
ويرى استاذنا العرعاري ان الوعد بالبيع قد يكون عقدا اوتصرفا اراديا حسب نوعية الهدف الذي قصده الأطراف اثناء التخطيط لهذا التصرف فهو اما ان يكون وعدا بالبيع صادر عن إرادة واحدة تعد جهة أخرى بالرغبة في بيع شيء معين أو وعدا صادرا عن الجهة المقابلة التي له رغبة في الشراء وفي ظل هذين الافتراضين الوعد بالبيع او الشراء نكون امام تصرف من تصرفات الإرادة المنفردة لا يرقى الا مستوى العقد، غير انه إذا كان التواعد من جانبين يعني البيع والشراء معا يرتفع المستوى إلى منزلة العقد.
ويرى الاستاذ ريفيير انه بمثابة ايجاب ملزم بعينه يكون التعبير عن الإرادة اماانفراديا او تبادليا ففي الحالة الأولى يكون التعبير ملزما من الوقت الذي يعلم فيه من وجه اليه اما في الحالة الثانية فيتعلق الامر بالاتفاقات.
وخروجا من الجدالات الفقهية يمكن تبني تعريف الأستاذ عبد القادر العرعاري الذي يعتبر الوعد بالبيع بانه العقد الذي يلتزم فيه الواعد ببيع شيء سواء كان منقولا او عقارا او غيرهما من الحقوق المالية الأخرى لشخص اخر إذا اظهر هذا الأخير رغبته في الشراء مقابل ثمن معين وعليه فاذا اقتصر البيع دون الشراء فانه يندرج ضمن التصرفات القانونية الملزمة لجانب واحد.
ان الوعد بالبيع يتميز بخصوصيات العقد الكامل لا من حيث الشكل ولا من حيث العناصر ما عدا ما هو من خصوصيات العقد النهائي للبيع وهو كذلك من العقود المؤقتة التي تنقضي بمجرد ابرام العقد النهائي ويعتبر من العقود التي تنبني على الخيار اما بالقبول او الرفض داخل الاجل المحدد وهنا يختلف عن بيع الثنيا او بيع الخيار اللذين يعطيان الحق في التراجع إذا تضمن العقد شرطا بذلك .
وبما انه عقدا ملزما لجانب واحد يستلزم توافر كل العناصر اللازمة لإجراء عقد صحيح عن أهلية وسبب ومحل. وبذلك فاذا جاء هذا الوعد مجردا وخاليا من كل مضمون فانه يكون عديم الأثر تطبيقا للفصل 14 من ق.ل.ع.
ويلزم كذلك ان يكون هذا العقد مبنيا على منح فرصة الاختيار للمشتري بين القبول والرفض داخل اجل محدد، اما إذا لم يتم تحديد هذا الاجل فلا يمكن للواعد ان يتحلل من وعده الا بوضع الطرف الموعود له في حالة مطل بعد إعطائه مهلة للتعبيرعن رايه.
اما بخصوص اثار الوعد بالبيع يتعين التمييز بين مرحلتين:

1-مرحلة ما قبل تعبير الموعود له عن إرادته:

 في هذه المرحلة يستمر الواعد كمالك للشيء الموعود به ويترتب عن ذلك ان له الحق في التصرف بشكل لا يضر بحقوق الموعود له وتكون تبعة الهلاك على عاتقه،كما يتحمل مختلف الضرائب والتكاليف المترتبة عنه، ويتملك كذلك ثمار الشيء الموعود به.
في المقابل يثبت حق شخصي للموعود له، يتجلى في التزام الواعد بما وعد طيلة المدة المتفق عليها ويكون التزامه هنا التزام بعمل.

2-مرحلة ما بعد تعبير الموعود له عن إرادته:

 فإذا وافق على الشراء داخل الاجل موافقة صريحة أو ضمنية، فإن الملكية تنتقل مباشرة بعد صدور الموافقة إذا كان الشيء الموعود به منقولا، أما إذا كان محل الوعد عقارا فلا تنتقل إلا إذا احترمت الشكلية المتطلبة قانونا لان الفرع يتبع الأصل.

الفقرة الثانية: البيع بالتفضيل

ترجع جذور الوعد بالتفضيل إلى ما قبل القرن 19 إلا أن له تطبيقات حديثة تلائم الظروف الحالية، وكما هو الشأن بالنسبة للوعد بعقد فإن الوعد بالتفضيل جاء ليستجيب للعديد من الحاجيات البشرية، كما هو الشأن بالنسبة للتاجر الذي يخشى من تملك أحد منافسيه لمحل مجاور له فيحصل من مالك العقار على وعد بتفضيله عند بيعه.
يعد الوعد بالتفضيل أحد الاتفاقات التمهيدية السابقة على إبرام عقد البيع بشكل نهائي ويعرف الوعد بالتفضيل أو بقت التفضيل حسب الأستاذ محمد شليح " بأنه ذلك العقد الذي بمقتضاه يلتزم أحد طرفيه بالامتناع عن عرض عمل معين على الغير قبل عرضه على المتعاقد معه خلال أجل".[21]
ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن الفقه لم يتفق على مدلول واحد للوعد بالتفضيل ذلك أن هناك جانب مهم من الفقه يطبق من مدلوله، حيث يرى أن الوعد بالتفضيل ما هو إلا صورة من صور الوعد بالبيع، وفي مقابل هذا الاتجاه هناك جانب آخر من الفقه يوسع من مدلول الوعد بالتفضيل.
ويرى الأستاذ الشرقاوي عبد الرحمان بأن الوعد بالتفضيل هو اتفاق يتعهد  بمقتضاه أحد الطرفين، ويسمى الواعد إذا ما قرر مستقبلا إبرام عقد معين، تفضيل الطرف الآخر الذي يسمى المستفيد، على سائر الراغبين في التعاقد، ومن ثم فإن العقد المستقبل الموعود بالتفضيل لا يكون فقط مجرد عقد بيع، بل إنه يمكن أن يكون عقد آخر غير البيع كالإيجار أو المقايضة، وإن كانت غالبية التطبيقات تكون بصدد عقد البيع.[22]
ومن تم يتميز الوعد بالتفضيل على الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد، في كون مالك الشيء لا يعد الشخص الآخر ببيع حقه إذا رغب هذا في شرائه، وإنما يعده إنه إذا رغب في بيع حقه أن يعرضه أو لا عليه، تفضيلا له على غيره، كما أن الوعد بالتفضيل لا يرتبط في العادة بمدة زمنية لممارسة الخيار الناشئ عنه. ناهيك أنه في الغالب لا يحدد الواعد في الوعد بالتفضيل الثمن الذي سيبيعه به مستقبلا.
والحق الشخصي المخول للموعود له يسمح له بالتصرف فيه بالحوالة إلا إذا تبين من بنود الوعد أو من قصد المتعاقدين أن هذا الحق الشخصي خاص بالمستفيدين دون غيره.

المبحث الثاني: عقد البيع الإبتدائي(Contrat Préliminaire)


فإلى جانب الوعد بالبيع و الوعد بالتفضيل هناك عقد تمهيدي آخر وهو عقد البيع الإبتدائي والذي يتحول في مرحلة لاحقة لعقد نهائي، وهو مرحلة وسطى بين المفاوضات التمهيدية والعقد النهائي.
وقد يكون الهدف من إنشاء البيع الإبتدائي هو حفظ حق أحد الطرفين في استحقاق الأولية في التعاقد، فالعقد الإبتدائي قد يكون مجرد عقد مؤقت يتم به التمهيد لإبرام عقد نهائي، الشيء الذي أدى إلى تضارب الفقه في تكييف هذا النوع من العقود.
فقد اعتبره البعض صورة من صور الوعد الملزم للجانبين، وهناك من اعتبره من عقود البيع العقارية غير المسجلة في السجل العقاري في حين هناك من اعتبر العقد الإبتدائي مجرد وسيلة قانونية للإحتفاظ بالحق في إبرام العقد النهائي.
نجد في هذا الصدد رأي محكمة النقض الفرنسية التي اختارت وفضلت تسمية هذا الإتفاق الإبتدائي بأنه عقد ذو طبيعة خاصة.
هناك الكثير من المظاهر التعاقدية التي يتم إبرامها في القانون المغربي على مرحلتين أبرزها حالتي بيع العقار في طور الإنجاز وعقد الإيجار المفضي إلى تملك عقار.
لهذا سنحاول إعطاء نظرة موجزة على هذين العقدين بتخصيصنا في)المطلب الأول( لبيع العقار في طور الإنجاز فيما سنعرض في )المطلب الثاني( لعقد الإيجار المفضي لتملك عقار.
لا بد لنا لبحث الطبيعة القانونية لبيع العقار في طور الإنجاز من تحديد ماهية هذا البيع وبيان الإشكالات التي يطرحها بالإضافة إلى موقف القضاء المغربي من هذا البيع.

المطلب الأول: بيع العقار في طور الإنجاز

مع تطور الأوضاع الإقتصادية وتزايد الحاجة إلى تملك سكن لائق، من خلال أداء الثمن على أقساط، وتشجيع المنعشين العقاريين على إقامة مشاريع خاصة بدون قروض، فقد رخص المشرع المغربي في بيع العقار وهو في طور البناء، حيث صدر القانون رقم 44.00([23]). فهو يندرج ضمن العقود التمهيدية التي تسبق إبرام البيع النهائي (برجوعنا إلى كتاب أستاذنا الدكتور عبد القادر العرعاري([24]) "عقد البيع") .
وقد تم تعريف هذا العقد في الفصل 1-618 من قانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز بأنه "اتفاق يلتزم البائع بمقتضاه بإنجاز عقار داخل أجل محدد كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال".
وقد رأى النور هذا البيع قبل تدخل المشرع من أجل تنظيمه سواء في فرنسا أو في المغرب، ذلك أن المشرع الفرنسي لم يتدخل لتنظيم هذا النوع من العقود إلا سنة 1967 بمقتضى القانون رقم 03.67 بتاريخ 3 يناير 1967، تلاه مرسومان بتاريخ فاتح مارس 1993 و7 مارس 1994.
أما في المغرب فإن المشرع اضطر لإدخال تعديل على الفصل 618 من قانون الإلتزامات والعقود بمقتضى القانون 44.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.309 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002. على غرار المشرع الفرنسي والمشرع التونسي الذي قننه سنة 1990([25]).
فهي محاولة تشريعية هدفها سد الفراغ الذي يعاني منه النظام القانون المغربي في هذا الباب، و تخليق مجال المعاملات العقارية مع خلق ديناميكية اقتصادية تستند على خفض النفقات والتكاليف وإنعاش السوق العقارية.
برجوعنا إلى القانون المدني الفرنسي نجد أنه قد عرف في الفصل 1601.3 بيع العقار في طور الإنجاز بأنه "عقد بمقتضاه ينقل البائع فورا لفائدة المشتري حقوقه على الأرض وكذلك ملكية البناءات الموجودة وتنتقل المنجزات المستقبلية لفائدة المشتري مقابل ثمن يدفعه هذا الأخير تبعا لتقدم الأشغال. ويحتفظ البائع بصلاحيته كصاحب المشروع إلى غاية انتهاء الأشغال".
وتجدر الإشارة إلى أنه بمقارنة التعريف الفرنسي والتعريف الذي اعتمده المشرع المغربي نجد أن المشرع المغربي تدارك النقص الذي اعترى النص الفرنسي بحيث نجد في الفقرة الأولى من المادة 1601 ما يلي:
La vente d’immeuble à construire est celle par laquelle le vendeur s’oblige à édifier un immeuble dans un délai déterminé par le contrat.([26])"
في هذا التعريف نجد أن المشرع الفرنسي أغفل ولم ينص على أن أحكام هذا البيع تسري على العقارات في طور البناء سواء كانت معدة للسكن أو الإستعمال المهني أو الحرفي أو الصناعي من طرف الأشخاص الخاضعين للقانون العام أو الخاص، بينما المشرع المغربي تدارك هذا الأمر ونص على ذلك في الفقرة الثانية من المادة 618 من ق.ل.ع.
والجدير بالملاحظة أن المشرع المغربي قد لمح إلى هذا النوع من العقود من خلال مضمون الفصل 61 من ق.ل.ع عندما نص على أنه: "يجوز أن يكون محل الإلتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق..."
غير أن هذا المقتضى القانوني لم يكن يمنح أية ضمانات للمشتري سواء فيما يتعلق بتاريخ تسليم العقار موضوع البيع أو مراحل التنفيذ وكذا التعويض عن التأخير أو استحالة التنفيذ.
وأهمية هذا البيع تتجلى في أن المشتري بمجرد إبرامه للعقد الإبتدائي يكون قد ضمن مرتبته في الحصول على شقة أو البناء المتفق عليه مقابل أدائه لأقساط من الثمن مجزأة حسب مراحل إنجاز مشروع البناء. والبائع بدوره يجد في هذا النمط التعاقدي متنفسا اقتصاديا، يمكنه من الحصول على السيولة المالية لإتمام مشروعه دون اللجوء إلى القروض البنكية المرهقة لأوضاعه المالية.
ونظرا لأهمية هذا العقد الأولي نجد أن المشرع تطلب فيه أن يشتمل على العناصر المذكورة في الفصل 618.3 وهي:
- ذكر هوية الأطراف المتعاقدة – تاريخ ورقم رخصة البناء.
- الرسم الأصلي للعقار المحفظ موضوع البناء أو مراجع ملكية العقار إذا كان غير محفظ مع تحديد الحقوق العينية والتحملات العقارية الواردة على العقار أو أي اتفاق آخر عند الإقتضاء.
- ذكر ثمن البيع النهائي وكيفية أدائه.
- أجل تسليم البناء للمشتري.
- الإشارة لمراجع الضمانة البنكية التي يتعين على البائع تقديمها لفائدة المشتري حماية للأقساط المدفوعةمن قبل المشتري للطرف البائع.
كما ألزم المشرع أيضا إرفاق هذا العقد بالوثائق التي تؤكد وجود التصاميم المعمارية المتطلبة لإنجاز البناء محل التعاقد سواء تعلق الأمر بتصميم المهندس المعماري أو تصميم الإسمنت المسلح الذي ينجزه المهندس المكلف بوضع هذا النوع من التصاميم المعمارية مع إرفاق ذلك كله نسخة من دفتر التحملات كما هو منصوص في الفصل 618.4.
كما أن المشرع استلزم أيضا ضرورة إرفاق العقد بشهادة مسلمة من لدن المهندس المعماري تثبت واقعة الإنتهاء الفعلي من إنجاز الأساسيات على مستوى الطابق الأرضي للعقار وفق الفصل 618.5.
بالرغم من أهمية الإلتزامات التي يتضمنها العقد الإبتدائي والإجراءات التي أحاطها المشرع في هذا العقد الأولي من حيث الشكل والمضمون كدليل جدية المعاملة إلا أنه كغيره من العقود الموقوفة على تحقق شرط مستقبلي ألا وهو لإنجاز مشروع البناء وفقا للتفاصيل المحددة في دفتر التحملات، قد تعترضه بعض الصعوبات التي تحول دون إنجاز المشروع أصلا أو إنجازه بطريقة معينةأو خارج الأصل المتفق عليه من الأمور التي تضعف القوة الملزمة لهذا العقد.
لهذا قام المشرع المغربي بتحديد سقف للتعويضات المستحقة للطرف المتضرر من الإخلال ببنود العقد الإبتدائي (في الفصل 618.12 من ق 44.00) لا يتجاوز 1%عن كل شهر من المبلغ الواجب دفعه على ألا يتجاوز هذا التعويض 10%في السنة سواء تعلق الأمر بتأخر المشتري عن أداء الدفعات المستحقة عليه أو تمثل ذلك في تأخر البائع عن إنجاز العقار في الأجل المحدد لذلك.
بالإضافة لما سبق، فإن قوة هذا العقد الإبتدائي تمكن كل من البائع والمشتري من اللجوء إلى القضاء في حالة رفض أحدهما إتمام العقد النهائي.
وفي هذا الصدد، قضت ابتدائية تمارة([27])أحقية مطالبة المدعى عليه بإتمام إجراءات التفويت كالتزام واقع عليه، وهو ما ذهبت إليه استئنافية الرباط([28]) في قرار جاء في أحد تعليلاته: "لكن بالرجوع إلى العقد الرابط بين الطرفين والذي بمقتضاه باع المستأنف عليهما محل النزاع، يتبين أن عقد البيع خاليا من أي شرط مما أصبحت بنوده ملزمة للطرفين معا".
وقد تبنت محكمة النقض([29]) هذا الموقف في قرار صادر عنها حيث جاء فيه ما يلي: "يستخلص من مستندات الملف أنه ليس هناك ما يستفاد منه الإستحالة القانونية لإبرام عقد البيع النهائي المطلوب، ولذلك فإن المحكمة لما لها من سلطة في تقييم الأدلة واستخلاص قضائها منها، حيث عللت قرارها بأن الشهادة الإدارية المستدل بها من طرف الطاعن وما تتضمنه لا تمنع هذا الأخير من إتمام إجراءات البيع النهائي حول العقار موضوع الوعد بالبيع، فإنه نتيجة لما ذكر يكون القرار معللا ومرتكزا على أساس قانوني".
ومن خلال ما سبق، يتضح أنالإتجاه الذي سار عليه القضاء المغربي هو اعتبار العقد التمهيدي في بيع العقار في طور الإنجاز عقد ابتدائي ملزم للجانبين وليس وعد بالبيع الإنفرادي فمجرد الوعد لا ينشئ التزاما.
ونظرا للموقع الحساس للمستهلك العقاري المغربي فإنه يتعين على الجهاز القضائي أن يكون يقظا في تطبيق بنود هذا القانون بالشكل الذي يحفظ ويضمن العلاقة العقدية التي تربط بين هؤلاء المستهلكين بالباعة والمنعشين.
حتى ولو كانت الغاية من إبرام البيع الإبتدائي هي تمهيد لإنشاء عقد نهائي طبقا لما ينص عليه الفصل 618.16 من ق 44.00 المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز، إلا أن أهمية هذا العقد تقاس عادة بأهمية الإلتزامات المتقابلة التي يتضمنها، بحيث لا يجوز لأي متعاقد منهما العدول عن هذه الإلتزامات بإرادته المنفردة إعمالا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين (الفصل 230 من ق.ل.ع).
لكن يتميز هذا العقد بمحدودية الآثار المترتبة عنه، لكونه عقد مؤقت تنتهي مهمته بانتهاء مدته، التي ترتبط عادة بإنجاز أشغال البناء حسب التصور المنصوص عليه في الفصل 15-618 ولا ينقل الملكية إلى المشتري، فالذي ينقل الملكية هو العقد النهائي وليس العقد الإبتدائي، وفقا لما يؤكده القانون المنظم لهذا النوع من البيوع (الفصل الأخير من ق 44.00 وهو 20-618).
وباعتباره عقدا أوليا يرد على شيء مستقبلي فإنه لا يخول للمشتري إمكانية الإستفادة من دعاوى الضمان كيفما كان نوعها لارتباطها بانتقال الملكية للمشتري. وهذا ما سيتم عند إبرام العقد النهائي. وبالتالي يكون المشتري محروما من التمتع بالآثار البارزة التي ترتبط بالبيع عادة.
غير أن المشرع المغربي متع المشتري ببعض الحقوق التي يحق له التمتع بها بالإستناد إلى العقد الإبتدائي كحقه في الإستفادة من الضمانة البنكية كما أشار إلى ذلك أستاذنا عبد القادر العرعاري في كتابه أنه يمكن للمشتري أن يطلب من المحافظ العقاري (إذا كان العقار محفظا) إجراء تقييد احتياطي بالإستناد إلى عقد البيع الإبتدائي وبموافقة مسبقة من البائع وذلك لحفظ حقوقه بصورة مؤقتة إلى غاية إجراء البيع النهائي.
ونظرا لأهمية العقود المتعلقة ببيع العقارات في طور البناء فقد اشترط المشرع فيما يخص مسألة إثبات هذه العقود وإضفاء المزيد من القوة الإثباتية لهذه الإتفاقات، نص قواعد صارمة حيث استعمل صيغة الوجوب في ضرورة إثبات كل العقود الإبتدائية والنهائية لبيع العقار في طور الإنجاز بالكتابة الرسمية أو بموجب عقد ثابت التاريخ محرر من طرف مهني ينتمي لمهنة قانونية منظمة يخولها قانونها الأساسي تحرير هذه العقود تحت طائلة البطلان.
وبهذا الصدد نجد في الفصل 489 من ق.ل.ع على أن الكتابة هي للإثبات وليست شكلية في البيوع فقط، كما أضاف المشرع فقرتين لمضمون الفصل 618.3 خول بمقتضاهما وزير العدل صلاحية تحديد لائحة سنوية بأسماء المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود مع إمكانية إدراج أسماء المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض ضمن هذه اللائحة، وذلك طبقا للمادة 24 من القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة.
برجوعنا لرأي أستاذنا الدكتور عبد القادر العرعاري([30]) فيما يخص إضافة شريحة المحامين لقائمة الأشخاص المرخص لهم بتحرير هذه العقود، رأى أنه لا يوجد هناك أي تبرير لإضافة هذه الفئة نظرا لكثرة الأعباء والمشاكل الكثيرة التي تثقل كاهل رجل الدفاع، كما أن مهام التوثيق عموما ليست من صلاحيات المحامي كيفما كانت درجته في هيئة الدفاع. أما عن باقي المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود، فإن المشرع ربط هذه المسؤولية بضرورة استصدار نص تنظيمي يحدد شروط تقييد هؤلاء ضمن اللائحة المشار إليها سابقا والتي تدخل ضمن اختصاصات وزير العدل.

المطلب الثاني: عقد الإيجار المفضي إلى تملك عقار

بداية يلزم التعريف بهذا العقد، حيث جاء في المادة 2 من القانون ([31])51.00 ما يلي: "يعتبر العقد المفضي إلى تملك العقار كل عقد بيع يلتزم البائع بمقتضاه تجاه المكتري المتملك بنقل ملكية عقار أو جزء منه بعد فترة الإنتفاع به مقابل أداء الوجيبة المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون وذلك حين حلول تاريخ حق الخيار".
وتبعا لذلك فهو عقد كراء مفضي إلى تملك العين المكتراة يبتدأ وينتهي بيعا إذا ما أعمل المكتري المتملك خيار الشراء حين حلول تاريخ حق الخيار لذلك فهو عقد من نوع خاص له اسم وأحكام خاصين خاضع لمقتضيات القانون 51.00.
تجدرالإشارة إلى أن هذا القانون جاء بعقد جديد يجمع بين تصرفي نقانونيين الكراء والبيع، فالبيع هو العملية المتوخاة من العقد، غير أنها مسبوقة بعملية أخرى هي انتفاع المكتري المتملك بالعقار مقابل أدائه الوجيبة التي تتكون من جزأين: مبلغ متعلق بحق الإنتفاع من العقار والآخر يتعلق بالأداء المسبق لثمن تملك العقار.
وهذا ما أشارت إليه المادة 8 من نفس القانون.
وفي هذا الصدد يرى الأستاذ القضاوي([32]) الطاهر أنه "عقد يهدف إلى بيع تام يرتب انتقال الملكية بعد أن يكون مسبوقا بكراء لفترة زمنية وثمن البيع فيه هو أجرة الكراء بحيث إذا دفع المكتري جميع الأقساط لمدة متفق عليها تحول من مكتري إلى مشتري والعقد إلى بيع نهائي".
يسعى المشروع من خلال القانون 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار إلى تحقيق أهداف اقتصادية وأخرى اجتماعية، إذ يهدف إلى التجاوب مع الضغوط المتزايدة لطلبات السكن وتوسيع قاعدة تملك العقار لفائدة الفئات الإجتماعية الضعيفة من جهة، ومن جهة أخرى يتوخى تشجيع جميع الأسر وبالأخص ذات الدخل المحدود من الحصول على السكن([33]).
ولكي نحدد الطبيعة القانونية لهذا العقد "الإيجار المفضي إلى تملك العقار" يجب علينا التعمق أكثر في مضمونه والإشارة أيضا إلى أهمية توثيقه. وأيضا نطاق تطبيقه.
تشمل أحكام هذا القانون العقارات المنجزة والمعدة للسكن بحسب ما جاءت به المادة الأولى من ق 51.00. ويستثنى من ذلك ما جاءت به المادة الثالثة من نفس القانون.
حيث تبقى الأحكام التالية خارج تطبيق هذا القانون:
·        ق رقم 6.79 المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري.
·        ق رقم 64.99 المتعلق باستيفاء الوجيبةالكرائية.
·       المرسوم الصادر في 8 أكتوبر 1980 القاضي بالتخفيض من مبلغ كراء الأماكن المعدة للسكن لفائدة بعض فئات المكترين.
وكما هو معلوم فإن تملك العقار حسب القانون 51.00 يمر بمرحلتين أساسيتين:
مرحلة العقد الإبتدائي الذي يظل خلالها المكتري منتفعا بالعقار مقابل تأدية وجيبة الكراء المحددة اتفاقا مع المكري مقرونة بمناب الشراء ثم مرحلة البيع النهائي التي يحسم فيها المكتري خياره بإتمام التعاقد بعد أن يكون قد أدى كامل الأقساط المتوجبة عليه.
إذا كانت الرضائية هي المعول عليها في جل العقود المدنية الكبرى كعقد البيع والكراء فإن المشرع المغربي خرج عن هذه القاعدة بالنسبة إلى عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار حيث اعتبر الكتابة شرط صحة ونفاذ، وفي غيابها يعتبر العقد باطلا، وقد أكد المشرع من خلال المادة 4 من ق 51.00 على أن الكتابة تتم إما في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، من طرف مهني ينتمي لمهنة قانونية منظمة يخولها قانونها الأساسي تحرير هذه العقود كالموثقون والعدول والمحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض، وكذا الأشخاص الواردة أسماؤهم ضمن المهنيين المقبولين لتحرير العقود.
وفيما يخص شكليات هذا العقد جاء في المادة 7([34]) من قانون 51.00 ما يلي: يجب أن يتضمن عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار العناصر التالية:
- هوية الأطراف المتعاقدة /- مراجع العقار محل العقد.
- موقع العقار ووضعه كليا أو جزئيا /- ثمن البيع محدد غير قابل للمراجعة.
- مبلغ التسبيق عند الإقتضاء وتحديد الوجيبة التي يتحملها المكتري المتملك وفترات وكيفية تسديدها وكذا كيفية خصم الوجيبة من ثمن البيع.
- تخويل المكتري المتملك إمكانية تسبيق أداء ثمن البيع كليا أو جزئيا قبل حلول تاريخ حق الخيار.
- مراجع عقد التأمين المبرم من قبل البائع لضمان العقار.
- شروط مزاولة حق الخيار وفسخه.
- تاريخ بدأ الإنتفاع من العقار والأجل المحدد للمكتري المتملك لممارسة حقه في تملك العقار وكذا شروط التمديد والفسخ المسبق للعقد.
ومن أجل حماية حقوق طرفي هذا العقد، فإن المشرع المغربي بمقتضى القانون 51.00 قرر لهم بعض الضمانات، لعل أهمها ما نصت عليها المادتين 15 و 16 من هذا القانون حيث جاء في الأولى أنه يتعين على البائع، ثلاثة أشهر قبل حلول حق الخيار أن يطلب من المكتري المتملك بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتسلم ممارسة حقه في تملك العقار محل العقد داخل الأجل المتفق عليه. أما المادة 16 فقد نصت على أنه لا يتم إبرام عقد البيع النهائي إلا بعد أداء المبلغ المتبقي من ثمن البيع المتفق عليه في عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار (العقد). ويبرم هذا وفق نفس الكيفية التي تم بها إبرام عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار كما هو مبين في المادة 4 من هذا القانون.
ولقد متع القانون 51.00 المكتري المشتري في إطار حمايته وصيانة حقوقه بطرق إشهار عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار تختلف تبعا لاختلاف الأنظمة القانونية للعقار.
فبالنسبة للعقار المحفظ نصت المادة 5: "إذا كان العقار محفظا يطلب المكتري المتملك من المحافظ على الأملاك العقارية إجراء تقييد احتياطي وذلك للحفاظ المؤقت على حقوقه، يبقى التقييد الإحتياطي ساري المفعول إلى غاية تقييد عقد البيع النهائي في الرسم العقاري".
يتم تعيين رتبة تقييد العقد النهائي بناءا على تاريخ التقييد الإحتياطي.
أما بالنسبة للعقار غير المحفظ فنجد المادة 6 تنص على أنه "إذا كان العقار غير محفظ تسجل نسخة من عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار بسجل خاص يمسك بكتابة الضبط لدى المحكمة الإبتدائية بالدائرة التي يوجد بها العقار وتودع النسخة المذكورة لدى نفس الكتابة".
وخلاصة القول فيما يخص هذا القانون، أنه رغم صدوره فإنه يلاحظ عدم انتشار عقود الإيجار المفضية إلى تملك العقار أو بالأحرى انعدامها، بحيث تبقى مجرد حبر على ورق، ويعود ذلك إلى عدم توفر الشروط والأجواء المناسبة لهذا النوع من العقود بالنظر إلى الطبيعة الإجتماعية والسوسيولوجية والإقتصادية للمجتمع المغربي.

خاتمة

بقي لنا أن نشيرإلى مشروع قانون رقم 107.12 بتغيير وتتميم القانون رقم 44.00 بشأن بيع العقارات في طور الإنجاز، حيث يروم إلى تشجيع الولوج إلى السكن بشروط ميسرة وبأداء متدرج مع ضمان الحماية القانونية للأطراف المتعاقدة. كما يهدف إلى تجاوز الإكراهات والصعوبات التي حالت دون التطبيق الفعلي للقانون الحالي و الذي دخل إلى حيز التنفيذ منذ عشر سنوات.بإحداث ضمانة جديدة تسمى "ضمانة إنهاء الأشغال"، التنصيص على إمكانية إبرام عقد جديد يسمى "عقد التخصيص"، وهو عقد يخول للبائع الحصول على تسبيق قبل إبرام العقد الابتدائي، مع توفير ضمانات جديدة لصالح المشتري، وربط إبرام عقد البيع الابتدائي بالحصول على رخصة البناء، بدل الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي، كما هو عليه الحال في الوضع الراهن .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] المشرع الفرنسي قد عرف العقد بأنه "اتفاق بمقتضاه يلتزم شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بإعطاء شيء أو بفعله أو الامتناع عن فعله"المادة 1101 "من القانون المدني الفرنسي.
- ويرى د.عبد الرزاق أحمد السنهوري خلال حديثه عن الفرق بين الاتفاق و العقد أنه ورد بالمادة السالفة الذكر من القانون الفرنسي أن العقد هو إتفاق وهناك فرق بين الاتفاق والعقد إذ العقد في المفهوم القضائي نوع خاص من الاتفاق ويعتبر الاتفاق جنسا والعقد نوعا، فالاتفاق لا يعد عقدا إلا إذا تولد منه موجب قانوني يمكن الزام الملتزم به بطريقة الدعوى أمام القضاء. ويمكن أن يقال أن العقد وليد الموجب الكامل "التام" أي المجهز بدعوى ويراد به إنشاء أو نقل حق ولا يراد به إنقضاء حق فالبيع عقد وعلى العكس من ذلك الوفاء هو إتفاق يقوم به المدين لتنفيذ تعهده، فثمرة الالتزام العقد وإلتقاء الإرادتين لغاية قانونية واحدة هو إتفاق. د. عبد الرزاق أحمد  السنهوري الوجيز في النظرية العامة للإلتزام ، ص 02 وما يليها.
 -[2] مسألة الفصل بين العقد والاتفاق، فمصطلح الاتفاق يعد اوسع نطاقا من العقد لدى بعض الفقه الفرنسي فضل استعمال مصطلح التعهد الذي يعد أضيق معنى من الاتفاق كالفقيه "جستيان" الذي عرفه بأنه: "تعهد أوتطابق للإرادات من أجل إنتاج أثر قانوني" ومصدر هذا الخلط كون الاتفاق قد يحصل بين الاطراف من غير أن ينتج أثار قانونية كالاتفاق على القيام بنزهة كما أن العقد يقتصر في الاصل على إنشاء الالتزام فحسب دون نقله أو تعديله. عبد القادر العرعاري. مصادر الالتزامات (الكتاب الأول) نظرية العقد، مكتبة دار الأمان، ط.2، 2005،  ص : 23
- التعريف ذو الاصل الاسلامي يمتاز بضابعه المادي إذ أن الفقهاء المسلمون يربطون العقد بالمعقود عليه و بالصيغة المنشأة له وهي الايجاب والقبول.
[3] إذا كان المفهوم التقليدي للعقد يقتصر على الدائن و المدين من حيث الالتزامات فإن هذا التعريف يمدد نطاق العقد إلى حالات الاتفاق على نقل الالتزام( كحوالة الحق من الدائن الاصلي إلى الدائن الجديد) أوتعديله (كحالة تجديد العقدالاصلي بعقد جديد أو اضافة شروط لم تكن في العقد الاولي) أو إنهائه (كالاتفاق على انهاء الالتزام قبل الاوان بالوفاء أو الاقالة أو غيرهما). عبد القادر العرعاري. مصادر الالتزامات (الكتاب الأول) نظرية العقد، مكتبة دار الأمان، ط.2، 2005،  ص : 42.
[4] عبد الرزاق السنهوري "الوسيط في شرح القانون المدني".
[5] الفصل 29 من ق. ل .ع. " من تقدم بإيجاب مع تحديد أجل للقبول بقي ملتزما تجاه الطرف الأخر إلى انصرام هذا الأجل، ويتحلل من إيجابه إذا لم يصله رد بالقبول خلال الأجل المحدد "
[6] نتيجة الانتقادات التي وجهت إلى نظرية العقد التمهيدي بوصفها الأساس القانوني للإيجاب الملزم، ذهب بعض الفقهاء الفرنسيين إلى أن الأساس القانوني للإيجاب الملزم هو المسؤولية التقصيرية، لأن الرجوع التعسفي عن الإيجاب يعد خطأ يستوجب المسؤولية التقصيرية وفق أحكام المادة 1382 من التقنين المدني الفرنسي.  ويعد الرجوع عن الإيجاب تعسفياً إذا لم يترك الموجب للموجه إليه الإيجاب مدة زمنية معقولة من أجل التفكير في قبوله، ومن ثم فإن الرجوع عن الإيجاب في مثل هذه الحال يعد تعسفاً في استعمال الحق، إذ إن مثل هذا الرجوع قد يسبب للموجه إليه الإيجاب ضرراً.
نص المادة 1382 من التقنين المدني الفرنسي باللغة الفرنسية هو الآتي:
((Tout fait quelconque de l'homme, qui cause à autrui un dommage, oblige celui par la faute duquel ilest  arrivé à le réparer)).
[7] د.عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المدني المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة – دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الإسلامي، 1984 .بند 98 ، ص 85 و 86
[8] أما النظرية الحديثة فقد سادت في ألمانيا( أمثال سيجيلء جاكوبيء كونتز) تقضي بأن الإرادة المنفردة تكفي كذلك لإنشاء التزام، وأخذت هذه النظرية تنازع العقد مركزه الذي تبوأه من قبل، فزعم أصحابها أن الآثار القانونية التي كانت مقصورة على توافق إرادتين يمكن أن تترتب إلا على العقد ، تترتب كذلك على الإرادة المنفردة وحدها.الشيخ علي الخفيف ، التصرف الانفرادي والإرادة المنفردة: بحث مقارن، القاهرة دار الفكر العربي ، سنة 2009 ، ص 56
[9] د فواز صالح، الإرادة المنفردة بوصفها مصدرا للالتزام دراسة مقارنة -مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية – المجلد 28 ـ العدد الأول ـ 2012 .ص145
[10] المذهب الحر الذي كان سائدا وقت صدور التقنين المدني الفرنسي في العام 1804
وقد وجهت عدة إنتقادات لهذا التصنيف الذي ورد  في مدونة نابليون من ذلك أنه قد إقتصر على العقد  دون غيره من التصرفات القانونية الأخرى كالإرادة المنفردة مثلا التي أصبحت لا تقل أهمية عن العقد لاتساع رقعة التصرفات الأحادية الطرف في الوقت الحاضر .الدكتورعبد القادر العرعاري– نظرية العقد مصادر الإلتزامات الكتاب الأول، الطبعة الثانية 2005. ص17،18
[11] قانون الالتزامات والعقود ظهير 9 رمضان 1331 ( 12 أغسطس 1913) صيغة محينة بتاريخ 19 بتاريخ 19 مارس 2015، الفصل الأول حيث ينص " تنشأ الالتزامات عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة وعن أشباه العقود وعن الجرائم وعن أشباه الجرائم"
[12] أنظرأيضا المادة 162 من قانون 08-31 المتعلق بمهام" الجامعة الوطنية للدفاع عن حقوق المستهلكين"
[13] الفقرة الأولى من المادة 25 من القانون 08-31 " كل وسيلة تستعمل لإبرام العقد بين المورد والمستهلك بدون حضورهما شخصيا في آن واحد"
[14]القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 129- 07-1 بتاريخ 30 نوفمبر 2007 ، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007 بالصفحة 3880
[15] .  على أنه ينبغي التنبيه إلى أن زمن التوصل برسالة القبول أو رسالة الإشعار يتحقق حينما يكون بإمكان الأطراف المرسل إليهم الولوج إليها (الفصل 5-65 ق.ل.ع مضاف). ولكن ينبغي فهم عبارة إمكانية الولوج بزمن دخول الرسالة نظام المعلومات للمرسل إليهم، وليس بتحقق الولوج فعلا بتحميل الرسالة وقراءتها، فهناك فرق بين إمكانية الولوج والولوج الفعلي. الدكتور مصطفى مالك أستاذ بكلية الحقوق مراكش. قراءة في القانون المغربي للتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.دون ذكر المرجع .
[16] وقد يختلط مفهوم حق الرجوع مع خيار الفسخ للعيب لكونهما ينهيان العلاقة التعاقدية بالإضافة إلى أنهما يخولان لطرف واحد هو المشتري والمستهلك، إلا أنهما يختلفان من حيث الأساس الذي يقومان عليه فإذا كان خيار الفسخ للعيب جزاء على عدم التزام البائع بإعلام المشتري بالعيوب الخفية للشيء موضوع التعاقد فإن حق الرجوع هو إمكانية قانونية أصلية منحها المشرع للمستهلك حتى ولو لم يكن هناك كتمان أو إخلال بأي التزام من طرف المورد أو المهني بالإضافة إلى أن الفسخ يمكن أن تنتج عنه مطالبة التعويض عكس الحق في التراجع.
[17] الفصل(601  ق. ل .ع) الذي نص على مايلي: "يسوغ أن يشترط في عقد البيع ثبوت الحق للمشتري أو للبائع في نقضه خلال مدة محددة، ويلزم أن يكون هذا الشرط صريحا، ويجوز الاتفاق عليه إما عند العقد وإما بعده في فصل إضافي".
[18] قرار رقم 7 بتاريخ 6 يناير 1982 قضاء المجلس الاعلى عدد 30 سنة 1982
[19] عبد الرحمان الشرقاوي : "قانون العقود المسماة الكتاب الأول العقود الناقلة للملكية عقد البيع "مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى نونبر   2011 ص :118
[20] من بعض صور عقود الوعد نجد :عقد الوعد ببيع شقة، وعقد الوعد بالإيجار، وعقد الوعد بالنشر، وعقد الوعد بالقرض، وعقد الوعد برهن رأسمال شركة وعقد الوعد بالإستشهار الرياضي وغيرها من العقود المدنية و التجارية.
[21] محمد شيلح : "مرشد الحيران الى الفهم المحمود بفك القيود عن نكت أحكام البيع المنضود في القانون المغربي للالتزامات والعقود، مطبعة انفوبرينت فاس، الطبعة الأولى ، ص : 81
[22] عبد الرحمان الشرقاوي : "قانون العقود المسماة الكتاب الأول العقود الناقلة للملكية عقد البيع "مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى نونبر 2011، ص 117
([23])-قانون رقم 44.00: نقد القانون رقم 44.00 بالظهير الشريف رقم 303-02-01 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق ل 3 أكتوبر 2002 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 07 نونبر 2002.
)-الدكتورعبد القادر العرعاري– نظرية العقد مصادر الإلتزامات الكتاب الأول، الطبعة الرابعة 2015.
[24]()- مجلة المحاكم المغربية العدد 143 – دجنبر 2013.
[25](Loi n° 67-3 du 3 Janvier 1967 concernant "la vente en l’état futur d’achèvement ". (Article 1601-1 et 1601-3) -

([26])
(1)-  حكم صادر عن ابتدائية تمارة بتاريخ 2006/12/21 تحت عدد 21/2006/107 رقم 28 غير منشور، جاء فيه: "حيث أن المدعي قد أوفى بالتزاماته وسدد المبالغ المتفق عليها المتعلقة بالشقة المذكورة ويكون بذلك محقا في مطالبة الطرف الآخر بإتمام إجراءات التفويت كالتزام واقع عليه..."
)- مجموعة من القرارات: المحكمة الإبتدائية بتمارة الصادرة عن محكمة النقض الإستئنافيةبالرباط.[28](
) - مجموعة من القرارات: المحكمة الإبتدائية بتمارة الصادرة عن محكمة النقض الإستئنافيةبالرباط.[29](
)- الدكتور عبد القادر العرعاري "الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة" الطبعة الثالثة 2011.[30](
)- قانون رقم 51.00 الذي نظمه المشرع بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 11 نونبر 2003. "الإيجار المفضي إلى تملك عقار".   
[31]()- الأستاذ القضاوي الطاهر " تعريف عقد الإيجار المفضي إلى تملك عقار ".[32](
([33])- عمر أوتيل، التوثيق العصري ودوره في استقرار المعاملات العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية.
(1)- إذا كان العقار موضوع الإيجار المفضي إلى تملك العقار خاضعا للقانون 00-18 المتعلق بالملكية المشتركة يضاف لزاما إلى العقد الإبتدائي نظير من نظام الملكية المشتركة والتصاميم المعمارية والطبوغرافية المصادق عليها من الجهات المختصة والتي تحدد الأجزاء المشتركة طبقا للمادتين 10 و 11 من القانون 00-18.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات