القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث حول موضوع الرعاية اللاحقة للسجناء

الرعاية اللاحقة للسجناء



مقدمة

  لا شك أنه في وقتنا المعاصر تعاني المجتمعات الحديثة من تنامي الظاهرة الإجرامية وتنوعها، الأمر  الذي فرض على الدول أن تعمل جاهدة على التصدي والحد من أثارها الوخيمة على المجتمع، وفي هذا الإطار تعددت السبل والوسائل، حيث اتخذت لها أشكال عدة،  منها ما هو وقائي، ومنها ما هو علاجي، وكل ذلك بطبيعة الحال بهدف التقليل من نسبة الجريمة ومكافحتها.
  ولما كانت العقوبة الجواب التقليدي للجريمة، انطلاقا من مفهوم الردع على مر العصور، فإنها محدودة في الزمان ( باستثناء عقوبة الإعدام )، وبالتالي من الطبيعي أن تنتهي بانتهاء المدة السجنية المقضي بها بجكم القانون.
   وحيت إن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ تستمر العقوبة إلى ما بعد الإفراج عن السجين نتيجة الرفض الذي يواجهه المفرج عنه من قبل المجتمع بصفة عامة، كان لابد من التفكير في ضرورة خلق آلية لمواجهة ذلك، أصطلح على تسميتها بالرعاية اللاحقة للمفرج عنهم.
  وتعرف الرعاية اللاحقة بأنها تقديم العون للمفرج عنه إما لإتمام برنامج التأهيل التي بدأت داخل المؤسسة العقابية أو بتدعيمها، ذلك أن المفرج عنه يواجه حياة اجتماعية مختلفة عن الحياة التي تعود عليها داخل السجن مما يعرضه لصعاب ومشاق لا بد لمواجهتها مساعدة وعون، ومن هنا جاء غرض الرعاية اللاحقة وهو غرض بدأ يتطور بتطور فلسفات العقاب واتجاهها نحو الإصلاح والتأهيل.
ويرجع الأساس الفكري لنظام الرعاية اللاحقة في أن كافة التأهيل تلك، في فلسفة العقاب الحديث لا تقف عند انتهاء لحظة العقاب، انطلاقا من أن الإفراج عن المتهم لا يعني شفاءه التام كما أنه لا يعني أنه أصبح مؤهلا ليعيش من غير معين داخل المجتمع، وكذلك انطلاقا من أن سبل التأهيل والإصلاح المختلفة التي أجريت فيما سبق على المحكوم عليه ستتعرض للضياع فيما لو ترك المحكوم عليه وشأنه أي دون متابعة ومن هنا جاءت فكرة الرعاية اللاحقة للمفرج عنه وذلك كله على خلاف السياسة العقابية القديمة التي كانت مهمة الدولة فيها تنتهي بانتهاء تنفيذ العقاب وذلك أيام كان الردع العام والعدالة هما الهدفان الوحيدان لفلسفة العقاب دون أن يكون للردع الخاص من دور في تنفيذ العقاب، لذا بدأت ملامح هذه الرعاية تتضح مع تطور فلسفات العقاب الحديث
  ولقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة لكثير من عمليات الرعاية اللاحقة التي تنادي بها الكثير من المنظمات الدولية الآن، حيث امتازت بالتنوع والشمولية تجاه كل من تم عقابه، فلقد كتب الفقهاء في قانون السجين أثناء وبعد فترة السجن، وتضمنت كتابتهم العديد من القواعد التي تصلح لأن تكون إطارا عاما للرعاية اللاحقة في الشريعة الإسلامية.
  ويمكن تحديد أحكام الرعاية اللاحقة في الشريعة الإسلامية فيما يلي:
- أنها تنظر للمجرم على أنه يمكن إصلاحه وتهذيبه، وتغيير سلوكه وتعديل انحرافه، ويمكن استنباط ذلك من قوله تعالي { ...إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...}؛
- تلزم الشريعة الإسلامية أفرادها التعامل مع من عوقب من المجرمين وفق واقعه الجديد، فهي تفرض فيه بعد العقاب، تطهيره من الذنب الذي إرتكبه، ويمكن تأصيل ذلك من حديث الرسول (ص): ‹‹ من أذنب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا فستر الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه›› - مسند الإمام أحمد
  غير أن الجوانب الرسمية المنظمة لفعاليات هذه الرعاية، لم تظهر إلا في أواسط القرن الميلادي المنصرم، وكان من أبرزها ما تضمنه قرار المؤتمر الدولي لمكافحة الجريمة ومعاملة المذنبين سنة 1955، المنعقد بجنيف برعاية هيئة الأمم المتحدة، حيث تضمن العديد من المقتضيات والقواعد المنظمة لعملية رعاية السجناء ما بعد الإفراج عنهم، ثم ما تلا ذلك من توصيات المؤتمر الدولي الثاني المنعقد بلندن سنة 1960، مع ما سبق ذلك من جهود على مستوي بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على سبيل المثال..
ولعل هذا الاعتراف الذي أقرت به المؤتمرات الدولية للرعاية اللاحقة للمفرج عنهم، لم يأت من فراغ وإنما لأهميتها البالغة على مستوي النظم العقابية، ودورها المكمل للعملية الإصلاحية للمجرم، حيث يمكن إجمال أهم النقط التي تبين أهمية الرعاية فيما يلي:
- العزلة التي عاشها السجين خلال فترة بقائه في المؤسسة العقابية، ذلك أنه غالبا ما يتأثر بمجتمع السجن بكل ما تحمله من أفكار وقيم جديدة ذات طابع سلبي، وهي ما تسمي لدي بعض الفقه.ب ( ثقافة السجين ).
- المتغيرات التي حدثت  في بيئة المفرج عنه الخارجية خلال فترة وجوده في المؤسسة السجنية، ومدي قدرته على التكيف معها بعد خروجه، كما أن السجين خلال فترة السجن لا شك أنه اكتسب العديد من القيم والأفكار بغض النظر عن سلبياتها أو إيجابياتها. إلا أن عملية الملائمة بين هذين المتغيرين اللذين حدثا في حياته ( ثقافة السجين والمتغيرات الخارجية )، تبرز أهمية الرعاية اللاحقة في حياة المفرج عنهم
- أن هناك علاقة وطيدة بين العودة إلى الجريمة وغياب رعاية لاحقة للسجناء ما بعد الإفراج عنهم، الأمر الذي دفع بعض الفقه إلى المناداة بضرورة تتبع  المفرج عنهم بغية مكافحة الظاهرة، معتبرا في ذلك أ، ما يمكن أن يقدم للمفرج عنهم من مساعدات ورعاية، من شأنه أن يدفع باندماج هؤلاء في الوسط الحر، وبالتالي تجنب رجوعهم إلى الجريمة مرة أخرى.
والمغرب شانه في ذلك شأن الأنظمة الجنائية الحديثة، إنخرط منذ أواخر القرن الماضي، في سياسة تأهيل وإعادة إدماج السجناء، وذلك من خلال الإصلاح العقابي لسنة 1999 ،  الذي تضمن مجموعة من المقتضيات الهامة في هذا الصدد، من جملتها ما يتعلق بالرعاية اللاحقة للمفرج عنهم. كما تم تأسيس مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء سنة 2002 ، بهدف دعم الجهود المبذولة في مجال اندماج المفرج عنهم في الوسط الحر، خصوصا في الجانب المتعلق بالاندماج المهني للمفرج عنهم، والذي يعتبر من الركائز الأساسية في رعاية السجناء ما بعد الإفراج عنهم.
وانطلاقا من كل ما تقدم فإننا ارتأينا أن نضع الإشكالية التالية: 
دور الرعاية اللاحقة في تأهيل وإعادة إدماج المفرج عنهم ؟
وعليه فإننا سوف نعالج هذا الموضوع وفق التصميم التالي:
 المبحث الأول: الإطار القانوني والنظري لنظام الرعاية اللاحقة
    المطلب الأول: الأساس القانوني للرعاية اللاحقة
   الفقرة الاولى: الرعاية اللاحقة للسجناء في المواثيق الدولية و القانون المقارن 
   الفقرة الثانية: الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم في القانون المغربي
   المطلب الثاني: التأطير النظري للرعاية اللاحقة
   الفقرة الأولى: صور الرعاية اللاحقة
   الفقرة الثانية: أنواع الرعاية اللاحقة
   الفقرة الثالثة: نطاق الرعاية اللاحقة
  المبحث الثاني: الهيئات المنوط بها مهمة الرعاية اللاحقة والإكراهات التي                           تواجهها
   المطلب الأول: الهيئات المنوط بها مهمة الرعاية اللاحقة
   الفقرة الأولى: مؤسسة محمد السادس كجهاز مشرف على رعاية السجناء قبل                                   وبعد الإفراج وشركائها
   الفقرة الثانية: برنامج إعادة الإدماج السوسيومهني لمؤسسة محمد السادس
   المطلب الثاني: المعيقات التي تواجه نظام الرعاية اللاحقة وسبل المعالجة      
   الفقرة لأولى : المعيقات 
   الفقرة الثانية: سبل المعالجة

.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات