المسؤولي الجنائية للموثق
المسؤولي الجنائية للموثق |
مقدمة
تعرف الحياة الاجتماعية والاقتصادية تطورا يوما بعد يوم، مما يؤدي إلى تزايد العلاقات بين أفراد المجتمع وتشعبها، وكلما ازدادت هذه العلاقات اتساعا وتداخلا، زادت إمكانية اصطدام مصالح الأفراد، مما قد يؤدي أحيانا إلى تعدي البعض على حقوق البعض الآخر ظلما وعدوانا بدون وجه حق، لهذا كان من الضروري البحث عن مؤسسة أو نظام قادر على حماية حقوق الأفراد، من خلال إضفاء الرسمية على تعاملاتهم واتفاقاتهم، ولاشك أن مؤسسة التوثيق خاصة في شقها العصري هي المؤهلة للعب هذا الدور، باعتبارها أحد أهم الأدوات القانونية لتنظيم المعاملات والعلاقات الاقتصادية بين أفراد المجتمع والمؤسسات، وضمان أكبر قدر ممكن من الثقة بين المتعاملين والمتعاقدين، كما أن مؤسسة التوثيق تشكل أداة فعالة في يد الدولة تمكنها من مراقبة المعاملات وتحصيل الضرائب والرسوم الجبائية المترتبة عنها والمستحقة لأفراد الخزينة العامة[1].
والتوثيق من أهم الوسائل التي تساهم في إثبات الحقوق يرجع إليها عند المنازعات لتبين الحق المدعى به، ولكي تكون الكتابة الموثقة حجة للاستدلال بها سواء في مواجهة الأطراف أوفي مواجهة الغير يجب أن تستوفي الشروط القانونية المنصوص عليها في القانون، كما يجب أن تسلم من العيوب المادية كالتشطيب، والتزوير والتهميش، والزيادات واختلاف الخطوط[2].
ولقد حرصت مختلف القوانين على توثيق المعاملات وإبعاد كل ما من شأنه أن يثير الأحقاد والنزاعات والخلافات وإفساد المعاملات بين الناس لأن هذه الأخيرة قد يطالها النسيان والتناسي والغفلة والشبهة، إذ أن توثيق هذه المعاملات يرفع كل ريبة ويبعد كل خلاف، والواقع يثبت أن الكثير من النزاعات والخصومات المطروحة على المحاكم، كان سببها عدم توثيق التصرفات، وتحديد الالتزامات[3] وسبب ذلك أن كثير من الناس يهملون أمر توثيق المعاملات فيحدث الخصام فيفقد أحدهم الحجية لفائدة الآخر فتضيعه الحقوق.
ويعتبر التوثيق من الأدوات الأساسية والضرورية في تطور الاقتصاد الوطني، وذلك لاعتماده على أحدث الطرق في عمليات توثيق العقود الاقتصادية، فالموثق طرف فعال في الحياة الاقتصادية للبلاد يساهم بقدراته وخبراته في تنوير الأفراد ونشر الثقافة القانونية، ورسم الثقة على معاملاتهم من خلال المحررات التي يحررها والتي تأخذ طابع الرسمية عند توفرها على الشروط القانونية بحيث تكون لها حجة قاطعة لا يطعن فيها إلى بالزور.
وتظهر الأهمية الاقتصادية لمؤسسة التوثيق في الحفاظ على الأموال وتقنين تداولها من جهة وتشجيع الاستثمار من جهة ثانية.
ولما كان الموثق يضطلع بمهام قانونية، فقد خصه المشرع المغربي بمكانة مميزة من حيث نظامه القانوني ووضع على عاتقه جملة من الالتزامات التي يتعين عليه القيام بها وإلا تعرض للمساءلة المدنية والتأديبية وكذا الجنائية في حال الإخلال به.
وسوف نقتصر في هذه الدراسة على المسؤولية الجنائية لما لها من أهمية، حيث تطرح هذه المسؤولية إشكالا محوريا يتمثل في مدى تنظيم المشرع المغربي لهذه المسؤولية؟ وهو إشكال تتفرع عنه مجموعة من الأسئلة أهمها مدى إمكانية مساءلة الموثق جنائيا عن بعض الأفعال التي قد تشكل إخلالا منه ببعض الإلتزامات؟ وما هو الأساس القانوني لهذه المسؤولية؟ وما هي أركانها؟ وأين يتجلى نطاق تطبيقها؟
وللإحاطة بكل هذه الأسئلة سوف نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين بحيث نتطرق للأحكام العامة للمسؤولية الجنائية للموثق (المبحث الاول) ونطاق تطبيقها (المبحث الثاني).
المبحث الأول: الأحكام العامة للمسؤولية الجنائية للموثق
بانظر إلى الدور الهام الذي يلعبه الموثق في تحقيق الأمن القانوني فإن أي إخلال يصدر عنه في هذا الباب يجعله عرضة للمسؤولية الجنائية متى توافرت أركانها وقبل أن نتطرق إلى هذه الأركان سوف نعرض لصفة الموثق أمام القانون الجنائي
المطلب الأول: صفة الموثق أمام القانون الجنائي
إن أهم ما يميز القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق مقارنة مع القانون القديم هو وما جاء في مادته الأولى، حين عرفت التوثيق بكونه مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في القانون المنظم لها. وبهذا التعريف يكون المشرع المغربي قد اسقط عن الموثق صفة الموظف العمومي التي نص عليها ظهير 25 يونيو 1925[4].
هذا القانون لم يتحدث أيضا عن الموثق كضابط عمومي "يمارس مهامه بصفة حرة وتحت رقابة القضاء كما تعرفه به اغلب القوانين وبناء عليه لا يمكن تعداده ضمن لائحة الموظفين، فإدراجه ضمنها أمر لا يستقيم من الناحية الإدارية، على اعتبار أن الفصل الثاني من النظام الأساسي للوظيفة العمومية[5]، يعطينها تعريفا دقيقا وضيقا لا يتناسب كليا ومهنة التوثيق، إذ يعتبر موظفا عموميا "كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة".
وبما أن الموظف لا يتقاضى راتبا من الخزينة العمومية للدولة، بل يأخذ أتعابا يحددها قانون تنظيمي خاص بالمهنة[6]، وبما انه لا يخضع عند تعيينه لإحدى الرتب الإدارية مثل ما هو معمول به في أسلاك الإدارة العمومية فلا يمكن اعتباره موظفا عمومياً.
ويلاحظ أن الموثق وإن كان يمارس فعلا عملا حرا في إطار مهنة حرة مما ينفي عنه صفة الموظف العمومي، فإن ذلك لا يمكن أن ينفي عنه صفة الضابط العمومي الذي يمكن تعريفه بأنه كل مهني يعمل وفقا لقرار من سلطات الدولة، ويتمتع بامتياز القيام بذلك العمل الذي يعتبر داخلا في نطاق المرفق العام[7].
فهناك مجموعة من الاعتبارات التي لا تنفي عنه صفة الضابط العمومي وهي كالتالي:
الموثق يحصل على اعتماده وختمه بعد موافقة وزارة العدل[8].
الموثق يتم تعيينه بقرار لرئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل بعد إبداء اللجنة المكلفة بالتعيينات رأيها في الموضوع[9].
الموثق ملزم بأداء اليمين قبل الشروع في عمله[10].
الموثق ملزم بالمحافظة على السر المهني[11].
ولهذه الاعتبارات كان على المشرع ألا يغفل "صفة ضابط عمومي" التي يجب أن يتمتع بها الموثق. أما في إطار القانون الجنائي فإن المشرع لم يأخذ بالتعريف الضيق الوارد في النظام الأساسي للوظيفة العمومية، بل اقر تعريفا موسعا للموظف العمومي، وهكذا نص الفصل 224 منه على أنه "يعد موظفا عموميا، لتطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كانت صفته يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية، له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها.
وتبعا لذلك فإن كل من يعتبر موظفا عموميا في القانون الإداري هو كذلك في القانون الجنائي.
وبهذا التعريف الموسع الوارد في القانون الجنائي، يستطيع القاضي الزجري أن يلبس صفة الموظف العمومي للموثق في حالة ارتكابه لجريمة تستوجب المتابعة الجنائية، شأنه في ذلك كل من يمارس عملا تابعا للمؤسسات الخاصة التي يمكن تكييف نشاطها بأنه دو نفع عام على الرغم من أنه لا يتقاضى أجره من قبل الدولة وبالرغم من أنه يخضع في علاقته مع مستخدميه لأحكام القانون الخاص[12].
إن هذا المعيار الذي يتبناه المشرع المغربي والمتمثل في تعميم تطبيق القانون الجنائي على كل شخص يعمل باسم الدولة أو لحسابها أو ليساهم بعمله في خدمتها، وذلك حتى لا يسلم مرتكب الجريمة من القانون الجنائي، ويهدف من وراء ذلك الحفاظ على المصالح الجوهرية للمجتمع[13].
إن القانون الجديد الذي أسقط بشكل صريح صفة الموظف العمومي من التعريف الذي أعطاه للموثق، وأكد على صفة هذا الأخير أمام القانون الجنائي من خلال المادة 921 التي تنص على أن الموثق يتمتع أثناء مزاولته مهامه أو بسبب قيامه بها بالحماية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 263 و267 من ق.ج.
المطلب الثاني: أساس المسؤولية الجنائية وأركانها
يعتبر أساس المسؤولية الجنائية للموثق من المسائل التي اختلف الفقه في شأنها ( الفقرة الأولى) غير أن هذه السؤولية تقوم على مجموعة من الأركان (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أساس المسؤولية الجنائية
يوجد في هذا الصدد مذهبان :الأول تقليدي يبني المسؤولية على أساس حرية الإنسان في الإختيار فكل إنسان بالغ عاقل ييستطيع التمييز بين المباح والمحظور، كما يستطيع التحكم في سلوكه، فلى يأتي من الأفعال إلا ما يريد ولهذا فإنه ينبغي أن يسأل عما وقع منه وأن يتحمل تبعته، أما إن كان مرتكب الفعل أو الترك أتناءه غير مدرك أو فاقد للتمييز، فلا يمكن مساءلته جنائيا لأنه غير مخطئ و بالتالي غير مسؤول أخلاقيا.
أما المذهب الثاني فإن أصحابه ينكرون دور الإرادة في قيام الجريمة واعتبرو الجريمة مسلمة من مسلماتهم لأن الشخص يساق إلى الجريمة بسبب عوامل أو ظروف إما أن تكون عائدة إليه (عوامل خلقية) أو أن المجتمع هو الذي فرضها عليه (ظروف إقتصادية).
وبهذا الخصوص يقول جارو فالو أحد أقطاب هذا الإتجاه (لا تستطيع ألعقاب أن تبني قانونا على أساس المسؤولية الأخلاقية فإرادة الفرد تخضع على الدوام لمؤترات داخلية وخارجية).
هذا عن الإختلاف بين المدارس الفقهية في تأسيس المسؤولة الجنائية بين بنائها على أساس الخطأ، وبين إقامتها على أساس المسؤولية الإجتماعية التي تعني تمكين المجتمع من حقه في حفظ سلامته و أمنه، فما موقف القوانين الجنائية؟
المبدأ في القوانين الجنائية المقارنة كما هو الحال في التشريع المغربي هو إقامة المسؤولية الجنائية على أساس الخطأ، بحيث نجدها تشترط لمساءلة الجنائية أن يكون الإنسان مميزا ومدركا للأفعال التي يقوم بها وأن يكون كامل الإرادة أي مختارا لها غير مكره أو مجبر على إتيانها.[14]
وتتجلى المسؤولية الجنائية للموثق في أنه لا يجوز إدانته إلا إذا قرر المشرع في نص جنائي صريح تجريم إتيانه أو تركه والعقاب عليه، وهو ما يعرف بمبدأ "لا مسؤولية بدون خطأ" ومبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص "[15]، أو بسبب خرقه للأحكام التي تقررها هذه القواعد.
والأصل في القانون الجنائي أن المسؤولية شخصية حيث لا يسأل عن فعل إجرامي إلا من ارتكبه أو ساهم مساهمة مباشرة في ارتكابه أو يشارك فيها بالفعل أو بالترك، أو يرتكبها من هم تحت عهدته أو مسؤوليته فيتسبب ذلك في إلحاق ضرر مادي او معنوي بآخرين أو بالحق العام أو المجتمع[16].
الفقرة الثانية: أركان المسؤولية الجنائية للموثق
بالرجوع إلى طبيعة مهنة الموثق نجد على أنه من الممكن أن تصدر عنه مجموعة من الأخطاء المختلفة، وهذه الأخيرة ما هي إلا نتيجة لمخالفة الموثق لقاعدة قانونية آمرة بمناسبة تأديته لمهنة يعاقب عليها جنائياً[17].
وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ الجنائي للموثق غالبا ما يكون مصدره إخلال هذا الأخير بأحد التزاماته المهنية المنصوص عليها وفق مقتضيات قانون 32.09 والذي ينقسم إلى نوعين خطأ عمدي وآخر غير عمدي.
أولا: الركن القانوني:
هوذلك الركن الذي يضفي الصفة الإجرامية أو الصفة غير المشروعة على سلوك أو نشاط الموثق الإيجابي أو السلبي ولا يتصف سلوكه بهذه الصفة إلى في الحالات التالية:
الحالة الأولى: خضوعه لنص قانوني يجرمه ويعاقب عليه القانون[18].
الحالة الثانية: انتفاء سبب من أسباب التبرير والإباحة، لأن انتفاء أسباب التبرير أو الإباحة شرط لابد منه لكي يظل سلوك الموثق المحظور محتفظا بالصفة الإجرامية أو غير المشروعة التي أضفاها عليه نص التجريم[19].
ولهذا فإن هذان الأمران من أهم الضمانات للأمن والحرية الفردية فالشرعية بنص القانون تشكل صمام الأمان ضد تعسف السلطة وتحكمها.
ثانيا: الركن المادي:
وهو فعل ظاهري يبرز الجريمة إلى حيز الوجود ويعطيها وجودها وكيانها في الخارج، أي أن النشاط أو السلوك الإيجابي أو السلبي الذي تبرز به الجريمة إلى العالم الخارجي، فتكون بذلك اعتداء على الحقوق أو المصالح أو القيم التي يحرص الشارع على صيانتها أو مايتها[20] ونجد على أن لهذا الركن ثلاثة عناصر وهي: السلوك، النتيجة الإجرامية، ثم العلاقة السببية.
1-السلوك
وهو القيام بفعل أو الامتناع عن القيام بفعل يجرمه القانون"[21]، ولمعرفة مضمون السلوك الإجرامي لابد من التمييز بين صورتين من صور السلوك هما:
السلوك الإيجابي: وهو كيان مادي ملموس أو محسوس ويتمثل في ما يصدر عن الشخص من حركات لأعضاء جسمه ابتغاء تحقيق أثار مادية معينة[22].
ولقيام المسؤولية الجنائية للموثق لابد أن تتوفر هذه الأخيرة على ثلاثة أركان جوهرية وهي الركن القانوني، الركن المادي، ثم الركن المعنوي.
السلوك السلبي: وهو الامتناع الإرادي عن القيام بحركة عضوية أو عضلية يوجب القانون القيام بها في وقت أو ظرف معين، وكان الموثق الممتنع قادرا على القيام بالنشاط المطلوب منه، ومكلفا قانونا بالقيام به ويترتب على تخلفها أثارا قانونية.
2-النتيجة الإجرامية
هي الأثر الخارجي المترتب على السلوك، الذي يتمثل في اعتداء الموثق على حق أو مصلحة يحميها القانون[23] ولهذه النتيجة مدلولان مدلول مادي وهو عبارة عن التغيير الذي يحدث للعالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي والمدلول القانوني وهو الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون سواء أدى هذا الاعتداء إلى الإضرار بالمصلحة المعتدى عليها أم تهديدها فقط.
3-العلاقة السببية
يجب أن يكون الفعل المرتكب من قبل الموثق هو سبب حدوث النتيجة سواء أكان فعلا إيجابيا أم امتناعا ويجب أن تكون هذه النتيجة ناشئة عن ذلك الفعل ويرتبطان ارتباط السبب بالمسبب[24].
1- الركن المعنوي
يتجلى الركن المعنوي للجريمة في القصد الذي يتجسد في اتجاه إرادة الموثق إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها بقصد تحقيق النتيجة الإجرامية وتتخذ الإرادة الجنائية إحدى الصورتين الأولى القصد والثانية وهي الخطأ.
أ- القصد الجنائي:
وهو اتجاه إرادة الموثق إلى القيام بالنشاط الإجرامي وإحداث النتيجة المترتبة على هذا النشاط الذي قام به وانصراف إرادته إلى ارتكاب الجريمة مع توفر العلم لديه بكافة الشروط والعناصر القانونية[25].
وتجدر الإشارة أن للقصد الجنائي عنصرين وهما الإرادة والعلم وله أيضا عدة أشكال وصور كالقصد المباشر وقد يكون قصدا احتماليا وقد يكون قصدا عاما أو خاص.
ب- الخطأ:
عرف بعض الفقه الخطأ الغير المقصود بأنه "إخلال – الموثق – بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون سواء اتخذت صورة الإهمال أم قلة الاحتراز أم عدم مراعاة الشرائع والأنظمة وعدم حيلولتها تبعا لذلك دون أن يخص تصرفه إلى إحداث النتيجة الإجرامية، ولم يكن بتوقعها في حين كان ذلك باستطاعته ومن واجبه أن يتوقعها، أو توقعها ولكنه حس أنه بإمكانه اجتنابها".
ويتخذ الخطأ ثلاثة صور وهي الإهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والأنظمة.
المبحث الثاني: تطبيقات المسؤولية الجنائية على بعض أفعال الموثق
إن قيام المسؤولية الجنائية يستوجب إرتكاب الموثق لخطأ أثناء ممارسته لمهنته يعاقب عليه بمقتضئ القانون الجنائي( المطلب الأول) أو القواننين المكملة له (المطلب الثاني) ذلك ان المبدأ يقتضي أن المسؤولية الجنائية لا تتم إثارتها إلا بموجود الخطأ التوثيقي الجزائي وهو إما عمدي أو غير عمدي
المطلب الأول الجرائم العامة المنصوص عليها القانون الجنائي
لقيام المسؤولية الجنائية يستوجب ارتكاب الموثق لخطأ أثناء ممارسته لمهنته يعاقب عليه بمقتضى القانون الجنائي أو القوانين المكملة له، ذلك أن المبدأ يقتضي أن المسؤولية الجنائية لا تتم إثارتها إلا بوجود الخطأ التوثيقي الجنائي، هذا الخطأ يمكن أن يحصر في نوعين: "الخطأ العمدي والخطأ الغير العمدي"، فالأول يتمثل في كل الأفعال الإجرامية التي يرتكبها الموثق عن بينة واختيار ولقد أورد القانون الجنائي مجموعة من هذه الجرائم التي تستوجب المسؤولية الجنائية كالتزوير والاختلاس والرشوة والغدر وغيرها، أما الثاني فيتمثل ذلك في الخطأ الذي يرتكبه الموثق والذي ينتج عنه ضرر لكن دون نية إحداثه ويكون ذلك غالبا نتيجة إهمال وسنتطرق في هذا المطلب إلى جريمة الاختلاس والغدر (فقرة أولى) وجريمة النصب والرشوة (فقرة ثانية) وأخيرا جريمة التزوير وخيانة الأمانة (فقرة ثالثة).
الفقرة الأولى: جريمة الاختلاس وجريمة الغدر
إن قيام المسؤولية الجنائية يستوجب توافر أركان الجريمة كما هو منصوص عليها في القانون الجنائي، وتتمثل في الأركان العامة لمختلف أنواع (الجريمة) الجرائم، من ركن شرعي وركن مادي وركن معنوي، بالإضافة إلى الأركان الخاصة التي تختلف من جريمة إلى أخرى، وذلك كصفة الموظف التي يصبغها القانون الجنائي على الموثق في حالة ارتكابه لجريمة تستوجب المسؤولية الجنائية.
أولاً: جريمة الإختلاس
تعرض المشرع المغربي في الفرع الثالث من القانون الجنائي المعنون بـ "الاختلاس والغدر الذي يرتكبه الموظفون" يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشرين سنة وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها حججا أو عقود أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفة أو بسببها[26].
وبالتمعن في هذا الفصل يتضح أن المشرع المغربي لم يعمل على تعريف الاختلاس كما فعل بالنسبة لجريمة التزوير، وإنما عمد فقط إلى ذكر صور الاختلاس ووصفا للأشخاص المرتكبين له وكذلك طبيعة المال المختلس، ومنه يمكن القول بأن أركان جريمة الاختلاس هي ثلاثة:
الركن المتعلق بصفة الجاني: يتمثل في كون مرتكب الجريمة يجب أن يكون موظفا عموميا وفق المفهوم الذي حددته المادة 224 من القانون الجنائي لكي تنطبق عليه أحكام الفصل المذكور.
الركن المادي: يتمثل في نشاط الجاني الموظف الذي قد يكون إما اختلاسا أو تبديدا أو احتجازا أو اختفاء لمال عام[27] بدون وجه حق.
ولكي يكتمل هذا الركن لابد أن يقع فعل الاختلاس على الأموال وهو يستوي أن يكون المال عاماً أو خاصاً وجد في حيازة الموظف بسبب وظيفته حيازة ناقصة، على أن علة التجريم في مثل هذه الجريمة ليست هي حماية الأموال بل حماية الثقة التي يضعها الجمهور في المرفق، والتي يزعزعها استيلاء موظف خائفا على مال سلمه مالكه له ثقة فيه وفي المرفق الذي يعمل باسمه[28].
وتجدر الإشارة إلى أن مقتضيات الفصل 241 لا تطبق بمجرد وجود المال وحيازة الموظف بل لابد من أن تكون الحيازة بسبب وظيفته وأثناء ممارسته لها.
الركن المعنوي: يتمثل في كون جريمة الاختلاس لا تقوم بمجرد توفر الركنين الأولين بل لابد من وجود القصد الجنائي العام والخاص، وتبعا لذلك فإن الموظف أو من في حكمه كالموثق، عليه أن يعلم بأن الأشياء المختلسة هي مملوكة للغير وأنها دخلت حيازته بسب وظيفته، كما يشترط بالإضافة إلى ذلك أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على المال والتصرف فيه تصرف المالك إما بحيازته لنفسه أو بنقل حيازته للغير. وفيما يتعلق بالعقوبة فإن المشرع المغربي تدرج في التحديد على أساس القيمة المادية للمال المختلس، فإذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المخفاة تساوي أو تزيد عن 100 ألف درهم فإن الجريمة تعد جناية يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشرين سنة وغرامة من ألف وخمسمائة إلى مائة ألف درهم أما إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة تقل عن مائة ألف درهم فإن العقوبة هي الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من ألفي درهم إلى خمسين ألف درهم[29].
ثانيا: جريمة الغدر
ينص الفصل 243 على أنه "يعد مرتكبا للغدر ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أو أمر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق سواء للإدارة العامة أو للأفراد الذي يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة تضاعف العقوبة إذا كان المبلغ يفوق 100 ألف درهم[30].
إن هذه الجريمة تنطوي على عبث الموظف ومن في حكمه وإخلاله بالثقة والاعتداء على واجبات وظيفته فالهدف من وضع هذا الفصل يتمثل في حماية الثقة في الدولة ومرافقها، والتي تهتز حينما يستغل بعض العامل باسمها سلطاتهم للإلزام الأفراد بما لا يلزمهم به القانون[31].
وبالنظر إلى مهام الموثق – كما اشرنا سلفا – فمن مهامه القيام بتحصيل الرسوم المستحقة لفائدة الدولة فإن هذه الجريمة تعتبر مرتكبة عندما يقوم الموثق بالمطالبة برسوم غير تلك التي يفرضها القانون أو بأتعاب تفوق تلك التي يقررها القانون.
ولقيام جريمة الغدر لابد من توافر الأركان التالية:
الركن الخاص: يتمثل في صفة الجاني، بحيث يتعين أن يكون من الموظفين العموميين أو من في حكمهم وأن يكون له دور في تحصيل الرسوم وفقا لأحكام القانون بنفسه أو بواسطة غيره متى كان له دور فيه كالإشراف وانطلاقا من هذا فإن الموظف الذي لا يعد من اختصاصه استخلاص مثل تلك الرسوم، فإن ما يطلبه أو يأخذه يشكل جريمة نصب[32].
الركن المادي: يتحقق هذا الركن عندما يقوم الجاني بنشاط إجرامي يتمثل في طلب أو تلقي أو فرض الأمر بتحصيل رسوم أو من في حكمها بطريقة مشروعة، كأن تكون تلك الرسوم غير مستحقة بالمطلق أو أن يتجاوز ما هو مستحق وذلك أن يطلب الموثق مبلغا من المال على أساس أنه من مستحقات التسجيل في حين أن ذلك المبلغ يفوق ما هو مطلوب من الناحية القانونية[33].
الركن المعنوي: جريمة الغدر من الجرائم العمدية التي تستلزم توافر القصد الجنائي فالجاني يجب أن يعلم بأن المبلغ الذي يطلبه أو يتلقاه غير مستحق أو على ما هو مستحق والقانون لا يلتفت إلى الباعث الذي حمل الجاني على هذا الفعل، وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجديد المنظم لمهنة التوثيق فيه إشارة إلى الجريمة، فبعد أن أشار المشرع إلى أن أتعاب الموثق تحدد بنص تنظيمي[34] أكد أن الموثق لا يحق له أن يتقاضاه أكثر من أتعابه أو مما أداه عن الأطراف وفي حالة مخالفته لذلك فإنه سيعرض نفسه للمتابعة التأديبية والزجرية[35].
الفقرة الثانية: جريمة النصب وجريمة الرشوة
أولاً: جريمة النصب
جريمة النصب كالسرقة من الجرائم التي تتوصل بها الفاعل إلى الاستيلاء على أموال المجني عليه والخلاف بينهما يكمن فقط في أن الجانب في السرقة يقوم بالاستيلاء على الشيء أو المال بدون رضا المجني عليه، في حين أن النصاب يستولي على المال موضوع الجريمة برضا المجني عليه الذي يسلمه إليه ولكن باستعمال الحيلة والخداع والمكر[36].
وينص الفصل 540 من القانون الجنائي على أنه "يعد مرتكبا لجريمة النصب ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر[37].
وترفع عقوبة الحبس إلى الضعف والحد الأقصى للغرامة إلى مائة ألف درهم إذا كان مرتكب الجريمة أحد الأشخاص الذين استعانوا بالجمهور في إصدار أسهم أو سندات أو أذونات أو حصص أو أي أوراق مالية أخرى متعلق بشركة أو مؤسسة تجارية أو صناعية".
من خلال هذا الفصل يتضح أن جريمة النصب تعني التوصل إلى الاستيلاء على مال الغير عن طريق استعمال وسائل الخداع والاحتيال ولتكتمل هذه الجريمة لابد من توافر أركانها الأساسية الأخرى من فعل مادي وقصد جنائي.
الركن المادي: اعتماداً على الفصل 540 من ق ج فإن الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في ثلاثة:
1. نشاط (إيجابي أو سلبي) يتمثل في إتيان الجاني "الاحتيال" بالوسائل التي حددها الفصل 540 من القانون الجنائي.
2. نتيجة إجرامية[38] تتمثل في جر الضحية إلى القيام بعمل يضر بمصالحها أو مصالح غيرها من طرف الجاني وبغرض من جلب مصلحة مالية لهذا الأخير أو أي كان.
3. وجود علاقة سببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة.
الركن المعنوي: مادامت جريمة النصب من الجرائم العمدية فإنها لا تقوم إلا إذا توافر لدى الجاني القصد الجنائي وهذا القصد لا يتوافر إلا إذا كان الفاعل عالما بأنه يستعمل وسائل احتيالية من شأنها تغليط المجني عليه ودفعه إلى المساس بمصالحه أو مصالح غيره المالية ويترتب على ذلك أنه استعمل الشخص الوسائل السابقة عن حسن نية كأن يكون هو نفسه معتقدا صحتها إما تلقائيا، وإما نتيجة لتغليطه من طرف الغير، فإن القصد الجنائي لديه يكون منفيا نهائيا[39]، ومن الأمثلة على ذلك تأكيد مالك بقعة أرضية بأن هذه الأخيرة صالحة للإقامة بناء معين عليها ويعزز ذلك بإظهار الخرائط ودراسات للمشروع المصادق عليه من طرف السلطات العمومية المختصة، في حين تكون تلك البقعة من الأرض تقرر اعتبارها منطقة خضراء لا يجوز إقامة البناء عليها بقرار بلدي لاحق ودون أن يكون المالك عالما به[40].
ثانيا، جريمة الرشوة
عرف بعض الفقه الرشوة بوجه عام بأنها "الاتجار بأعمال الوظيفة أو الخدمة أو استغلالها وذلك بأن يطلب الجاني أو يقبل أو يحصل على عطية أو وعد بها أو أية منفعة أخرى أداء عمل من أعمال وظيفة أو الامتناع عنه".
وقد نص المشر ع على هذه الجريمة في الفصل 248 من مجموعة القانون الجنائي[41] والتي نستشف من خلالها أركان هذه الجريمة وهي:
· صفة المرتشي: ويقتضي أن يكون موظفا عموميا أو قاضيا أو محلفا أو ما شابهه وإما مستخدما أو عاملا أو موكل بأجر أو بمقابل[42].
· طلب أو قبول (عطية أو هدية أو أية منفعة أخرى).
· اتجاه إرادة الموظف إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بها (القصد العام)
والسؤال الذي يثار في هذا السياق هل تمتد أحكام الرشوة إلى الموثق رغم تحرير المهنة في إطار قانون رقم 32.09؟
للإجابة على هذا التساؤل ينبغي تحديد مفهوم الموظف في القانون الإداري وكذلك في القانون الجنائي، إذ يختلف المفهوم فيهما فنجد أنه في القانون الإداري يركز اهتمامه على الوضع القانوني للموظف داخل الجهاز الإداري مما يستوجب الاهتمام بصحة وقانونية العلاقة التي تربطه بالدولة، أما القانون الجنائي فإنه يركز على اعتبارات أخرى في جريمة الرشوة تقتضيها نزاهة الوظيفة وحماية المتعاملين ولذلك يعتبر كل من يواجه العموم باسم الدولة أو لحسابه – ولو كان له قدر ضئيل من السلطة – هو موظف عام ولو شاب علاقته بالدولة بعض العيوب[43] وفي هذا السياق نشير إلى أن المادة 1 من قانون 32.09 حسمت في تعريف مهنة الموثق التوثيق واعتبرتها مهنة حرة[44] ولكن البعض من لا يعتبر موظفا عاما في القانون الإداري قد يعتبر موظفا عاما في القانون الجنائي.
وخاصة أن الاجتهاد القضائي الفرنسي قضى بوجوب أخذ عبارة الموظف العمومي بمفهومها الأوسع، مع حصرها في المواطنين الذين يتمتعون بقسط ولو ضئيل من السلطة العمومية، أي أولئك الذين يتولون وكالة عمومية سواء عن طريق انتخاب شرعي أو بمقتضى تفويض من السلطة العامة[45].
وبالتالي وبحكم أن الموثق هو شخص يتولى مهنة بمقتضى قرار وتفويض من السلطات العمومية التي خولت له البعض من سلطاتها ليمارسها لحسابه الخاص، فإنه لا يوجد ما يمنع من أن يكون محلا للمسائلة الجنائية بتهمة الرشوة السلبية[46].
الفقرة الثالثة: جريمة التزوير وخيانة الأمانة
لقد عرف المشرع المغربي التزوير بأنه كل تغيير الحقيقة يرتكب بسوء نية ويسبب ضررا للغير، ويكون بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون[47] أما بالنسبة لجريمة خيانة الأمانة وحسب الفصل 547 من القانون الجنائي[48] يعد خائنا للأمانة من اختلى أو بدد بسوء نية، إضراراً بالمالك أو واضع اليد أو الحائز، نقدا أو بضائع أو سندات أو وصولات أو أوراقا من أي نوع تتضمن أو تنشئ التزاما أو إبراء كانت سلمت إليه أن يردها".
أولاً: جريمة التزوير
يعد التعريف الذي سبق وأن اشرنا إليه في التقديم قاصرا بالمقارنة مع التعريف الوارد في القانون الجنائي الفرنسي، والذي يعرف بمقتضيات التزوير بمقتضاه كل تغير احتيالي للحقيقة من شأنه إحداث ضرر، ويتم بأية وسيلة كانت تقع على محرر أو أي دعامة للتعبير عن الأفكار يكون موضوعها أو يكون من أثارها إقامة الدليل على حق أو واقعة ذات نتائج قانونية[49].
والهدف من تجريم التزوير الذي يرتكبه الموثق ليس فقط الحيلولة دون تغيير الحقيقة كفكرة مجردة بل إن الهدف أسمى من ذلك إنه تحقيق الأمن القانوني للأطراف عن طريق حماية أدلة الإثبات المتمثلة في العقود ومختلف المحررات التي ينجزها الموثقون[50].
ولتكون جريمة التزوير لابد لها من ثلاثة أركان:
الركن الخاص: وهو صفة الفاعل فلكي تنطبق فصول القانون الجنائي على الجريمة الواردة في الفصلين 352 و353[51] يجب أن يكون الفاعل موظفا عموميا قاضيا أو موثقا أو من العدول وذلك أثناء قيامه بوظيفته والملاحظ هنا أن المشرع المغربي ذكر الموثق بصورة صريحة بخصوص هذه الجريمة.
الركن المادي: يتمثل في تغيير الحقيقة في ورقة بإحدى الطرق المنصوص عليها في القانون ويجب أن يتم هذا التزوير في الأوراق الرسمية وهذا الشرط وإن تم إدراجه في القانون الجنائي إلا أنه يستفاد من عنوان الفرع الثالث من القانون الجنائي المغربي في تزوير الأوراق الرسمية أو العمومية.
إن التزوير الذي يهمنا هو ذلك الذي يرتكبه الموثق أثناء مزاولته لمهام التوثيق وفق الضوابط التي نص عليها القانون وأن يقع بإحدى الطرق المنصوص عليها في الفصلين المشار إليهما سلفا، وتبعا لذلك يمكن القول بأن التزوير الذي يرتكبه الموثق أثناء تأديبه لوظيفة يمكن أن يكون إما تزويرا ماديا أو معنويا.
على أن التزوير المادي هو الذي يعينه المشرع المغربي والذي بين الوسائل التي يمكن أن يقع بها هذا النوع من التزوير وقد حصرها في أربع[52]:
وضع توقيعات مزورة
تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع[53].
وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين
كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية بعد تحريرها أو اختتامها.
أما التزوير المعنوي فأشار إليه المشرع في الفصل 353[54]، وهو يتحدث أثناء تحرير العقود من قبل الموثق، بغرض إحداث تغيير في جوهرها أو في ظروف تحريرها ويتم ذلك:
بكتابة اتفاقيات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنيون
أو بإثبات وقائع يعلم أنها غير صحيحة
أو بإثبات وقائع غير صحيحة على أساس أنه اعتراف بها لديه أو حدثت أمامه.
أو بحذف أو تغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها[55].
الركن المعنوي: التزوير من الجرائم العمدية ولذلك يتعين توافر القصد الجنائي فيها، وقد نص المشرع على ذلك في الفصل 351[56] عندما اعتبر التزوير بمثابة تغير للحقيق بسوء نية، ولكي تكتمل هذه الجريمة لابد أن يتوفر كل من القصد الجنائي العام والخاص. فالمتعارف عليه أن القصد العام في مثل هذه الجرائم يتحقق بتوجيه الجاني إرادته إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم بحقيقة هذه الوقائع، ففي هذه الجريمة يتحقق القصد الجنائي العام بقيام الموثق بتغيير حقيقة ورقة مع إدراكه بحقيقة عمله من الناحية الواقعية أما القصد الجنائي الخاص فلا يتحقق بتوافر نية الإضرار بالغير وإنما فقط بمجرد توافر سوء النية.
باستعراض لمختلف مقتضيات هذه الجريمة يمكن القول بأنها تتحقق بمجرد القيام بفعل التزوير بإحدى الطرق المنصوص عليها ولو لم يحدث ضررا مباشرا للغير ذلك أن تعبير المشرع واضح (من شأنه إحداث ضرر)، مما يعني أن متابعة الجاني يجب أن تتم بمجرد اكتشاف التزوير لأن مجرد القيام به يعتبر في حد ذاته جريمة، وقد شدد المشرع من العقوبة الخاصة بالتزوير التي يرتكبها الموثقون أو من في شاكلتهم حيث جعل العقوبة هي السجن المؤبد[57].
ثانياً: جريمة خيانة الأمانة
لعل من أهم وظائف الموثق اعتباره بمثابة مودع مالي للأطراف، وبهذه الصفة يتسلم الأموال لمدة معينة وبشروط محددة في القانون إلى حين تسليمها إلى طرف أو أطراف معينة[58]، وقد سبق وأن تطرقنا إلى تعريف جريمة خيانة الأمانة حسب الفصل 547 بقوله من " اختلس أو بدد بسوء نية، إضرار بالمالك أو واضع اليد أو الحائز، أمتعة أو نقودا أو بضائع أو سندات أو وصولات أو أوراق من أي نوع تتضمن أو تنشئ التزاما لها أو استخدمها لغرض معين، يعد خائنا للأمانة ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم"[59].
وإذا كان الضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة، كانت عقوبة الحبس من شهر إلى سنتين والغرامة من مائتين وخمسين درهما مع عدمن الإخلال بتطبيق الظروف المشددة المقررة في الفصلين 549 و550".
انطلاقا من هذا الفصل فإن جريمة خيانة الأمانة تستلزم بدورها توافر الركن المادي والقصد الجنائي.
الركن المادي: هو الفعل المادي المتمثل في تسلم الأموال أو المستندات أو غيرها من قبل الموثق ثم القيام باختلاسها أو تبديدها فيما بعد.
القصد الجنائي: يتمثل في توجيه الجاني نشاطه الإجرامي إلى تنفيذ الواقعة الإجرامية مع العلم بحقيقتها من الناحية الواقعية، مما يعني أن الجاني يدرك أن الأموال أو الأوراق التي يقوم تبديدها أو اختلاسها مملوكة للغير وأنه مؤتمن عليها، وهذا هو القصد العام. أما القصد الخاص فيتمثل في نية التملك وبهذا الخصوص هناك اختلاف بين الفقهاء حول ضرورة توفره من عدمه، فإذا كان أغلب الفقهاء يشددون على ضرورة توفره فإن بعضهم يقول بعدم ضرورته[60] على اعتبار أن نية التملك يصعب إثباتها في بعض حالات خيانة الأمانة كما يف حالة إتلاف المنقول أو استهلاكه.
إن الضرر اللازم لقيام جريمة خيانة الأمانة يتمثل في فعل الاختلاس وذلك إضرار بالمالك والضرر المقصود هنا هو الضرر الواقع فعلا أو اللاحق أو المتوقع وقوعه، والضرر هنا يستوي أن يكون ماديا يتمثل في قيمة الأشياء التي لها قيمة نقدية أو معنوي بالنسبة للتي يكون فيها للمنقول المختلسين قيمة معنوية[61].
ومن خلال التمعن في مقتضيات هذه الجريمة يلاحظ أن المشرع المغربي لم يذكر صفة الموثق أثناء تعداده للصفات التي جعلها المشرع المغربي مشددا للعقوبة يغير من الوصف القانوني للجريمة من جنحة إلى جناية[62].
فالقانون الجنائي شدد عقوبة خيانة الأمانة في حالة ارتكابها من قبل بعض الأشخاص لصفتهم المرتبطة بالمهنة التي يزاولونها، بحيث يشدد العقوبة ضد كل من يدخل في اختصاصه سلم الأموال على سبيل الوديعة كالعدول والحارس القضائي والقيم والموكل ليبقى السؤال لماذا تم إغفال الموثق من هذا التعداد؟[63].
نعتقد أن عدم ذكر الموثق هو مجرد سهو يجب تداركه من قبل المشرع المغربي على اعتبار أن هناك شبها بين وظيفة هؤلاء والعمل الذي يقوم به الموثق، فهذا الأخير يدخل في اختصاصه تسلم الأموال من قبل الأطراف وتبقى في عهده إلى حين تسليمها لمن له الحق فيها[64].
بعد تطرقنا بشكل مفصل لمسؤولية الموثق بجميع أنواعها تبقى الإشارة إلى أن أحكام مسؤولية الموثق لعصري كما هي مسطرة في التشريع المغربي، غير منتظمة بالشكل الذي يجعلها فعالة في حماية أطراف العلاقة التعاقدية ومعهم الأغيار، مما يقتضي التفاتة حقيقية من المشرع في اتجاه إعادة ضبطها وخاصة من ذلك أمور المسؤولية المدنية[65].
المطلب الثاني: الجائم التوثيقية المحضة المنصوص عليها في القانون المنظم لمهنة التوثيق
بالإضافة إلى أفعال الموثق المجرمة في القانون الجنائي، أورد المشرع المغربي ولأول مرة في القانون المنظم لمهنة التوثيق بعض المقتتضيات ازجرية التي تهم بعض الأفعال المجرمة والخاصة التييمكن أن ترتكب من قبل الموثق وعاقب عليها بعقوبات جنائية، وقد جاءت أغلب هذه المقتضيات الزجرية في القسم الخامس
الفقرة الأولى : جريمة سمسرة الزبناء.
بالنطر إلى تفشي بعض المظاهر السلبية في مجال المهن الحرة التينهم المحامين والعدول والتراجمة والموثقين، والمتمثة في قيام هؤلاء بسمسرة الزبناء بالاعتماد على الغير للقيام بجلب الزبناء إلى مكاتبهم بطرق لا تتناسب مع الخدمات التي يقدمونها للمجتمع، فقد عمل المشرع المغربي على وضع مقتضيات زجرية في هذا الباب
وهكذا فقد نص قانون الثوثيق في القسم الخامس المتعلق بالمقتضيات الزجرية على المقتضيات التي التي تمنع الموثق من القيام بعمليات السمسرة لجلب الزبناء سواء بنفسه أو بواسطة الغير، وقد تم إدراج هذه الجريمة ضمن الجنح المعاقب عليها بالحبس من سنتين إلى اربع سنوات وغرامة من 20000 غلى 40000 الف درهم، دون الإخلال بالمقتضيات المتعلقة بالعقوبات التاديبية التي يتعرض لها كل موثق متكب لهذه الجريمة [66]
وبالنظر إلى إلى طبيعة هذه العقوبة نجدها من جهة، تساوى مع تلك الواردة في الفصل 100 من القانون المنظم لمهنة المحامات، ومن جهة تانية نجدها أكثر من تلك المطبقة على نفس الجريمة في حالة ارتكابها من قبل ترجمان محلف لدى المحاكم.
الفقرة الثانية: الجريمة المتعلقة بالإشهار
إن تحقيق الهدف المتمثل في طمانينة أي مهنة من الزايدات التي تحدث بين أصحاب المهنة الواحدوالتي قد تؤثر على الجو العام للعمل جعل المشرع يتدخل من أجل منع الموثق من القيام بعمليات الإشهار وخصوصا بعد ان أصبح العالم يعيشثورة الأنتيرنيت وما مكن أن يضطلع به من دور في جلب الزبناء بطرق مخالفة لمبادئ العدالة
وللحيلولة من السقوط في جريمة الإشهار التي منعهاقانون التويق، فقد حدد المشرع طريقة إنشاء المواقع الإلكترونية للموثقين الذين يرغبون في ذلك حيث يجب أن لا تتعدى المعلومات المدلى بها في الموقع ما يلي:
· مقتضب عن حياة الموثق
· المسار الدراسي والمهني للموثق
· ميادين اهتمامه
وتجدر الإشارة إلى أن القانون شترط على الموثق الحصول على إذن مسبق من قبل رئيس المجلس الجهوي للموثقين قبل القيام بإنشاء هذا الموقع وفي حالة مخالفة هذه المقتضيات فإن العقوبة تتمثل في غرامة من 2000 إلى 5000
وبالإضافة إلى شروط وطرق إنشاء الموقع الإلكتروني، فغن القانون حدد شروط ومضمون اللوحة التي يجب على الموثق وضعها خارج المكتب، وهي محددة وفق قرار لوزير العدل. وعلى العموم فمضمون هذه اللوحة يجب أن لا يتعدى المعطيات التالية:
· الإسم الكامل للموثق
· صفته كموثق
· لقب دكتور عند الإقتضاء
وفي حالة مخالفة هذه البيانات فإن الموثق يعد مرتكبا لمخالفة معاقب عليها بغرامة من 1200 إلى 5000 درهم.
الفقرة الثالثة: جنحة عدم تسليم الوثائق بعد صدور عقوبة العزل أو الإيقاف.
هذه الجريمة تتعلق بالحالة التي يمتنع فيها الموثق معن تسليم الوثائق بعد صدور عقوبة العزل أو الإقاف في حقه
فالموثق ملزم بتسليم كل أصول العقود والسجلات والوثائق المحفوظة لديه والقيم المودعة لديه إلى الموثق الذي يخلفه، كل ذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه قرار العزل أو الإقاف. ويجب أن يكون هذا التسليم بحظور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من ينوب عنه وممثل عن الوزيرالمكلف بالمالية ورئيس المجلس الجهوي للموثقين أو من ينوب عنه
فهذه الجريمة تعتبر مرتكبة بمجرد حصول فعل الامتناع عن بينة واختيار، بمعنى أن الموثق مدرك لحقيقة عمله من الناحي الواقعية ، إن هذه الجريمة لا تستلزم إذن السوى القصد الجنائي العام أما الخاص المتمثل في نية الإضرار بالغير فهي غير ضرورية.
وبخصوص تكييف هذه الجريمة وعقوبتها، فقد اعتبرها المشرع جنحة يعاقب عليها من ثلاثة أشهر إلى سنة حبسا وغرامة من 20000 إلى 40000درهم أو بإحدى هتين العقوبتين.
خاتمة
إن صدور قانون ينظم مهنة التوثيق يعتبر أمرا محمودا في ذاته خصوصا بعد أن أسقط عن الموثق صفة الموظف العمومي الذي أصبح يمارس عمله منذ صدور هذا القانون في القانون في مهنة حرة واضحة الاختصاصات.
وبالرغم من ذلك فإن الموثق تبقى له صفة الوظف العمومي أمام القانون الجنائ للإعتبارات السالفة الذكر.
لائحة المراجع
ü وفاء الصالحي، مركز الخطأ بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية (دراسة مقارنة)، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة القانون المدني، بجامعة الحسن الثاني-عين الشق-كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية،الدار لبيضاء،السنة الجامعية 2001.2002.
ü الشقر عبد القادر: "إشكالية الموثق العصري بصفة الموظف العمومي في التوثيق العصري، واقع وآفاق أشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف مسلك القانون الخاص بكلية متعددة التخصصات بتازة يومي 24-25 أبريل 2008، ط1، 2010،
ü محمد الكشبور: "المركز القانوني للموظف في القانون الجنائي والخاص"، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد الخاص حول الوظيفة العمومية بعد مضي 30 سنة – الاستمرار والتغيير – العدد 21، 1982.
ü بوشعيب بوطربوش، المسؤولية الجنائية للموثق، مجلة محكمة الاستئنافالعدد 2 سنة 2012
ü ادريس قاسمي: القاموس الميسر في القانون والإدارة، منشورات سلسلة التكوين الإداري نشر وتوزيع دار الاعتصام مكان النشر وتاريخه غير مذكورين
ü عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام مطبعة الجديدة الدار البيضاء، 2002.
ü وحيد محمود ابراهيم: "حجية الحكم الجنائي على الدعوى التأديبية، دراسة مقارنة مكان النشر غير مذكور 1998، .
ü أحمد مجعودة: أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري والقانون المقارن، ج1، دار هومة، سنة النشر غير مذكورة.
ü عدنان الخطيب: "موجز في القانون الجنائي المبادئ العامة في قانون العقوبات"، الكتاب الأول، دمشق 1963
ü عبد المنعم سليمان: "النظرية العامة في قانون العقوبات"، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان 2003.
ü عبد الوهاب حومد: "المفصل في شرح قانون العقوبات"، القسم العام، المطبعة الجديدة، دمشق 1990.
ü عبد المنعم سليمان النظرية العامة لقانون العقوبات، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2003 .
ü مأمون محمد سلامة: شرح قانون العقوبات، القسم العام، مطبعة جامعة القاهرة، 1991.
ü أنور العمروسي: جرائم الأموال العامة، 1996
ü مجلة القياس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، نظام التوثيق بالمغرب في ضوء مستجدات القانونية 32.09 والقانون 39.08 والقوانين ذات الصلة العدد الخامس، يوليوز 2013.
ü عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، الطبعة السادسة1434هـ، 2013م.
ü مجلة "القبس المغربية" للدراسات القانونية والقضائية العدد الخامس يوليوز 2013 "نظام التوثيق بالمغرب"
ü أحمد الخمليشي: "القانون الجنائي الخاص" ص439 ج1، مكتبة المعارفـ، الرباط، ط2، 1985.
ü عبد المجيد بوكير مقال منشور بمجلة القانون المغربي العدد 19 يونيو 2012.
ü JURIS –classeur : entreprise individuelle officiers publics et ministériels, fac.930, cote, 08, 2006.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - للتوثيق معاني عديدة وهي على الشكل التالي:
في المعنى اللغوي:للتوثيق في اللغة معنيان، أحدهما الأحكام بمعنى أحكم الأمر والوثيق الشيء المحكم، قال تعالى (فشدوا الوثاق) سورة محمد الآية 4 ومنه ميثاق العهد.
أنظر في ذلك: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، دار الفكر العربي ،القاهرة، 2001، ص708-709.
في المعنى الشرعي:عرفه ابن فرحون بقوله "هي صناعة جليلة وشريعة وبضاعة عالية، تحتوي على ضبط أمور الناس على القوانين الشرعية وحفظ دماء المسلمين وأموالهم، والإطلاع على أسراهم وأحوالهم، وبغير هذه الصناعة لا ينال ذلك ،ولا يسلك هذه المسالك".
- أبو عبد الله فرحون: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ج1، دار الكتب العلمية، ط1، 1416/1995 ص200.
في المفهوم القانوني: عرف المشرع المغربي التوثيق كمهنة حرة و ذلك في المادة 1 من قانون رقم 32.09 المنظم لمهنة التوثيق بقوله أن التوثيق "مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في القانون المذكور والنصوص والخاصة."
[2] - لقد أقر الإسلام التوثيق بالكتابة، وأمر به وبين أحكامه في أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدين قال تعالى: "يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا ياب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخص منه شيئا) سورة البقرة الآية 281.
وقد عرفت مؤسسة التوثيق بالمغرب عدة تطورات عبر مختلف الحقب الزمنية والتاريخية التي مرت بها سواء قبل الحماية أو أثنائها ثم بعدها.
- قبل الحماية:
ارتبط التوثيق بالمغرب بالأصول الرومانية للتوثيق ،إذ أدى انفتاح المغرب على الخارج في إطار العلاقات التجارية آنذاك، وخاصة مع فنيسا 'لبنان حاليا)"" التي كانت مرتع الحضارة الشرقية، إلى تطوير التوثيق الأمازيغي الذي كان سائدا بالمغرب، وربطه بكل الحضارات، وبعد مجيء الإسلام تبنى المغرب التوثيق الإسلامي الذي كان يمارس آنذاك أمن طرف العدول، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام من التوثيق مازال ساري التطبيق إلى حين قيامنا بالبحث هذا.
حسين الصفريوي: الوجيز في القانون الخاص التوثيقي بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1988، ص12.
- أثناء وبعد الحماية:
شكل التوثيق الفرنسي المرجعية الأساسية للتوثيق ومصدره الأساسي بالمغرب أثناء وبعد الحماية، ونتاجا لما توج نظام التوثيق الذي كان يعرف بقانون فانتوز للسنة الحادية عشر من التقويم الجمعوي لفرنسا وهو القانون الذي اعتمدت عليه السلطات الاستعمارية الفرنسية لنقل نظام التوثيق بشكله العصري إلى أغلب مستعمراتها، خاصة المغرب بخلفيات تروم تسهيل مأمورية الاستيلاء والسيطرة على خيراته واستقطاب المعمرين والمستثمرين على السواء، وبعد أن كانت مهمة التوثيق تسند إلى العدول ارتأى المستعمر الفرنسي تجريد كل هؤلاء من هذه المهمة، لما رآه في ذلك من منعه لتحقيق ما سطره من أهداف، والمتمثلة أساس في استغلال ثروات البلاد، ونهب عقارات المغاربة باستغلال ظروفهم وشرائها منهم بأثمنة بخسة وسارع إلى إيجاد مؤسسة بديلة تضفي على هاته الأعمال الصفة الشرعية، وكان أبرزها ق ل ع، وظهير 4 ماي 1925 والذي أطر لمهنة التوثيق، وحصر ممارستها في الفرنسيين دون المغاربة، درءا لكل امتناع من طرفهم يحول دون توثيق ما تبرمه السلطات الاستعمارية من عقود وما تريد إثباته من عقود خدمة لمصالحها الخاصة.
محمد الربيعي: الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم، دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العصري المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ط1 أكتوبر 2008، ص32.
- عبد المجيد بوكير: التوثيق العصري المغربي، مكتبة دار السلام الرباط ط2 2010، 23 وما يليها.
والأكيد أن النقض الذي اعترى المقتضيات القانونية المنظمة في ظهير 4 ماي المتعلق بالتوثيق والتي طبقت في المغرب، والانتقادات العميقة التي تعرض لها من طرف المتدخلين في مجال التوثيق والصعوبات الإجرائية التي كان يعاينها بالإضافة إلى تسارع النمو الاقتصادي وبروز معاملات جديدة عن العقار مما دفع المشرع تعريضه بقانون يلاءم ويراعي متطلبات المرحلة حيث اصدر المشرع المغربي قانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
[3] - هكذا نجد مجموعة من الفقهاء الفرنسيين يؤكدون على أنه سواء تدخل الموثق بصفته ضابطا عموميا أو كوكيل فضولي،فإن مسؤوليته يجب ألا يرتكز على العلاقة التي تجمعه بالزبون،بل يجب الارتكاز فقط على صفته القانونية أي التي يعطي فيها الرسمية للعقود،فمهنته كموثق تجلب له ثقة خاصة و لالتزامات مهنية قانونية،و إذا ما خرق هذه الثقة و لم يقم بتلك الالتزامات فإن المسؤولية تكون تقصيرية.
- Josser and :le contrat dirigé D.H.1933 .CH
أوردته الأستاذة وفاء الصالحي في أطروحتها،مركز الخطأ بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية (دراسة مقارنة)،وهي لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة القانون المدني، بجامعة الحسن الثاني-عين الشق-كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية،الدار لبيضاء،السنة الجامعية 2001.2002،ص 183.
[4] - تنص المادة الأولى من ظهير 1925 على ما يلي: " ينشأ موظفون عموميون فرنسيون بدائرة المحكمة الاستئنافية بالرباط يطلق عليهم لقب موثقين يتلقوا فيها جميع الرسوم المدرج أصحابها في الطبقات والأحوال المبنية والمقررة في الفصول الثالث والرابع والخامس من هذا الظهير الشريف إذا وجب على هؤلاء الآخرين أو أراده إعطاء هذه الرسوم المذكورة الصحة المخصصة برسوم وعقود الولاة وإثبات تاريخها وإيداعها وتسليم نسخ منها تنفيذية كانت أو مجردة...".
[5] - ظهير شريف رقم 1.58.008 بتاريخ 24 فبراير 1858 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
[6] - المادة 10 من قانون التوثيق: "يعين الموثق ويحدد مقر عمله بقرار لرئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل، بعد إبداء اللجنة المنصوص عليها في المادة 11 رأيها في الموضوع.
[7] - أنظر بخصوص هذا التعريف:
-JURIS –classeur : entreprise individuelle officiers publics et ministériels, fac.930, cote, 08, 2006.
[8] - المادة 14 من قانون مهنة التوثيق.
[9] - تتكون اللجنة المكلفة بإبداء الرأي من الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 11 من قانون مهنة التوثيق.
[10] - المادة 13 من قانون مهنة التوثيق.
[11] - المادة 24 من قانون مهنة التوثيق.
[12] - الشقر عبد القادر: "إشكالية الموثق العصري بصفة الموظف العمومي في التوثيق العصري، واقع وآفاق أشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف مسلك القانون الخاص بكلية متعددة التخصصات بتازة يومي 24-25 أبريل 2008، ط1، 2010، ص64 وما بعدها.
[13] - محمد الكشبور: "المركز القانوني للموظف في القانون الجنائي والخاص"، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد الخاص حول الوظيفة العمومية بعد مضي 30 سنة – الاستمرار والتغيير – العدد 21، 1982 م، ص55.
-[14] بوشعيب بوطربوش، المسؤولية الجنائية للموثق، مجلة محكمة الاستئنافالعدد 2 سنة 2012، ص 34.
[15] - طبقا لنص الفصل 3 من القانون الجنائي والذي جاء فيه ما يلي: "لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون".
[16] - ادريس قاسمي: القاموس الميسر في القانون والإدارة، منشورات سلسلة التكوين الإداري نشر وتوزيع دار الاعتصام مكان النشر وتاريخه غير مذكورين ص323.
[17] - عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام مطبعة الجديدة الدار البيضاء، 2002، ص 295.
[18] - بناء على نص الفصل 3 و4 من مجموعة القانون الجنائي.
[19] - وحيد محمود ابراهيم: "حجية الحكم الجنائي على الدعوى التأديبية، دراسة مقارنة مكان النشر غير مذكور 1998، ص21، أحمد مجعودة: أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري والقانون المقارن، ج1، دار هومة، سنة النشر غير مذكورة، ص453.
[20] - عدنان الخطيب: "موجز في القانون الجنائي المبادئ العامة في قانون العقوبات"، الكتاب الأول، دمشق 1963ن ص192.
[21] - عبد المنعم سليمان: "النظرية العامة في قانون العقوبات"، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان 2003، ص457.
[22] - عبد الوهاب حومد: "المفصل في شرح قانون العقوبات"، القسم العام، المطبعة الجديدة، دمشق 1990، ص201.
[23] - أنظر في ذلك: عبد المنعم سليمانالنظرية العامة لقانون العقوبات، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2003 ص475.
[24] - مأمون محمد سلامة: شرح قانون العقوبات، القسم العام، مطبعة جامعة القاهرة، 1991، ص142.
[25]- مأمون محمد سلامة: مرجع سابق، ص256.
[26] - الفصل 241 من الفرع الثالث من القانون الجنائي" في الاختلاس والغدر الذي يرتكبه الموظفون".
[27] - الاختلاس يتحقق بتصرف الجاني في الشيء المسلم إليه بسبب وظيفته تصرف المالك نفسه التبديد يقصد به تصرف الجاني في الشيء الموجود في حيازته بمقتضى وظيفته تصرفا ماديا أو قانونيا كأنه صاحب الشيء.
- الاحتجاز: هو أن يتم إبقاء الشيء المؤتمن عيه تحت يد الموظف مع وجود نية اختلاسه أو تبديده.
- الإخفاء: يقصد به إخفاء الجاني الأشياء المودعة لديه بمقتضى وظيفته ومهمته والإدعاء بعدم وجودها.
[28] - أنور العمروسي: جرائم الأموال العامة، 1996، ص120.
[29] - الفصل 241 من القانون الجنائي المغربي.
[30] - هذا الفصل يقابله الفصل 10-243 من القانون الجنائي الفرنسي والذي يعاقب على هذه الجريمة بعقوبة تصل إلى خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 75.000 ألف أورو.
[31] - مجلة القياس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، نظام التوثيق بالمغرب في ضوء مستجدات القانونية 32.09 والقانون 39.08 والقوانين ذات الصلة العدد الخامس، يوليوز 2013ن ص38.
[32] - مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، مرجع سابق، الصفحة 48.
[33] - مجلة القبس المغربي للدراسات القانونية والقضائية، مرجع سابق، ص48.
[34] - المادة 15 من قانون مهنة التوثيق.
[35] - المادة 16 من قانون مهنة التوثيق.
[36] - عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، ص387.
[37] - هذا الفصل يقابله الفصل 1-313 من القانون الجنائي الفرنسي الذي يعاقب على مثل هذه الجريمة عند قيام موثق أثناء مزاولته لمهامه أو بسبها وذلك بعقوبة تصل إلى 7 سنوات حبسا وغرامة 75.000س ألف أورو.
[38] - النصب من جرائم النتيجة (عند القضاء المغربي) ولذلك تطلب الأمر تحقق علاقة سببية بين النشاط والنتيجة.
[39] - عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، ص406.
[40] - عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص406.
[41] - الفصل 248 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.
[42] - طبقا لنص الفصل 249 من م ق ج، والتي جاء فيها:
" يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من خمسة ألاف إلى خمسين ألف درهم كل عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو بمقابل..."
[43] - عبد الله سليمان: مرجع سابق، ص67.
[44] - تنص المادة 1 من القانون رقم 32.09 على ما يلي: "التوثيق مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في هذا القانون وفي النصوص الخاصة".
[45] - حسن بوسقيعة: مرجع سابق، ص7.
[46] - حيث قسم الفقه الفرنسي الرشوة إلى قسمين رشوة إيجابية وهي التي تقع من الفرد صاحب المصلحة، وإلى رشوة سلبية التي تقع من الموظف أو من في حكمه.
- أنظر في ذلك رمسيس بهنام: مرجع سابق، ص12.
[47] - الفصل 351 من القانون الجنائي.
[48] - الفصل 547 من القانون الجنائي.
[49] - الفصل 1-441 من القانون الجنائي الفرنسي.
[50] - مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية، مرجع سابق.
[51] - الفصل 352 و353 من القانون الجنائي المغربي.
[52] - الفصل 352 من ق.ج.م.
[53] - "جريمة التزوير " نشأة الحرف العربي، جيل المزورين، أدوات التزوير وسائل كشف التزوير إعداد المحامي جعفر مشيمش الطبعة الأولى 2009، ص97.
[54] - الفصل 553 من القانون الجنائي المغربي
[55] - عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي الطبعة السادسة1434هـ، 2013م، ص167.
[56] - الفصل 351 من القانون الجنائي.
[57] - مجلة "القبس المغربية" للدراسات القانونية والقضائية العدد الخامس يوليوز 2013 "نظام التوثيق بالمغرب" ص46.
[58] - المادة 33 من القانون المنظم للتوثيق.
[59] - هذا الفصل يقابله الفصل 1-441 من القانون الجنائي الفرنسي.
[60] - أحمد الخمليشي: "القانون الجنائي الخاص" ص439 ج1، مكتبة المعارفـ، الرباط، ط2، 1985.
[61] - مجلة القبس، مرجع سابق، ص45.
[62] - الفصل 549 من القانون الجنائي: على أنه ترفع عقوبة خيانة الأمانة إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات والغرامة من خمسة إلى خمسة آلاف درهم.
- إذا ارتكبها عدول أو حارس قضائي أو مشرف قضائي، وذلك أثناء قيامه بوظيفته أو بسببها..."
[63] - مجلة القبس: مرجع سابق، ص46.
[64] - ينص الفصل 549 من ق ج على ما يلي:
"يرفع عقوبة خيانة الأمانة من الحبس من سنة إلى خمس سنوات والغرامة من 200 إلى 5000 درهم في الحالات التالية:
- إذا ارتكبها عدل أو حارس قضائي أو قيم أو مشرف قضائي وذلك أثناء قيامه بوظيفته أو بسببها.
- إذا ارتكبها الناظر أو الحارس أو المستخدم فيوقف أضرارا بهذا الأخير.
- إذا ارتكبها أجير أو موكل إضرارا بمستخدمه أو موكله."
[65] - مقال عبد المجيد بوكير منشور بمجلة القانون المغربي العدد 19 يونيو 2012، ص53.
[66] -المادة 90 من قانون التوثيق.
>>>رابط تحميل البحث WORD<<<
مواضيع ذات الصلة:
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك