القائمة الرئيسية

الصفحات

التحكيم التجاري الدولي

التحكيم التجاري الدولي

التحكيم التجاري الدولي
التحكيم التجاري الدولي



مقدمة
أصبح التحكيم في الوقت الراهن أهم وسيلة يلجأ إليها المتعاقدون دوليا من أجل حسم الخلافات الناشئة عن معاملاتهم.
فلا يكاد يخلو عقد من عقود التجارة الدولية من شرط يراد به إتباع سبيل التحكيم،[1] وذلك للدور الفعال الذي يلعبه في حل النزاعات التي تنشأ بين طرفين ينتميان إلى دول مختلفة والتي تختلف قوانينها في معالجة القضايا التي تطرح نتيجة الخلاف بين الأطراف. فالتحكيم إذن يستند في الأساس على إرادة الأطراف المبنية على توخي الودية في تسوية النزاع.
وعموما يمكن القول أن التحكيم سواء كان داخليا أو دوليا يمتاز بأهمية خاصة بالنظر إلى سهولة إجراءاته والسرعة في البث مقارنة بالإجراءات القضائية العادية[2] فهو قضاء أصيل لفض المنازعات إلى جانب القضاء العادي، إلى أنه يتميز عن هذا الأخير بالعديد من المميزات من بينها امتياز التحكيم بالسرية، وبالتالي يقي الفرقاء من طرح نزاعاتهم أمام الجمهور، وهذا ما لا يتسنى لهم في ظل الأحكام القضائية العادية التي تخضع لمبدأ علانية المحاكمة، كما يمكن القول أن أهم ما يميز التحكيم عن القضاء هو أن هذا الأخير لا يتطلب اتفاق المتنازعين حتى يرفع النزاع إليه وهذا بعكس التحكيم حيث أن لكل من المتنازعين الحق في أن يرفع دعواه إلى القضاء دون حاجة إلى رضا خصمه.[3]
ويضاف إلى هذه الفروق أن المحكوم يتم تعيينه من قبل أطراف النزاع أو من قبل المحكمة المختصة، في حين أن القاضي يتم تعيينه من قبل الدولة وهو يمثل سيادة الدولة وسلطة من سلطاتها.[4]

هذا وأن التحكيم التجاري الدولي كتنظيم قانوني عرف تطور جد ملحوظ فمن أبرز محطاته نجد:
Ø     بروتوكول جنيف لسنة 1923
Ø     اتفاقية نيويورك لسنة 1958
Ø     الاتفاقية الأوروبية لسنة 1961
وهكذا وجد التحكيم مجاله في تنامي العلاقات التجارية الدولية بين الدول، والتي تجعل منه الطريق الأنجع لحل المنازعات التجارية الدولية بدل طرق باب القضاء الذي يتميز بالطول والتعقيد.
وإذا كان موضوع التحكيم يكتسي من الأهمية بما كان فإن فرضية هذا العرض تجعله مدخلا هاما للمادة وأرضية خصبة وأساسية لباقي العروض.
وذلك بالإحاطة بمفهوم التحكيم التجاري الدولي من خلال ماهيته وطبيعته من جهة وكذا الوقوف على أهم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها من جهة أخرى؟

المبحث الأول: ماهية التحكيم التجاري الدولي

المطلب الأول: مفهوم التحكيم التجاري الدولي

لدراسة مفهوم التحكيم لابد أن نقف عند تعريفه في الفقرة الأولى، والخصائص التي تميزه[5] في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: تعريف التحكيم

لا يعتبر مصطلح التحكيم حديث العهد بل عرفته عدة مجتمعات قديمة وعلى رأسها المجتمع الإسلامي.
فالتحكيم لغة: هو مصدر الفعل حكم بتشديد الكاف وفتح الميم فيقال حكمنا فلانا أي أجزانا حكمه بيننا.
أما التحكيم في المفهوم القانوني: هو اتفاق طرفين في نزاع معين على إحالته إلى شخص ثالث أو أكثر لحسمه دون اللجوء للقضاء وذلك قبل نشوب النزاع أو بعده[6] فإن كان الاتفاق قبل نشوب النزاع سمي بذلك بشرط تحكيم أما إذا جاء بعده سمي عقد تحكيم أو مشارطة التحكيم.[7]
وإذا كانت مسألة التعريف تدخل دائما ضمن اختصاص الفقه والقضاء، فإن بعض التشريعات لم تبخل في إعطاء تعريف للتحكيم.
ونخص بالذكر مشرعنا المغربي حيث عرف التحكيم في المادة 306 من ق المسطرة المدنية[8] التي جاء فيها "حل النزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناءا على اتفاق التحكيم".
ومن الضروري أن نعطي أيضا في هذا المضمار التعريف الذي تبناه القانون النموذجي الذي وضعته لجنة uncitral في الفقرة الأولى من المادة 7 حيث جاء فيه:
"اتفاق التحكيم هو كل اتفاق بين طرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم واردا في عقد أو في صورة اتفاق مستقل".
وعموما فإذا كان التعريف القانوني للتحكيم يحمل شيئا من الصعوبة وذلك لصعوبة وصف التحكيم بمفهوم شامل ومانع فإن بعض التشريعات لم تتعرض لتعريفه، كالمشرع العراقي مثلا[9] . إذ لم يعرف التحكيم في قانون المرافعات وإنما اكتفى بالنص على ما يفيد هذا المعنى بين المادة 251 من ق م العراقي.
"يجوز الاتفاق على التحكيم في النزاع معين كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقد"
أما بخصوص التعريف الفقهي القانوني فعرفه بأنه "نظام تعاقدي يلجأ إليه المتنازعان لحل الخلاف الناشئ بينهما بواسطة شخص أو أكثر من غير الحكام والقضاة".[10]
ومن خلال هذه التعاريف العامة التي همت التحكيم يمكن أن نعطي تعريفا للتحكيم التجاري الدولي وذلك مع إضافة المعيار الجغرافي والاقتصادي عليه:
"وبالتالي سنعتبر التحكيم التجاري الدولي ذلك الاتفاق الذي بمقتضاه يتعهد الأطراف بأن يتم الفصل في المنازعات الناشئة بينهما أو المحتمل نشوءها في المستقبل من خلال اللجوء إلى محكمة أو هيأة التحكيم إذا كانت هذه المنازعات مرتبطة بمصالح التجارة الدولية أو الناشئة بين طرفين من دولتين مختلفتين".

الفقرة الثانية: خصائص التحكيم

إن العقد التحكيم مجموعة من الخصائص يمتاز بها عن غيره من العقود.

أولا- عقد التحكيم من العقود المسماة:

ذلك لكون المشرع أو بالأحرى أغلب التشريعات خصته باسم محدد ونظمته تنظيما قانونيا دقيقا لذلك فهو يدرج ضمن لائحة العقود المسماة.

ثانيا- عقد التحكيم عقد رضائي:

يرى البعض أن عقد التحكيم هو عقد رضائي بحيث يعتمد مجرد توافق إرادتي أطرافه فقط دون الحاجة الإشكالية معينة وقد اعتبر القضاء العراقي أن الكتابة شرط من شروط الإثبات وليس عنصرا من عناصر وجود هذا العقد.
في حين تنص المادة 2 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 وفي هذا الصدد:
1- تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية المتعلقة بمسألة لا يجوز تسويتها عن طريق التحكيم.
2- يقصد باتفاق مكتوب شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من طرف الأطراف أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة او البرقيات".
والملاحظ من هذه المادة تستلزم توافر شرط الكتابة في اتفاق التحكيم لكن لم تبين ما إذا كانت هذه الكتابة هي للانعقاد أو للإثبات.
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد نص صراحة على شكلية عقد التحكيم انطلاقا من المادة 313 من قانون المسطرة المدنية التي جاء فيها "يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يمر أمام الهيئة التحكيمية المختارة".

ثالثا- عقد التحكيم من العقود الملزمة للجانبين:

عقد التحكيم عقد لازم بحيث تجد هذه الخاصية سندها من مسألة توافق إرادتي أطراف عقد التحكيم بحيث لا يستطيع أي طرف من الأطراف فسخه بإرادته المنفردة، بل أكثر من ذلك فإنه في بعض التشريعات يبقى نافذا وينتقل للورثة وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 259 من قانون المرافعات العراقي "ولا ينقضي التحكيم بموت أحد الخصوم".

رابعا- التحكيم عقد من عقود والمعاوضة:

لأن كل طرف في العقد يتلقى عوض ما التزم به، بحيث كل من المتعاقدين يمتنع عن الالتجاء إلى القضاء في صدد النزاع المتفق بشأنه، مقابل التزام كل منهما بعض ذلك النزاع على المحكم والالتزام بحكم هذا الأخير.

خامسا- عقد التحكيم من العقود المستمرة:

أي أن عقد التحكيم هو عقد مستمر التنفيذ أي من عقود المدة وليس من العقود الفورية التنفيذ مثل عقد البيع، ذلك لأن في عقد التحكيم يدخل الزمن عنصرا جوهريا فيه وبالتالي فهو يتميز بطبيعة خاصة.

المطلب الثاني: أصناف التحكيم عن بعض المؤسسات المتشابهة وتمييزه
الفقرة الأولى: تمييز التحكيم التجاري عن بعض المؤسسات المشابهة

1-تميز التحكيم عن الوساطة: la médiation:

الوساطة: هي وسيلة احتيارية وودية تتميز بالسرية لحل النزاع وتتم عبر تدخل طرف ثالثا لحل النزاع يسمى الوسيط، حيث يتوفر هذا الأخير على ميزتي الحياد وعدم التحيز وتهدف إلى مساعدة جميع أطراف النزاع على الوصول إلى حل متفاوض شأنه ومقبول من جميع الأطراف.
هناك فرق جوهري بين التحكيم الوساطة حتى أن هذه الأخيرة تهدف للتوصل لحل ودي بصيغة الأطراف بأنفسهم وبفضل تدخل طرف ثالث محايد على عكس التحكيم الذي فصل في النزاع بإصدار حكم يفرض على أطراف النزاع.

2-تميز التحكيم عن التوفيق conciliation

التوفيق هو أسلوب من أساليب تسوية الخلافات التجارية الدولية بطريقة ودية ويقوم التوفيق على أنه في حالة وجود نزاع ويفضل أحد أطرافه اللجوء إلى التوفيق بدلا من التحكيم، فالتوفيق هو قبول الأطراف تكليف موفق أو أكثر لحل النزاع وثيق) المواقف تحديد حل وسيط يقبله الطرفان المتنازعان.
وما يلاحظ أن التحكيم يتفق مع التوفيق إذ أن كليهما يهدف إلى حل النزاع.
كما أنه المسائل التي يجوز أن يرد عليها التحكيم هي التي يجوز الاتفاق على التوفيق في شأنها.
ويختلف التوفيق عن التحكيم من حيث أن طريق التحكيم ملزم فمن بدأه وأقدم على  أول خطوة فيه يلتزم بالسير فيه إلى النهاية كما يختلف من حيث أن قرار التحكيم نهائي وملزم للأطراف فبكل ما كان بالتقيد فيه.
وكقاعدة عامة لا يجوز الطعن فيه.
أما قرار الموفق فلا يلزم الأطراف إذ يملك أيهما فرصة أو عدم التقيد به فهو مجرد توصية أو اقتراح.

3-تميز التحكيم عن الصلح: transaction

الصلح هو عقد ينهي به نزاعا قائما أو يتوفعان نزاعا محتملا وذلك بأن يتنازل كل منهم على وجه التبادل عن حقه وهذا يختلف عن التحكيم كما سيتضح لنا ذلك، فالصلح ينهي النزاعات التي يتناولها ويترتب عليه إسقاط الحقوق والادعاءات التي تتنازل عنها أحد الأطراف نهائيا إلا أن الحال ليس كذلك بالنسبة للتحكيم كما يتضح لنا:
-       في التحكيم يكون محل العقد فهو الالتزام بعدم وطرح النزاع الفعلي على القصد واختيار محكمة خاص للفصل فيه.
-       أما الصلح فيكون محل العقد تسوية مباشرة للنزاع.
التحكيم لا ينتهي به النزاع بمجرد عقد الاتفاق على التحكيم، وإنما ينتهي بممارسة الحكم المختار لمهمته وإصداره حكما فيه.
وهذا الأخير يكون قابلا للتنفيذ الجبري بمجرد الحصول على أمر تتقيده أما في الصلح فينتهي بمجرد التنازل المرضي لكل المتنازعين ولا يتم تنفيذ عقد الصلح إلا إذا تم في صورة عقد رسمي أو ثم أمام المحكمة.

4-تميز التحكيم عن الخبرة expertise:

يقصد بالخبرة ذلك الإجراء الذي يعهد بمقتضاه القاضي أو الحكم أو الخصوم التي تخص معها مهمته إبداء رأيه في بعض المسائل ذات الطابع الفني والتي يكون على إدارية بها دون إلزام القاضي أو الخصوم بها وعلى ذلك تختلف الخبرة عن التحكيم .
فالتحكيم نظام خاص للتقاضي يقوم خلاله المحكمة بحسم النزاع أيضا في الخبرة الخبير لا يصدر قرارات وإنما يبدي أيا فينا حق للأطراف فيوله أو رفضه.
أما في التحكيم فالمحكم يصدر قرار يحسم النزاع ويحوز الحجية فلا يملك للأطراف العودة لصراع النزاع من جديد.
الخبرة تقتصر حكم قضائي أما قرار التحكيم يخيل التقني بمجرد وضع الصيغة التنفيذية عليه دون حاجة لحكم قضائي.

الفقرة الثانية: أصناف التحكيم

لقد أصبح التحكيم من أفضل الوسائل التي يتم الاعتماد عليه لتسوية المنازعات وخاصة المنازعات التجارية الدولية وذلك لما لهو من مزايا لا تطير لما في القضاء مما يجدر الإشارة إليه أن للتحكيم أشكالا مختلفة في الممارسات العملية اليومية وهو ما سوف تقوم بحثه فيما يلي:

-التحكيم الحر والمؤسساتي:

التحكيم الحر أو الخاص هو ذلك التحكيم الذي يتولى المحكمين إقامته بمناسبة نزاع معين، ولهم الحرية في اختيار ما يشاء من المحكمين بأنفسهم وتحديد القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم النزاع وذلك سواء قبل نشوء النزاع عن طريق شرط التحكمي أو بعد نشوء عن طريق مشارطة التحكيم.
من أبرز قواعد التحكيم الحر في الوقت الحاضر القواعد التي وضعتها صحبة قانون التجارة الدولية unitical.
فالتحكيم أصبح في الوقت الحالي أمرا مفروضا لفض النزاعات سواء داخلية أو دولية وبذلك لم يعد التحكيم مقصودا على الحر فقط بل ظهر إلى جانبه نوع آخر وهو التحكيم المؤسساتي أو التضامن.

-التحكيم المؤسساتي :

وهو ذلك التحكيم الذي يعهد به إلى هيئات تتولى إلى تنظيم العملية بدءا من تعين هيئة التحكيم مرورا بالإجراءات التحكيم ذلك بصدور قرار التحكيم وتبليغه لأطراف النزاع.
ونظرا لأهميته هذه المراكز في تفعيل وتطوير هذه العملية ظهرت العديد من المراكز والمؤسسات التحكيمية لها قوانينهما الخاصة وتكون واجبة التطبيق بمجرد اختيار مركز معين للفصل في النزاع.
Ø     تحكيم غرفة التجارة الدولة ICC باريس
Ø     هيئة التحكيم الأمريكية AAA
Ø     محكمة لندن للتحكيم التجاري الدولي LCIA
Ø     المركز الدولي للمنازعات ا؟؟ ICSID
Ø     محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي
Ø     مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي
Ø     منظمة الملكية الفكرية العالمية في جني wipo
التحكيم الإجباري والتحكيم الاختياري:
الأصل هو لجوء الأطراف إلى التحكيم اختيارا أن يكون تابعا من إرادتهم وينتج عنه التنازل عن حقهم المؤقت عن طرح النزاع أمام القضاء إلا أن التحكيم قد يكون إجباريا أن الأفراد يكونوا مجربين على سلوك هذا الطريق بحيث لا يجوز للأطراف اللجوء إلى القضاء وأنه يجوز لهم ذلك ولكن بعد طرح النزاع على التحكيم أولا.
هناك بعض الدول التي تنص قوانين على هذا النوع من التحكيم في شأن منازعات معينة.
مثلا القانون السوري ( قضايا أو الخلافات بين أرباب العمل العمال بالتحكيم الإجباري).
القانون المصري: (الأحوال الشخصية)
المشرع المغربي: جعل التحكيم إجباريا في نزاعات الشغل الجماعية وذلك بعد إسقاط جميع مراحل الصلح المادة 567 عدة حالات اللجوء إلى التحكيم.
التحكيم الدولي الخاص والتحكيم الدولي العام:
التحكيم الدولي الخاص: هو الذي يدور بين أشخاص معنوية أو اعتبارية خاصة تتضمن عنصرا أجنبي.
التحكيم الدولي العام: هو الذي يحسم النزاعات التي تنشأ بين الدول وأشخاص القانون العام أو بين دولة ومنظمة عمالية أو أقلية مثل ( التحكيم بين مصر وإسرائيل حول ..1989.
كما أن هناك من يميز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي:
التحكيم الداخلي: يتطلب تطبيق القانون الداخلي وهو الذي تجتمع عناصره في الدولة الواحدة من حيث النزاع وحيثية الأطراف والمحكمون ومحل الإقامة والقانون المطبقة والمكان التحكيم الدولي عندما لا يخضع في عناصره لدولة واحدة سواء م حيث طبيعة النزاع أو شخصية الأطراف أو المحكمين أو مكان التحكيم أو إجراءاته.

المبحث الثاني: المبادئ الأساسية للتحكيم التجاري الدولي


مر معنا أن التحكيم التجاري الدولي نظام خاص يتولى تسوية المنازعات المرتبطة بالتجارة الدولية بناء على اتفاق أطراف الخصومة هذا النظام يعتمد في الأساس على مبدأ سلطان الإرادة كركيزة أساسية تنبثق من خلالها المبادئ الأخرى أي أن التحكيم إجراء اتفاقي رهين بقبول أطراف النزاع اللجوء إليه،وان سلطة وصلاحية المحكمة تتعدد بموجب هذا الاتفاق.
وعلى هذا الأساس فإذا اعتبرنا أن التحكيم التجاري الدولي يعيش في الوقت الراهن أزهى عصوره، فإن ذلك راجع إلى المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها.

المطلب الأول: مبدأ استقلال شرط التحكيم في العقد الأصليL’autonomie de la clause compromissoire

إن اتفاق التحكيم قد يتم بموجب عقد مستقل يتم إبرامه بعد نشور النزاع، كما قد يأتي في شكل شرط يدرج في العقد الأصلي، ينشد من خلاله الأطراف حسم أي نزاع مستقبلي.
وكثيرا ما يدور الجدل على مستوى الفقه والقضاء حول تحديد مدى ارتباط اتفاق التحكيم بالعقد الأصلي، فهو يعتبر جزءا منه يوقفه مصيره وجودا وهما بمصير العقد الأصلي أم أن اتفاق التحكيم يتمتع بكيان مستقل بذاته.[11]
للإحاطة بهذا التساؤل سنقف عند الأساس القانوني لهذا المبدأ وكذا أهم النتائج المترتبة عليه.

أ‌-      الأساس  القانوني لمبدأ استقلال شرط التحكيم:

من الأهمية بمكان أن هذا المبدأ يتمحور أساس على عدة ضروريات نذكر منها:
*    استقلال شرط التحكيم يفرض اللجوء إلى هذه الوسيلة البديلة للقضاء
*    اختلاف المواضيع التي جاء بها كل العقدية، فموضوع العقد يمكن أن يرد على بيع أو نقل أو شحن في حين أن اتفاق التحكيم ينصب محله على الفصل في المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي.
*    يبرز هذا المبدأ بمسألة الإرادة الحرة للإطراف في سلوكه مسطرة التحكيم بدل التعقيد والطول الذي يتميز به القضاء.
*    وعليه فأهمية هذا المبدأ جعلت منه محط أنظار مجموعة من القوانين والنصوص الوطنية والدولية وكذا القواعد النموذجية إضافة إلى الاجتهادات القضائية.
بالنسبة للقضاء الفرنسي: اعتبر القضاء الفرنسي نقطة انطلاق هذا المبدأ من خلال الحكم المشهور (قضية Gosset)[12] حيث أصدرت محكمة النقض الفرنسية في 7 مارس 1963 حكما يقر بصراحة هذا المبدأ ليصبح بعد ذلك مبدأ استقلال شرط التحكيم في العقد الأصلي مسلما به على الصعيد الدولي.
وقد جاء القانون السويسري الجديد ينص واضح ودقيق، حيث نص في المادة 178 من القانون الدولي الخاص لسنة 1976 على أنه " لا يمكن الطعن في صحة اتفاق التحكيم بسبب عدم صحة العقد الأصلي أو أن اتفاق التحكيم متعلق بنزاع لم يحدث بعد إضافة إلى ذلك، فإن تكريس مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي لم يطال التشريعات الوطنية فحسب بل نصت عليه مجموعة من النصوص والقواعد الدولية النموذجية.

ومن هذه النصوص نجد:
*    القانون النموذجي الخاص بالتحكيم الذي وضعته لجنة uncitral سنة 1985 حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 16 على أنه يجوز لهيئة التحكيم البث في اختصاصاتها بما في ذلك اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، أي قرار يصدر عن هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم".[13]
*    القواعد التي أرستها لجنة المم المتحدة للقانون التجاري الدولي نصت الفقرة الثانية من المادة21 من هذه القواعد: تختص هيئة التحكيم بالفصل في وجود أو صحة العقد الذي يكون شرط التحكيم جزءا منه وفي المادة 21 يعامل شرط التحكيم الذي يكون جزءا من عقد بوصفه اتفاقا مسؤولا عن شروط العقد الأخرى وتلك قرار يصدر عن هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم".
ونقف أخيرا عند الفصل 318 من قانون المسطرة المدنية المغربي الذي أكد بصريح العبارة هذا المبدأ والذي جاء فيه "يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو نهائيه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط محيطا في ذاته.
أما بالنسبة للتأصيل الفقهي لهذا المبدأ يرى في هذا الصدد بعد الفقه[14] أن اتفاق شرط التحكيم يستنبط استقلاليته من المواضيع المختلفة لكلي الوفدين كما أن أساس هذا المبدأ قد يعتمد على بعض النظريات الفقهية العامة لنظرية العقد، فنجد مثلا نظرية انتقاص العقد la réduction du contrat[15] وبموجب هذه النظرية إذا كان العقد الأصلي الذي يتضمن شرط التحكيم باطلا فغن الشرط الخاص بالتحكيم يظل صحيحا إذا توافرت شروطه وهو يمثل بذلك اتفاقا منفصلا عن العقد.

ب-نتائج إعمال مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي:
إن التسليم بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي يرتب مجموعة من النتائج نذكر من ضمنها باختصار:
*    بطلان العقد الأصلي وشرط التحكيم لا يؤثر في الآخر
*    استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي يعني أن القانون المطبق على العقد الأصلي قد لا يكون بالضرورة القانون الواجب إتباعه خلال مراحل التحكيم.
*    إن مبدأ استقلال شرط التحكيم يحيلنا على مبدأ آخر لا يقل أهمية منه إلى وهو مبدأ اختصاص المحكم في النظر في اختصاصه والذي سنخصص له هو الآخر مطلبا مستقلا.

المطلب الثاني: مبدأ اختصاص المحكم في اختصاصه

معلوم أن النظر والتحقق من الاختصاص يعد أول مرحلة يتم سلوكها للنظر في نزاع معين، وإذا كان القضاء عند بته في نزاع معين يتأكد أولا من حدود ولايته النوعية والمكانية، فعلى غرار ذلك تقوم هيئة التحكيم بالتثبت من مسألة اختصاصها من عدمه وهو ما استقرت عليه جل الأعمال التشريعية والقضائية.[16]
والمستقر عليه أن هيئة التحكيم لا توقف أو تعلق إجراءات التحكيم لحين انتهاء قضاء الدولة من بحث ثبوت الاختصاص أهو لها أم لا، بل الأكثر من ذلك فقد ذهب بعض الفقه إلى القول بمنع القضاء من بحث اختصاص هيئة التحكيم.

أ-الأساس القانوني لمبدأ اختصاص المحكم في اختصاصه

نلاحظ أن هذا المبدأ قد قننا من طرف الاتفاقية الأوروبية حول التحكيم التجاري الدولي لسنة 1961 والتي نصت مادتها الثالثة من المادة الخامسة على ما يلي: "مع التحفظ بالنسبة للرقابة القضائية اللاحقة... لا يتخلى المحكم الذي نوزع في اختصاصه عن النظر في القضية حيث تكون له سلطة الفصل في اختصاصه أو صحة اتفاق التحكيم أو العقد الذي يشكل ذلك الاتفاق جزءا منه" وقد نصت قواعد اليونسترال للتحكيم التجاري الدولي على أهمية هذا المبدأ خلال الفقرة الأولى من المادة 21 التي جاء فيها "هيئة التحكيم هي صاحبة بالاختصاص بالفصل في الدفوع الخاصة بعدم اختصاصها ،وتدخل في ذلك الدفوع المتعلقة بوجود شرط التحكيم أو الاتفاق المنفصل على التحكيم".
وهذا ونجد تطبيقات لهذا المبدأ الذي نحن بصدده في بعض الأحكام الفرنسية، من ذلك حكم محكمة Colmar بتاريخ 20 نونبر 1968 والذي قضى بأنه من المسلم به أن القاضي المطروح عليه النزاع يكون مختص بالفصل في اختصاصه خصوصا عندما يكون القاضي محكما حيث يستقي ولايته من خلال اتفاق الطرفين.
وانطلاقا من رسوخ مبدأ اختصاص الاختصاص في مختلف الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية[17] ولوائح ونظم هيئات التحكيم فإنه يمكن القول أن أساس هذا المبدأ يجد سنده في نطاق التحكيم الدولي كقاعدة عرفية خاصة بتحكيم منازعات التجارة الدولية.

ب- نتائج المبدأ

يمكن تلخيص أهم نتائج هذا المبدأ فيما يلي:
أولا-أن تقرير هذا المبدأ يجعل الهيئة التحكيمية مختصة بالفصل في كل مسألة مرتبطة بمنازعات الاختصاص كعدم وجود اتفاق التحكيم أو بطلانه.
ثانيا- أن هذا المبدأ يعطي أولوية زمنية لهيئة التحكيم للنظر في مسألة اختصاصها، وهذا لا يخل بالرقابة القضائية اللاحقة التي ينص عليها القانون.

خاتمة

إذا كان التحكيم أداة لتحقيق العدالة كما هو الشأن بالنسبة للقضاء إلا أنه يتميز عن هذا الأخير في نطاق التجارة الدولية بميزة جد هامة وهي قدرته على حد المنازعات عن طريق ابتداع حلول مستلهمة من أعراف التجارة والعلاقات عبر الدولية وفقا لمنهج يخدم أو يتماشى وطبيعة التجارة، كما يحقق الأمن والاستقرار القانونيين في مجال إبرام العقود التجارية.
وعلى هذا الأساس ومن خلال استقراء واقع منازعات عقود التجارة الدولية يبدو لنا جليا أن توجه المتعاقدين في تسوية المنازعات يسير نحو أعمال مساطر التحكيم وذلك للمزايا الذي يحققها مقارنة بالقضاء العادي والوطني.
فالمحكم في إطار التحكيم التجاري الدولي يملك كامل الصلاحية في أعمال قواعد وقوانين دولية ووطنية مادامت إرادة الأطراف تتجه إلى ذلك.

لائحة المراجع

? الياس ناصيف، العقود الدولية- التحكيم الالكتروني.
? بقالي محمد المفيد في التحكيم وفق القانون المغربي، مطبعة اسبارطيل ، طنجة سنة 2010.
? فوزي محمد سامي التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة لأحكام التحكيم التجاري الدولي، دار الثقافة للنشر والتوزيع سنة 2012
? أسعد فاضل منديل، أحكام عقد التحكيم وإجراءاته دراسة مقارنة منشورات زين الحقوقية، دار نيبور
? على ظاهر البياتي التحكيم التجاري البحري، دراسة قانونية مقارنة، دار الثقافة 2006ن
? أحمد أبو الوفاء، التحكيم الاختياري والإجباري منشأ المعارف الإسكندرية الطبعة 5 2001،
? عبد الله درميش التحكيم الدولي في المواد التجاري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني كلية الحقوق الدار البيضاء،
? محمد فتح الله حسين، شرح قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، نشر وتوزيع أحمد حيدر- الطبعة الأولى سنة 2008
? أحمد محمد عبد الصادق المرجع العام في التحكيم المصري والعربي والدولي الطبعة الأولى 2006.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]- انظر في هذا الصدد/ فؤاد محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي (دراسة مقارنة لأحكام التحكيم التجاري الدولي) دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2012، ص 5.
[2] - الدكتور الياس ناصيف، العقود الدولية- التحكيم الالكترونية، ص 17 فقرة أولى.
[3] - أسعد فاضل منديل، أحكام عقد التحكيم وإجراءاته دراسة مقارنة منشورات زين الحقوقية، دار نيبور، ص؟
[4]- أسعد فاضل منديل، مرجع سابق، ص 43 فقرة أولى
[5]- أسعد منديل فاضل ، م س، ص 14
[6]- على ظاهر البياتي التحكيم التجاري البحري، دراسة قانونية مقارنة، دار الثقافة 2006ن ص 56.
[7]- أحمد أبو الوفاء، التحكيم الاختياري والإجباري منشأ المعارف الإسكندرية الطبعة 5 2001، ص 15.
[8]- ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 تاريخ 11 رمضان 13 موافق ل 28 شتنبر 1974 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية.
[9] - أسعد فاضل منديل، م س، ص 16.
[10] -أسعد فاضل منديل، م س، ص 18، فقرة 3.
[11] - عبد الله درميش التحكمي الدولي في المواد التجاري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص امعة الحسن الثاني كلية الحقوق الدار البيضاء، ص 234
[12] - راجع محمد سامي التحكيم التجاري الدولي م س، ص 202
[13] - المادة 8 من القانون الاسباني لعام 1988،
القانون ال؟؟ الخاص بالتحكيم الدولي المادة 3).
[14] - عبد الله درميش، مس ص 214
[15] - تنص في المادة 131 من القانون المدني العراقي" إذا كان  العقد في شق منه باطلا فهذا الشق هو الذي يبكل أما الباقي فيظل صحيحا باعتباره مستقلا إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الجزء الباطل".
[16] - الفقرة الأولى من المادة 21 من اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدولة ورعايا الدول العام 1965 "المحكمة هي قاضي اختصاصها le tribunal arbitral est la juge de sa compétence
[17] - قانون التحكيم التجاري اليوناني لعام 1999 المادة 16/1.
Le tribunal arbitral peut statuent sur sa propre compétence y compris sur toute exception relative à l’existence ou à la validâtes de la convention d’arbitrage.
------------------------------------------------------
قد يهمك أيضا:

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات