القائمة الرئيسية

الصفحات

محاضرات في مادة القصد الجنائي

 محاضرات في مادة القصد الجنائي

 محاضرات في مادة القصد الجنائي
 محاضرات في مادة القصد الجنائي


بسم الله الرحمن الرحيم                    
                                   
الجناية لغة:
هي اسم لما يجنيه الإنسان من شر , ويطلق ذلك على الأقوال والأفعال العدوانية والعدوان قد يكون على الإنسان وقد يكون على غير الإنسان وذلك كالاعتداء على النبات والجماد والحيوان. أو على الإنسان قد يكون على النفس وقد يكون على مادون النفس فإذا كان على النفس:
 تسمى الجناية باسم العدوان وذلك مثل الاعتداء على النفس بالغرق أو الحرق أو الصعق الكهربائي (نسأل الله السلامة) ففي كل هذه الأمثال تسمى الجناية باسمه مثل جناية حرق مثلا
-وكذلك إذا كان الاعتداء على مادون النفس تسمى الجناية باسم العدوان أيضا , ودون النفس هو الجسم والعقل والعرض 
-فإذا كان على الجسم تسمى الجناية بإسمها كوقوع ضرب على الجسم فتسمى جناية ضرب
-وإذا كان على العرض بالفعل أو بالقول
فإذا كان العدوان بالفعل تسمى الجناية جناية زنا وإذا كان على العرض بالقول نفرق بين ماإذا كان هذا القول وصف بالزنا أو وصف بغير الزنا
-فإذا كان القول بوصف الزنا كأن يقول شخص لآخر يازاني فهنا تسمى الجناية "جناية قذف" وعقوبة القذف هي الحد
أما إذا قال يافاسق أو أي وصف آخر غير الزنا تسمى الجناية جناية سب وعقوبة السب هي التعزير والأصل في ذلك هو قول الرسول –صلى الله عليه وسلم-(أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) أي إعطاء كل واحد عقوبته على قدر خطأه , والتعزير يبدأ بالتوبيخ وينتهي بالقتل , فالجاسوس والساحر مثلا يقتلان تعزيرا 
-وقد يكون الإعتداء على العقل وهو مثل الشرب والسكر وهو قد يكون بالأكل أو الشرب كأكل شيء مسكر أو شرب خمر مثلا , ومن هنا الشرب أو السكر يستر العقل ولا يذهبه وذلك خلاف الجنون ولذلك اتفق الفقهاء على أن المجنون لو ارتكب جريمة لايعاقب عليها لأن عقله غير موجود
 لكن السكران إذا ارتكب جناية اختلف فيه :
-فإذا سكر من شيء يؤكل تسمى الجناية جناية سكر وإذا سكر من شيء يشرب تسمى الجناية جناية شرب 

وقد اختلف الفقهاء في عقوبة السكران لو ارتكب جناية في حق العبد 

1-ذهب رأي إلى أنه يعاقب مثل الصاحي تماما وقد استدلوا بأن السكران كان يعلم قبل اقدامه على جريمة السكر أنه قد تستره المادة المخدرة فإذا لم يعاقب تكون جريمة السكر تكون سببا في إباحة الجرائم الأخرى التي يرتكبها ضد الإنسان وبالتالي يعاقب مثل الصاحي تماما لأنه هو الذي تسبب في ستر عقله

2-ذهب رأي آخر أن السكران لايعاقب لو ارتكب جريمة ضد العبد أي الإنسان مستدلين بالآتي
-أنه قد يكون هناك شخص يرتكب جريمة يكون سببا فيها ومع ذلك لايعاقب وقد مثل هذا الرأي بالمرأة التي تزني فقد تكون هناك امرأة حملت من الزنا وعندما تضع الحمل تكون في حالة نفاس وعليه فلا تجب عليها الصلاة ولا الصوم على الرغم من أنها هي التي تسببت في ارتكاب الجريمة ومع ذلك لايعاقبها الله سبحانه وتعالى على عدم الصلاة والصوم.
-وكذلك قد يكون هناك شخص يريد أن لايذهب إلى الجيش ويجرح يده وعندما يجرح يده يضع على هذا الجرح جبيرة ومع ذلك لايجبره الشرع عند الوضوء على إزالة الجبيرة بل يجوز له المسح على الجبيرة ومع ذلك لايعاقب على المسح علما بأن بأنه هو الذي جرح نفسه
-وقد رد الرأي الأول على الرأي الثاني أن هذه الجرائم وهي جرائم الزنا وعدم فك الجبيرة هذه جرائم متعلقة بحق الله , أما الجرائم المتعلقة بحق العبد فلا يكون فيها مثل ذلك , ولذلك اختلف الفقهاء في عقوبة القاتل المتعمد إذا اقتص منه هل يعاقب في الآخرة أم لا.
-فذهب رأي أنه يعاقب في الآخرة واستدلوا بقوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)
-كما استدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يأتي المقتول يوم القيامة وأوداجه تشخب دما فيتعلق برقبة القاتل ويقول سل يارب هذا فيما قتلني)
-كما استدلوا بالدليل العقلي : أننا لو نظرنا إلى القاتل الذي اقتص منه نجد أن فعله كان غير شرعي وكان بغير حق ولأجل ذلك اقتص منه ولما أمر القاضي بالقصاص منه كان فعل القصاص منه بحق فإذا انتهى الأمر ولم يعاقب في الآخرة على فعله نكون قد سوينا الفعل الذي حدث بغير حق وهو الفعل الصادر من القاتل مع الفعل الصادر من بحق من القاضي وهذا لايجوز ويزيد على ذلك أن القصاص من القاتل يشفي غليل أهل المقتول ولم يشف غليل المقتول نفسه.

-ذهب رأي آخر قال القاتل المتعمد قال القاتل المتعمد إذا اقتص منه لايعاقب في الآخرة واستدلوا بقوله تعالى (إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) وكان الرد على آية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا.......) قالوا جزاؤه جهنم إن جازاه ولكن قد لايجازى وذلك لو وزنت حسناته وسيئاته ورجحت حسناته وعند ذلك لايجازى فيجازى إذا أراد الله أن يجازيه فيجازيه بجهنم   
وبالنسبة لحديث (يأتي المقتول .........الخ) أنه إذا كان المقتول يتعلق برقبة القاتل ويقول : سل يارب هذا فيما قتلني, يقول القاتل: وأنا أقتص مني !! وعندئذ يبرز الله سبحانه وتعالى منزلة معينة في الجنة , فيقول المقتول : لمن ياربي هذه المنزلة ؟! فيقول الله سبحانه وتعالى:  لمن عفا عن أخيه , فيقول المقتول : عفوت عن أخي وعندئذ يقال له خذ بيد أخيك وادخل الجنة.

وهناك رأي ثالث :
أن السكران يعاقب على الفعل ولايعاقب على القول فإذا أرتكب جريمة فعلية كالقتل والسرقة والزنا يعاقب عليها.أما إذا ارتكب جريمة قولية كمن دخل البيت وقال لزوجته انت طالق أو قذف هذا أو سب ذلك فلا يعاقب عليها. هذا بالنسبة للإعتداء على نفس الإنسان ومادون النفس 
- أما إذا كان الإعتداء على المال فقد يكون خارج المصر أي البلد أو داخل البلد , فإذا كان الإعتداء على المال في الداخل نفرق بين بين ما إذا كان الإعتداء خفية أو ظاهرا , فإذا كان الإعتداء خفية تسمى الجناية جناية جناية سرقة 
- وإذا كان الإعتداء ظاهرا تسمى الجناية جناية غصب.
وفي الشرع عقوبة السرقة القطع إذا كان فوق ربع درهم 
أما إذا كان الإعتداء ظاهرا فمهما كانت قيمة المال فالعقوبة تكون التعزير ولايكون بالقطع والعلة في ذلك أن جريمة الخفية أشد خطرا على المجتمع من الجريمة الظاهرة , لأن المغتصب ظاهرا يعطي فرصة لصاحب المال بالإستغاثة بالشرطة أو بمن حوله, أما المعتدي في الخفية لايعطي الفرصة لصاحب المال في الإستغاثة , ومن هنا كانت جريمة الجريمة الخفية أشد خطرا من الظاهرة وهذا مثل المنافق والكافر 
فالمنافق أشد خطرا من الكافر لأن خطر الكافر يعرفه الجميع لكن المنافق قد لايعرفه البعض وذلك أيضا مثل الزاني والكافر ,, فالزنا أشد من الكفر لأن جريمة الكافر تعود على نفسه هو فقط 
أما جريمة الزنا تعود عليه وعلى المجتمع وقد قال بعض السلف "لم تزني امرأة نبي قط ولكن قد تكون زوجة النبي كافرة , وقد قال القرآن الكريم في ذلك (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيلا ادخلا النار مع الداخلين)
هذا بالنسسبة للإعتداء على المال إذا كان داخل البلد
أما إذا كان الإعتداء الواقع على المال خارج البلد تسمى الجناية جناية حرابة , وأيضا قد يكون هناك اعتداء واقع على الحيوان والنبات والجماد فيسمى هذا الإعتداء جناية إتلاف .
أيضا قد تكون هناك جناية تسمى جناية النهب وذلك مثل لو خطف شخص من أمرأة حقيبتها وفر هاربا وعندئذ تسمى الجناية جناية نهب 
-وهناك جناية تسمى جناية اختلاس مثل أن يأخذ الجاني من غيره ماله دون أن يشعر به وهو مايسمى في المصطلح الديث "النشال"

تعريف الجناية اصطلاحا

هي إتيان أفعال وأقوال حرم الشارع إتيانها أو ترك أقوال وأفعال حرم الشارع تركها.
قال عنها الماوردي: " هي محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير"

-اعترض على هذا التعريف الأخير ووجه إليه النقد من ناحيتين:

الناحية الأولى:
مالذي يقصد به صاحب التعريف من الجريمة , حيث أن الجريمة لها معنيين : معنى عام , ومعنى خاص ,
فالعام يشمل الظاهر والباطن , حيث يشترك فيها القلب والجوارح , أما الباطن فيستقل بها القلب فقط الغل والحسد , أما المعنى الخاص للجريمة فهي يعنى بها الزجر من العقوبات الدنيوية 
-فإذا كان يقصد بالجريمة المعنى الخاص يكون التعريف سليما (كاملا) , وإذا كان يقصد بالجريمة المعنى العام يكون التعريف ناقصا
-فيكون التعريف كاملا إذا كان صاحب التعريف يقصد الجناية الظاهرة فقط لأنها هي التي يكون عليها العقاب في الدنيا وهي الجناية التي يشترك فيها القلب مع الجوارح كالقتل والسرقة والزنا وماشابه ذلك 

-ولكن هناك جناية أخرى يستقل بها القلب فقط ولايكون عليها عقاب في الدنيا مثل جناية الحقد والحسد فهذه الجنايات يستقل بها القلب ولايكون عليها عقاب في الدنيا 
فإذا كان يقصد بذلك المعنى الظاهر للجريمة فالتعريف يكون كاملا 
أما إذا كان يقصد المعنى الظاهر والخفي يكون التعريف ناقصا
كذلك يقصد بكلمة حد هو ماحدده الله ويكون بذلك يدخل فيه عقوبة القصاص فهنا يكون التعريف كاملا , أما إذا كان يقصد بكلمة الحد الحدود فقط يكون هنا التعريف ناقصا لأن الجريمة كما قد يكون عليها عقاب بالحدود والتعزير يكون عليها أيضا عقاب بالقصاص 

شروط الجريمة:

1-أن تكون هناك مخالفة لطلب الشارع 
2-أن تكون هذه المخالفة واردة على سبيل الحتم 
تفصيل : أن يكون هذا الطلب واردا على سبيل الحتم , والطلب إما أن يكون للأمر وقد يكون للنهي , والأمر مثل قوله تعالى : (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) , والنهي مثل قوله تعالى : (ولا تقربوا الزنا )
أما إذا كان الطلب ليس واردا على سبيل الحتم , فمخالفته لاتعد جريمة دنيوية يعاقب عليها القضاء مثل عدم كتابة الدين وعدم الذهاب إلى الصلاة أثناء البيع .
3-أن يرتب الشارع على هذه المخالفة عقوبة دنيوية.

أركان الجريمة: 

1-أن يكون هناك فعل, وهذا الفعل كما تقدم يكون ماديا : كالضرب, ومثاله أيضا : القتل بسلاح ناري او آلة قتل مثلا 
, وقد يكون العمل معنويا: أيضا كالصيحة التي تؤدي إلى موت المصاح عليه, ومثاله أيضا: أن تخبر شخصا معينا مريض القلب بخبر يؤثر على قلبه سواءا كان هذا الخبر مفرحا أو محزنا يؤدي إلى موته 
 , وكذلك كما قد يكون هذا الفعل إيجابيا قد يكون سلبيا , والفعل السلبي (جريمة الترك)
فهناك فعل وهذا الفعل قد يكون إيجابي وقد يكون سلبي وقد يكون مادي وقد يكون معنوي 
الفعل الإيجابي : لاخلاف بين العلماء في العقاب عليه بالقصاص إذا كان هناك قتل وذلك مثل مباشرة الفعل 

والفعل السلبي ( الترك ) نوعان :

النوع الأول : هناك ترك يكون في ذاته جريمة كترك الصلاة والزكاة 
النوع الثاني : هناك ترك يؤدي إلى ارتكاب الجريمة
 نخلص من هذا :
الفعل الإيجابي : هو فعل يؤدي إلى وقوع الجريمة.
الفعل السلبي : هو الإمتناع الذي يؤدي إلى وقوع الجريمة 

وقد اختلف الفقهاء في هذا الترك هل يأخذ حكم الفعل الإيجابي أم لا ؟ هناك أربعة أراء :

1-الرأي الأول: أن الفعل السلبي يأخذ حكم الإيجابي كمن عند فضل ماء ويعرف أن هناك آخر يحتاج إليه فلم يعطه حتى مات فعليه القصاص.

2-الرأي الثاني: الفعل السلبي لايأخذ حكم الفعل الإيجابي وعليه لاقصاص في المثال السابق.

3-الرأي الثالث: أن الفعل السلبي يأخذ حكم الفعل الإيجابي إذا سبقه فعل إيجابي , مثال حبس رجل في غرفة ثم 
العمل على موته بوضع غاز حول هذه الغرفة وإحراقها.

4-الرأي الرابع: أن الفعل السلبي يأخذ حكم الفعل الإيجابي إذا كان الذي فعله مكلفا مثل رجل الإطفاء بمعنى أنه لابد أن يكون الشخص الذي صدر منه الفعل السلبي مفروضا عليه العمل الإيجابي مثل رجل المطافيء في المثال السابق فإن المفروض عليه القيام بالعمل الإيجابي فلو حدث أنه تقاعس عن ذلك فكأنه ارتكب عملا إيجابيا , فلو احرقت النار شخصا معينا فيعاقب عندئذ بالقصاص إذا ادى التقاعس إلى موت هذا الشخص.

الركن الثاني:
أن يكون هناك مخالفة لنص الشارع , وهذه المخالفة لايترتب عليها عقاب في الدنيا إلا إذا انطبق النص على فاعل الجريمة وزمان الجريمة ومكان الجريمة 

فبالنسبة لفاعل الجريمة : اشترط أن يكون مكلفا والمكلف هو الإنسان البالغ العاقل المختار اختيارا لا إكره فيه ولاشبهة ودليله قوله عليه الصلاة والسلام "رفع القلم عن ثلاث" وسيأتي تفصيل ذلك.

وأما بالنسبة لزمان الجريمة: أن تكون الجريمة واردة بعد ورود النص بالنهي عنه , بمعنى أن يسبق النص ارتكاب الجريمة لقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)
وأما بالنسبة لمكان ارتكاب الجريمة: فيشترط أن تكون الجريمة قد ارتكبت في مكان آمن لاغزو فيه ولاحرب لقوله عليه الصلاة والسلام (لاتقطع الأيدي في الغزو ) وعلى ذلك يؤخذ من هذا الحديث أن المسلم لو ارتكب جريمة في الغزو لاتقام عليه عقوبة حتى لايلحق بالكفار خوفا من العقاب.

تفصيل العنصر الأول أن يكون فاعل الجريمة مكلفا:
المكلف هو البالغ العاقل المختار بإختيار لاشبهة فيه
أ-بالنسبة للبالغ اختلف الفقهاء حد البلوغ :
-البعض قال يعرف البلوغ بظهور علامات البلوغ ذكرا كان أو أنثى 
-والبعض قال إذا كان حد البلوغ بهذه الطريقة فهذه الطريقة تؤدي إلى ظلم الآخر الذي ولد معه في نفس الدقيقة لو حدث أنهما أرتكبا معا جناية في وقت واحد فبناءا على هذا الرأي يعاقب الذي بلغ ولا يعاقب الذي لم يبلغ , ولذلك قال الرأي الثاني يعرف البلوغ بالسن واختلفوا في حد السن , فبعضهم قال 12 سنة والبعض قال 18 سنة والبعض قال 21 سنة.

ب-بالنسبة للعقل:
هناك فرق بين الجنون والسكران , حيث ان الجنون يزيل العقل , والسكر يغيبه لفترة السكر ولذلك :
-اتفق الفقهاء على أن المجنون لايعاقب لو ارتكب جريمة قتل وذلك على أساس أن عقله غير موجود ولكنهم اختلفوا في عقاب السكران الذي سكر برغبته بمواد محرمة حيث أن هناك من قال أنه يعاقب مثل الصاحي تماما وذلك على أساس أنه كان يعلم أنه بإمكانه أن يرتكب جريمة قتل نتيجة سكره من أثر الشرب.
لكن لايجوز أن يكون ارتكاب جريمة الشرب سبب من اعطاء جريمة أخرى كالقتل مثلا.

-رأي ثاني : ذهب إلى القول أن السكران لايعاقب على جريمة القتل وذلك على أساس أن السكر كان حائلا بينه وبين حقيقة خطاب الشارع بالمنع من القتل كما أن هناك من يكون سببا في ارتكاب جريمة ومع ذلك لايعاقبه الله تعالى , مثل المرأة التي حملت من الزنا فعندما تضع حملها تكون في حالة نفاس وفي هذه الحالة لايطالبها الشرع بالصلاة والصيام.
وقد رد على هذا الرأي بأن الحقوق المتعلقة بحقوق الله غير الحقوق المتعلقة بحق العبد , فالذي يرتكب جريمة في حق العبد ويريد أن يتوب فلا تصلح التوبة إلا إذا رد الحق إلى العبد على أساس أن القاعدة الشرعية تقول (حقوق العباد لاتسقط بالتوبة).



ج-بالنسبة للإختيار فهو على نوعين:
اختيار فيه شبهة , واختيار من غير شبهة
الإختيار الذي فيه شبهة:
يكون تحت الإكراه وبالإرادة , لكن دون رغبة
والثاني : يكون بالإرادة والرغبة
وعليه إذا وجدت الرغبة وجدت الإرادة , ولكن قد توجد الإرادة ولاتوجد الرغبة , ومن هنا ذهب فريق من الفقهاء ان من يقتل آخر بالإكراه أحدهما قال يعاقب بالقصاص , والآخر قال لايعاقب بالقصاص.
  
-رأي ثالث يقول: أن السكران يعاقب على أفعاله ولايعاقب على أقواله , فلو دخل السكران إلى المنزل وقال لزوجته أنت طالق لايؤخذ بكلامه , كذلك إذا قذف شخص أو سبه لايعاقب على قوله , أما لو ارتكب فعلا معينا كالسرقة أو الزنا فإنه يعاقب وهذا الذي نؤيده ونميل إليه.
الركن الثالث:
أن يكون هناك قصدا لإرتكاب الجريمة , والقصد أنواع متعددة :
: قصد العمد , قصد شبه العمد , قصد الخطأ , القصد الجاري مجرى الخطأ , قصد القتل بسبب , وتوجد جرائم بدون قصد.
أ- فبالنسبة لجريمة القتل العمد لابد أن يكون هناك قصدان :
قصد اعتداء , وقصد نتيجة الإعتداء 
ب-أما بالنسبة لقصد شبه العمد فيكفي فيه قصد واحد فقط:
وهو قصد الإعتداء 
ج-أما جريمة الخطأ , فهي تتطلب أن يكون هناك قصد إهمال.
والخطأ أربعة أنواع :
الأول: خطأ في الفعل : 
(اعتقاد حل الفعل الحلال الذي يؤدي إلى فعل الخطأ)
وهو أن الجاني يعتقد أن فعله مباح مثل : من يخرج لصيد الطيور مثلا فيصيب إنسان خطأ

الثاني:خطأ في القصد:
وهو أن يخطيء في التنشين – مثاله: من يرى اثنان في الحرب أحدهما مسلم والآخر عدو الإسلام فأراد أن يقتل عدو الإسلام فقتل المسلم 

الثالث: خطأ في الشخص:
وهو أن يرى الجاني اثنان معصومي الدم أحدهما عدو له والآخر غير ذلك  فيريد أن يقتل العدو له  فقتل الشخص الآخر 

الرابع:الخطأ في الشخصية:
وهو أنه لم يخطأ في التنشين وأصاب او قتل هدفه وبعد قتله وجده شخصا آخر غير هدفه فهنا أخطأ في شخصية الشخص المقتول

د-القتل الجاري مجرى الخطأ:
مثاله: المرأة تقوم من نومها فتجد نفسها نائمة على طفلها وقتلته بسبب نومها عليه فهذا الفعل يسمى الجاري مجرى الخطأ ولايسمى خطأ ,  والفرق بينهما أنه في الفعل الخطأ الجاني يعلم بإرتكاب الجريمة , أما الفعل الجاري مجرى الخطأ فالجاني لايعلم بإرتكاب الجريمة.

ه-القتل بالتسبب (القتل بسبب):
 مثل أن يحفر حفرة في الطريق ولم يضع عليها علامة فيقع فيها شخص فيموت

المحاضرة الثالثة : القتل 

تعريف القتل: هو إزهاق روح آدمي به حياة مستقرة بفعل إنسان مباشرة أو تسببا 

شرح التعريف:  الإزهاق هو الإنهاء – روح آدمي أي روح غير إنسان فتخرج أرواح الحيوان فإنه لايعد قتلا ولكن يعد اتلافا.
قولنا (به حياة مستقرة) : يخرج بذلك قتل الإنسان الذي به حياة غير مستقرة فقتله فيه خلاف مثل قتل شخص منهية حياته إكلنيكيا كشارون مثلا.
-وإذا كانت حياته غير مستقرة يرجع الأمر إلى أهل الذكر هم الذين يقررون الإستقرار من عدمه 
قولنا (بفعل الإنسان) تخرج من عندنا القتل الذي يكون بفعل الحيوان , فإذا قتل إنسان بفعل غير الإنسان كالحيوان مثلا ففيه خلاف وهذا الخلاف مؤسس على مبدأ الدفاع الشرعي 
فلو قتل انسان آخر بطريق الحيوان كالكلب مثلا فالبعض يقول بالقصاص من صاحب الحيوان 
على اعتبار أن الحيوان كان بمثابة الآلة في يد القاتل 
-والبعض الآخر يقول بعدم القصاص واعتبار أن القاتل هنا هو الحيوان  وذلك بناءا على أن الدفاع الشرعي يكون في مواجهة الخطر , والخطر يكون في مواجهة الحيوان لا الإنسان 

قولنا في التعريف السابق (مباشرة) أي المباشرة كالقتل بالسلاح مثلا.
-كلمة مباشرة متفق عليها بين الفقهاء بأن الذي يقتل بالمباشرة مع باقي الشروط والأركان الأخرى التي تقتضيها جريمة القتل يعاقب بالقصاص.

قولنا (أو تسببا) تقتضي أن ننظر إلى صور السبب , حيث أن صور السبب أنواع نتكلم عنها بالتفصيل.

صور السبب:

1- سبب حسي: ويتمثل ذلك في القتل بالإكراه , حيث اختلف الفقهاء في القتل بالإكراه , حيث قال البعض بالقصاص منه , وذلك على أساس أنه فضل إحياء نفسه على إحياء غيره.
والقول الآخر قال بعدم القصاص وذلك على أساس أن القصاص عقوبة متناهية , أي ليس بعد الموت شيء , وهذا يقتضي أن يكون على جريمة متناهية ,بمعنى أن يكون على جريمة ليس فيها شك , فإذا كان القصاص يؤدي إلى الموت بلاشك فلا يكون إلا على جريمة وقعت بلا شك.
لما كان القتل بالإكراه بمثابة الشبهة من القاتل حيث يشك في أن القاتل كان يرغب في القتل أم لا , وهذا يعد بمثابة الشبهة التي تدرأ القصاص.

2-سبب شرعي : وذلك مثل لو شهد اثنان على إنسان أنه قتل شخص آخر فما كان من القاضي إلا الحكم بالقصاص على المشهود عليه , ثم بعد ذلك جاء كل من الشاهدين ورجع عن شهادته فقهل يقتص من الشاهدين أم ؟ اختلف العلماء في ذلك ؟
أ- رأي أول: يقول يقتص منهما وذلك على أساس أنهما قتلاه بآلة غالبا ألا وهي الشهادة عليه .
ب-رأي ثاني : يقول بعدم القصاص منهما وذلك على أساس أن القصاص يقتضي المساواة , وإذا حدث قصاص لهما يكون بالمباشرة علما بأنهما قتلاه بالسبب , فكيف تتساوى المباشرة مع السبب..

3-سبب عرفي : وذلك مثاله من قدم طعاما مسموما للضيف , ومات الضيف من ذلك فهل يقتص من صاحب الطعام أم لا ؟ اختلف الفقهاء في ذلك 
أ- الرأي الأول يقول : يقتص من صاحب الطعام وذلك سدا للذريعة بعدم القتل بهذه الطريقة 
ب-الرأي الثاني يقول: أننا ننظر إلى كمية السم هل تقتل مثل هذا الشخص الذي في حالته أم لا؟
فإذا كانت تقتل الرجل العادي فوجب القصاص وإلا فلا قصاص.

ج-رأي ثالث يقول : ننظر إلى القصد من هذه الطريقة (القرينة والظروف التي كانت تحيط بمن قدم الطعام)
هل كان هذا الشخص يريد توقف صوت الشخص المجني عليه , أم يريد قتله ؟! , فإذا كان يريد قتله فالقصاص وإلا فلا قصاص.

مالحكم لو اجتمع السبب مع المباشرة في القتل :

القاعدة الفقهية تقول :
لو اجتمع السبب مع المباشرة في القتل يكون القصاص لصاحب الفعل الغالب 
-ونعرف أن هذا هو الفعل الغالب إذا كانت هناك عداوة  فتكون المباشرة هي الغالبة لو كانت عدوانية.

-ذهب رأي آخر إلى القول: انه حتى يقتص من صاحب المباشرة  لابد أن يكون السبب فيه سلامة ,
أما إذا لم يكن السبب فيه سلامة- فيكون القصاص من الإثنين معا- وذلك مثل لو ألقى شخص آخر من فوق الجبل ثم جاء عدو الملقى على الأرض وأجهز عليه أي قضى عليه وقتله .
-فالذي يشترط في السبب السلامة يكون القصاص من الإثنين لأن الإلقاء ليس فيه سلامة .

-أما الذي لايشترط في السبب السلامة فيكون القصاص من الذي قتله فقط ومثال ذلك:
لو ألقى إنسان آخر بحمام سباحة فيه قدر قليل من الماء كمنسوب عشر سنتيمتر وكان الملقى في الماء يستطيع الخروج من الماء ولم يخرج , فجاء شخص آخر وقتله فهنا يكون القصاص من المباشر.

-أما إذا تعادل السبب مع المباشرة فيكون القصاص من الإثنين معا (صاحب فعل السبب وصاحب فعل المباشرة ) وذلك مثل لو أمسك إنسان بشخص وجاء إنسان آخر وقتل الشخص الممسوك فهنا القصاص من الإثنين معا لتعادل السبب مع المباشرة وذلك على أساس أنه لولا المسك ماكان القتل , ولولا القتل ماكان الموت.




-العلاقة السببية بين الفعل والموت –

تعريف العلاقة السببية:
هي ارتباط الأثر بالفعل , أو ارتباط الموت بالفعل , او حدوث الموت من الفعل , وتوجد العلاقة السببية في أمرين وتنقطع في ثلاثة .
أولا :متى توجد العلاقة السببية بين الفعل والموت؟

توجد العلاقة السببية بين الفعل والموت في أمرين:

1-إذا كان الموت نتيجة لهذا الفعل 
2-إذا اشترك الفعل مع غيره من الأفعال , وكان هذا الفعل لو انفرد يؤدي إلى هذه النتيجة ومثال ذلك :
لو ضرب شخص آخر مما أدى إلى طلب الإسعاف , وأثناء الذهاب إلى المستشفى حدثت حادثة للسيارة وبعد وصوله للمشفى شب حريق بها أدى إلى موت هذا الشخص نتيجة الحريق.... فإلى من ينسب قتله ؟ القاعدة في الفقه ننظر إلى هذا السبب , هل لو كان وحده يؤدي إلى الموت أم لا ؟ 
توضيح ذلك:
في المثال السابق هنا ننظر إلى العلاقة السببية على أساس أن الفعل الذي لو كان وحده من غير باقي الأفعال كان يؤدي إلى الموت يكون هو الذي ينسب إليه الموت (أو السبب الأقوى) فلو كانت الضربة تؤدي إلى الموت من غير اشتراك الحادثة أو الحريق ينسب الموت إلى هذه الضربة, وكذلك الحادثة والحريق فأي فعل من الثلاثة ينسب إليه الموت بإنفراده : أي ينسب إليه الموت دون باقي الأفعال.

ثانيا: متى تنقطع العلاقة السببية بين الفعل والموت:

تنقطع في حالات:
1- إذا حدث البرء أي الشفاء للمجني عليه بعد الفعل ثم مات بعد ذلك.
2- إذا كان الفعل لايؤدي إلى الموت والدفع موثوق به فهنا تنقطع علاقة السببية ومثال ذلك:
كما لو ألقى إنسان بآخر في حمام سباحة به ربع متر من المياه , وقد استلقى الملقى به في المياه حتى مات, فهنا تنقطع العلاقة السببية بين الذي رماه وبين الموت حيث كان المجني عليه في استطاعته الخروج من حمام السباحة.

3-إذا كان الفعل يؤدي إلى الموت والدفع موثوق به ومثال ذلك:
كمن يلقي بشخص سباح عالمي في مياه النيل ومات هذا الشخص بناءا على هذا الإلقاء 
فهنا اختلف العلماء في القصاص من الشخص الذي ألقاه:
-البعض قال ليس على الشخص الذي ألقاه القصاص لأنه ألقى بسباح عالمي حيث يعتقد الجميع خروجه من الماء (انقطاع علاقة السببية)
-البعض قال عليه القصاص وذلك على أساس أنه قد يكون الإلقاء فجأة أدى إلى توقف القلب مما قد يكون قد أدى إلى الموت , ومن ثم يكون على الشخص الذي ألقي القصاص (وجود علاقة السببية)

المحاضرات المملاة في مادة القصد الجنائي 
والله الموفق لما يحبه ويرضاه ونسأل الله التوفيق والسداد والرشاد

توضيح :

إنقطاع علاقة السببية:

1-إذا حدث البرء أي الشفاء للمجني عليه من الفعل ثم مات فهنا تنقطع علاقة السببية بين الفعل والموت.

2-إذا كان الفعل التالي أقوى من الفعل الأول وذلك مثل لو حدث ضرب المجني عليه من جسمه أو رجله ثم جاء آخر وضرب رقبته فهنا ينسب الموت إلى الذي حز رقبته ويكون الفعل التالي قد قطع العلاقة بين الموت وبين الفعل الأول.

3-إذا كان المجني عليه لديه قدرة على الدفع ولم يدفع وهنا نقف أمام أمور ثلاثة:

أ-إذا كان الفعل يؤدي إلى الموت والدفع غير موثوق به :
فهنا توجد العلاقة السببية بين الفعل والموت وذلك كما لو ضرب رجل آخر ولم يستطع الآخر الدفاع عنه.

ب- إذا كان الفعل لايؤدي إلى الموت والدفع موثوق به :
فهنا تنقطع العلاقة السبببية ومثاله:
كما لو ألقى إنسان بآخر في حمام سباحة به ربع متر من المياه , وقد استلقى الملقى به في المياه حتى مات , فهنا تنقطع العلاقة السببية بين الذي رماه وبين الموت حيث كان المجني عليه في استطاعته الخروج من حمام السباحة بسهولة!!

ج-إذا كان الفعل يؤدي إلى الموت والدفع موثوق به:
حدث خلاف بين الفقهاء في وجود علاقة السببية بين الفعل والموت إذا كان المجني عليه قد مات 
مثال ذلك : لو ألقى إنسان سباحا عالميا في نهر النيل ومات هذا السباح عندما ألقي في الماء 
فاختلف الفقهاء في ذلك؟
أ-البعض قال بانقطاع علاقة السببية 
على أساس أن السباح يعتقد الجميع خروجه بيسر من الماء 
ب-البعض قال بوجود علاقة السببية وعدم انقطاعها وذلك لأن الإلقاء فجأة قد يؤدي إلى توقف القلب مما يؤدي بدوره للموت . 

النظام العام في تنازع القوانين
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات