القائمة الرئيسية

الصفحات

الوساطة والتحكيم في الميدان الاجتماعي

الوساطة والتحكيم في الميدان الاجتماعي

الوساطة والتحكيم في الميدان الاجتماعي
الوساطة والتحكيم في الميدان الاجتماعي

لقد عرف قديما ثنائية كوسيلة لحل النزاع حيث كانت تمارس هذه الثنائية من طرف أفراد محددين؛ لما لهم من خبرة وحكمة وسمعة طيبة لمواجهة المشاكل وحلها بطرق سلمية انطلاق من شهادة الشهود، والحياد والقياس والاستقلالية.
وقد تطورت هذه الوسائل لنجاعتها حتى أصبحت البديل في ظل القوانين الوضعية وخصوصا قانون الشغل لما يحويه من نزاعات ناتجة عن طبيعته وعدم موازنته بين أطراف العلاقة التعاقدية.


ونظرا لما تتسم به هذه الثنائية من تسوية للنزاعات والتصالح بين الأطراف المتنازعة، وما تلعبه قدر الإمكان من إبعاد الأطراف المتنازعة عن أنظار القضاء وجمود نصوصه وعن تكلفهم عناء البحث والتدقيق في ذلك، كان لا بد من دراسة هذا الشأن في إطار مقارنة بين التشريعين الموريتاني والمغربي، فما هي الوساطة؟ وما هو التحكيم؟ وما مدى انعكاسهما على استمرار العلاقة الشغلية؟
سنحاول من خلال هذه الأسئلة تقسيم الموضوع إلى مبحثين: أتناول في الأول "دور الوساطة ونجاعة التحكيم في الميدان الاجتماعي" على أن أتناول في المبحث الثاني "عوائق وإيجابيات الوساطة والتحكيم"  

المبحث الأول: دور الوساطة ونجاعة التحكيم في الميدان الاجتماعي


تعتبر الوساطة والتحكيم وسائل بديلة لحل النزاعات كما أنها آلية لخدمة المقاولة وتنمية لعمل الاستثمار ومرونة في مساطر العلاج بين أطراف النزاع بعد عجز القوانين الحالية في حل المشاكل المتعلقة بالقطاعات التمويلية؛ فما دور الوساطة في النسيج الاجتماعي؟ (المطلب الأول) وما مدى تأثير التحكيم في التخفيف على العبء القضائي؟ (المطلب الثاني)

المطلب الأول: دور الوساطة في النسيج الاجتماعي

تعرف الوساطة بأنها "وسيلة اختيارية وودية وسرية لحل النزاعات؛ تتم عبر تدخل طرف ثالث محايد لحل النزاع يسمى الوسيط يتوفر على الحياد وعدم التمييز ومشروط بذلك قبوله الأطراف".
من خلال هذا التعريف يمكن القول بملائمة الوساطة للواقع لما تمليه من اعتبارات مرتبطة في الأساس بقلة تكلفة هذه الآلية مقارنة بالدعوى القضائية وإلى جانب كون النسيج الاقتصادي يتشكل أساسا من مقاولات صغرى ومتوسطة تتميز بهشاشة بنيانها وضعف قدراتها المالية مما لا يمكنها من مواجهة التكاليف المرتفعة للنزاعات التي قد تنشب بينها وبين شركاتها والتي ينظر فيها القضاء الرسمي عادة أو الخاص "التحكيم" ولتفعيل دور الوساطة في المجال التشريعي نجد المشرع الموريتاني قد أولاها أهمية خاصة حينما أفرد لها وللتحكيم فصلا كاملا شملت عدد مواده 14 مادة (342-356) من م ش[1] كما نجد المشرع المغربي أفرد لهما بابا تحت عنوان تسوية نزاعات الشغل الجماعية شملت عدد مواده 15 مادة من المادة (551 - 566) من م ش م[2]
وبما أن الوساطة وسيلة غير رسمية، يمكن للأطراف المتنازعة من خلالها الاعتماد على حل معقول يراعي مصالحهم ويضمن إلى حد ما توازن حقوقهم خاصة بالنسبة للنزاعات التجارية ذات الأهمية، أو بالنسبة للنزاعات غير التجارية، كما أن مجال تطبيقها عادة يكون أوسع من مجال التحكيم لمراعاته خصوصيات النزاع وعدم المساس بعقد الشغل واستمرار نشاط المقاولة[3].
ويتم عرض النزاع على لجنة الوساطة بعد عدم التوفيق الكلي أو الجزئي بين الأطراف أمام مفتش الشغل المعني في الإقليم طبقا للشروط المنصوص عليها، ولا يجوز عليها النظر إلا في نقاط النزاع المذكورة في المحضر القائم بالتوفيق والتي لا تزال موضع خلاف، وفي كل النقاط التي نتجت عن أحداث لاحقة لهذا المحضر كنتيجة للنزاع المنظور كما يجوز للجنة اللجوء من تلقاء نفسها في أي وقت إلى مساعي الخبراء أو أي شخص آخر مؤهل لتقديم معلومات أو إيضاحات حول الموضوع، وبالمقابل تلتزم اللجنة بالمحافظة على السر المهني، ولا يجوز أن تتعدى الوقت المسموح لها به لفض النزاع مع تحرير محضر بجميع العمليات التي قامت بها مفصلة فيها نقاط الخلاف ونقاط الاتفاق محيلة إياه في الأجل القانوني إلى لجنة التحكيم التي يبقى لها النظر فيه قانونيا.
فما مدى تأثير التحكيم على النقاط السابقة؟ وهل له من دور في تخفيف اكتظاظ ملفات النزاع المعروضة على أنظار القضاء؟ هذا ما سنتناوله في المطلب الموالي

المطلب الثاني: تأثير التحكيم على العبء القضائي

يتميز التحكيم بأنه قضاء خاص مصدره في الغالب الاتفاق لأنه ينشأ من حرية الأطراف ومن ثم تكون مهمة المحكم كمهمة القاضي والقرار الذي يصدر عن المحكم مثله القرار الصادر عن القاضي إلا أن الأول لا يعتبر قضاء عاما بل قضاء خاص.
ولأهمية التحكيم فقد اتجهت المعاهدات والاتفاقيات الدولية لتفعيله على المستوى الدولي، إذ وضعت اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، والوساطة والتوفيق والصلح لحسم النزاعات، يرجع إليها قبل اللجوء إلى التحكيم، كما فعلت باتفاقية البنك الدولي بشأن تسوية منازعات الاستثمار إضافة إلى نظام المصالحة والتحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية[4].
وتزداد أهمية التحكيم في قانون العلاقات الاقتصادية لما يوفره من سرعة للبت في المنازعات وسرية تامة تجعل الأطراف يطمئنون إليه لكونه يحافظ على أسرارهم الداخلية والمهنية كما يتميز التحكيم بالسرعة في البت بكفاءة وحنكة ودراية المحكمين في ميدان النزاع القائم، كما يعهد بإجراء التحكيم إلى حكم يختاره الأطراف باتفاق بينهم ضمن قائمة حكام تصدر بقرار من الوزير المكلف بالشغل، بعدها تشكل لجنة التحكيم التي ينبغي أن لا تنظر إلا في موضوعات النزاع الموضعة في محضر عدم التوفيق الكلي أو الجزئي أو التى نتجت عن أحداث لاحقة لهذا المحضر كأثر مباشر للنزاع كما أن من خصوصيات التحكيم أن الأطراف ليسوا ملزمين ذوات بحضورهم بل يجوز لهم أن يكونوا ممثلين أمام اللجنة المذكورة، ويتمتع مجلس التحكيم بنفس الصلاحيات التي تتمتع بها لجنة الوساطة في اللجوء في أي وقت إلى خبير أو من يستند عليه في الرأي بعد اتخاذ الإجراءات ببت المحكم في القضية، وبالتالي يبقى للأطراف حق الطعن فيه في الآجال المحددة قانونا علما أن القرار غير قابل للطعن بالاستئناف وقابل للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا حسب القانون الموريتاني[5]، وقابل للطعن بالنقض أمام الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى حسب القانون المغربي.[6]
وبناء على ما سبق يمكن القول بجدوائية التحكيم كمؤسسة تحاول التخفيف قدر الإمكان من وطأة وحدة النزعات اليومية التي تبقى متراكمة علي القضاء، إلا ان التساؤل يبقي مطروحا حول العوائق التى تحد عادة من اللجوء إليه رغم إيجابياته الواضحة؟ فما مدى جدية الحلول المقترحة في مواجهة ذلك؟ هذا ماستناوله في المبحث الموالي.

المبحث الثانى: العوائق والإيجابيات


إذا كان اللجوء إلى الوسائل البديلة لتسوية النزاعات أمر مألوفا فى إطار العلاقات التجارية والاستثمار الدوليين بالنسبة للأطراف لحاجتها إلى رؤوس الأموال والخبرة الفنية، إلأ أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للعلاقات الداخلية التى يحصل النزاع بشأنها لاعتمادهم على الوسائل البديلة، إلا أن هذه الأخيرة تبقى لها عوائق (المطلب الأول) كما أن لها إيجابيات (المطلب الثانى).

المطلب الأول: عوائق الوساطة والتحكيم

هناك فرق جوهري بين التحكيم والوساطة، حيث أن هذه الأخيرة تهدف للتوصل لحل ودي بصيغة الاطراف بأنفسهم بفضل تدخل طرف ثالث محايد وهو الوسيط، على عكس المحكم الذي يفصل في النزاع بإصدار حكم يفرض على أطراف النزاع، وأنطلاقا من تشخيص لمختلف الإختلالات التى تعانى منها العدالة بصفة عامة، والقضاء على وجه الخصوص(أي عدم الاستقلالية)، فإن تدخله سواء في مرحلة تفعيل هذه الوسائل أو في مرحلة التنفيذ يكون مطبوعا بالمعيقات التى تعترى هذا الجهاز غير الفعال مما يؤثر على السير العادي لهذه الوسائل[7].
والجدير بالذكر أن القضاء الفعال يلعب دورا إيجابيا في مختلف مراحل مسلسل الوسائل البديلة، إذ يتولى تذييل العقبات التى تعترض مسار هذه الآليات ويمارس رقابته التي تشكل صمام الأمان لحمايته.
إضافة إلى ذلك هناك جهل تام من قبل غالبية مسؤولي المقاولات بوجود هذا الثنائي (الوساطة والتحكيم) كوسيلة بديلة عن القضاء الرسمي، وفي هذا الصدد وإذا كانت ثقافة الخصومة متجذرة لدي أطراف النزاع، فإن المحامين مجهوداتهم تبقي ضعيفة ومحدودة في حث موكليهم للجوء إلى اعتماد الطرق البديلة لتسوية النزاعات[8]، وبالفعل فإن التوجه الغالب لدي المحامين هو عدم انخراطهم بكيفية شبه عامة في كل حل خارج الجهاز القضائي اعتقاد منهم أن ممارسة الوساطة والتحكيم من شأنه أن يؤدي إلي تراجع مهمتهم أو تراجع حجم مداخلهم، ويبدوا ان هذا التصور مجانب للصواب لأن مايهدد مصالح المحامين ليس هو اعتماد الوسائل الودية بل عدم الكفاءات القانونية وعدم القدرة على مجابهة المنافسة.
وإذا كان هذا من أهم العوائق التى تقف أمام هذه الثنائية البديلة والمختصرة للوقت المطلوب، فهل من إيجابيات تضفى عليها الاستمرارية مستقبلا؟ ذلك ماسنتناوله في المطلب الموالى.

المطلب الثانى: إيجابيات الوساطة والتحكيم

إن اللجوء إلى الوساطة أمر أختياري، وبالتالى لايمكن القيام بأي إجراء دون موافقة أطراف النزاع، كما يمكنهم في أي وقت الانسحاب من عملية الوساطة، كما أن التحكيم نظام يتسم بحل المنازعات خلال مدة معينة ومحددة سلفا يختار خلالها الأطراف الإجراءات التي يرتضون تطبيقها عليهم حتى يصدر حكما أو صلحا يلزمون به، لذا سنأخذ كل من إيجابيات الوساطة(1) وكل من إيجابيات التحكيم(2).
1 ـ ايجابيات الوساطة:
من بينها:
ـ الخصوصية، حيث تكفل الوساطة محافظة طرفي النزاع بينهم دون تفشييها
ـ محدودية التكاليف، أي ان التكاليف المالية أقل من كلفة التقاضي أو التحكيم
ـ تحقيق مكاسب مشروعة للأطراف
ـ المرونة لعدم وجود إجراءات وقواعد مرسومة ومحددة
ـ المحافظة علي العلاقات الودية بين أطراف النزاع
ـ استغلال الوقت والحصول على حلول سريعة
ـ تجاوز عقبات النزاع اثناء جلسات الوساطة
ـ توفير ملتقي للأطراف قبل بدء المحاكمة.[9]
ـ تنفيذ أتفاقية التسوية رضائيا عكس الحكم القضائي الذي يتم تنفيذه جبرا، وإذاكان هذا من اهم إيجابيات الوساطة فما هي أهم إيجابيات التحكيم.
2 ـ إيجابيات التحكيم:
للتحكيم فوائد كثيرة منها على سبيل المثال:
ـ البعد عن إجراءات التقاضي المطولة التي قد تصل إلى سنوات لأنه مشروط بمدة معينة
ـ يخضع في جميع إجرائه إلى أتفاق الأطراف حتي اختيار المحكمين
ـ القضاء يمتنع عن نظر الدعوي إذا وجد مشارطة تحكيم، وبالتالي ضمان سرعة إنجاز الفصل في الدعوى عن طريقه[10].
ـ محاولة تجنب ضياع الوقت أمام أنظار القضاء
ـ قلة التكاليف والنفقات
ـ سرية المنازعات.
وتأتي أهمية أخري للتحكيم في كونه يساعد بشكل أساسي في انتعاش الحياة التجارية وتشجيع المستثمر على الدخول في استثمارات كبيرة وفي علاقة تجارية واسعة دون الخوف من مجرد ضياع الحقوق وإطالة أمد التقاضي.[11]
وإذا كان ماسبق من أهم مميزات وإيجابيات الوساطة والتحكيم كثنائية مرغوب في اللجوء إليها، فإن الصلح الذي يتمخض عنهما عادة يكتسي قوة الشيء المقضي به بين الاطراف، ويمكن أن يذيل بالصيغة التنفيذية، لهذه الغاية فإن رئيس المحكمة المختصة محليا للبت في موضوع النزاع هو المختص بإعطاء الصيغة التنفيذية.[12]
خاتمة
من الاهمية بمكان الإشارة إلى كون هذه الثنائية جاءت كوسيلة بديلة لحل النزاع بصفة عامة، لكونها تمثل مجموعة من الأدوات القانونية لحسم النزاع بشكل متميز عن مقتضيات المساطر القانونية أمام المحاكم، كما تساهم في خلق عدالة منصفة وسريعة في الزمان والمكان، وذلك عن طريق الوساطة والتحكيم، سواء كانت النزاعات مدنية أو تجارية أو إدارية أو إجتماعية لأن ذلك يظهر في صلب الحداثة القانونية، وتطوير أجهزة الأداء القضائي ليستجيب لمتطلبات تحقيق العدالة، ونشر سبل التنمية والإصلاحات الكبري لإرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبالتالي سيادة المؤسسات الدستورية.
---------------------------------------------------------------------------------------------
[1]القانون رقم 2004 – 017 صادر بتاريخ 6 يوليو 2004 المتضمن لمدونة الشغل الموريتانية.
[2]القانون رقم 65.99 الصدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 194.03.1 في 11 سبتمبر 2003.
[3]إدريس الكراوي، ونور الدين إفاية ، النخبة الاقتصادية المغربية ، دراسة حول الجيل الجديد من المقاولين ، منشورات جمعية البحث في التواصل ما بين الثقافات ، الطبعة الأولى ، ص: 19
[4]يوسف الزوجال ، التحكيم في القانون المغربي بين الماضي والحاضر والمستقبل ، مقال منشور في موقع العلوم القانونية.
[5] ـ أنظر المادة 355 من مدونة الشغل الموريتانية.
[6] ـ انظر المادة 576 من مدونة الشغل المغربية
[7] ـ إدريس الكراوي ونور الدين إيفاية، مرجع سابق، ص 93
[8] ـ إسماعيل أو بلعبد، مدي إمكانية تفعيل الوساطة في الواقع المغربي، مقال منشور في مجلة القانون والأعمال، ص 12 .
[9] ـ دليل الوساطة، ماخوذ من الموقع الإلكتروني،WWW. SFCJ.programmes/ marocca/pdf
[10] ـ تركي المعمري، التحكيم التجاري في القانون العماني، مدونة المحامات للإستثمارات القانونية، الصفحة 139 .
[11] ـ تركي المعمري، مرجع سابق، ص 152 .
[12] ـ عبد السلام زوير، التحكيم التجاري في القانون المغربي، مقال منشور في منتديات أستار تايمز.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات