سلطة التكييف في الدعوى الجمركية
سلطة التكييف في الدعوى الجمركية |
مقدمة
عرف العالم تطورات مختلفة في عدة مجالات أهمها المجال الاقتصادي الذي أصبح يقوم على تحرير المعاملات وفك القيود استنادا الى المبدأ القائل " دعه يعمل ، دعه يمر " ، ولكن الأخذ بهذا المبدأ في اطلاقيته قد يؤدي الى هيمنة الدول القوية على الدول الضعيفة ،وبالتالي الاقتصاد العام للبلاد، ووقوفا عند حماية الاقتصاد الوطني من الهيمنة ظهرت عدة تقنيات من بينها السياسة الجمركية التي ترتبط بالسياسة الاقتصادية العامة للبلاد، حيث تعد اداة لحماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على التوازن التجاري وكذا التكييف مع النظام الاقتصادي العالمي وذلك من خلال الرقابة الجمركية، وقد سن المشرع المغربي مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة وضمنها قواعد زجرية هامة لمكافحة الجرائم الجمركية، ونظرا لخصوصية الجرائم الجمركية فان القواعد المنظمة لها ذات طابع خاص والتي من بينها الخصوصية الاجرائية للجريمة الجمركية والتي تمثل خروجا عن المبادئ العامة المقررة في القانون الجنائي، سواء من حيث عبئ الاثبات او بتقدير أدلة الاثبات وكذلك من حيث طبيعة المحاضر الجمركية. ولان كان عبئ الاثبات وتقدير الادلة وحجية المحاضر تخرج عن القواعد العامة للقانون الجنائي فانها تؤثر بالضرورة على اجراء التكييف، ولان كان التكييف الذي يعد وسيلة لاعمال مبدأ الشرعية، اذ عن طريقه تتم مطابقة الفعل بالوصف القانوني الذي ينطبق عليه، هذا الاجراء الذي يعد من صميم العمل القضائي نجد القانون الجمركي قد خرج عنه عندما قيد القاضي في سلطته التقديرية ومنح ادارة الجمارك صلاحية تحديد الفعل الذي تعتبره جريمة بعيدا عن مبدأ الشرعية الأمر الذي طرح اشكالا حول :
سلطة التكييف في الدعوى الجمركية ؟
للاجابة عن الاشكال سنقسم هذا الموضوع الى مبحثين، نخصص المبحث الأول للحديث عن التكييف في الدعوى الجمركية، ونتناول في الثاني تنازع التكييف بين ادارة الجمارك والقضاء .
المبحث الأول: ماهية التكيف في الدعوى الجمركية
اذا كان التكييف يشكل عصب القانون الجنائي باعتباره حالة تطبيقية لما قررته الأنظمة والقوانين، وهو الاداة التي يتم التعبير من خلالها عن مراد المشرع ونظرا لخصوصيته في اطار الدعوى الجمركية فان الامر يقتضي الوقوف على مفهوم من التكييف والدعوى الجمركية (المطلب الأول )، والحديث عن خصوصية التكببف في اطار الدعوى الجمركية (المطلب الثاني ).
المطلب الأول: مفهوم التكييف والدعوى الجمركية
سنعالج في هذا المطلب تعريف التكييف وشروطه في فقرة أولى، ثم نتناول في الفقرة الثانية مضمون الدعوى الجمركية.
الفقرة الأولى: تعريف التكييف وشروطه
يعرف التكييف بأنه رد واقعة الدعوى إلى النص الذي يأثمها يجرمها، كما يعرف بأنه ثبوت الوقائع وصحة نسبتها إلى المتهم، فهو العلاقة بين الوقائع والقانون وينتهي بمنح الوقائع إسما قانونيا ينطوي في القانون الجنائي على نتيجة ملازمة هي تطبيق العقوبة المنصوص عليها.
ويعرف تكييف الواقعة الجنائية بأنها: "ردها إلى أصل نص القانون الواجب التطبيق عليها، ويكون في نطاق التقسيم الثلاثي للجلائم (جنح جنايات مخالفات).
كما عرف تكييف الوقائع بأنه "عمل قانوني إلزامي يقوم به القاضي يتفهم من خلاله الواقعة ويحدد عناصرها ويتفهم القانون في الواقع ويحدد عناصره، ويطبق إحداهما على الآخر، على أن تكون نقطة البدء في التكييف من الأدنى (الواقعة) إلى الأعلى (القانون) حيث يفترض فهم القانون في الواقع، وهذا لا يتفق إلا بفهم الواقعة أولا[1].
وعليه يمكن القول أن التكييف هو عملية يتم من خلالها تحديد مدى تطابق الواقعة مع النص المجرم لها.
ويشترط لصحة التكييف ضرورة تحديد النموذج اللاقانوني للجريمة أي شمول النص العقابي على وصف دقيق لكل جريمة والعناصر التكوينية لها، والمتمثلة في أركان الجريمة.
كما يشترط فحص الواقعة المرتكبة إذ لابد للقاضي من تحفص عناصر تلك الواقعة والمتمثلة في الفعل الذي قام به الجاني والنتيجة التي ترتبت عليه والباعث الذي دفعه إلى ارتكاب ذلك الفعل، هذا بالإضافة إلى شرط ثالث متمثل في حدوث تماثل بين مكونات النموذج القانوني للجريمة مع العناصر المكونة للواقعة[2].
ومن خلال هذا يمكن القول على أن التكييف عمل فني يتم من خلاله تحديد مدى انتماء ظاهرة إلى فكرة قانونية معينة[3]، وذلك من خلال فحص الواقعة المرتكبة وتحديد النموذج القانوني المطابق لها وحدوث تماثل بين مكونات النموذج للجريمة مع العناصر المكونة للواقعة.
الفقرة الثانية: مضمون الدعوى الجمركية
تهدف الدعوى الجمركية إلى متابعة مرتكب الجريمة الجمركية ومعاقبته وذلك بإنزال العقوبات عليه بواسطة جهاز القضاء بالإضافة إلى التعويض الذي يطالب به المتضرر، وقد نصت المادة الثانية من ق م ج على أنه: "يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الذي الضرر الذي تسببت فيه الجريمة".
و تطرق المشرع المغربي لتعريف الجريمة الجمركية في المادة 206 من م ج ض غ م بأنها: "عمل أو امتناع مخالف للقوانين أو الأنظمة الجمركية ومعاقب بمقتضى هذه النصوص".
وهذه الجريمة الجمركية تقوم على ركنين ركن قانوني وركن مادي دون الركن المعنوي.
وقد نصت مدونة الجمارك على مجموعة من العقوبات تتراوح بين الحبس والغرامة والمصادرة بالإضافة إلى تدابير احتياطية[4]. والتي حددها الفصل 220 من م ج ض غ م وتصبح المنازعة الجمركية دعوى عندما تكون معروضة على القضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 214 من م ج ض غ م نص على أن محكمة محل ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المتهم أو مكان إلقاء القبض عليه هي المختصة طبقا لقواعد الاختصاص المكاني.
المطلب الثاني: خصوصية التكييف في الدعوى الجمركية
تتجلى خصوصية التكييف في الدعوى الجمركية في أن الجريمة الجمركية لا تجد أساسها في مبدأ الشرعية (الفقرة الأولى) ثم تأثير خصوصية الاثبات في الدعوى الجمركية على التكييف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أساس التكييف (مبدأ الشرعية )
نص الفصل 3 من القانون الجنائي على أنه "لا يسوغ مؤاخذة شخص بفعل إلا بعد جريمة بنص القانون" وتبعا لذلك فغن التكييف يقوم على أساس مبدأ الشرعية، أي أن الواقعة لكي يتم تكييفها، وبالرجوع إلى القانون الجمركي نجد أنه يخرج عن هذه القاعدة إذ أن الفصول التي تحدد الأفعال التي تعتبر جنح ومخالفات جمركية تتسم بالمرونة ومجالها فضفاض وواسع حيث تستعمل تعاريف عامة لمواجهة مختلف السلوكات المصادة للسياسة الاقتصادية وتلك المرونة والعمومية تفتح الباب أمام الإدارة وكذلك القضاء للمس بمبدأ الشرعية، وكذلك مبدأ عدم جواز التوسع في التفسير وعدم جواز استعمال القياس، إذ أن المدونة تكتفي بذكر المبدأ العام وتترك لإدارة الجمارك تنظيم شروط التطبيق[5].
وبالتالي فتكييف الفعل والواقعة بناء على السلطة التقديرية وخارج مبدأ الشرعية وهكذا نجد أن المدونة تتحفظ في بعض الحالات تاركة للإدارة حق تنظيم الشروط والالتزامات، وهذه التنظيمات قد لا تعلو إلى درجة القانون إلا أن أنها تكتسب قوته وخرقها يعد مخالفا للقانون ويوجب العقاب[6].
وهذا التفويض التشريعي يجد أساسه في الجرائم الاقتصادية وتتولى من خلاله السلطة التنفيذية التشريع بدلا من السلطة التشريعية وقد كرست التشريعات الاقتصادية هذا الاتجاه بشكل عام عن طريق النص على تعريف عام للجرائم والاصطلاحات الأخرى الدارجة في هذه القوانين وهذا الاتجاه يتماشى مع ما تتميز به عناصر هذه الجريمة من المرونة وعدم التحديد. وتنص في هذا الصدد المادة 299 م ج ض غ م على أنه: "تشكل المخالفات الجمركية من الطبقة الرابعة المخالفات لأحكام القوانين والأنظمة المكلفة الإدارة بتطبيقها ولأحكام المدونة والنصوص المتخذة لتطبيقها عندما لا يكون معاقبا عليها بنص خاص أو بهذه المدونة" فهذه القاعدة تؤكد طابع المرونة وعدم التحديد الذي يخرج عن مبدأ الشرعية.
وبخصوص تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان فتنص المادة 5 ف ق ج على أنه: "لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بمقتضى القانون صدر بعد ارتكابه" كما نصت المادة 6 فيما يخص مبدا تطبيق القانون الأصلح للمتهم على أنه: "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها يطبق القانون الأصلح للمتهم". لكن مدونة الجمارك قبل تعديل 5 يونيو 200 كانت تخرج عن هذه القواعد في المادة 207 منها، وبمقتضى تعديل 5 يونيو 2000 تدخل المشرع في المادة 9 لإلغاء هذه المادة التي كانت تشكل استثناء لهذه القاعدة.
الفقرة الثانية: خصوصية الإثبات في الدعوى الجمركية وعلاقته بالتكييف
تخضع الجرائم الجمركية إلى طرق الإثبات العامة، وإثبات الجرائم الجمركية يتم بوسيلتين، المحاضر الجمركية وطرق إثبات القانون العام وإذا كان المشرع جعل إمكانية إثبات الجرائم الجمركية بالطرق العامة للإثبات فإنه منح حق التثبت من وقوع المخالفات الجمركية لكل من أعوان إدارة الجمارك وضباط الشرطة القضائية وكل الأعوان محررو المحاضر التابعين للقوة العمومية، حيث نص الفصل 233 من مدونة الجمارك على أنه يقوم بإثبات الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية أعوان الإدارة الذين أدوا اليمين طبقا للشروط المحددة في الفصل 233 من هذه المدونة، وضباط الشرطة القضائية وكذلك كل الأعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية القضائية وكذلك كل الأعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية.
وإذا كان في الإثبات في المادة الجمركية يتم بجميع الوسائل القانونية فإنه ونظرا للخصوصية التي يتميز بها عمل إدارة الجمارك والجرائم المرتكبة في هذا الميدان، فقد أعطى المشرع للمحاضر الجمركية أفضلية فيما يخص وسائل الإثبات[7] بل وهيمنة المحضر على وسائل الإثبات الأخرى إذ بعد الأساس المعتمد للإثبات في المادة الجمركية[8].
وتبعا لهذه الهيمنة تتجلى خصوصية الإثبات في الدعوى الجمركية ومدى علاقتها بالتكييف فإذا كانت القاعدة العامة في القانون الجنائي يحكم بحكم قناعاته وأنه غير مقيد بأية وسيلة من وسائل الإثبات وأنه له سلطة في تقدير وسائل الإثبات وتكوين قناعاته فإن الأحكام التي خص بها المشرع إثبات المخالفة الجمركية يشكل استثناء من القاعدة فالقاضي مقيد في حقل إثبات المخالفات الجمركية للوقائع المثبتة في المحاضر الجمركية استثناء لمقتضيات المادة 243 من م ج ض غ م التي منعت المحاكم من قبول أوجه البطلان ضد المحاضر باستثناء حالات إغفال الإجراءات الواردة في المادة 240 التي توجب في تحرير المحضر أن يكون متضمنا تاريخ ومكان وقوع الأفعال الجرمية الجمركية وأسماء مرتكبيها وأسماء وصفات ومساكن الأعوان محرري المحاضر وتصريحات مرتكبي الأفعال الخارقة للقوانين والأنظمة الجمركية[9]. وبالتالي فالتكييف بناء على الإثبات لا يخضع للسلطة التقديرية للقضاء وإنما للقوة الثبوتية للمحاضر الجمركية وحجيتها.
المبحث الثاني: تنازع سلطة التكييف بين إدارة الجمارك والقضاء
تعد القاعدة العامة في المادة الجنائية أن القاضي يحكم حسب اقتناعه الذي يكونه انطلاقا من العناصر المعروضة عليه، وهذه العناصر هي التي يعتمد عليها لتكييف الدعوى، لكن مبدأ القناعة هذا يعرق استثناءا فيما يخص الدعاوى الجمركية، اذ أن أحكام القانون الجمركي تؤثر في سلطة تكييف الدعوى الجمركية من خلال منح اختصاصات لادارة الجمارك تعد من عمل القضاء وهذه الصلاحيات تمنح لها دورا في التكييف ( المطلب الأول ) يؤثر على سلطة القاضي في التكييف ( المطلب الثاني ).
المطلب الاول: سلطة إدارة الجمارك في التكييف
سنعالج في هذا المطلب مباشرة الدعوى الجمركية من طرف ادارة الجمارك وتأثيرها على التكييف (الفقرة الأولى) ، ونتناول في (الفقرة الثانية) تأثبر حجية المحاضر االجمركية على التكييف .
الفقرة الأولى: مباشرة الدعوى الجمركية من طرف إدارة الجمارك وتأثيرها على التكييف
لم تنص مدونة الجمارك على أية إشارة إلى كيفية رفع الدعوى الجمركية ولم تشر كذلك إلى القواعد الإجرائية أمامها واكتفت بالإشارة في الفصلين 214 و252 إلى اختصاص المحكمة التي تبت في المسائل الزجرية بالنظر في الجرائم الجمركية محيلة بذلك ضمنيا على القواعد العامة التي تحكم الإجراءات أمام هذه المحاكم وبالرجوع إلى الفصل 248 من م ج الذي ينص على أنه يمكن كتابعة الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية المنصوص عليها في هذه المدونة بجميع الطرق القانونية، وعليه فالمتابعة في الجرائم الجمركية تخضع لنفس الإجراءات المنصوص عليها في ق م ج[10].
بالإضافة إلى اعتراف إدارة الجمارك بحق إثارة المتابعات وبربط هذه المقتضيات بالتكييف نجد أن مباشرة الدعوى الجمركية من طرف إدارة الجمارك يؤثر على التكييف خاصة وأن إدارة الجمارك غير مقيدة بمبدأ الشرعية وبالتالي لها صلاحية تكييف الفعل واعتباره جريمة جمركية وتحريك الدعوى في حق من تعتبره مخالف لما تعتبره إدارة الجمارك مخالفة لقوانينها وأنظمتها، بالإضافة إلى هذا فإن المشرع اعترف لإدارة الجمارك بسلطة التكييف من خلال منحه لها إمكانية تحريك الدعوى عن طريق الاستدعاء المباشر للمخالف للحضور أمام المحكمة والمثول أمامها ويجب أن يتضمن هذا الاستدعاء اليوم والساعة ومحل انعقاد الجلسة ونوع الجريمة وتاريخ اقترافها والنصوص المطابقة بشأنها[11].
من خلال منحها سلطة تحديد نوع الجريمة والعقوبة المطبقة بشأنها فإن المشرع منح لإدارة الجمارك سلطة التكييف، وبالتالي منح الشرعية لنفسها.
الفقرة الثانية : حجية المحاضر الجمركية وتأثيرها على التكييف
و بالرجوع إلى الفصل 242 نجده تطرق إلى القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية و الذي جاء فيه: "إن المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة لأحكام هذه المدونة من طرف عونين للإدارة أو أكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية المضمنة في المحاضر إلى أن
يطعن في صحتها. ويعتمد عليها في صحة وصدق الإقرارات والتصريحات المتلقاة إلى أن يثبت مايخالفها. أما المحاضر المنجزة من طرف عون واحد للإدارة فيعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها وكذا الشأن بالنسبة للمحاضر المحررة من طرف الأعوان محرري المحاضر التابعين لإدارات أخرى ما لم تكن هناك نصوصا خاصة".
ومن خلال استقراء هذا الفصل يتبين لنا أن المحاضر الجمركية من حيث القوة الثبوتية تنقسم إلى: محاضر يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها، و محاضر يعتمد عليها إلى أن يطعن في حجيتها بالزور.
- محاضر ذات حجية مطلقة.
تتمتع المحاضر الجمركية بحجية كاملة إلا أن يطعن فيها بالزور عند توفر شرطين أساسين وهما أن يتعلق المحضر بإثباتات مادية جمركية، وأن يحرر من طرف عونين للإدارة أو أكثر.
يجب أن يتم تحرير المحضر من طرف عونين للإدارة أو أكثر وبالتالي تحريره من عون واحد أو أعوان متعددين تابعين لإدارات أخرى لا تكون له نفس القوة في الحجية.
ونظرا للقوة المطلقة للمحاضر الجمركية المنجزة من طرف عونين للإدارة فهي قد تكون ضد العدالة القانونية نظرا لعدم اشتغال هؤلاء الأعوان تحت إمرة النيابة العامة كما أنه في هذه الحالة ليس للقاضي أن يحكم باعتقاده الصميم، فهو فقط عليه أن يأخذ بما جاء في المحضر إذا كان صحيحا في الشكل
- محاضر ذات حجية نسبية.
ورد هذا النوع من المحاضر في الفقرة الثانية من الفصل 242 من القانون الجمركي.
وعليه، فإن المحاضر التي يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها، حاول المشرع من خلالها أن يعطي للقاضي الجنائي البعض من سلطته التقديرية في الموازنة بين أدلة إدارة الجمارك وأدلة الظنين.
وهذه المحاضر وكما أشير إلى ذلك سابقا هي ثلاثة أنواع:
1- المحاضر المضمنة للإقرارات والتصريحات ولو كانت محررة من طرف عونين أو أكثر،
2- المحاضر المحررة من طرف عون واحد للإدارة
3- المحاضر المحررة من طرف الأعوان محرري المحاضر التابعين للإدارات الأخرى، ويندرج ضمنها محاضر ضباط الشرطة القضائية.
غير أنه يشترط لإعمال القاضي سلطته التقديرية وتقييم الاعترافات والتصريحات ومناقشتها وبالتالي تكييف الفعل ، إثبات عكسها من طرف المعني، وإلا بقي القاضي ملزما بفحوى المحاضر الجمركية.
المطلب الثاني: سلطة القاضي الجنائي في تكييف الدعوى الجمركية
اذا كان للقاضي سلطة تقديرية في تكييف الفعل فان هذه السلطة قد قيدها القانون الجمركي بموجب القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية (الفقرة الاولى)، كما أن امتياز المصالحة يضع حدا لعملية التكييف(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:القوة الثبوتية للمحاضر الجمركية واثرها على سلطة القاضي في التكييف
تعد القاعدة العامة في المادة الجنائية أن القاضي يحكم حسب قناعته الذي يكونه انطلاقا من العناصر المعروضة لديه، فإما أن يقبلها أو يرفضها مع تعليل ذلك وقبل الحكم فإن القاضي يقوم بتكييف الفعل الذي يتابع بمقتضاه الشخص وسلطة القاضي في التكييف تخضع كذلك لاقتناعه لكن مبدأ القناعة هذا يعرف استثناء في المادة الجمركية فيما يخص حجية بعض المحاضر التي يعتمد عليها إلى أن يثبت زوريتها أو ما يخالفها، إذ لا يسوغ للمحكمة أن تستبعد الاعتراف المسجل في محضر الضابطة القضائية بمجرد الإنكار أمام المحكمة وتختلف سلطة القاضي في تكييف الفعل بناء على المحاضر بحسب ما إذا كانت هذه المحاضر ذات حجية مطلقة أو ذات حجية نسبية.
فبالنسبة للمحاضر ذات الحجية المطلقة يعتمد عليها في الإثباتات المادية المضمنة في المحاضر وضحضها لا يكون إلا عن طريق سلوك مسطرة الطعن بالزور الذي يتم بشأن الإجراءات الخاصة، والقاضي يتوجب عليه ولو ضد قناعته الشخصية استخلاص النتاج القانونية وفق مقتضيات المحضر، ولا يمكنه استبعادها ورد فيها، كما لا يمكنه القيام باي تحقيق للتأكد من صحتها ومصداقيتها[12]. وبالتالي تكييف الفعل في إطار سلطة القاضي الضيقة التي تتمحور بين صعوبة النفي وتقلص الاقتناع الوجداني للقاضي.
أما فيما يخص المحاضر ذات الحجية النسبية فتكون صحيحة إلى أن يثبت عكسها، في حالة إثبات العكس القاضي تكون له كامل السلطة في تقدير الدليل العكسي المقدم أمامه سواء تعلق الأمر بالمعاينات المادية أو بالاعترافات والتصريحات، وفيء حالة بطلان المحضر الجمركي الذي يجوز حجية نسبية بسبب تخلف أحد الشروط الجوهرية لصحة المحضر فإن القاضي يسترجع لسلطته في الاخذ بهذه المحاضر أو استبعادها[13]. وبالتالي فإن سلطة القاضي في التكييف تكون ضيقة ومقيدة في المحاضر ذات الحجية المطلقة ولا يملك القاضي إزائها أية سلطة خاصة وأن قرينة البراءة تندثر وتحل محلها قرينة الإدانة، أما في المحاضر ذات الحجية النسبية فتكون سلطة القاضي مقيدة إلى أن يثبت ما يخالف المحضر.
الفقرة الثانية: تأثير المصالحة على سلطة القاضي في التكييف
رخص الفصل 273 من م ج لإدارة الجمارك بإبرام مصالحة مع الأشخاص المتابعين من أجل أفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية، والمشرع المغربي لم يشترط خضوع المصالحة الجمركية لأية رقابة قضائية سواء أكانت القضية مثارة أمام المحكمة أم لا، ولم يحدد الأشخاص المتابعين الذين يمكن لهم الاستفادة من المصالحة حيث استعمل مصطلح الأشخاص المتابعين وهو مصطلح فضفاض.
وتؤثر المصالحة على سلطة القاضي في التكييف بحسب ما إذا وقعت قبل صدور الحكم أم بعده، فقبل صدور الحكم النهائي تنقضي دعوى إدارة الجمارك ودعوى النيابة العامة بالإضافة إلى محور آثار الجريمة الجمركية محل المصالحة دون الجرائم الأخرى التي يمكن أن تكون منسوبة إلى المتهم وتختلف الآثار القانونية المترتبة على الآثار الجمركية بالنسبة للتكييف حسب المداخل التي وصلت إليها الإجراءات، فإذا كانت القضية على مستوى النيابة العامة تتوقف الدعوى العمومية ويحفظ الملف على مستوى النيابة العامة وإذا كانت القضية أمام قاضي التحقيق تتوقف كذلك الدعوى العمومية أما إذا كانت القضية أمام هيئة الحكم فيتعين التصريح بانقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة[14].
أما فيما يخص تأثير المصالحة على سلطة القاضي في التكييف بعد صدور حكم نهائي، فحسب ما جاء في نص الفقرة الثانية من الفصل 273 إن المصالحة بعد الحكم النهائي لا تؤدي إلى سقوط العقوبات الحبسية بحيث يسري إثر المصالحة على العقوبات المالية دون السالبة للحرية[15]، وهذا طبيعي لأن صدور الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به يعني أن مرحلة التكييف قد تجاوزتها الدعوى وبالتالي فالمصالحة لا تؤثر على التكييف الذي على أساسه صدر الحكم.
خاتمة
من خلال ما سبق يظهر أن القانون الجمركي يتميز بخصوصيات تجعله شاذا في اجراءاته وموضوعاته، وهذه الخصوصية تنعكس على الدعوى الجمركية خاصة عند قيام القاضي بعملية التكييف الذي يعتبر وسيلة لإخراج النص القانوني وإسقاطه على الواقعة ومراقبة مدى تطابقهما . هذه العملية التي يقوم بها القاضي مسترشدا بسلطته التقديرية في اطار مبدأ الشرعية جعل منها القانون الجمركي عملية معقدة تتنازع فيها ادارة الجمارك بما تملكه من اختصاصات وصلاحيات، وسلطة القضاء بما يملكه من سلطات تقليدية في اطار عملية التكييف ولكن هذه السلطة والصلاحيات التقليدية القضائية جعل منها القانون الجمركي سلطة مقيدة بالنظر الى القوة الثبوتية للمحاضر وامتياز المصالحة وامكانية اعتبار افعال بمثابة افعال جرمية من قبل ادارة الجمارك وان لم يرد نص ينضمها في اطار السلطة التقديرية لجهاز الجمارك وامكانية اصدار مراسيم وقرارات ترتقي الى في قوته الى مصاف القوانين وبالتالي الخروج عن مبدأ الشرعية وتكييف الافعال دون سلطة للقضاء في ذلك مادام القانون الجمركي شاذا بطبيعته وهدفه حماية الاقتصاد الوطني .
لائحة المراجع :
الرسائل :
v -الخليل ميليدي، ضوابط السلطة التقديرية للقاضي الجنائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، تخصص الطفولة وقضاء الأحداث، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، طنجة 2011/2012.
v -علي الجغنوني، المنازعات الجمركية الزجرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، 2006-2007.
v -عبد الوهاب غافلاني، القانون الجنائي الجمركي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة الحسن الثاني، عين الشق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، 2000-2001.
v -كريمة المحمدي العلوي، المنازعات الجمركية ما بين القواعد الجزائية ومدونة الجمارك، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2011-2012.
v -إبراهيم المقري، خصوصية الجريمة الجمركية في التشريع الجمركية، بحث لنبل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة 2011-2012.
v -حنان الرمضاني، المنازعات الجمركية الزجرية بين التسوية القضائية والصلحية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول، وجدة 2007-2008،.
v -محموني الزهرة، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي، رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص قوانين التجارة والأعمال جامعة محمد الأول، وجدة، 2010-2011.
v -محمد بوخريس، إشكالية الإثبات في المخالفات الجمركية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2009-2010.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] -الخليل ميليدي، ضوابط السلطة التقديرية للقاضي الجنائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، تخصص الطفولة وقضاء الأحداث، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، طنجة 2011/2012، ص: 43-44.
[2] -الخليل ميليدي، مرجع سابق، ص: 47-48.
[3] -www.l-avocat.blocspot.com
الساعة 22:40 – بتاريخ 2015/01/05.
[4] -علي الجغنوني، المنازعات الجمركية الزجرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، 2006-2007، ص: 39.
[5] -عبد الوهاب غافلاني، القانون الجنائي الجمركي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة الحسن الثاني، عين الشق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، 2000-2001، ص: 30.
[6] -كريمة المحمدي العلوي، المنازعات الجمركية ما بين القواعد الجزائية ومدونة الجمارك، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2011-2012، ص: 21.
[7] -إبراهيم المقري، خصوصية الجريمة الجمركية في التشريع الجمركية، بحث لنبل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة 2011-2012، ص: 59-60.
[8] -كريمة المحمدي العلوي، المنازعات الجمركية القواعد الجنائية العامة ومدونة الجمارك، مرجع سابق، ص: 79.
[9] -نفس المرجع، ص: 77-78.
[10] -حنان الرمضاني، المنازعات الجمركية الزجرية بين التسوية القضائية والصلحية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول، وجدة 2007-2008، ص: 26.
[11] -محموني الزهرة، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي، رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص قوانين التجارة والأعمال جامعة محمد الأول، وجدة، 2010-2011، ص: 60.
[12] -محمد بوخريس، إشكالية الإثبات في المخالفات الجمركية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2009-2010، ص: 64-65-66-67-68.
[13] -حنان رمضاني، المنازعات الجمركية الزجرية بين التسوية القضائية والصلحية، مرجع سابق، ص: 41.
[14] -حنان الرمضاني، المنازعات الجمركية الزجرية في التسوية القضائية والصلحية، مرجع سابق، ص: 90.
[15] -نفس المرجع، ص: 91.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك