القائمة الرئيسية

الصفحات

تأديب السجناء في القانون المغربي

 تأديب السجناء في القانون المغربي

 تأديب السجناء في القانون المغربي


تقديم عام

يعتبر السجن المكان الأنسب لتنفيذ العقوبات القضائية على الأشخاص المخالفين لمعايير الضبط الاجتماعي والمرتكبين لفعل من  لأفعال المجرمة بمقتضى القانون، فدور السجن الأساسي هو دور تنفيذي للعقوبة السالبة للحرية.بمعنى أن السجن هو أداة لمكافحة  لظاهرة الاجرامية ووسيلة لتقويم السجناء: وتهيئتهم للاندماج في المجتمع بعد الافراج عنهم. فمن المسلم به في علم العقاب أن السجن لا يلغي جميع حقوق السجين ولانها يضع لها حدودا فقط. وذلك حسب ما ورد في الحكم القضائي الصادر في حق السجين. فإذا كان  لسجن يسلب الحرية فإنه لا يسلب مجموعة من الحقوق الأخرى التي يبقى حق التمتع بها قائما حسب مبدأ الشرعية الذي يقضي بأن لا تنصرف العقوبة إلا إلى الحقوق التي تشملها بنص القانون دون باقي الحقوق الأخرى.ولا جدال اليوم في كون مبدأ الشرعية الجنائية يشكل حجر الزاوية في المنظومة الجنائية: وهو بلا شك لا يتسع فقط لاحتواء مرحلة التجريم والعقاب وإنما يجب أن يسري كذلك  لى المرحلة الاجرائية أيا أنه يجب أن يرافق المحكوم عليه داخل حياته في السجن. إذ لا بد لهذا المبدأ أن يحتوي كافة مراحل العملية  لجنائية بما فيها مرحلة تنفيذ العقوبة القضائية داخل السجن هذه المرحلة التي ظلت ولزمن بعيد مغيبة عن الفكر الجنائية ولعلها أدق مرحلة في حياة المحاكمة الجنائية فإذا كان المشرع وضع للمجتمع قانونا حدد الأفعال التي تعتبر جريمة وفرض عقوبات على ارتكابها فإنه خص المؤسسات السجنية بقانون لضبط الأمن والنظام وفرض الانضباط داخلها، وهو القانون 89.32 المتعلق بتسيير وتنظيم المؤسسات السجنية والذي حاول من خلاله المشرع المغربي الملائمة بين نصوصه ومقتضيات بنود القواعد النموذجية  معاملة السجناء والذي سنقف فيه على التدابير التأديبية التي يمكن أن تتخذ في حق المعتقلين نتيجة السلوكات المعتبرة قانونا أخطاأ تأديبية وكيفية تطبيقها لتحقيق هدف فرض الانضباط والأمن وردع النزلاء المخالفين للقانون، مع ضمان حقوقهم بعرضهم على لجنة مختصة فيا التأديب مع امكانية الدفاع عن أنفسهم أو مؤازرتهم من طرف من يختارونه لهذه الغاية ومنازعة قرار اللجنة. 

و قد عرفت المؤسسة العقابية في القرن العشرين تطورا جديدا، حيث أخذت كل دولة تتجه إلى الأخذ بالنظام الذي يناسب وضعها الاجتماعي و الحضاري، و يتمشى مع معطياتها الاقتصادية و الاجتماعية و الديمقراطية، و اتجه الاهتمام بصفة أكثر إلى تطوير أساليب المعاملة داخل السجون، وكيفية تنفيذ العقوبات و بالإضافة إلى ذلك فقد انكشفت بعض أسباب الاجرام بسبب التقدم الذي أحرزه علم الاجرام، كما أن أساليب التربية و التهديب عرفت هي بدورها تطورا كبيرا بسبب التقدم الذي حظيت به علوم النفس و الاجتماع و التربية، و أصبحت المعاملة داخل السجون قائمة على أسس علمية سليمة، و مناهج تطبيقية صالحة و فعالة، و تحددت مهمة السجن نظريا في مسألتين: انزال العقوبة بالشخص الذي ثبتت ادانته من جهة، و العمل على تهييئه للاندماج و التكيف مع المجتمع ساعة الإفراج عنه من جهة ثانية و هو ما لا يتحقق إلا عن طريق حفظ الكرامة المتأصلة في الإنسان، أي ما يعرف بأنسنة المعاملة العقابية، و السجين بدوره يجب أن يحافظ أو بالأحرى أن يساهم في توفير الأمن من خلال انضباطه داخل المؤسسة السجنية، باعتبارها فضاء جماعي مغلق يتعايش داخله أشخاص اعتادوا على قواعد التعايش في الفضاء المفتوح، حتى يتسنى تحقيق شروط المعاملة التهذيبية و الاصلاحية.

 و أمام هذا الواقع، كانت ضرورة التدخل القانوني بمقاربة شمولية واقعية لمعالجة الوضع الأمني و الحقوقي داخل الفضاء السجنيء و لو بشكل جزئيء و البحث عن ملائمة جديدة و جدية لقانون المؤسسات السجنية مع القواعد و المعايير النموذجية لمعاملة السجناء و مع كل المواثيق الدولية، و كذا مضامين الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، أو انضم إليها كاتفاقية منع التعذيب، ناهيك عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يظل متين الصلة بالفرد سواء أكان سجينا أم حرا. في إطار وحدة العدالة الجنائية  التي لا تتوقف عند مؤسسة القضاء و إصدار الحكم، بل يتوجب اسقاطها على مرحلة التنفيذ، خصوصا فيما يتعلق بالعقوبة السالبة للحرية داخل السجون.
من هنا كان من الضروري مراجعة الإطار القانوني المنظم لهذه المؤسسة، لتجسيد الالتزام و الإرادة في تكريس حقوق السجناء و فرض احترامها و مراعاتها و العمل على تحسين ظروف عيش النزلاء و الارتقاء بنمط التعامل معهم إلى المستوى الذي يليق بإنسانيتهم و يحفظ كرامتهم، بشكل يفضي إلى معالم سياسة سجنية إصلاحية حقيقية، و لعل إسهام و إشراك فعاليات المجتمع المدني في إغناء مشروع قانون تنظيم و تسيير المؤسسات السجنية رقم 23.98 خير دليل على البعد الحقوقي الذي يطبع الرؤية الجديدة لهذه المؤسسة، إذ جاء لتنظيم ثلاث مستويات:
- مستوى عقلنة و تنظيم القطاع؛
- مستوى تغيير المنظور التقليدي للمؤسسة السجنية؛
- مستوى الحفاظ على أمن المؤسسات و سلامة و كرامة المعتقلين.

و في هذا السياق يظل موضوع التأديب داخل المؤسسات السجنية، من المواضيع التي تكتسي أهمية؛ خاصة لدى السجناء لأنه يتعلق بمادة جزائية و هو جزاء فوق الجزاء الذي ينفذونه، و هو يطرح العديد من الاشكالات القانونية، خاصة أن الأمر يقتضي التوفيق بين منطقين متعارضين منطق أخلاقي و آخر أمني في فضاء يطغى عليه هاجس الأمن و النظام، على كل
   الاعتبارات   
من المعلوم أن وظيفة القانون باعتباره ممثلا لإرادة السلطة الحاكمة، تكمن  في دعم في حماية العلاقات  الإنتاجية السائدة في المجتمع،  بحيث تأخذ هذه الإدارة  طابعا  تشريعيا جنائيا  في الدولة،  فعندما ساد المجتمعات الإنسانية في حياتها الأولى نوع من العشوائية في التعامل، ما كان على الدولة إلى أن تكرس أجزهتها وقوانينها قصد التدخل للحد من هذه  العقوبات كل ما من شأنه الإخلال بحقوق  الأفراد  وإهدار،  وذلك لاعتبارات تتجلى في كون المخاطب بهذه  القوانين لم يكن على قدر  من الوعي ما يجعله يتقبل هذه القوانين إلا اتسمت بالقسوة آنذاك،  فبقية قائمة الذات حتى عصرنا الحاضر،  وهذا ما يجعلنا نطرق السؤال التالي ـ ألم يحن الوقت وبعد كل هذا التطور  الذي عرفه المجتمع أن نغير من طريقتنا في عقاب المجرمين؟

ظل الغرض من العقوبة في السياسة العقابية القديمة ولفترة من الزمن،  يتجلى في التعذيب والتنكيل بالمحكوم عليه باعتباره شخصا شادا ومنبوذا من المجتمع، لا يستحق أن يتمتع بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. إلى أن تغيرت النظرة هاته إلى المحكوم عليه نتيجة البحوث العلمية في مجال علم العقاب فضلا عن ما كرسته العهود الدولية والتي نادوا فيها إلى ضرورة معاملة السجين كإنسان يخضع لتأثير بعض العوامل المفسدة دفعت به إلى السقوط من براثن الجريمة، وطالما أنه إنسان فيجب أن تحفظ له كرامته، وبناأ  على ذلك احتلت فكرة الإصلاح والتهذيب وإعادة التأهيل للعودة به إلى الحياة الاجتماعية عضوا صالحا نافعا في المجتمع مكانا ملحوظا من بين أغراض العقوبة، الأمر الذي ترتب عليه أن حظي بكثير من الحقوق الإنسانية والتي أهمها العمل.

وللسياسة الجنائية ء بحسبانها العلم الذي يهدف إلى استقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السبل إلى مكافحتها ء مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية ، فتبحث في مدى تلائم التجريم المقرر من قبل المشرع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع ، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المقرر فيها ، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الاجتماعى والخلقى والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرمة لتحديد أى الوقائع يجب أن تظل مجرمة ، وأيها يجب إباحته ، وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم وتنتقل السياسة الجنائية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية ، كي تقيم العقوبات المقررة وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية ، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية ، وكفالة إتباع وعلى ذلك فإن هدف السياسة الجنائية لا يقتصر على الحصول على أفضل صياغة لقواعد قانون العقوبات وإنما يمتد إلى إرشاد القاضي الذي يضطلع بتطبيق هذه الأخيرة وإلى الإدارة العقابية المكلفة بتطبيق ما قد يحكم به القاضي وهذا الشق الأخير للسياسة  لجنائية ء والمسمى بالسياسة العقابية ء هو الذي يضمه علم العقاب موضوع هذا الكتاب ، والذي يرمي بالتالي إلى الوقوف على الكيفية التي ينبغي بها مواجهة الظاهرة الإجرامية في مرحلة التنفيذ العقابي ، بما يكفل تحقيق أهداف المجتمع في منع الجريمة أو تقليصها إلى أبعد مدى فكأن علم العقاب علم يسلم بحقيقة الظاهرة الإجرامية ، ويتلقفها بالدراسة والتحليل في أعقاب وقوع الجريمة  ثبوتها على جان أو أكثر ، ثم يبدأ التعامل معها في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي كي يباعد بين الجاني ء وكذا بقية أفراد المجتمع وبين تكرار وقوعها. من هنا تظهر أهمية دراسات علم العقاب حيث يتوقف على هذا العلم نجاح المجتمع في مواجهة الظاهرة الإجرامية
 ومن خلال الانكباب على دراسة هذا الموضع تطالعنا مجموعة من الاشكاليات لعل أبرزها
 ما مدى شرعية الأخطاء والتدابير التأديبية ؟
 ألا يمكن اعتبار السلطة التأديبية المخولة لمدير المؤسسة السجنية ماسة بمدأ الشرعية ؟
 وما مدى أمكانية الحديث عن رقابة إدارية وقضائية انطلاقا من نصوص القانون

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات