القائمة الرئيسية

الصفحات


مكونات الوثيقة العدلية

مقـــدمـــــــــة
.
يشهد المجتمع المغربي تطورا مضطردا على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي، جعلت أفراده يرتبطون فيما بينهم بعلاقات متنوعة و متعددة، وحتى تتحدد المراكز القانونية للأطراف داخل هذه العلاقات يجب أن يتم توثيقها بطريقة تجعلها مطابقة للقوانين و الأنظمة، و لتحقيق هذه الغاية كان لابد من وجود مؤسسة لها دراية بهذا الشأن تسهر على ضبط المعاملات بين الأشخاص و تحريرها بكل دقة وإتقان ومن أهم هذه المؤسسات الموكلة لها هذه المهمة وأقدمها مؤسسة التوثيق العدلي 

ولما كانت الوثيقة العدلية هي ذلك القالب الشكلي الذي يفرغ فيه رضا المتعاقدين، والإطار القانوني الذي يجسد الأركان اللازمة لقيام الالتزامات بين الأشخاص، فإن مصداقية الوثيقة ترتبط ارتباطا وطيدا ببياناتها، مما أوجب أن تكون دلالاتها واضحة، وافية بالغرض المقصود منها، مشتملة ومفسرة لما يمكن أن يكون محل خلاف ونزاع فيما بعد بين المتعاقدين.

وقد مرت الوثيقة العدلية في المغرب بمحطات تاريخية مهمة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن من تنظيم، حيث ظهر علم التوثيق منذ بزوغ فجر الاسلام وذلك من خلال آية المداينة التي تحث على توثيق العقود و الالتزامات مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل..."[2]، ومنذ ذلك حين حظي التوثيق العدلي بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الاسلامي، وأولاه فقهاء المغرب والأندلس اهتماما كبيرا، حيث جعلوه مهنة شريفة، وظل الأمر كذلك إلى غاية فرض الحماية على المغرب، لتدخل الوثيقة العدلية  مرحلة التقنين والذي تميز بتنظيم بياناتها وفق قواعد شرعية، وضوابط محددة، من خلال عدة ظهائر شريفة، حيث صدر أول ظهير شريف بتاريخ 7 يوليوز 1914، ثم الظهير الشريف الصادر في 23 يونيو 1938 والظهير الشريف الصادر في 7 فبراير 1944، إلى أن صدر قانون رقم   81.11 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.332 بتاريخ 6 ماي 1982 والمرسوم التنظيمي له، و أخيرا القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة والمرسوم التطبيقي له رقم 2.08.378،  الذي جاء لسد ثغرات القانون السابق، كما تؤطر  هذه البيانات بعدة قوانين من بينها قانون رقم.18.00 المتعلق بالملكية المشتركة، والقانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، والقانون رقم 51.00 المتعلق  بالإيجار المفضي إلى التملك، والقانون رقم 49.00 المتعلق بتنظيم مهنة النساخة، من دون إغفال مدونة التسجيل والتنبر ومدونة تحصيل الضرائب العمومية.

وتتجلى أهمية هذا الموضوع من الناحية النظرية  في كون المشرع أحاط بيانات الوثيقة العدلية بتنظيم دقيق وحاول تأطيرها في مجموعة من النصوص القانونية في ظل احتدام الجدل الفقهي والقانوني حول القيمة الثبوتية للمحرر العدلي قبل خطاب قاضي التوثيق عليه، أما الأهمية العملية فتكمن في توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم، كما تشكل الوثيقة العدلية دعامة أساسية للمنظومة القضائية من حيث تحضير وسائل الاثبات، التي تمكن القضاء من فض النزاعات و الفصل في الخصومات، ناهيك عن دورها في التنمية العقارية و الاقتصادية و الاجتماعية، بغية تحقيق العدالة الوقائية و الأمن التعاقدي .

وإذا كان المشرع المغربي حدد مجموعة من البيانات التي يجب أن تحتويها الوثيقة العدلية فحري بنا أن نتساءل عن مدى إلزامية توفرها على هذه البيانات و الآثار المترتبة عن تخلفها.

في ضوء الإجابة عن هذه الإشكالية المطروحة ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين:

المبحث الأول : تحصين بيانات الوثيقة العدلية و مشتملات طليعتها.

المبحث الثاني: البيانات المتعلقة بهيكل وسور الوثيقة العدلية.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات