القائمة الرئيسية

الصفحات

شكلية الكتابة بين المد والتراجع في ميدان إبرام العقود المدنية

 شكلية الكتابة بين المد والتراجع  في ميدان إبرام العقود المدنية

 

 شكلية الكتابة بين المد والتراجع  في ميدان إبرام العقود المدنية

مقدمة

إذا كان الإلتزام لا ينشأ من فراغ،  فإنه بات أمرا طبيعيا أن يكون لكل إلتزام مصدرا خاص به، وقد صنف الفقه مصادر الإلتزام إلى مصدرين اثنين: التصرف القانوني( acte Juridique)   والواقعة القانونية  (fait Juridique).

ويطلق مصطلح التصرف القانوني على مختلف مصادر الإلتزام التي تقوم على فكرة العقد، سواء كان هذا العقد يتطلب لنشوئه توافر إرادة طرفيه ( كالبيع والكراء..) أم تكفي إرادة أحدهما لنشأته، ويجب ذلك مختلف التصرفات التي تصدر بإرادة منفردة (كالوصية والحبس...)، فهذه التصرفات تتطلب عنصر الإرادة كضابط أساسي يلم شتاتها.

ولما كانت الإرادة خيطها الناظم، فإن منشئيها يكون لهم من الوقت ما يلزم لإعداد الدليل لإثباتها، في توقعهم المسبق لما قد يحدث من منازعات حولها، سواء بين طرفيها أو في مواجهة الأغيار.  فدفعت مكنة  إعداد الدليل المتاحة للأطراف بالمشرع إلى اشتراط الكتابة كأصل لإثبات التصرفات القانونية كما أن التشريع الرباني دعا فيه الله عز وجل المؤمنين إلى توثيق تصرفاتهم، صونا للحقوق، وتيسيرا على القاضي في تقصي سبل العدل، هو أمر لا يمكن إشتراطه في الوقائع القانونية.[1]

 والعقود تقسم من حيث تكوينها إلى عقود رضائية (Contrat Consensuel)، وأخرى شكلية( Solonnel ) ، وثالثة عينية (Contrat réel).[2]

 فالعقد الرضائي هو الذي ينبني  أساسا على تقابل الإرادات للأطراف المكونة له وذلك عن طريق إقتران الإيجاب بالقبول. أما العقد الشكلي فبالإضافة إلى عنصر الرضائية يتطلب توافر شكل معين، بحيث لا يتم إلا باستكمال هذا الشرط، الذي غالبا ما يكون الكتابة.[3]

 وقد اعتبر الفقيه أحمد عبد الرزاق السنهوري" أن سبب تطلب الشكلية في العقود هو تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد".[4]

  ويختلف جوهر الشكلية في القوانين الحديثة عن جوهرها في القوانين القديمة وخاصة في القانون الروماني، لأن الشكلية في هذا الأخير كانت هدفا وغاية في نفس الوقت،  فهي مصدر وجود العقد وقوته الملزمة و ليست الإرادة، إذ لا عبرة لهذه الأخيرة في القانون الروماني كأصل عام، ومن تم فوجود التصرف القانوني قوته الإلزامية لا يستندان إلى الإرادة، ولا إلى الإرادة معبر عنها في الشكل وإنما إلى الشكل مباشرة.

 أما الشكلية في القوانين الحديثة فهي ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق غاية معينة، وهي حماية المتعاقدين معا،  أو أحدهما، أو تمكين المجتمع من مراقبة العقود والتصرفات ومن تم فهي شكلية حمائية.[5]

 وعليه حق لنا السؤال عن ماهية الشكلية وأنواعها؟ وماذا عن مكانتها في التشريع المغربي؟ وما الغاية التي يروم المشرع تحقيقها من شكلية الكتابة؟

 وللإحاطة بهذه الإشكالات إرتأينا تقسيم هذا العرض إلى مبحثين، خصصنا الأول للأحكام العامة لشكلية الكتابة، أما الثاني سنعرض فيه لتقييم نظام الشكلية في التشريع المغربي.

المبحث الأول: الأحكام العامة لشكلية الكتابة

 في محاولة جدية لدراسة الأحكام العامة لشكلية الكتابة لابد في البداية من الوقوف عند ماهية هذه الكتابة – مطلب أول – أي التعرض لمفهوم شكلية الكتابة سواء وفق ظهير الإلتزامات والعقود أو استنادا للقوانين الخاصة دون أن ننسى أن نعرج على صورها والوقوف على الورقتين الرسمية والعرقية باعتبارهما الصورتين البارزتين لشكلية الكتابة، وفضلا عن كون هذه الشكلية تجد مصدرها في القانون فإنه يمكن للمتعاقدين أن يتفقا على أن يصاغ تراضهما في وثيقة مكتوبة ( مطلب ثاني).

المطلب الأول: ماهية شكلية الكتابة

أ‌) مفهوم الشكلية

 يقصد بها ذلك الشكل المحدد الذي يصاغ فيه تراضي المتعاقدين، أي كتابة العقد في سند أو وثيقة بخطها أو خط غيرهما، سواء كان هذا الغير محترفا مختصا أضفى المشرع على ما يحرره صبغة أو صفة الرسمية أو كان دون ذلك. وباستقرائنا لمنطوق المادة 4 من مدونة الحقوق العينية 39.08 نجدها تحدد الشكل عندما جاء فيها (... بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ...) ومن جهة أخرى تحدد اشخص الموكول له صلاحية التحرير، حيث جاء فيها (... يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض...).

 فشكيلة الكتابة إذن هي تلك الإجراءات الشكلية أو المسطرية التي يتعين إتباعها في حالات محددة، من اجل بيع عقار أو منقول، مثلا كالبيع بالمزاد العلني الذي يحرر بشأنه محضر بالبيع يشكل سند ملكية المشتري ويجسد الشكل الكتابي المطلوب في بيوع العقار من جهة، وفي بعض أنواع المنقولات من جهة ثانية.[6]

 وتكون الشكلية مطلوبة في العقود التي لا يكفي لانعقادها تراضي الطرفين على العناصر الأساسية للعقد، بل لابد من صياغة هذا التراضي في شكل مكتوب، أي في وثيقة مكتوبة أيا كان حامل الكتابة، سواء على الورق أو بشكل الكتروني.

ب- صور الشكلية

تعرض المشرع لصور شكلية الكتابة من خلال الفصل  417- 1 حيث جاء فيه " الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية، ويمكن أن ينتج أيضا من المراسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة أو عن أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة كيفما كانت دعامتها وطريقة إرسالها".

إذن فالصورتين البارزتين لشكلية الكتابة هما الورقة الرسمية والورقة العرفية، فالأولى هي الورقة التي يحررها الموظفون العموميون والموثقون الذين لهم صلاحية التوثيق القانوني، وتكون رسمية كذلك الورقة التي يخاطب عليها القضاة في محاكمهم وكذا الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية والأجنبية.[7]( الفصل 418 ق.ل.ع).

 أما الورقة العرفية فهي تلك التي يتخلف فيها عنصر من عناصر الورقة الرسمية ويتعلق الأمر هنا بالورقة العادية التي يتعهد فيها الشخص بمحض اختياره ويوقع عليها في النهاية وكذا الورقة التي يحررها موظف غير مختص أو عديم الأهلية أو تلك الورقة التي لم تستكمل شكلياتها القانونية.( الفصل 423 ق.ل.ع).

المطلب الثاني: أنواع شكلية الكتابة

 يكون العقد شكليا إما بموجب نص في القانون، أو بمقتضى اتفاق الطرفين نفسيهما، وسواء كانت الشكلية صادرة من المشرع أو من إرادة الأطراف فإن يلزم احترامها في الحالتين تحت طائلة اعتبار العقد باطل لتخلف ركن من أركان انعقاده.[8]

أ‌) الشكلية القانونية

يقصد بها تلك الشكلية التي يتطلبها المشرع وهي إما شكلية انعقاد أو شكلية نفاذ أو شكلية إثبات فالأولى –  الإنعقاد – هي تلك الشكلية التي يتطلبها القانون لانعقاد تصرف  معين، بحيث إذا تخلفت  يترتب عن ذلك بطلان العقد لكونها ركن من أركان انعقاده ومنه المادة 4 من مدونة الحقوق العينية 39.08 التي ينص  فيها المشرع على وجوب الكتابة بالنسبة لجميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية  أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها، ويرتب الجزاء هنا الذي هو  البطلان عن تخلف الكتابة.

 أما الثانية – النفاذ – فهي تلك الشكلية التي يشترطها القانون لكي ينتج العقد آثاره ولا تأثير لها على وجود العقد أو صحته لكن اشترطها المشرع حماية للغير من تصرف لا يعلمه أو لم يكن بوسعه أن يعلمه.

 وبخصوص شكلية الإثبات فلا تكون مطلوبة لقيام العقد أو صحته شأنها في ذلك شأن شكلية النفاذ، لكن تكون متطلبة لإثبات العقد بين المتعاقدين أما الغير فيمكنه إثباته بجميع وسائل الإثبات باعتباره يشكل واقعة مادية بالنسبة له وليس تصرفا قانونيا هو طرف فيه، وشكلية  الإثبات نوعان:

·       الأول نص عليه المشرع في الفصل 443 ق.ل.ع عندما اشترط الكتابة إذا كانت القيمة تفوق 10.000 درهم.

·        الثاني هو الشكل الذي يتطلبه القانون لإثبات التصرف بصرف النظر عن قيمته.

ولإعمال قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة لابد من توفر الشروط التالية:

·       الشرط الأول: أن يكون محل الالتزام تصرف قانوني

·        الشرط الثاني: أن يكون التصرف مدنيا

إذا كان إثبات الإلتزام في الميدان  المدني يتطلب دليلا كتابيا كلما تجاوزت قيمته 10.000 درهم فإن هذه القاعدة لا يتم إعمالها في الميدان التجاري، نظرا لحرية الإثبات المميزة لهذا المجال والنابعة من خاصية السرعة والإئتمان التي يجب أن تسوده. لذلك نصت المادة 334 من مدونة التجارة على أنه تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الإتفاق على ذلك. إلا أن هذه القاعدة  لا تطبق على إطلاقها ذلك أن حرية الإثبات التي يتميز بها العمل التجاري لا تسري على التصرفات التي يكون أحد طرفيها غير تاجر.

·       الشرط الثالث: أن تزيد قيمة الإلتزام عن 10.000 درهم.

·        الشرط الرابع: أن يكون الشخص الملزم بالإثبات طرفا في العقد

تسري قاعدة الإثبات بالكتابة على طرفي التصرف القانوني وخلفائهما العامين، أي الورثة ولا يمتد حكمها إلى الغير الذي لا يمت للتصرف بصلة.

 وبخصوص الكتابة كشكلية للإثبات نورد قرارا صادرا عن المجلس الأعلى – سابقا – بتاريخ 27/04/1983 جاء فيه:

" أنه إذا كان المبيع عقارا محفظا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ وإذا اختل هذا الركن الشكلي فإن البيع لا يقوم وأن المحكمة لما اعتمدت على مجرد إقرار قضائي أمام المحكمة الجنحية لإثبات بيع عقار محفظ قد خرقت الفصل 489 ق.ل.ع وعرضت قرارها للنقض ( القرار منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 32-1983- ص52.

ب- الشكلية الاتفاقية

 بخصوص الشكلية الإتفاتقية فقد يحصل أن يشترط المتعاقدان اعتبار تصرفها الذي هو في الأصل رضائيا خاضعا لشكل خاص – قد يكون هذا الشكل المتفق عليه للانعقاد أو للنفاذ أو للإثبات. فعندها يصبح التصرف تصرفا شكليا لا يتم إلا بتوافر الشكل الذي نص عليه الطرفان بعد أن كان تصرفا رضائيا  صرفا  وفي هذا  ينص الفصل 402 من ق. ل.ع.

"إذا لم يكن العقد خاضعا لشكل خاص، واتفق عاقداه صراحة على أنهما لا يعتبرانه تاما إلا إذا وقع ف شكل معين، فإن الإلتزام لا يكون موجودا إلا إذا حصل في الشكل الذي اتفق عليه العاقدان". فهنا الكتابة في حالة اشتراطها من طرف المتعاقدان تصبح ركنا شكليا خامسا لا يتم العمل القانوني إلا باستيفائه.[9]

المبحث الثاني: تقييم نظام الشكلية في التشريع المغربي

 إذا كان المبدأ أن الإلتزامات التعاقدية تنشأ صحيحة بين طرفيها لمجرد توفر الرضا  والمحل والسبب، مع ما يتطلبه كل ركن من شروط صحة، فإنه واستثناء من هذه القاعدة، قد يشترط المشرع في بعض العقود شكلية الكتابة كركن لتمامها، يؤدي تخلفها إلى اعتبار العقد غير موجود[10]، وذلك بالنظر إلى خطورتها والآثار التي تترتب عليها، والمحل الذي تنصب عليه.[11]

 فقانون الإلتزامات والعقود يعتبر من أكثر القوانين المدنية إخلاصا لمبدأ سلطان الإرادة، حيث أعطى للإرادة أن ننشأ ما  تشاء من العقود، وأن تضمنها ما تشاء من البنود والشرط التي لا تتعارض مع النظام العام.

 وقد دافع المحامي والفقيه SANTIANA  عن مبدأ سلطان الإرادة والرضائية، من خلال تأصيله في ضوء الشريعة الإسلامية. فالقانون المدني في النظر الإسلامي يقوم على مبادئ أساسية هي الحرية والمساواة وحسن النية.

 وتبعا لذلك لم يتضمن ق. ل.ع ضمن الباب المتعلق بأركان وشروط الإتفاقات وغيرها من التصرفات بوجه عام، أي مقتضى يتعلق بالشكل، وإنما كان يعالج الموضوع ضمن القسم المتعلق ب "إثبات الإلتزامات" ( القسم السابع).

 والحقيقة أن اشتراط شكل معين، لقيام التصرف نادر جدا في ق. ل.ع، ولا يتعدى بعض الإستثناءات كبيع العقار  وما في حكمه ( ف 489)، أو معاوضته ( ف 620)، أو الشركة فيه ( ف 987) أو التزامات الأمي ( ف 427) الخ...[12].

المطلب الأول: مكانة الشكلية في التقنين المغربي الحديث

يمكن القول أن شكلية الكتابة أضحت اليوم مطلوبة في كثير من التصرفات إما لحماية المتعاقدين، أو لحماية الغير الذي قد تتأثر حقوقه بالعقد، وذلك فضلا عن تمكين المجتمع من مراقبة العقود والتصرفات، وما أكثر مثل هذه الحالات في القوانين الصادرة حديثا، بحيث يمكننا أن نتحدث عن انتعاش شكلية الكتابة في القانون المدني المغربي.

وسنبرز قولنا هذا بمجموعة من النصوص التي تؤكده.

 المادة 4 من مدونة الحقوق العينية 39.08

" يجب أن تحرر – تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ".

  المادة 12 من ق 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

" يجب أن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة أو إنشاء حقوق عينية عليها أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرررسمي أو محرر ثابت التاريخ...".

الفصل 3-618 من القانون 44.00 المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز

 " يجب أن يحرر عقد البيع الإبتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت  التاريخ...".

 المادة 4 من ق 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار

" يجب أن يحرر عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ..."

 هذه كانت مجمل حالات العقود الشكلية في القانون المدني المغربي.

 وهذا الأمر يحرك بداخلنا التساؤل عن الغاية التي يروم المشرع تحقيقها من هذا المد في شكلية الكتابة؟؟

المطلب الثاني: الغاية من تنظيم شكلية الكتابة

تمت الإشارة من قبل أن المشرع المغربي يتجه نحو تمديد شكلية الكتابة لتشمل مجموعة من العقود.

وقد أوردنا مجموعة من الأمثلة وذلك لما لشكلية الكتابة من أهمية داخل التصرفات القانونية وكما هو معلوم فإن الأصل في العقود وهو مبدأ الرضائية ويتجلى ذلك أساسا في مجموعة من النصوص التي تكرس مبدأ الرضائية والحرية في التعاقد من ذلك مثلا الفصول (2- 9-230 ق ل ع)،[13]إلا أن هنا المبدأ أصبحت تطغى عليه شكلية الكتابة وهذه الأخيرة التي يهدف المشرع من ورائها تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات منها ما يتعلق بحماية المصلحة الخاصة للفرد، بحيث إن الشكلية لوحدها قد تشكل خطرا على المتعاقد  ويجعله يتسرع في التعاقد قبل أن يقدر الأمور حق قدرها، كما أنها  قد تؤدي إلى إغفال مجموعة من الأمور المهمة، كما قد تثار الصعوبة حول مضمون العقد، وأحيانا وجوده مما يؤدي إلى نشوب نزاعات بين الأطراف، على عكس الشكلية التي تعتبر إعداد مسبق للدليل، في وقت لا يكون فيه بين الأطراف أي نزاع، فيكون من مصلحتهم إعداد دليل يضمنونه ما اتفقت عليه إرادتهما، حتى إذا نشب النزاع، وادعى كل كطرف أن له على الطرف الآخر حقا معينا، وأنكر عليه الخصم ذلك، يستدل الأول بسنده المعد مسبقا، فيحسم النزاع لصالحه إذا كان المستند منتجا في النزاع، كما أن إعداد الدليل الكتابي يسهل على القاضي مهمة الفصل في النزاع[14]، إذ يمكنه بالإطلاع على المستند المستوفي لشروطه الشكلية أن يعرف  وجه القضاء في النزاع المعروض عليه لأن العقد المكتوب يحدد إلتزامات كل طرف، والمحل والشروط والآجال التي يتعاقد على أساسها الأطراف، ثم إنه وعلى خلاف الشهادة التي يمكن أن يجرح شهودها أو تتسرب إلى شهادتهم العلل كالكذب والنسيان، فإن الكتابة إذا سلمت من التزوير فهي أقوى من الشهادة لأنها تخلو من العلل.[15]

 أضف إلى ذلك أن شكلية الكتابة تهدف إلى حفظ  الحقوق وإستقرار المعاملات، هذا ما دفع بالمشرع  إلى جعل تحرير التصرفات العقارية لا يكون إلا من طرف الموثق أو العدل أو المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض.[16]

 وهناك غايات لها علاقة بتحقيق المصالح العامة، فالشكلية تساعد الدولة على مراقبة مجموعة من التصرفات، وبما أن الدولة بما لها من سلطان وسيادة لها الحق في فرض الضرائب وإستخلاصها لفائدتها فوق ترابها[17]، وهذا ما تحققه من الشكلية.

 خاتمة

 وفي الختام فإننا نستنتج أن المشرع المغربي لا يتجه فقط نحو تمديد شكلية الكتابة، وإنما يتجه نحو أكثر من ذلك ليجعل هذه الشكلية ذات طابع رسمي وهذا ما يستفاد من المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية التي أشار فيها المشرع المغربي إلى أن التصرفات العقارية أو إنشاء حق عيني عقاري أو تعديله أو نقله أو إسقاطه لا يمكن أن يتم إلا في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض، كما أن جعل التصرفات العقارية باطلة  بقوة القانون إن لم يتم تحريرها وفق الشكل المشار إليه أعلاه سيحقق  تلك الأهداف.

المراجع

[1]- الأستاذ خالد سعيد، الإثبات في المنازعات المدنية، الطبعة الأولى، سنة 2014 مطبعة دار السلام، ص 18.

[2]- انظر، مأمون الكزبري، نظرية الإلتزامات في ضوء قانون الإلتزامات والعقود المغربي، الطبعة الثانية، 1973 ص 39، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.

[3]- المزيد من التعمق راجع : أستاذنا عبد القادر العرعاري، مصادر الإلتزام الكتاب الأول- نظرية العقد – الطبعة الرابعة، دار الأمان، ص 35.

[4]- ذ. أحمد عبد الرزاق السنهوري " الوسيط في شرح القانون المدني" الجزء الأول: مصادر الإلتزام، طبعة ثالثة 1998 منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، ص 127

[5]- الدكتور أحمد ادريوش، تأملات حول القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، منشورات سلسلة المعرفة القانونية، طبعة 2009، مطبعة الأمنية الرباط، ص 39.

[6]- أحمد ادريوش: مناهج القانون المدني المعمق، الطبعة الأولى 2012، مطبعة أصكوم، القنيطرة.

[7]- عبد القادر العرعاري، نظرية العقد، الطبعة الرابعة 2014، مطبعة الأمنية ، الرباط.

[8]- أحمد ادريوش، مناهج القانون المدني المعمق، الطبعة الرابعة 2014، مطبعة الأمنية، الرباط.

- زيد قدري الترجمان، المسؤولية المدنية، طبعة 2007، مطبعة الداودي – دمشق.[9]

[10]- زيد قدري الترجمان، الوجيز في شرح القانون المدني، نظرية الإلتزام، الطبعة الأولى 1992، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، ص 27.

[11]- جيهان بونبات، الكتابة في عقد الييع العقاري، المطبعة والوراقة الوطنية، الحي المحمدي – الداوديات- مراكش – ص 429.

[12]- أحمد ادريوش، تأملات حول قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، طبعة 2009، مطبعة الأمنية، ص 43.

[13]- عبد القادر العرعاري، نظرية العقد، الطبعة الرابعة 2014 مطبعة الأمنية - الرباط

[14]- خالد سعد، الإثبات في المنازعات المدنية، دراسة علمية وعملية على ضوء القانون المغربي والإجتهاد القضائي لمحكمة النقض، الطبعة الأولى 2014 ص 108.

[15]- عبد الكريم  هبون، الشافي في شرح ق ل ع، الجزء الثاني إنقضاء الإلتزام وإثباته، ص.301.

[16]- سلسلة، " الأنظمة و المنازعات العقارية" النظام القانوني الجديد للحقوق العينية بالمغرب في ضوء القانون قم 08.39، ص 78.

[17]- سلسلة، " الأنظمة والمنازعات العقارية" مرجع سابق ص 78.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات