القائمة الرئيسية

الصفحات

 المنازعات الضريبية

المنازعات الضريبية
المنازعات الضريبية


مقدمة: 

ظهرت المنازعات الضريبية عند الانظمة الليبرالية مع تطور الأنشطة التجارية والاقتصادية  والمالية المربحة، التي يقوم بها الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون. فالمنازعة الضريبية تعني الحالة القانونية الناشئة عن وجود خلاف مع الشخص المعني بالضريبة بمناسبة قيام الإدارة بتحديد وعاء الضريبة أو تصفيتها أو تحصيلها، ومن جهة أخرى تعني المسطرة الإدارية أو القضائية المقرر قانونا سلوكها لتسوية هذا الخلاف.

و نشير إلى أن التشريع لم يعرف مفهوم المنازعة ، سواء التشريع المغربي او التشريعات المقارنة بل ترك الأمر إلى الفقه الذي حاول تحديد مفهوم المنازعة الجبائية حيث عرفها الأستاذ عبد الله بودهرين أنها مجموعة من القواعد المطبقة على المنازعات التي تنشا بمناسبة تحديد وعاء الضريبة على مختلف أنواعها أو تصفيتها أو تحصيلها.[1]

 تعتبر الضريبة من أهم الموارد المالية للدولة، إن لم نقل أهمها على الإطلاق,و للوصول إلى هده الحقيقة يكفي  الإطلاع على قوانين المالية التي تجعل الضرائب المباشرة والرسوم الأخرى في مقدمة موارد الميزانية العامة كما أنها تشكل مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، وتعبيرا عن المواطنة في جهة أخرى،إضافة إلى كونها واجبا دستوريا يفرض على المواطنين المساهمة في  الأعباء العامة .

 وتعتبر الضريبة إحدى وسائل السياسة الاقتصادية،ذلك أن السياسة الجبائية تتغيى تحقيق ثلاثة أهداف وهي،توفير مدا خيل للدولة،تحقيق التنمية الاقتصادية،و إعادة توزيع الثروات.

ونظرا لأهميتها تلك فقد عهد المشرع  المجال الجبائي للسلطة العامة ممثلة في إدارة الضرائب والخزينة أمر فرضها وتحصيلها وزودها من السلطات والامتيازات العامة بما يكفي لأداء وظيفتها تلك،و سن لها قواعد إجرائية تقنن مجال تدخلها للمحافظة على حقوق الخزينة، وبالمقابل أرسى ضمانات واسعة للخاضعين للضريبة لحمايتهم من كل تعسف أو شطط قد يرتكب في حقهم من طرف الإدارة ضد حقوقهم المالية. وهذه المعادلة بين الحقوق المالية للدولة والأفراد تهدف بالأساس إلى تحقيق عدالة ضريبية تقوم بالحفاظ على حقوق الخزينة والضمانات المخولة للخاضعين في إطار التشريع الجبائي [2].


و من هنا يمكن الحديث على أن المنازعات الضريبية هي منازعة بين طرفين، مديرية الضرائب والملزم، فاالأولى تختلف باختلاف الاختصاص أو الوظيفة التي تقوم بها ، فمديرية الضرائب تعنى بما يتعلق بتحديد وعاء الضريبة وتصفيتها أما الخزينة العامة فتعنى بعمليات التحصيل.

إن وجود أجهزة متعددة داخل الادارة لا يكفي لحسن تنفيذ السياسة الضريبية بل يجب منح هذه الأجهزة مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات اللازمة لتحقيق ذلك.

لذلك ولضمان التطبيق الصحيح والسليم للقانون الضريبي، فإن الإدارة الجبائية بالمغرب كما هو الشأن في بعض الدول تتمتع بسلطات واسعة ومتعددة ، وبفظل هذه السلطات فإن هذه الأخيرة تكون في غالب الأحيان في موقف المدعى عليه بينما يقف المكلف في موقف المدعي. إذن فما هي المراحل التي تمر منها المنازعة الجبائية ؟ وكيف يمكن التضلم الاداري؟ وطرق الطعن في قراراتها؟ وكيف يشكل القضاء ضمانة لحماية حقوق وحريات الأفراد؟

للإجابة على هذه التساؤلات نقترح التصميم التالي:

مقدمة

المبحث الأول: المنازعة أمام ادارة الضرائب

المطلب الأول: التظلم النزاعي الإداري

 المطلب الثاني: التظلم الإستعطافي

 المبحث الثاني: المرحلة القضائية للمنازعات الجبائية

المطلب الأول : المسطرة القضائية في المنازعات الضريبة

 المطلب الثاني : المنازعات القضائية لالمادة الجبائية

 خاتمة

المبحث الأول: المنازعة أمام الإدارة الضريبية

 تلعب الموارد الجبائية  دورا هاما في ميزانية الدولة، وبالتالي  التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة، إذ هي المورد الأعظم للتمويل وتسيير دواليب الدولة وأجهزتها، وتنفيذ برنامجها الاقتصادي والاجتماعي.

فأمر فرض الضريبة وجبايتها يدخل ضمن اختصاصات السلطة العامة، وفي كل الدول يعهد بهذا الأمر إلى الإدارة الجبائية والضريبية التي تملك امتيازات وسلطات قانونية تمكنها من ممارسة وظيفتها على أكمل وجه، هذه الوظيفة التي تحتم على إدارة الضرائب التدخل المستمر لفرض وتحصيل الضرائب الشيء الذي يشعر الملزم إما بثقل العبء المفروض عليه الضريبي المفروض عليه وانه غير ملزم أساسا بالخضوع للضريبة’ مما ينتج عنه منازعة جانبه، ولذلك أتاح له المشرع إمكانية الطعن عند الإدارة نفسها باعتبارها الجهة المصدرة للقرار الذي يعتبره الملزم بالضريبة غير عادل في حقه.

المطلب الأول: الطعن النزاعي الإداري

لقد عنوننا هذا المطلب بالطعن النزاعي الإداري، لتمييزه عن الطعن أو الطلب الاستعطافي الذي يقدمه الشخص في مرحلة أخرى من مراحل المسطرة الإدارية في المنازعة الضريبة.

فالتظلم الإداري كإجراء ابتدائي وضروري لمسطرة المنازعة الجبائية  يستجيب للحاجة الملحة التي فرضها التطور والتزايد العددي للخاضعين للضريبة، ويعتبر من المكتسبات سواء بالنسبة للإدارة والضريبة أو الملزم[3].

فما هي أحكام وأسس التظلم الاداري الفقرة الأولى ، ثم الإجراءات والشكليات التي يتم وفقها فحص ودراسة هذا الطعن الفقرة الثانية

الفقرة الأولى: أحكام الطعن أمام الإدارة الضريبية

إن دراسة أسس وأحكام  الطعن الإداري، يستوجب محله ثم شكله ومضمونه إضافة على تحديد أطراف هذه المنازعة، ثم معرفة أجال تقديم الطعن.

الأصل أن التظلم أو الطعن الإداري أمرا اختياري، إلا أنه استثناء ما هذه القاعدة تنص اغلب التشريعات المعاصرة على إلزامية الطعن الإداري الأولي  في كل منازعة ضريبية قبل مراجعة القضاء[4]، ولم يشذ المشرع المغربي عن هذه القاعدة خاصة في الضريبية على الشركات وضريبة القيمة المضافة وضريبة  الدخل.

يستوجب تحديد محل الطعن وشكله ومضمونه وكذا تحديد طرفي هذه المنازعة ثم معرفة أجال تقديم الطعن.

أولا: المحل 

ينصب محل الطعن فى منازعات الوعاء أو التحصيل.

أ-المنازعات في الوعاء:

تعتبر المنازعة في الوعاء من أهم المنازعات الضريبية حيث لا تخلو من أحد احتمالين، إما أن المخضوع للضريبة يسلم بخضوعه للضريبة، فينازع فقط في بعض العناصر الواقعية المعتمدة في تحديد مبلغ تأسيس الضريبة، وإما أنه ينازع في أصل الضريبة غذ يعتبر نفسه غير خاضع للضريبة بصفة مطلقة. وانطلاقا من هنا يمكن إجمال حالات الطعن في الوعاء في أربع حالات هي:

1-طلب إصلاح الخطأ أو الأخطاء : إذ قد ترتكب الإدارة خطأ أو أخطاء في تحديد الضريبة المفروضة على، كان تفرض علبيه مرتين، أو أكثر من المبلغ اللازم وفي هذه الحالة إذا تبين للإدارة الضريبية أنها أخطأت في تحديد أساس الوعاء أو مبلغ الضريبة فإنها تبادر إلى التصحيح غما بتخفيض المبلغ أو الإعفاء منها حسب الأحوال.

2-المطالبة بالإعفاء لحق يخوله القانون: كأن يطالب الملزم الضريبي بالاستفادة بحق يقرره القانون، كفرض الضريبة على شركة في السنة الأولى لتأسيسها، كما هو الحال في المادة 6 II  ،باء، 3 من المدونة العامة للضرائب التي تعفي الشركات التي تستغل مراكز تدبير المحاسبات المعتمدة المنظمة بالقانون 90-57 طيلة مدة أربع سنوات الموالية لتاريخ اعتمادها. وقد تقرر القوانين الأخرى مثل هذه الإعفاءات إذ يجوز للخاضع الضريبي التمسك بها، ونذكر منها على سبيل المثال ميثاق الاستثمارات.    

 ويثار التساؤل حول الطبيعة القانونية للدوريات والمنشورات مديرية  للضرائب، هل تعتبر بمثابة قانون يمكن أن يستفاد منها؟

لقد جرى العمل القضائي في المغرب وفرنسا على اعتبار هذه المنشورات مجرد توصيات مقدمة لأعوان إدارة الضريبة لتوجيه عملهم، ولا يمكن للملزم  التمسك بها.

3- المطالبة بإعادة النظر في ضريبة غير مطابقة لنص قانوني لأسمى، كما لو كان الإعفاء واردا في معاهدة جبائية ثنائية لتفادي الازدواج الضريبي.

4- الطلب أو التظلم المقدم في حالة التضريب التلقائي: إما بسبب عدم الإدلاء بالتصريح أو الإقرار الضريبي بالرغم من إشعاره بصفة قانونية (م 228 من م.ع.ض)، أو بسبب امتناعه عن تقديم محاسبته للفحص والتحقيق بالرغم من إنذاره بذلك عن طريق مفتش الضرائب (م 229 من المدونة).

ب- المنازعة في التحصيل:

يتجلى محل المنازعة الإدارية في التحصيل في حالتين:

1- عدم قانونية الإجراء المتخذ من حيث الشكل: إذ يحق للملزم التظلم، إذا ما اتضح له عدم سلامة الإجراءات التي اتبعها المحاسب المكلف بالتحصيل[5]، والمنصوص عليها في المواد من 36 على 65 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

2- إذا لم يتم احتساب أداءات قام بها الملزم مسبقا: فإذا اقتضى المحاسب المكلف بالتحصيل  مبالغ ضريبية سبق أن أداها، فإن له حق الطعن في هذا التحصيل، شريطة أن يقدم ما يثبت أنه فعلا أدى تلك المبالغ مسبقا.

ثانيا: الجهة المصدرة للطعن والجهة المستقبلة له

يوجه الطعن من طرف الملزم باعتباره المعني المباشر بالمنازعة الضريبية، أو من ينوب عنه شريطة توفره على وكالة خاصة إذا تعلق الأمر بشخص طبيعي،أما الشركات والأشخاص المعنوية بصفة عامة، فإن متصرف الشركة أو مسير الشخص المعنوي باعتباره الممثل القانوني، هو الذي يحق له تقديم الطعن، هذا بالنسبة للحالة العادية، لكن يطرح التساؤل حول من له الحق في تقديم هذا النوع من الطعون أمام ادارة الجبايات، أما الشركات التي تدخل مرحلة فتح مساطر صعوبات المقاولة، هل مسيري الشركات أم السنديك؟ لقد أقر الاجتهاد القضائي في فرنسا أن الطعن يرفع من السنديك أو المصفي القانوني للممتلكات، مع إعفائه من تقديم وكالة بالنسبة للضرائب التي تسري في حق كثلة الدائنين، وتلك المفروضة على المدين شخصيا، والذي لا يمكنه أن يوجه شكاية دون أن يعلم السنديك بذلك[6].

ويوجه الطعن إلى الإدارة، إذ الأصل أن وزير المالية هو الذي ينظر في الطعن، إلا أن المشرع الضريبي نص في المادة 235 من م.ع.م على أنه يجب على الخاضعين للضريبة الذين ينازعون في مجموع أو بعض مبلغ الضرائب المفروضة عليهم، أن يوجهوا مطالبهم إلى المدير العام للضرائب أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض، وغالبا ما يكون المدير الجهوي للضرائب على المستوى المحلي،في ما يخص منازعات الوعاء.

في حين يوجه الطعن إلى الخازن العام أو الخزنة الإقليميون بالنسبة للمنازعات في التحصيل، وذلك لضمان سرعة تسوية الملفات، إضافة إلى أن الموظفين على المستوى المحلي هم الأدرى بتفاصيل النزاع والأقدر على إيجاد جواب مناسب للطعن المقدم من الخاضع للضرائب.

ثالثا: آجال تقديم النظلم أمام إدارة الجبائية:

أ‌-      آجال الطعن في منازعات الوعاء

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 235 من م.ع.ض، يتضح أنه في اطار المنازعات الضريبية يجب على الخاضعين للضريبة، أن يقدموا طعونهم إذا كانوا ينازعون في مجموع أو بعض مبالغ الضرائب المفروضة عليهم:

1-  عند أداء الضريبة بصورة تلقائية خلال (6) الستة أشهر الموالية لانصرام الآجال المقررة.

2- حالة فرض ضريبة عن طريق جداول أو قوائم الإيرادات أو أوامر بالاستخلاص خلال (6) الستة أشهر الموالية للشهر الذي يقع فيه صدور الأمر بتحصيلها.

3-  ويثار التساؤل عند عدم احترام البيانات السالفة الذكر، هل يعتبر ذلك عيبا شكليا قد يؤدي إلى رفض المطالبة؟ يرى بعض الفقه[7]، أن اختلال البيانات الواجب توفرها أن اختلال البيانات الواجب توفرها في الطعن الضريبي يؤدي إلى رفض المطالبة من  الإدارة الجبائية، إلا انه يمكن تصحيح النقائص التي تشوب شكل المطالبة طالما أن الأجل قائم، كما ان للملزم تقديم مطالبة جديدة داخل الأجل القانوني، أما إذا انصرم الأجل فالرفض يعتبر نهائيا، أما في أن اختلال البيانات الواجب توفرها في الطعن الضريبي يؤدي إلى رفض المطالبة من إدارة الجبايات، إلا انه يمكن تصحيح النقائص التي تشوب شكل المطالبة طالما أن الأجل قائم، كما ان الملزم تقديم مطالبة جديدة داخل الأجل القانوني، أما إذا انصرم الأجل فالرفض يعتبر نهائيا، أما في منازعات التحصيل يستشف من خلال المادة 120 من ق.د.ع. ان الخاضع للضريبة ملزم، إلى جانب البيانات السابقة الإدلاء بالمستندات التي تفيد تكوين الضمانات المنصوص عليها في المادة 118.

الفقرة الثانية: إجراءات فحص الطعن الإداري

عندما يقدم الطعن داخل الأجل القانوني ووفق الشروط والشكليات المحددة قانونا، فإن الإدارة تباشر إجراء تحقيق وفحص دقيق قصد الوصول إلى قرار عادل.

أولا: التحقيق في الطعن

بمجرد ما يرفع التظلم أو الطعن إلى الإدارة، فإنه يحال على مصلحة المنازعات قصد فحصه والتحقيق فيه، ويقوم مفتش الضرائب التابع لمصلحة المنازعات الجهوية بفحص الطعن شكلا ومضمونا، فيتأكد من وضعه في الميعاد القانوني، ثم مدى احترام الشكليات المتطلبة والبيانات الواجب تضمينها والطعن والأسانيد والبيانات التي تفيد تكوين الضمانات في حالة المنازعة في إجراء التحصيل.

كما يبحث المفتش الوسائل المثارة من الخاضع، كما يمكن أن يراسله للإدلاء بمعلومات أو وثائق ناقصة أو إضافية تفيد في التحقيق والفحص الجيد لتنوير المفتش إلى الحقيقة.

وللمفتش كذلك إطار مهمة التحقيق والفحص التي يقوم بها أن يستدعي الملزم بأداء الضريبة للمثول أمامه شخصيا، إذا رأى أن حسن سير التحقيق يتطلب ذلك، كما يقوم بإجراءات البحث في مصلحة الوعاء، وذلك للإطلاع على الملف الضريبي للخاضع، والتحقق من كيفية تأسيس الضريبة المتنازع فيها[8].

كما يمكنه الاستعانة برأي مفتش الوعاء الذي أسس الضريبة وصححها لكونه طرف الخاضع، وبعد الفحص والتحقيق يقوم المفتش بإبداء رأيه في موضوع الشكاية يحيلها على المصالح المختصة لاتخاذ القرار المناسب وشأنها.

ثانيا: قرار الإدارة بشأن الطعن

في المنازعات الضريبية الأصل أن وزير المالية هو الذي يفصل في الطلب محل المنازعة، ولكن من الناحية العملية فإنه يفوض بصورة كاملة او جزئية سلطة إصدار القرار إلى الموظفين، حيث غالبا ما يتم تفويض مدير الضرائب فيما يخص منازعات الوعاء، والخازن العام فيما يخص منازعات التحصيل، ولضمان سرعة تسوية ملفات الخاضعين للضريبة، نص القانون على أجل محدد للنظر والمنازعة وإصدار قرار بشأنها يحسب ابتداءا من تاريخ إيداع أو توصل الإدارة المعنية المختصة بالطعن.

فالمادة 220، تنص على وجوب قيام مفتش الضرائب بالقيام باتخاذ القرار وتبليغه إلى الملزمين باللضريبة داخل أجل 60 يوما من تاريخ توصله بالجواب عن الرسالة التبليغية الأولى إذا تعلق الأمر بالمنازعة في الوعاء طبق المسطرة العادية، ونفس الأجل منصوص عليه في المادة 221 التي تنظم المسطرة السريعة لتصحيح الضرائب. أما المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية في الفقرة 2 فغنها لم تلزم الإدارة المختصة بالتحصيل، بإصدار قرار بشأن المطالبات المرفوعة إليها بصريح العبارة، بحيث اكتفت بالإشارة إلى إمكانية عدم جواب الغدارة داخل اجل 60 يوما فقط، ولم تجبرها على اتخاذ قرار، إذن هذه الحالة يعتبر عدم اتخاذ القرار بمثابة رفض، ويخول للملزم بالضريبة التوجه إلى القضاء قصد الفصل في المنازعة.

فقرار الإدارة بخصوص الطعن المقدم من طرف الملزم بأداء الضريبة، يصدر سواء بقبول طلبات ودفوعاته ليتم أخذها بعين الاعتبار، وإما أن يصدر بالرفض الكلي أو الجزئي لمطالبه ليتسنى له غما رفع الأمر إلى القضاء أو الاقتناع بموقف الإدارة وإنهاء النزاع، ومن جهة أخرى يجب على الإدارة الضريبية أن تعلل قرارها حتى يتسنى للقضاء الإداري بسط رقابته على الأسباب والمبررات التي اعتمدتها واتخاذ قرارها في إطار قضاء الإلغاء، فالمشرع ألزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني بالأمر، وعلى هذا النهج سارت المدونة العامة للضرائب، إذ نصت المواد 220 و221  انه يجب على مفتش الضرائب أن يبلغ الخاضعين للضريبة المعنيين داخل الآجال القانونية أسباب رفضه الكلي أو الجزئي لملاحظاتهم ودفوعاتهم، وفي ذلك فائدة ومصلحة للملزمين بالضريبة حتى يتمكن من معرفة الأسباب التي ترتكز عليها الإدارة ومدى جديتها، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة له لتقدير ودراسة الطريقة المثلى للتعامل مع طبيعة النزاع، سواء بتقديم تظلم استعطافي أو الطعن أمام اللجان الضريبية تم بعدها اللجوء إلى القضاء، او الاقتناع بجدية الأسباب المثارة من الإدارة فيختار الخضوع للقرار وتنفيذه بدون الاستمرار والمنازعة.

المطلب الثاني: التظلم الاستعطافي 

قد لا ينازع الملزم في أساس الضريبة أو مبلغها ولكن ونظرا لظروف خاصة مرتبطة بوضعيته المادية يعتبر نفسه غير قادر على أداء توابع الضريبة ففي هده الحالة سن المشرع لصلح الملزم الحق في أن يتقدم بطلب استعطافي أمام الإدارة الجبائية المكلفة بالوعاء يطلب فيه إعفاء كليا أو جزئيا من الجزاءات والغرامات فما هي ياترى مقتضيات هدا التظلم وإجراءاته 

الفقرة الأولى: أنواع التظلم

لا يرفع التظلم  من الملزم فقط بل يمكن أن يرفع من القابض المكلف باستخلاص الضريبة نفسه ادا ما تعذر عليه استخلاصها .

أولا- تظلم الملزم

يرفع التظلم  من الملزم المعني بالأمر مستهدفا رأفة الإدارة كي تعفيه من توابع الضريبة او تقسيط مبلغها

ولا يستهدف التظلم  الإعفاء من أصل الضريبة اد أن النصوص الضريبية (مثلا الفصل 52 من قانون الضريبة  على القيمة المضافة والفصل114 من قانون الضريبة العامة على الدخل والفصل 21 من القانون المتعلق بضرائب الجماعات المحلية....) كلها تتفق على أن هدا التظلم يستهدف الإعفاء أو التخفيف من الغرامات والعلاوات وليس أصل الضريبة وموقف المشرع هدا يطرح إشكالا بالنسبة للملزم المعسر فهل يحرم من التظلم  من أصل الضريبة,

و يشمل هدا التظلم الضرائب المباشرة ولا يمتد إلى الضرائب الغير المباشرة نظرا لان الضرائب المباشرة هي ضرائب شخصية وسنوية لدلك فإنها أكثر التصاقا بحياة الشخص الاجتماعية والاقتصادية التي تتأثر بمختلف التقلبات.

ثانيا- تظلم القابض

أجاز المشرع في اطار المنازعات الضريبية أن ترفع طلبات استعطافية من القابض ودلك قصد تنزيل الدين الضريبي من حساباته عند تعذر استخلاص الضريبة وعليه إثبات هدا التعذر بجميع الشواهد التي تبرر دلك ويترتب عن هدا الطلب إبراء القابض من المسؤولية المتعلقة بالمبالغ التي تعذر استخلاصها برسم السنة المالية التي تقدم بشأنها طالما أن الإبراء يخول لسنة واحدة فقط ويظل الملزم مدينا بالمبلغ الضريبي طيلة المدة القانونية قبل تقادم الدين الضريبي ادا أصبحت وضعيته ميسورة .

كما قد يكون هدفه من الطلب الإعفاء من المسؤولية التي قد تنتج عن إعفاء القابض تقديم طلب تنزيل مبلغ الضريبة آو تقديمه للطلب دون وثائق وشواهد تبرر استحالة الاستخلاص حتى أصبح الدين الضريبي متقادما.

الفقرة الثانية: إجراءات البت في التظلمات الاستعطافية

الأصل أن طلبات الاستعطاف تقدم إلى أعلى سلطة في الإدارة الضريبية والتي يجسدها وزير المالية (الفصل 76 من مرسوم 21 نوفمبر 1967 المتعلق بالمحاسبة العمومية ).إلا انه ليس هناك ما يمنع من تفويض وزير المالية لسلطة البت في التظلمات إلى موظفين سامين. وغالبا ما يتعلق الأمر بمدير الضرائب أو الخازن العام للمملكة كل في حدود اختصاصه.

أما شروط قبول التظلمات فان المشرع ينص على شكليات خاصة أو إجراءات معينة يتعين على الطاعن أن يلتزم بها ولعل هدا ما يفسر كثرة اللجوء إلى الوسيلة من المكلفين.

لدلك يمكن للمكلف بالضريبة تقديم تظلمات استعطافية متى شاء وكل ما يلتزم به هو إظهار نيته الصريحة بهدا الخصوص حتى لا تلتبس التظلمات بالطعون النزاعية . كما يلتزم فوق دلك بإثبات الحالة الاقتصادية الضعيفة التي جعلته يتظلم لدى الإدارة  عن طريق شهادات إدارية مع مراعاة ما نص عليه القانون في هدا الشأن بالنسبة للتظلمات الاستعطافية التي يتقدم بها القابض.



ولا شيء يمنع الغير في نظرنا من تقديم طلب الطرح المخول للمكلفين بالضريبة أمام سكوت المشرع خاصة بالنسبة لمن حمله القانون أداء بعض الضرائب إما بموجب التضامن أو بمقتضى حقوق الامتياز.

ويتم البت في هده الطلبات من السلطة المختصة داخل إدارة الضريبة رغم أن بعض التشريعات الضريبية تلزم أخد رأي لجنة إدارية قبل إصدار قراره في هدا الشأن. وهو موقف له محاسنه خاصة من حيث الحد من التظلمات الكيدية التي يتقدم بها بعض المكلفين دوي النية السيئة كما أن تواجد هده اللجنة سيمكن من دراسة الملفات دراسة مكتملة وبناءة.

ولا تلتزم إدارة الضرائب بتعليل قراراتها في هدا الشأن نظرا للطبيعة الاستعطافية لهده الوسيلة.و لكن الإشكال الذي يثور بهدا الشأن هو مدى قابلية هده القرارات للطعن القضائي .مبدئيا أن القرارات المتخذة في شان التظلمات غير قابلة لأي طعن قضائي والعمل القضائي في بعض البلدان وخاصة في فرنسا أجاز الطعن بالشطط في استعمال السلطة في هده القرارات على أساس تواجد احد الأسباب التالية : عدم الاختصاص,عيب في الشكل ,خطا في القانون.

وأمام هدا الحذر لم يبق أمام المكلفين إلا اللجوء إلى الطعن الرئاسي الذي يقدم إلى الرئيس التسلسلي للموظف مصدر القرار إذا لم يكن هدا الرئيس هو نفسه الذي اتخذ القرار المطعون فيه . وقد ثبت أن المكلفين الكبار هم الدين يلجئون إلى هده الإمكانية في المغرب.

وفي الواقع من حق الملزم,كيفما كان قدر الدعائر المترتبة عليه التوجه بتظلمات استعطافية في نفس الضريبة وأمام نفس الجهات أو سلطات تعلوها ,كلما ظهرت وقائع جديدة أو أسباب غير تلك الواردة في الطلب الأول تبرر هدا التظلم.    

المبحث الثاني: المرحلة القضائية في المنازعات الضريبية

تجسد المرحلة القضائية في مسطرة المنازعات الجبائية عموما، المفهوم الحقيقي للمنازعات المتعارف عليه ، حيث أن الهيآت القضائية تظهر مستقلة ومحايدة[1]، كما أن أحكامها وقرارتها بما لها من حجية الأمر المقضي به تعتبر عنوانا للحقيقة وتصبح حدا فاصلا للنزاع وتمنع من إثارة الجدال حولها بعد ذلك.

فالقانون الضريبي عامة يحمل حاليا هاجس البحث عن إقامة توازن بين تنفيذ السلطة الضريبية وحقوق الملزمين ، وضمان حقوق الخزينة، وإذا كان هذا الهاجس يبرز بشكل واضح في النصوص الحديثة فإن على القضاء بدوره أن يتأهل أكثر لتحقيق التوازن حين البث في النزاع الجبائي بين طرفي هذا النزاع.

غير أن طمأنة المكلفين بضمان حماية حقوقهم في المجال الضريبي من لدن القضاء، وبالمقابل ضمان حماية مداخيل الخزينة يتطلب تحديا كبيرا لتجاوز إكراهات الفصل في المنازعات الضريبية .

المطلب الاول: المسطرة القضائية المتعلقة بالمادة الجبائية

الفقرة الاولى: الاختصاص في المنازعات الجبائية

أولا: الاختصاص النوعي

إن إحداث المحاكم الإدارية بالمغرب، نقل الاختصاص لصالح هذه الأخيرة في المواد 28 إلى 36 من قانون 90-41، ، فالمادة 8 من نفس القانون تنص على أن المحاكم الإدارية تختص بالنظر في "النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب والبث في الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة" مما يدفع بالقول إلى شمولية اختصاصها في هذه المنازعات،

وبعدما كان المجلس بمثابة محكمة استئناف إدارية، إلا أن إحداث محاكم الاستئناف الإدارية بموجب قانون 03-80 جعل هذه الأخيرة هي المختصة دون استثناء.

أما المجلس  الأعلى فعلاوة على وظيفته الأصلية كمحكمة قانون إلا أنه يختص في المادة الضريبية (و الإدارية عموما) بالبث ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلق ب:

-التصرفات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول

-قرارات السلطة الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية.

وغني عن البيان أن المحاكم الإدارية تبث في المنازعات الجبائية سواء منها المندرجة في إطار القضاء الشامل أو قضاء الإلغاء وأن هذه الأخيرة لا بد أن يسبقها طعن إداري، وأن تنعدم إمكانية رفع دعوى موازية.

ثانيا: الاختصاص المكاني

تعتبر المحكمة في دائرة نفوذها ، المختصة مكانيا، وتختص المحكمة الإدارية بالرباط في المنازعات التي تخرج عن دائرة اختصاص المحاكم الإدارية وبالنسبة للقرارات الضريبية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة واحدة فإن المجلس الأعلى هو المختص.

الفقرة الثانية: سير الدعوى في المنازعات  الجبائية

ثالثا: خصائص المسطرة الجبائية

هذه المسطرة تتميز بخصائص معينة وهي :

- المسطرة القضائية في المنازعة الجبائية مسطرة كتابية

ان كون وسيلة الاثبات في المادة الجبائية الوسيلة الوحيدة التي يلجأ اليها القاضي في دراسة الملفات القضايا المعروضة عليه بشكل جدي ودقيق يجعل من المستحيل تصور المنازعات الجبائية تجري بطريقة شفوية ولهذا فان مجال المنازعات الجبائية لا يعرف سوى المستندات والحسابات والأرقام ما جعل القانون المحدث للمحاكم الادارية ينص في المادة الثالثة منه بان اجراءات التقاضي في المسطرة الجبائية تستقر على الكتابة ّ،بعدما كانت المرافعات في السابق شفوية طبقا للفصل 45 من قانون المسطرة المدنية قبل تعديله للفصل الثاني الخاص بالإجراءات المتبعة امام المحاكم الادارية. والكثير من الدرسين يرون انه من الايجابي جعل مسطرة المنازعات الجبائية مسطرة كتابية لكون هذه الاخيرة توفر ضمانات اساسية للمتقاضين .

الطابع التواجهي والحضوري للمسطرة القضائية في المنازعات الضريبية

تتجسد المسطرة التواجهية في تبادل المذكرات ، التعقيب عليها بين اطراف الدعوى وتمكن هذه المسطرة من اطلاع على مختلف الوثائق والمستندات التي يتكون منها ملف الدعوى ، دون مواجهة لا الملزمين او المدنيين بها وكذا الخزينة العامة للمملكة بقاعدة السر المهني . كما ان القانون يسمح للمقاضين بالإطلاع لذى كتابة ضبط المحكمة المختصة على مستندات الدعوى حتى يتم تمكينهم من اعداد المذكرات الجوابية والتعقيبية الضرورية .

اما فيما يخص المسطرة الحضورية فتعني انه لا يجوز اعمال الاثار الذي رتبه المشرع على عدم حضور الاطراف امام المحاكم العادية وهو ـ الشطب ـ في مجال الدعوى الادارية ومنها الجبائية لأن هذا الاثار مقرر كجزاء على الطرف الذي يتقاعس عن متابعة دعواه وحضور الجلسة المحددة لنظيرها بينما نظام التقاضي الاداري يقوم على اساس تحضير الدعوى وتهيئتها في الفصل فيها اذ لا يتصور صدور حكم بدون تمكين الخصوم من ابداء دفاعاتهم والرد على جميع المسائل التي اثيرت في المقال الافتتاحي في جميع اطوار المحاكمة حتى يصدر الامر بالتخلي من لدن المستشار المقرر .

وفي حال تخلف احد الاطراف عن تقديم مستنتجاته داخل الاجال الاول او الثاني المحدد له من لدن المستشار المقرر بت في القضية بقرار بمثابة حضوري بالنسبة لجميع الاطراف .

-: المسطرة القضائية مسطرة تفتيشية ولها طابع تحقيقي

يتجلى ذلك من خلال الدور المنوط بالقاضي المقرر الذي يعمل على استدعاء الاطراف للإجابة على المذكرات والدفاعات في الوقت الذي يراه مناسبا لذل

كما يقوم بإجراء تحقيق من بحث وخبرة ومعاينة متى رأى ذلك ضروريا وبعد اتمام تمضية الدعوى يدع المستشار المقرر تقريرا يحدد فيه وقائعها والمسائل القانونية المثارة في النزاع بعد ذلك يتخلى عن الملف ويحدد تاريخ للجلسة التي تدرج فيها القضية الفصول من 333 الى 336 قم .م

ـ تعزز الطابع التفتيشي في المسطرة القضائية بالطعون الضريبية تحديدا المرتبطة بالتحصيل .

ثانيا: تقديم الدعوى

يستلزم تقديم الدعوى توفر عدة شروط، منها ما يرتبط بالأطراف، أو الآجال، أو بمضمون العريضة.

1: بالنسبة لأطراف الدعوى.

فلا يمكن رفع الدعوى إلا من المكلف شخصيا، أو بوكالة، أو الشريك على أن يقتصر اثرها عليه وحده،

كما يلزم قانون 90-41 تنصيب محام مسجل في جدول هيئة للمحامين وبالنسبة لإدارة الضرائب فإن مديرية الضرائب هي تمثل الدولة في منازعات الوعاء وترفع الدعاوى ضدها في مثل هذه المنازعات، كما ترفع ضد الخزينة في شخص الخازن العام بالنسبة لمنازعات التحصيل.

2: آجال الدعوى الضريبية

وهي آجال تختلف حسب نوع كل ضريبة وكل مسطرة، وهي من النظام العام حيث أن عدم احترامها يعرض الطعن لعدم القبول، ودون الخوض في الحالات المحددة لكل أجل يكفي التذكير أن هذه الآجال تتوزع عموما بين الشهر والشهرين والثلاثة اشهر دون احتساب يوم الافتتاح والوم الأخير.

3:مضمون عريضة الدعوى

أحالت المادة 7 من قانون 90-41 على المادة 32 من ق م م الذي يحدد البيانات اللازم توفرها في عريضة الدعوى : الاسم العائلي والشخصي، الصفة أو مهنة وموظف أو محل اقامة المدعي، ثم موضوع الدعوى بإيجاز والوسائل المثارة والوقائع وترفق بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء.

وقد سار القضاء الفرنسي على رفض العريضة في الحالتين التاليتين:

*العريضة التي يقتصر  فيها المكلف على مجرد ابداء رغبته في أن يعرضها على المحكمة.

*العريضة التي يعلن فيها المكلف فقط أنه لن يقبل قرار الإداري وأنه سيطعن فيه.

وعموما فإن مختلف  التشريعات ترفض الدعوى غير المسبوقة بطعن اداري أولي مادام القانون يستلزم ذلك، كما تنص مناقشة الطلبات أو النزاعات القضائية في العريضة والتي يجب أن تسبق بطعن إداري، كما تتقيد المحكمة بألا تقضي بأكثر من طلب أمام الإدارة.

ثالثا: الإثبات

يخضع  الإثبات في الدعوى الضريبية إلى القواعد العامة فحسب المادة 399 من ق ل ع فإن عبء الاثبات يقع على المدعي، وهو ما يصعب تطبيقه في المادة الجبائية بسبب عدم تكافؤ الإدارة مع الملزم، خصوصا أن القانون الضريبي جد معقد وتقني، والواقع أن اغلب الدعاوى الجبائية يرفعها الفرد في مواجهة الإدارة الضريبية

ونظرا للمسطرة الكتابية للدعوى الضريبية فإن ذلك جعلها ذات خصوصية حيث لا يمكن مثلا الإثبات باليمين والشهود.

وتبقى الوثائق المحاسبية أهم وسائل اثبات، وإن كان للأطراف حرية الإثباث مادامت وسائل الإثبات كتابية، وقد عمل القضاء المغربي على قبول الإثبات بواسطة القرائن وبواسطة الاعتراف ، وعموما تبقى حرية الإثبات هي الأصل في ظل القواعد العامة، وفي ظل عدم التخصيص في القانون الضريبي على وسيلة معينة للإثبات، وكما هو الشأن في المغرب، فإن الوثائق المحاسبية تبقى هي أهم وسائل الإثبات، أما الوسائل الخارجة عن المحاسبة فلا يتم اعتمادها إلا استثناء حسب قرار صادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 19-12-1973.

رابعا: الخبرة

يمكن للقاضي –تلقائيا- أو بطلب من أحد الأطراف القيام بخبرة أو تنظيم جلسة البحث أو المعاينة كما تنص على ذلك المواد 59 و66 من ق م م .

لكن يلاحظ في الدعوى الضريبية أن الخبرة هي وسيلة التحقيق الأكثر استعمالا مما يجعل القاضي الحقيقي هو الخبير، رغم أن تقرير هذا الأخير غير ملزم للقاضي، إذ يمكنه عدم الاعتداد به أو الآمر بالقيام بخبرة أخرى.

وعموما تخضع الخبرة في المنازعة الجبائية لنفس القواعد العامة .

خامسا: طرق الطعن

وهي إما طرق عادية أو غير عادية

فأما العادية فتنقسم إلى طعن بالإستئناف وطعن بالتعرض، وأما غير العادية العادية فتضم تعرض الغير الخارج عن الخصومة، وإعادة النظر، ثم الطعن بالنقض.

أنشأ المغرب محاكم الاستئناف الإدارية بموجب القانون رقم 03-80 بعدما كان المجلس الأعلى هو المختص بالاستئناف، وبالتالي فهذه المحاكم هي المختصة في كل المنازعات الضريبية، وإن كان عددها قليلا مما يضعف من فعالية دورها، فقد حدد المرسوم رقم 187-06-2 الصادر بتاريخ 25 يوليوز 2006 عدد المحاكم في اثنين: إحداهما بالرباط وآخراهما بمراكش.

أما التعرض فلا يمكن اللجوء إليه إلا عندما يكون الحكم غير قابل للاستئناف مع صدوره غيابيا ، وهو أمر ضيق في المنازعات الجبائية مادام الفصل 344 من ق م م بدل على أن الأحكام الصادرة بناء على مقالات أو مذكرات الأطراف، ومعلوم أن المسطرة في المنازعة الضريبية ذات طابع كتابي.

أما التماس إعادة  النظر فهو من طرق الطعن الغير عادية، ولا يمكن استعماله لمن يملك حق الآستئناف أو التعرض وذلك داخل أجل 30 يوما، وذلك في حالات محددة قانونا على سبيل الحصر في الفصل 402 من ق م م  ويرفع إلى المحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه.

ويمكن استثناء لمن ليس طرفا في النزاع أن يطعن في الحكم من خلال تعرض الغير الخارج عن الخصومة بعد توفر الشروط الثلاثة المنصوص عليها في ق م م، ونظرا لسهولة ضبط الأطراف المعنية فإن إمكانات هذه الدعوى ضيقة جدا في النزاع الضريبي.

وبصفته كمحكمة قانون فإن  المجلس الاعلى يعتبر جهة قضائية لإلغاء الحكم المطعون فيه أو ما يسمى بالطعن بالنقض ويبتدئ أجله من تاريخ تبليغ الحكم للمعني بالأمر ويمتد إلى 30 يوما.

وينظر المجلس الأعلى في هذه الدعوى في مدى موافقة الحكم المطعون فيه لمبادئ القانون ونصوصه ولا ينظر في جوهر النزاع.

وقد حدد الفصل 360 من ق م م أسباب طلب النقض في:

-خرق القانون الداخلي

-خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف

-عدم الاختصاص

-عدم ارتكاز الحكم على اساس قانوني أو انعدام التعليل .

و نظرا لتعقد الإجراءات الضريبية ودقتها فإن الأحكام القضائية الصادرة في منازعتها تعتبر المجال الخصب لدعاوى النقض مما جعلها أكثر الطرق استعمالا من طرف المكلفين.

المطلب الثاني: المنازعات القضائية في المادة الجبائية

المشرع المغربي في قانون 41.90 خول للقاضي الإداري البت في المنازعات الضريبية من أجل توسيع الضمانات الممنوحة للمكلفين والملزمين بالضريبة للحصول على حقوقهم والإطمئنان عليها .

وتصنف الدعاوى القضائية في المنازعات الإدارية بصفة عامة ضمن القضاء الشامل لتمتع القاضي فيها بسلطات واسعة من خلال قدرته على إلغاء المقررات الضريبية المفروضة عليه وذلك لتحقيق المبادئ العامة للعدالة التي تفرض أن لا يكون الحكم خصما في النزاع، وتشكل العمليات المرتبطة بالوعاء الضريبي المجال الأكثر خصبا للخلاف بين المكلف وادارة الضرائب ما مكن المشرع من تمتيع المكلفين بالضريبة بمجموعة من الدعاوى ينازع من خلالها هذه الأخيرة أمام القضاء ومنها على سبيل المثال دعوى الاسترداد ، الإلغاء ، بطلان مسطرة الفرض الضريبي ، تحويل الإلتزام إلى مكلف اخر ، كما تشمل مختلف الطعون الرامية إلى تصحيح الأخطاء سواء المرتبطة بالتخفيض أو الإعفاء من الضريبة أو رد مبلغ دفع بغير حق.

الفقرة الاولى : منازعات تأسيس الضريبة


المبدأ في تحديد الأساس الذي تفرض عليه الضريبة هو تقديم المكلف تصريح تلقائي داخل أجل قانوني محدد حيث يتم ربط الضريبة انطلاقا من العناصر التي يوفرها هذا التصريح وهذه الإقرارات وهذا ما يعبر عن رغبة المكلف في المساهمة في الأعباء العامة كواجب وطني وكذلك تعبير عن حسن نية وبالتالي يح من تدخل الإدارة في تحديد الأساس الضريبي .

لكنه في حالة إذا ما تبين للإدارة ان التصريح المقدم من قبل المكلف غير صحيح من خلال البيانات المقيدة فيه وبعد مقارنتها بالمعطيات المتوفرة لديها لأن المشرع يلزم الإدارة بإتباع مساطر قانونية تتنوع بين مسطرة المراجعة والتصحيح أو القيام بفحص أو هما معا ، وما يميز هذه المساطر كونها تواجهية تنبني على إبداء ملاحظات والدخول في حوار حول مضمون التصريح الضريبي وتبادل المعطيات والمعلومات الأساسية المرتبطة بالوعاء .

تحدد مرحلة تأسيس الضريبة طبيعة المواجهة بين الملزم ومديرية الضرائب من خلال مساطر تحديد اسس احتساب الضريبة ومراقبتها باعتبارها مجالا حساسا تتراوح اطوارها بين التفاهم  والانسجام ، وفي أغلب الأحيان تتم في جو مشحون بعدم الثقة والحساسية والأصطدام خصوصا في مسطرة الفحص ، وتأتي منازعات التأسيس من اجل تحقيق التوازن المنشود بين حقوق الملزم وسلطات الإدارة في إطار تنفيذ المساطر الجبائية مما جعل الحسم في التوجه القضائي في هاته المرحلة من المنازعات مرتكزا على مجموعة من الخصوصيات والمبادئ والقواعد التي يتميز بها القانون الضريبي ، ونظرا لتنوع المنازعات المتعلقة بتأسيس الضريبة نحاول رصد اهم الإشكاليات التي يطرحها التبليغ كمناط للنزاع والتصادم بين الملزم وادارة الجبايات . 

الفقرة الثانية: منازعات تحصيل الضريبة

لقد جاء القانون 97/15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ليدعم دولة الحق والقانون في المغرب وكذا الإستجابة لمتطلبات الأوساط الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في هذا المجال وذلك لأنه في المنازعات الضريبية حاول تحقيق المعادلة الصعبة وهي تحصين الوضعية القانونية للملزم وذلك بمجموعة من الضمانات المخولة اليه  بمقتضى هذا القانون وبين تقوية الآليات القانونية خدمة لتحصيل الديون العمومية وهكذا سنحاول معرفة الى أي حد استطاع القضاء الضريبي المغربي بشقيه الإستعجالي وقضاء الموضوع من جانبه تحقيق الغاية التي من اجلها تم وضع مدونة تحصيل الديون العمومية

أولا: القضاء الإستعجالي ومنازعات التحصيل

ان اختصاص رئيس المحكمة الإدارية باعتباره قاضيا للأمور الإستعجالية ينحصر في الإجراءات الوقتية التي من شأنها الحفاظ على الحق استنادا للفصل 149 من ق م م ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان يمتد الى جوهر النزاع او المس بموضوع الحق  وبالتالي فإن الغاية من احداث مؤسسة القضاء الاستعجالى هي المحافظة على المراكز القانونية للأطراف الا ان ما يمكن ملاحظته على مستوى العمل القضائي هو تضارب الأحكام الصادرة بخصوص منازعات التحصيل وهكذا وعلى مستوى العمل القضائي " يكون طلب ايقاف اجراءات تحصيل دين عمومي مبررا متى تبين من ظاهر اوراق الملف ان المنازعة في الدين مبنية على اسباب جدية وأن من شأن مواصلة اجراءات التنفيذ حصول اضرار يصعب تداركها كما يمكن للمدين الذي ينازع كلا او بعضا في المبالغ المطالب بها ان يوقف الجزء المنازع فيه شريطة ان يكون قد رفع مطالبته داخل الأجال القانونية وان يكون قد كون ضمانات من شأنها ان تؤمن تحصيل الديون المتنازع عليها

عدم تقيد الطالب بالمقتضيات المنصوص عليها في بالفصلين 117 و118 من القانون 97/15 بمثابة مدونة التحصيل وعدم تكوين الضمانة الكافية لتأمين استخلاص الدين المطالب به يعرض طلب ايقاف التنفيذ لعدم القبول"

وعلى النقيض من ذلك نجد ان المحكمة الادارية بوجدة اعتبرت انه " فيما يخص الدفع بعدم احترام مقتضيات المادتين 117 و118 من مدونة التحصيل فإنه بتفحص مقتضيات المادة 117 من المدونة المذكورة ليس من بينها ما يفيد ضرورة تقديم الضمانة امام المحكمة كإجراء جوهري حتى يترتب عن الاخلال بذلك أي جزاء وان المقتضيات المذكورة تتعلق بطلبات ايقاف المتابعة امام المحاسب المكلف بالتحصيل لذا فما دامت مشروعية فرض المبالغ المطلوب استيفاؤها موضوع الاشعار للغير الحائز هي محل منازعة جدية  امام محكمة الموضوع فإن الجهة المدعية تبقى غير ملزمة بتقديم الضمانات المذكورة ويتعين بلتالي استبعاد الدفع المذكور اعلاه"  

من جهته فإن المجلس الأعلى قد حسم النقاش الفقهي والإختلاف القضائي حول مفهوم الجدية في مجال المنازعة الضريبية من خلال اعتبارها " تتجلى إما في منازعة الملزم في وضعيته كخاضع للضريبة أو في قانونية تأسيس وفرض تلك الضريبة."([38]) بمعنى ما تعلق باختصاص جهة الوعاء دون التحصيل. لكن ألا تعتبر حالات أخرى قياسا على ما ورد في هذا القرار متسمة بالجدية مثل تقادم الوعاء والتحصيل وعدم مشروعية مسطرة التحصيل ؟ نعتقد أن خرق قواعد المشروعية سواء لدى إدارة الوعاء أو إدارة التحصيل أو انتفاء أساس المديونية كصفة الملزم أو سقوط الحق بعدم المطالبة به داخل الآجال القانونية كلها تشكل أسبابا جدية تبرر الإستجابة لطلبات الإيقاف ضمن القواعد العامة للإستعجال دون تقيد بشكليات أخرى.

بخصوص سلوك مسطرة التظلم الاداري المنصوص عليها في المادة 120 من مدونة التحصيل قبل اللجوء الى القضاء الإستعجالي فإن المحكمة الإدارية بمراكش ذهبت الى القول بأن التقيد بشكليات المادة 120 من مدونة التحصيل غير واجب كلما قدر قاضي الأمور المستعجلة ان الطالب ينازع جديا في صفته كملزم وهو ما تم تأييده من قبل المجلس الأعلى .



من خلال ماسبق يتبين ان القضاء الاستعجالى الاداري يأمر بوقف اجراءات التحصيل الى حين البث في جوهر النزاع كلما توفر عنصر الاستعجال كما ان الوسائل المعتمدة في موضوع المنازعة على درجة من الجدية وهو ما يؤكد بحق هاجس القضاء في التوفيق بين تحصين الوضعية القانونية للملزم دونما عرقلة خدمة تحصيل الديون العمومية .

ثانيا: قضاء الموضوع  ومنازعات التحصيل

اذا كان اختصاص القضاء الاستعجالي في المادة الضريبية ينحصر في الإجراءات الوقتية التي من شأنها الحفاظ على الحق فإنه على النقيض من ذلك نجد ان اختصاص قضاء الموضوع يشمل باقي النزاعات غير تلك التي تدخل ضمن اختصاص قاض المستعجلات وهكذا يتبين الدور المركزي الذي يتعين على القضاء القيام به من خلال ضرورة تكريس وتحسين تعامل الادارة مع الملزمين وتقديم ضمانات اوسع لحقوقهم مع مراعاة حقوق الخزينة في تحصيل ديونها .

ومن اهم الضمانات التي جاءت بها مدونة  التحصيل هي منع القيام باعمال التحصيل الجبري دون ترخيص مسبق تحت طائلة العزل المادة 35 من مدونة التحصيل كما ان المادة 36 من المدونة ذاتها تنص على عدم امكانية اجراء التحصيل الجبري الا بعد ارسال اخر اشعار بدون صائر يحث المكلف على تسوية دينه بطريقة وديه وكذا مبدأ التدرج واحترام الترتيب الوارد في المادة 39 من مدونة التحصيل ، كما ان المشرع نص في هذا الصدد على امكانية اللجوء الى الاكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الاخرى وفق الشروط المشار اليها في المواد من 76 الى 83 وهنا يتعين على القضاء ان يبرهن عن دفاعه عن الطرف الضعيف في المعادلة وعلى التشدد في احترام المساطر والاجراءات في هذا الصدد على اساس قاعدة التفسير الضيق للنصوص الضريبية كما يلزم  المحاسب المكلف بالتحصيل مباشرة التحصيل بواسطة الانذار الذي ينبغي ان يتم بواسطة قائمة اصلية للانذار بالاضافة مجموعة من الضمانات المنصوص عليه في اطار التنفيذ الجبري بواسطة الحجز من خلال الديون العمومية غير قابلة للحجز او البيوعات وحجز وبيع السفن والعقارات والاصول التجارية وفي مقابل ذلك تم تعزيز الوسائل القانونة لتحصيل الدين العمومي من خلال التصدي لتنظيم افعال العسر وبعض الجرائم المعرقلة لعملية اتحصيل والتزامات الاغيار المسؤولين او المتضامنين وكذا التزامات الاغيار الحائزين.

خاتمة

ختاما فالتحصيل الجبائي يشكل موضوعا في غاية من الأهمية نظرا لما تشكله المداخيل الضريبية من أهمية على جميع المستويات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية إذ بدون عائدات لا يمكن برمجة أي إصلاح أو القيام بأي عملية تنموية كيفما كان نوعها، كما أنها تشكل من الناحية الإجتماعية ضمان للأمن والاستقرار الاجتماعيين وضمان إحترام مبادئ العدالة الصريبية والمساواة أمام الأعباء العامة وكذا الحيلولة دون المساس بالحقوق والحريات الفردية .

ومن هنا تناقش مختلف الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية في المنازعات الجبائية من أجل الحفاظ على امتيازات المال العام بالقدر نفسه وبهاجس أكبر تبحث عن حماية أنجع للملزم أثناء منازعته للإجراءات المتخدة في حقه من قبل إدارة الضرائب.

لائحة المراجع:

الكتب

  • يونس معاطا "المنازعات في تحصيل الديون الضريبية" السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية .
  • د. محمد مرزاق وعبد الرحمان أبليلا "المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية والتطبيق" مطبعة الأهنية -الرباط- الطبعة الثانية 1998 .
  • الدكتورعبد الغني خالد "المسطرة في القانون الضريبي " مطبعة دار النشر المغربية ،الدارالبيضاء 2002 .

الاطروحات

  • الدكتورة نجاة العماري "المنازعات الضريبية" أطروحة لنيل الدكتورا 2002 .
  • الدكتور عثمان الحادك "دور القضاء في المنازعات الجبائية في المغرب"أطروحة لنيل الدكتورا 2000/2001 .
  • نجيب البقالي "منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الضريبي " رسالة لنيل ديبلوم الدراسات العليا المعمقة السنة 2007/2008 .

المقالات:

  • عبد الغني عماري "المرحلة القضائية في المنازعات الجبائية "
  • ندوة وطنية حول المنازعة الضريبية "نظمتها كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بمكناس وهيئة المحامين بمكناس بتاريخ 04.05 دجنبر 2009 برحاب الكلية .

[8] - محمد شكري، مرجع سابق، ص: 568.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات