القائمة الرئيسية

الصفحات

القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي

القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي

القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي


إن مشكلة تنازع القوانين لا تثار في مجال عقود التجارة الداخلية، والتي بداهة تخضع للقانون الداخلي وهو ما يعطي للمتعاقدين العلم المسبق بالنظام القانوني الذي تم تعاقدهم على أساسه. 

إلا أن الوضع يختلف بالنسبة للعقود الدولية، وذلك لارتباطها بأكثر من نظام قانوني واحد، مما يثير التساؤل حول القانون الواجب التطبيق بشأنها. 

وبهدف دفع عجلة التجارة الدولية بين الأفراد باعتبارها وسيلة تبادل اقتصادي هائل عبر الحدود قامت كل دولة بوضع القواعد والأسس التي يستند ويتقيد بها القضاة العاملون على إقليمها لحسم ما يتعلق من مسائل الاختصاص التشريعي ، والاختصاص القضائي ، وتنفيذ الأحكام المتعلقة بالمنازعات الخاصة المترتبة عنها والمنطوية على عنصر أجنبي وهي قواعد الإسناد . 

وتقوم قاعدة الإسناد على ثلاثة عناصر هي: 

- القانون المسند إليه: أي القانون الذي تحيل إليه قاعدة الإسناد لحكم النزاع . 

- موضوع قاعدة الإسناد: أي الوصف الذي تسبغه على المسألة المطروحة لتطبيق قاعدة الإسناد لاحقا. 

- ضابط الإسناد وهو الركيزة الأساسية في تعيين القانون الواجب التطبيق. 

(مثال قاعدة الإسناد التي تقضي بإسناد فكرة الالتزامات التعاقدية إلى قانون الإرادة ) فالقانون المسند إليه هو القانون الذي تم تحديده ضمنيا أو صراحة ، وموضوع قاعدة الإسناد هو الالتزامات التعاقدية ، وضابط الإسناد هو الإرادة ويقوم قاضي النزاع بتطبيق هذه القواعد، المتصفة بأنها قاعدة مزدوجة أي توضح حالات تطبيق القانون الوطني وحالات تطبيق القانون الأجنبي، فالقاعدة التي تقضي بتطبيق قانون موقع العقار ستطبق القانون المغربي إذا كان موقع العقار في المغرب ، ونفس القاعدة ستؤدي إلى تطبيق القانون الفرنسي إذا كان موقع العقار في فرنسا ، كما توصف بأنها قاعدة غير مباشرة، أي أنها لا تتضمن حلا مباشرا ، للنزاع ، وإنما تشير إلى القانون الذي يتولى حل النزاع ما لم تكن دولته طرفا في اتفاقية دولية تنظم قواعد نص النزاع . 

المطلب الأول: معايير تحديد قانون العقد الدولي

إن إعمال قاعدة من قواعد الإسناد ومن أجل تحديد القانون الذي سيطبق على العقد الدولي تخضع لعدة محددات وهذا ما سنتناوله بتفصيل. 

الفقرة الأولى: خضوع العقد الدولي لقانون الإرادة 

الأصل في عقود التجارة الدولية هو خضوعها لقانون الإرادة أي للقانون الذي تشير به إرادة المتعاقدين. 

ولقد استقرت معظم النظم القانونية على مبدأ حرية طرفي العقد في اختيار القانون أو النظام القانوني الذي يحكم العقد المبرم بينهما، ويعد هذا المبدأ في ذاته قاعدة من قواعد تنازع القوانين . وفقا لما ذهب إليه المشرع المغربي في الفصل 13 من الظهير المنظم للوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب عندما نص على ما يلي:" تعين الشروط الجوهرية للعقود وآثارها بمقتضى القانون الذي قصد الأطراف صراحة أو ضمن الخضوع له. 

وإسناد الأفضلية للقانون الذي يختاره المتعاقدون هو في إطار القانون الدولي الخاص تطبيق لمبدأ سلطان الإرادة الذي يؤكده في إطار القانون الداخلي الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص :" الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون . 

ويستوي في إرادة المتعاقدين أن يعبر عنها بشكل صريح أو ضمني في النزاع من استنباط إرادة المتعاقدين الضمنية ، بالرجوع للغة التي حرر بها العقد والعملة التي اتفق على استخدامها في الوفاء ، أو أية مؤشرات يرتئيها القاضي وقد استقر فقه القانون الدولي الخاص الغالب على أن تطبيق قانون الإرادة على هذا النحو يقتصر على الجانب الموضوعي للعقد أما شكل العقد فيخضع لبلد الإبرام. 

وبهذه المثابة ينطبق قانون الإرادة في شأن ما يتعلق بتكوين العقد وشروط انعقاده الموضوعية مثل التراضي والمحل والسبب، كما ينطبق هذا القانون أيضا على آثار العقد ، سواء تعلقت هذه الآثار بالأشخاص أو بالموضوع ، وبصفة خاصة على ما يرتبه من التزامات متبادلة بين أطرافه وجزاء مخالفة هذه الالتزامات وما تثيره هذه المخالفة من مسؤولية عقدية . 

وإذا كان قانون الإرادة هو الذي يحكم وفقا للرأي الراجح تنفيذ الالتزامات المتولدة عن العقد، فإن هذا القانون هو الذي يسري أيضا على أسباب انقضاء الالتزامات العقدية مع ملاحظة ما قد يثيره تقادم هذه الالتزامات من خلاف فقهي حول مدى اعتبار هذا التقادم مسألة موضوعية تخضع لقانون الإرادة أو مسألة إجرائية يحكمها قانون القاضي . 

ولئن كان تطبيق قانون الإرادة على تكوين العقد من حيث الموضوع ، وكذلك على آثاره وانقضائه هو ما يميل إليه غالبية الشراح كفالة لوحدة القانون الواجب التطبيق في هذا الشأن ، فإن جانب من الفقه قد أجاز مع ذلك تجزئة عناصر العقد وإخضاع كل منها لقانون مختلف كإخضاع تكوين العقد لقانون بلد الإبرام بحيث يقتصر تطبيق قانون الإرادة على ما يرتبه العقد من آثار بل إن الفقه الحديث قد خول لإرادة المتعاقدين القدرة على اختيار أكثر من قانون لحكم الرابطة العقدية . 

وأياما كان الأمر، فإن اتجاه الفقه الغالب نحو وحدة القانون الواجب التطبيق على العقد لم يمنع هذا الاتجاه من استبعاد مسألتين من مجال قانون الإرادة وهما أهلية التعاقد وشكل العقد. 

فالأهلية وإن كانت شرطا لصحة التعاقد من حيث الموضوع إلا أن الفقه الغالب قد اتجه مع ذلك إلى إخضاعها للقانون الشخصي للمتعاقد ، وسواء كان هذا القانون هو قانون الجنسية أو قانون الموطن ، وذلك على أساس أن الغرض الذي تهدف إليه أحكام الأهلية هو حماية الشخص نفسه ولو كان التصرف الذي يباشره من التصرفات المالية . 

أما شكل العقد فقد استقر الاتجاه الغالب على إسناده اختياريا إما لقانون العقد أو لقانون بلد الإبرام، وذلك تيسيرا على المتعاملين ورعاية للاعتبارات العملية التي تقتضيها التجارة الدولية. 

وتجدر الإشارة إلى أن صعوبة تحديد مكان إبرام العقد بوصفه أحد ضوابط الإسناد الاختيارية في مسائل الشكل في الفرض الخاص بالتعاقد بين غائبين هي التي دفعت بالتشريع السويسري الجديد للقانون الدولي الخاص الصادر في 18 ديسمبر 1987 على النص في الفقرة الثانية من المادة 124 على أنه إذا كان العقد قد أبرم بين شخصين يوجد كل منهما في دولة مختلفة فإنه يكون صحيحا من حيث الشكل إذا توافرت فيه الشروط التي يتطلبها قانون أي من الدولتين وعلى خلاف الاتجاه الفقهي السائد في إسناد العقد الدولي لقانون الإرادة الصريحة أو الضمنية في العقد ، فقد اختلفت التيارات الفقهية عند غياب هذا الاتفاق في تقرير القانون الذي يحكم العقد، والذي يقرره القاضي يعد تركيز الرابطة العقدية ووزن مراكز الثقل فيها ما لم يكن المشرع قد حددها مسبقا بضوابط إسناد في اتجاهين : الأول صوب الإسناد الجامد للرابطة العقدية والثاني صوب الإسناد المرن للرابطة العقدية وهو ما سنتناوله في الفقرة الثانية : 

الفقرة الثانية : الإسناد الجامد والإسناد المرن للرابطة العقدية 

ظل إسناد العلاقة العقدية إلى قانون دولة الإبرام أو دولة التنفيذ قائما في حالات سكوت المتعاقدين عن الاختيار الصريح أو الضمني لقانون العقد بوصفه إسناد معبرا عن الصلة الوثيقة التي تربط العقد بقانون دولة إبرامه أو دولة تنفيذه ، وهذا ما يسمى بالإسناد الجامد أو المسبق للرابطة العقدية . 

إلا أن الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي الخاص قد هجرت فكرة الإسناد الجامد للرابطة العقدية مفضلة اتخاذ مواقف أكثر مرونة ، إما استجابة للطبيعة الذاتية للعقد كما هو الشأن في بعض التشريعات مثل التشريع السويسري الصادر عام 1987 ، وكذلك اتفاقية روما لسنة 1985 ، أو لظروف التعاقد وملابساته في كل حالة على حدة كما انتهى إلى ذلك القضاء الفرنسي متأثرا بصفة خاصة بفقه الأستاذ " باتيفول" . 

أولا : الإسناد الجامد للرابطة العقدية 

يكفل التحديد المسبق للقانون الذي يحكم العقد – ما يراه المشرع أكثر صلة بالعقود الدولية عند سكوت الإرادة عن اختيار العقد صراحة أو ضمنا – الأمان للمتعاقدين ، لمعرفتهم المسبقة بالقانون الذي سيحكم العقد عند سكوتهم عن اختياره من ناحية ، ويكفل استقرار التجارة الدولية من ناحية أخرى . 

ويقصد بالإسناد الجامد أقرب القوانين صلة بالرابطة العقدية ، وفقا لما يراه المشرع مثل جنسية أو موطن الأطراف ، أو قانون بلد إبرام العقد أو بلد تنفيذه ، وهو بذلك يتجاهل الطبيعة الذاتية للعلاقة العقدية المطروحة ولظروف التعاقد، وهو ما يتعارض بالنتيجة مع الرابطة الأوثق والقانون الواجب التطبيق في شأنها . 

والملاحظ أن أكثر التعابير شيوعا كأساس لهذا الإسناد الجامد للعقد الدولي هما معيار بلد الإبرام ومعيار بلد التنفيذ . 

أ-إسناد العقد لقانون بلد الإبرام 

تعطي أحكام القضاء أهمية خاصة لهذا المؤشر في الحالة التي يكون فيها تنفيذ العقد في نفس مكان انعقاده، حيث يخضع تكوين وصحة العقد لقانون مكان انعقاده. 

ويعلل أصحاب هذا الاتجاه في الإسناد لقانون إبرام العقد بأنه نميل الصلة الأقوى التي تربط العقد بمحل ميلاده الأول ، كما أنه القانون الأنسب في رجوع طرفي العقد إليه للتأكد من سلامة الشروط التي ينوون إدراجها في العقد من الناحية القانونية ، مع ضمانه لوحدة القانون الواجب التطبيق على الرابطة العقدية . 

وقد اختلفت التشريعات التي أخذت بهذه القاعدة حول موقع الأفضلية الممنوحة لقانون بلد الإبرام في حالة سكوت المتعاقدين عن اختيار قانون العقد صراحة أو ضمنا ، وهكذا مثلا نجد المشرع المصري قد منح لقانون دولة إبرام العقد الموقع الثاني في الترتيب بعد قانون الموطن المشترك للمتعاقدين إن اتحدا موطنا ، وهي نفس الأفضلية التي منحها التشريع الايطالي لهذا القانون بعد قانون الجنسية المشتركة للمتعاقدين ، بينما فضل القانون الاسباني تخويل قانون بلد الإبرام موقعا ثالثا في الترتيب بعد كل من قانون الجنسية المشتركة وقانون محل إقامتهم المشتركة ، وهي نفس الأفضلية التي منحها المشرع المغربي لهذا القانون . 

وللإشارة فهناك حكم صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 1923 وأيدته محكمة النقض الفرنسية في حكم مؤرخ في 14 نونبر 1926 ، بعد أن صرحت المحكمة بان قبول كمبيالة وتظهيرها هما تصرفان قانونيان متميزان يمكن أن يخضع كل منهما لقانون مختلف عن القانون الذي يخضع له الآخر ، أضافت أنه وقت قبول كمبيالة في المغرب وتظهيرها في بريطانيا العظمى فإن هذا التظهير يخضع للقانون البريطاني ، أما تعين مكان إبرام العقد حينما لا يقع الإيجاب والقبول في مكان واحد فيجب أن يقع طبقا لقانون القاضي أي القانون المغربي ، لقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في حكم لها صادر بتاريخ 31 مايو 1932 ، إسناد العقد لقانون بلد الإبرام إذا كان هذا البلد هو الذي سيتم فيه تنفيذ العقد. 

وما نلاحظ على هذا الحكم على جانب بعض الفقه أنه لم يبين الحل الواجب الإتباع فيما لو أبرم العقد في دولة تختلف عن دولة التنفيذ. 

ومع ذلك فإنه يبدو لنا مع الفقه الغالب أن الحجج السابقة ، والتي ساقها الرأي المؤيد لتطبيق قانون بلد الإبرام ، لا تقوم على أساس صحيح على اعتبار أن بلد الإبرام وإن كان هو الميلاد الأصلي للعقد ، إلا أنه قد لا يعبر بالضرورة عن الصلة لأوثق بموضوع العقد. 

إذ يلاحظ من جهة أن مكان إبرام العقد قد يتحدد بناءا على ظروف عارضة لا تكفي لقيام الصلة المتطلبة بين الرابطة العقدية والقانون الذي يحكمها فالعقود التجارية تبرم عادة في مواقع تجارية لا تعدو أن تكون ـأماكن للقاء المتعاملين ولا تتركز فيها في الغالب مصالحهم الأساسية ، كما قد يتحدد مكان الإبرام كذلك نتيجة الصدفة أو نظرا لاعتبارات تمليها ظروف الرحلة ، كما قد يكون لقاء المتعاقدين في مكان لا شأن له بالتعاقد ، وبعد ذلك تأتيهم فكرة إبرام العقد ويعدو واضحا أن محل الإبرام يقوم في كافة الحالات التي ذكرناها على محض الصدفة وهذه الأخيرة لا تصلح أن تكون أساسا للإسناد. 

ومن جهة أخرى فاليوم مع تبني أغلب النظم القانونية لقوانين تنظم المعاملات الالكترونية بما فيها المشرع المغربي الذي تبنى قانون 05.53 المنظم لتبادل المعطيات القانونية إلكترونيا أصبحت أغلب الصفقات تتم من خلال الاتصالات، الفاكس وعن طريق شبكة الإنترنيت ، وهو ما تثار معه صعوبة تحديد محل إبرام العقد، هل هو دولة إرسال الإيجاب أو دولة محل القبول أو الدولة التي علم فيها الموجب بالقبول . 

ولهذا يفضل جانب آخر من الشراح إسناد العقد لقانون بلد التنفيذ. 

ب-إسناد العقد لبلد التنفيذ

إن أول من نبه إلى أهمية إسناد العقود الدولية لقانون دولة التنفيذ هو الأستاذ الألماني الكبير سفيني، باعتبار أن العلاقة التعاقدية ترتب أثارها في هذه الدولة. 

ولقد اتجهت أحكام القضاء الألماني بصفة خاصة ، وبعض أحكام القضاء الفرنسي الحديث إلى تطبيق قانون دولة التنفيذ عند سكوت الإرادة عن الاختيار الصريح لقانون العقد على أساس أن إرادة المتعاقدين اتجهت إلى ذلك،بل إن هناك أحكام للقضاء الفرنسي قد اتجهت إلى تطبيق قانون دولة التنفيذ على الرابطة العقدية بصرف النظر عن إرادة المتعاقدين في ذلك .

ويقوم الإسناد إلى قانون دولة التنفيذ من جهة، على أساس أن مصالح المتعاقدين والغير تتركز ماديا في هذه الدولة. 

ومن جهة أخرى فإن هذا الإسناد هو الذي يتفق أيضا مع مصالح المتعاقدين فاهتمامهم موجه منذ البداية إلى دولة تنفيذ العقد التي ستحقق فيها الغاية من التعاقد ففي هذه الدولة سيجني هؤلاء ثمار تعاقدهم ، وفيها أيضا قد تتحقق المسؤولية عن عدم التنفيذ. 

وأخيرا فإن كان من العسير وفقا للرأي الراجح أن تخضع إجراءات تنفيذ العقد لغير قانون دولة التنفيذ فان تطبيق قانون هذه الدولة على الرابطة التعاقدية في مجموعها سوف يتلافى التعارض المتصور في الأحكام الواجبة التطبيق ويكفل على هذا النحو وحدة العقد وانسجامه . ويثار التساؤل في ما لو تعددت أماكن تنفيذ الالتزام كأن يكون تنفيذ العقد في أكثر من دولة, فأي القوانين سيحكم سلسلة أماكن التنفيذ وقد يذهب رأي الى الاعتداد بأكثر الأماكن ارتباطا بالعقد وهو ما يمثل خروجا وانتهاكا للمعيار الذي استند إليه أصحابه منذ البداية , فكيف تتوجه اهتمامات وتطلعات المتعاقدين لهذا البلد بالذات إن تساوت المصالح. 

كما قد يذهب رأي آخر إلى تجزئة العقد وإخضاع كل جزء ينفذ منه لقانون تلك الدولة, وهو ما لا يتماشى مع التجارة الدولية وتيسير أعمالها حيث سنحمل المتعاقدين تبعية الاطلاع على سائر تلك القوانين المتعلقة بموضوع العقد من ناحية واحتمالية تعارض قانون أي من الدول ومصلحة المتعاقدين من ناحية أخرى ، وبذلك نرى في اعتماد معيار مكان إبرام العقد فائدة أكبر للمتعاقدين لما يوفره لهما من الأمان القانوني الذي يوفر الاطمئنان في نفسيهما . 

كما يدق الأمر عند عدم تحديد مكان التنفيذ بصفة مسبقة ، حيث يتعذر الإسناد في هذا الفرض ، ولا يصح الاعتراض على ذلك بالقول بان هذه المسألة تتوقف على حكم القانون ، هل يكون الوفاء في محل إقامة الدائن أو محل إقامة المدين ، ذلك أن الإجابة على هذا التساؤل تتوقف على معرفة القانون الذي يحكم العقد و الذي يبين من هو المدين ومن هو الدائن بينما أن تحديد هذا القانون غير متصور قبل الإجابة على التساؤل السابق، وهو ما يوقعنا في حلقة مفرغة ، بل إنه من المتصور دائما أن يغير المتعاقدون محل إقامتهم بعد إبرام العقد. 

ولا يجدي في حل هذه المشكلة الانتظار حتى يتم تنفيذ العقد بالفعل ، حيث يسهل إسناده حينئذ لقانون الدولة التي تم فيها التنفيذ، ذلك أنه من المتصور دائما أن يثار النزاع بين الطرفين قبل البدء في التنفيذ وهو ما سيخل بالأمان القانوني المتطلب للمتعاقدين ، الذين يتعذر عليهم على هذا النحو العلم المسبق بقانون العقد وخاصة فيما يتعلق بالشروط التي يتطلبها هذا القانون لسلامة انعقاد الرابطة العقدية . 

وفي الأخير نفضل الإسناد المسبق للرابطة العقدية لقانون بلد التنفيذ عن إسنادها لقانون بلد الإبرام ، ذلك أن الحل الأول هو الذي يعبر على نحو أصدق على حقيقة مركز الثقل في هذه الرابطة ، فقانون بلد التنفيذ يعد أوثق بالرابطة العقدية من قانون بلد الإبرام. 

غير أنه ونظرا للأسباب التي ذكرناها سابقا فإن كل من الفقه الحديث والقضاء المعاصر تبنى الإسناد المرن للرابطة العقدية. 

ثانيا : الإسناد المرن للرابطة العقدية 

يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى تحديد القانون الأوثق صلة بالرابطة العقدية بناءا على ضوابط مرنة في حالة سكوت إرادة المتعاقدين عن الإشارة إلى القانون الواجب التطبيق على عقدهم الدولي. 

وتهدف هذه الروابط المرنة إلى تركيز الرابطة العقدية في ضوء ظروف التعاقد وملابساته في كل حالة على حدة وصولا لتطبيق القانون الذي يشكل مركز الثقل في الرابطة العقدية ، وبالتالي لا تعتمد على محددات ثابتة للتطبيق على كافة العقود الدولية، وهو ما يختلف عن الإسناد الجامد . 

والأصل لدى الأستاذ باتفيول أن مركز النقل في الرابطة العقدية يتحدد بالمكان الذي تتركز فيه المصالح الجوهرية للمتعاقدين ، وهو عادة المكان الذي يتم فيه تنفيذ العقد ومع ذلك فقد يصعب الكشف عن هذا المركز بصفة مسبقة نظرا لتعدد محال التنفيذ أو تعذر تحديدها وهو ما دفع الأستاذ الفرنسي إلى التأكيد على ضرورة أن يتم التركيز المكاني للرابطة العقدية في ضوء ظروف التعاقد وأحداثه الخارجية في كل حالة على حدة وهي ظروف تتوقف على إرادة المتعاقدين ، التي لا تقوى في نظر الأستاذ باتيفول على اختيار قانون العقد، وإنما هي تقوم فقط بإبداء رغبتها في تركيز الرابطة العقدية في مكان معين ، وهكذا ينحصر دور إرادة المتعاقدين ، ولو كانت صريحة ، في تركيز العقد في دولة معينة ، وللقاضي أن يستخلص من ذلك خضوع الرابطة العقدية لقانون هذه الدولة ، أو تصحيح اختيار المتعاقدين فيما لو تبين أن القانون المختار لا يعبر عن مركز الثقل في هذه الرابطة.

وهذا ما يجعل في نظرنا صعوبة التسليم بنظرية باتيفول خصوصا في حالة اختيار المتعاقدين صراحة لقانون العقد، لأن عدم التفاف القضاء لهذا الاختيار بدعوى أنه مجرد رغبة في تركيز العقد في مكان معين فيما يناهض حقيقة ما أراده المتعاقدون، مما يشكل خرقا لقاعدة الإسناد المقررة بنصوص تشريعية ، وكذا يصعب في ضوء فكرة التركيز الموضوعي للرابطة العقدية وفقا لظروف التعاقد وملابساته أن يعلم المتعاقدون مسبقا بالقانون الواجب التطبيق على العقد ، نظرا لتوقف القانون على ظروف التعاقد في كل حالة على حدة ولعل هذا هو السبب في اتجاه بعض التشريعات إلى اعتناق نظرية الأداء المميز عند إسناد العقود ومؤداها إسناد العقد للمكان الذي تم فيه تنفيذ الالتزام الرئيسي المتميز عن غيره من الالتزامات التي فرضها العقد . 

وما يلاحظ على نظرية الأداء المميز أنها قد كفلت للمتعاقدين ضمان القانون دون أن تفقد مع ذلك المرونة المتطلبة في الإسناد طبيعة العقد محل النزاع ، فالتركيز الموضوعي يتم وفقا لهذه النظرية على أساس الطبيعة الذاتية للعقد بغض النظر عن آراء المتعاقدين كما قد تشير إليها ظروف التعاقد وملابساته . 

وإذ أن بإمكان إرادة الأطراف الاتفاق صراحة أو ضمنا على القانون الواجب التطبيق على عقدهم فان الحبل لم يترك على الغارب لهذه الإرادة في ذلك نظرا لكون المشرع المغربي قد وضع عراقيل تحول دون ذلك لحفظ وصيانة النظام العام وعدم التحايل عليه. 

المطلب الثاني: تعطيل قواعد الإسناد

.لقد اجمع فقه القانون الدولي الخاص على وجود حالتين يتعين معهما على القاضي الوطني استبعاد القانون الأجنبي الذي عينته قاعدة الإسناد وهما إما تعارض القانون الأجنبي واجب التطبيق مع الأسس التي يقوم عليها قانون القاضي وهو ما يعرف بالنظام العام، أو أن يرد استبعاد القانون الأجنبي إلى سلوك طرفي العلاقة التعاقدية كان يأتي تحديد القانون الأجنبي بناءا على تحايلهما على قاعدة الإسناد الوطنية، وهو ما يعرف بالدفع بالغش نحو القانون. 

فقرة أولى: الدفع بالنظام العام. 

ترقى فكرة النظام العام في كل المجالين المحلي والدولي إلى حماية النظام القانوني الوطني، وتدعيم قوانين الدولة الأساسية مع اختلاف مفهوميهما ومجال كل منهما عن الآخر. 

حيث يقصد بالنظام العام الداخلي القواعد الآمرة التي لايسمح للأفراد بالاتفاق على مخالفتها وإبطال أي اتفاق يتعارض معها . أما على مستوى القانون الدولي الخاص فيقتصر دورها على منع تطبيق القانون الدولي الذي أشارت قاعدة الإسناد إلى تطبيقه، إذا كان من شان الإسناد إلى حكمه الإخلال والمساس بالأسس التي يقوم عليها نظام المجتمع الوطني كأن تقضي قاعدة الإسناد بتطبيق قانون الجنسية في مسائل الزواج باعتباره القانون الأكثر عدالة تحقيقا لمصالح الزوجين، ثم يتضح للقاضي الوطني تعارض القانون الأجنبي ( المسند إليه) الذي يسمح مثلا بزواج الخال من بنت الأخت وهو ما يخالف الأسس التي تقوم عليها دولة القاضي وبالنتيجة يتم استبعاد القانون الأجنبي المناهض للقيم التي يقوم عليها المجتمع الوطني لخدشه الحياء العام. 

فمن حيث التعاقد يلاحظ من جهة أن الفصل 13 من قانون الوضعية المدنية للأجانب نص في الدرجة الأولى على مبدأ سلطان الإرادة،" يعين الشروط الجوهرية للعقود وأثارها بمقتضى القانون الذي قصد الأطراف صراحة أو ضمنا الخضوع له" تعين في الدرجة الثانية قوانين أخرى أجنبية يمكن تطبيقها لكنه يلاحظ من جهة أخرى أن قانون الالتزامات والعقود و بعض القوانين الصادرة فيما بعد كقوانين الأكرية تضمنت مجموعة من القواعد الناهية فإذا أدى تطبيق القانون الأجنبي الذي يعينه الفصل 13 من قانون وضعية الأجانب إلى مخالفة تلك القواعد الناهية وجب استبعاد ذلك القانون الأجنبي وهذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية في عدة قضايا مرفوعة إليها من المحاكم العصرية في المغرب نذكر منها الأحكام الآتية: 

- حكم 21 ابريل 1933 بشان عقد اتفق فيه المتعاقدين على الأداء بالنقد الانجليزي (إستنادا على مبدأ الحرية المقررة في الفصل 13 المذكور سابقا ) الذي اعتبر هذا العقد مخالف للفصل 2 من ظهير 21 يونيو 1920 الذي أعطى أوراق البنك المخزني صفة الرواج الإجباري. 

- حكم 2 يوليوز 1929 الذي قضى بأنه لا يجوز للمتعاقدين أن يحيلا على الفصل 1592 من القانون المدني الفرنسي( الذي يسمح لهما بإسناد أمر تعيين الثمن إلى حكم) بحجة أن تطبيق هذا القانون يخالف الفصل 477 من ق ل ع الذي ينص على انه لا يجوز أن يترك لشخص ثالث أمر تعيين الثمن. 

ومن خلال ما سبق يتضح بان الدفع بالنظام العام هو وسيلة لحماية المجتمع من تطبيق بعض القوانين الأجنبية أمام محاكمها لكونها مخالفة للأسس القانونية الرئيسية السائدة في المجتمع وكذلك بالرغم من أن هذا القانون الأجنبي قد تبث له الاختصاص أصلا بموجب قاعدة الإسناد الوطنية بحكم المسالة المطروحة . ويترتب على الدفع بالنظام العام أثران هما: 

أولا : الأثر السلبي ( استبعاد القانون الأجنبي) 

يترتب على أعمال الدفع بالنظام العام استبعاد أحكام القانون الأجنبي المتعارض مع النظام الوطني لدولة القاضي لما يكتنف القانون الأجنبي من تعارض مع المبادئ التي يقوم عليها مجتمع دولة القاضي . 

ويتحقق الأثر السلبي للنظام العام في الحالة التي يكتفي فيها القاضي باستبعاد القانون المسند إليه دون إحلال قانون آخر محله’ مثال ذلك.ليس هناك ما يمنع في القانون الأمريكي بالاعتراف بابن الزنا, بينما لايعترف بمثل هذا الحق في القانون المغربي لأنه مخالف للنظام العام فإذا تقرر تطبيق القانون الأمريكي في المغرب بهذا الخصوص, يكتفي القاضي المغربي برفض تطبيق القانون الأمريكي دون إحلال القانون المغربي محله. 

و لقد اختلف الفقه حول المدى الذي يستبعد معه أحكام القانون الأجنبي المناهض للنظام العام في دولة القاضي،حيث ذهب اتجاه إلى وجوب استبعاد القانون الأجنبي المتعارض مع القانون الوطني برمته،لما قد يترتب عليه الإضرار من تشويه للقانون،و تطبيقه في غير الأحوال التي شرع لأجلها،في حين ذهب الاتجاه الفقهي الغالب إلى استبعاد الجزء المخالف للنظام العام الوطني دون الأجزاء الأخرى ذلك أن الغاية من النظام العام هي حماية الأسس التي يستند و يقوم عليها المجتمع،دون أدنى عداء للقانون الأجنبي، و عليه فلا يستبعد إلا القاعدة التي يتحقق معها هذا التعارض،وهو القدر الذي يتحقق معه حماية القانون الوطني. 

و نحن نؤيد رأي الفقه الغالب القاضي باستبعاد الجزء المخالف للنظام العام فقط، دون الأجزاء الأخرى، لما في ذالك من عدم خلق للعداوة مع القانون الأجنبي،وتحقيق الغاية المتوخاة من إعمال الدفع بالنظام العام.

ثانيا: الأثر الايجابي (تطبيق قانون القاضي)

يتأتى هذا الأثر كنتيجة طبيعية للأثر السلبي في استبعاد القانون الأجنبي،اذ يجب في هذه الحالة إحلال قانون آخر مكانه بغية سد الفراغ التشريعي المتسبب عن الأثر السلبي للدفع بالنظام العام و ما يترتب عليه في حال إغفال ذلك من إنكار للعدالة و ضياع للحقوق. 

و بالرجوع لموقف المشرع المغربي،يرى جانب من الفقه أنه عند استبعاد القانون الأجنبي يجب أن تطبق القاعدة المنصوص عليها في الفصل الثالث من قانون الجنسية أي تطبيق القانون العبري على اليهود و تطبيق مدونة الأحوال الشخصية(مدونة الأسرة حاليا) على غير اليهود مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في الفصل المذكور بتبيان من ليسو مسلمين، و كذالك بالنسبة للأشخاص الذين يصرحون بأن لا دين لهم. 

أما المشرعين الأردني و المصري فقد اكتفيا بإبراز الأثر السلبي للنظام العام دون أن يحددا القانون الذي يحكم العقد عوضا عن القانون الأجنبي الذي جرى استبعاده و الذي دفع بعض الاتجاهات الفقهية و القضائية إلى القول بتطبيق قانون دولة القاضي و ذلك بإحلال قانون دولة القاضي محل القانون الأجنبي الذي يتم إقصاؤه . 

و سعيا وراء استقرار المجتمع الدولي و عملا على قطع الأثر الذي ترتب على إعمال الدفع بالنظام العام، أن ظهر ما يسمى بالأثر المخفف للدفع بالنظام العام و الذي يعمل به في الحالات التي يراد بها الاحتجاج أو ترتيب آثار قانونية على مركز قانوني ثم نشوؤه و اكتسابه خارج دولة القاضي و التي لا يترتب عليها ذات الأثر فيما لو نشأت في ذات دولة القاضي،أي تقوم على التمييز بين حالتين إنشاء الحق في بلد القاضي،و التمسك به في بلد القاضي بحق اكتسب أو نشأ في الخارج،ففي الحالة الأولى يقوم القاضي ببحث مشروعية إنشاء الحق وفقا لقانونه،و مدى توافقه مع النظام العام من عدمه،بينما يقوم في الحالة الثانية ببحث مدى إمكانية التمسك بآثار الحق في دولته و مدى مساس أثر الحق بالنظام العام من عدمه. 

إذا فقاعدة استبعاد القانون الأجنبي الذي تعينه قاعدة الإسناد و تعويضه بالقانون الوطني،تمسكا بفكرة الدفع بالنظام العام،لا تصح إلا بصدد العلاقة التي تنشأ في بلد القاضي مثلا: كان إذا تقدم الزوجان الأجنبيان في فرنسا بطلب الطلاق المبني على التراضي استنادا على مقتضيات قانونهما الوطني الذي يجيز هذا النوع من الطلاق ردت المحكمة الفرنسية طلبهما لأن تطبيق قانونهما الوطني يتعارض إذ ذاك في هذه الحالة مع النظام العام الفرنسي.أما بعد أن أصبح القانون الفرنسي يجيز الطلاق بالتراضي أصبح القاضي يطبق القانون الأجنبي.لكنه كان اذا صدر حكم بطلاق هذين الزوجين في بلد أخرى و قام أحدهما بطلب التزوج في فرنسا مثبتا عدم ارتباطه برابطة الزوجية سمح له بإبرام الزواج، فيقال أن النظام العام لا يمنع من استعمال حق مكتسب في بلاد أجنبية وان كان لا يسمح باكتساب هذا الحق في الدولة نفسها. 

فقرة ثانية: الدفع بالغش نحو القانون 

يقصد بالتحايل على القانون استعمال الشخص بعض الوسائل المشروعة ظاهرا ليتمكن من انجاز أفعال قانونية لم يكن يسمح له بانجازها القانون المختص فمن ذلك تغيير الدين أو الموطن من أجل غرض معين.و كان هذا التغيير يقع كثيرا في الماضي حين كانت كثير من البلدان الأوروبية لا تجيز الطلاق، فيكسب الشخص جنسية دولة أخرى تجيزه ليتمكن من الحصول عليه. 

و في تعريف آخر بأنه: الاستخدام الإرادي لقاعدة التنازع بهدف التهرب من الأحكام الآمرة للقانون الواجب التطبيق. 

و لقد ظهرت هذه الفكرة لأول مرة بمناسبة قضية شهيرة تدعى قضية"ذي بوفورمون"وتتلخص وقائعها في أن سيدة بلجيكية الجنسية قد تزوجت من الأمير الفرنسي-ذي بوفورمون-واكتسبت الجنسية الفرنسية بناءا على الزواج منه،ثم حدث خلاف بينهما فأرادت الزوجة الطلاق منه بالرجوع إلى القانون الفرنسي نجده يتضمن إسناد يقضي بتطبيق القانون الفرنسي باعتباره قانون الزوج،وبما أن القانون الفرنسي لا يجيز الطلاق فقد تجنست بجنسية دويلة ألمانية يسمح لها قانونها بالطلاق و استطاعت بذلك أن تحصل على الطلاق لتتزوج بعد ذلك من أمير روماني يدعى-بيبسكو-وأقامت معه في فرنسا.حدث بعد ذلك أن رفع الزوج الأول دعوى أمام المحاكم الفرنسية طالب من خلالها اعتبار هذا الزواج باطلا استنادا إلى تجنس الزوجة بالجنسية الجديدة كان بهدف الغش و التحايل على القانون.فقضت محكمة النقض الفرنسية لفائدة الزوج مستندة على فكرة الغش،بحيث بدا لها أن التجنس لم يكن مقصودا لذاته و إنما كان وسيلة مشروعة بهدف التوصل إلى غرضها و هو إبرام زواج ثان و الدليل على ذلك أنها بمجرد طلاقها تزوجت من جديد . 

لكن القاضي الذي تعرض عليه قضية ما لا يأخذ التحايل بعين الاعتبار إلا إذا كان المقصود منه التحايل على قانونه،أما إذا كان المقصود التحايل على قانون أجنبي فلا يهمه(مثلا:القاضي الفرنسي لم يكن يهمه أن يكون الاسباني الذي تجنس بالجنسية الفرنسية قصد التحايل على القانون الاسباني الذي لم يكن في الماضي يجيز الطلاق). 

ولإعمال الدفع بالتحايل نحو القانون لابد من توافر شرطين هما: 

أولا: الشرط المادي (تغير مادي في ضابط الإسناد) 

يقصد بهذا الشرط: تغيير الظروف التي يتحدد على أساسها الضابط الذي تقوم عليه قاعدة الإسناد، و ما ينجم عنه من تغيير للقانون الواجب التطبيق على العلاقة،ويتحقق هذا التغيير في الظروف التي تلعب الإرادة فيها دورا جوهريا في تغيير ضابط الإسناد،مثل ضابط جنسية طرفي العلاقة أو موطنهما،وفقا للدولة المراد الخضوع لقانونها واعتدادهما بقانون الموطن أم بالجنسية،و ذلك في مسائل الأحوال الشخصية

ثانيا:الشرط المعنوي (نية التحايل أو الغش نحو القانون) 

تعد النية عاملا نفسيا مكانه العقل وتقيد اتجاه الفكر إلى إحداث أمر معين، و في اللحظة التي يعقبها عمل تنفيذي تخرج النية(القصد)من المجال النفسي إلى الحيز الاجتماعي الخارجي. 

و في مجال الغش نحو القانون تتحقق النية في انبعاث النفس إلى الإفلات من القواعد القانونية الآمرة بوسائل قانونية . 

فالشخص له الحق في تغيير جنسيته أو موطنه،و التي يترتب عليه تغيير القانون الواجب التطبيق، ولكن إذا اقترنت في هاتين الحالتين نية التحايل بضابط الإسناد الذي تم إعماله بقصد الإفلات من الخضوع لأحكام القانون الواجب التطبيق لقانون آخر،فان التحايل يتحقق في هذه الحالة. 

إلا أن بعض الفقه و نظرا لكون النية أمر باطني يصعب على القاضي الوقوف عليها، ذهب إلى القول أن هذا الشرط متوفر دون البحث عنه.في حين ذهب الرأي الفقهي الغالب إلى ضرورة التيقن من توافر هذا الشرط ليتسنى التمسك بالدفع بالغش نحو القانون وفي سبيل ذلك يمكن استخلاص توافر هذا الشرط من قرائن الحال التي تجسدها الوقائع المادية مثل حالة التلازم الزمني بين تغيير ظروف العلاقة وإجراء التصرف المراد إخضاعه للقانون الجديد. 

وقد اختلف الفقه فيما يخص الآثار التي تترتب على التمسك بالدفع بالتحايل نحو القانون،حيث أنه اتجه جانب إلى إبطال الوسيلة و النتيجة في حين اقتصر البعض الآخر على إبطال النتيجة دون الوسيلة وبدورنا نؤيد هذا الأخير و الذي يقضي بإبطال النتيجة دون الوسيلة لأن هذه الأخيرة لا تدخل ضمن صلاحيات القاضي. 

وهناك شرط ثالث لم يتطرق له معظم شراح القانون الدولي الخاص نظرا لمنطقيته وهو شرط خضوع المتحايل لقانون جديد،عوضا عن القانون الذي يسعى المتعاقدون لاستبعاده،وهو شرط منطقي و طبيعي. 

خاتمة 

صفوة القول ومن خلال التحليل الذي قمنا به في هذا العرض يتضح أن الأخذ بأحد المعايير التقليدية لدولية العقد (سواء المعيار الاقتصادي أو القانوني ) لإضفاء الصفة الدولية علي العقد غير كاف ، وإنما لا بد من اجتماع المعيارين معا وتكاملهما للحكم علي العقد بالدولية ، كما أن خصوصيات التجارة الدولية التي يعد العقد ابرز أدواتها ، والتي مافتئت تتطور ، كلها أمور يتعين أخذها في الاعتبار عند البحث عن معيار شامل لدولية العقد 

أما فيما يتعلق بحل إشكالية تنازع القوانين في عقود التجارة الدولية فقد اتضح بجلاء عجز قواعد الإسناد عن حلها، مما يكرس أزمة قانون العقد الدولي وهو ما يفرض 

تكويع وتطوير هذه القواعد لكي تصبح قادرة علي مسايرة متطلبات التجارة الدولية، التي تتسم بالحركية والجدة والسرعة والمصالح المتضاربة 

وهكذا تجلي العجز السابق بصورة واضحة في بعض نماذج للعقود الدولية، علي غرار عقود نقل التكنولوجيا و عقود التجارة الالكترونية. 

وهو ما يقتضي من المشرع إتاحة الفرصة لأطراف العقد في اختيار الحلول المناسبة للنزاعات الناشئة بينهم حسب ظروف وملابسات كل عقد علي حدة، علي أن يقتصر القيد التشريعي علي المبادئ العامة التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العام .

مقال مقتبس (معايير دولية العقد وآثارها) تحت إشراف الدكتور محمد الاطرش 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات