ورقة بحثية حول موضوع الأزمة المالية العالمية لسنة 2008
ورقة بحثية حول موضوع الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 |
المقدمة
ان صدى الازمة الاقتصادية العالمية التي مست الولايات المتحدة الامريكية سنة 2008 ما زال يتردد في اودية جميع دول العالم,وما زال يطغى الحديث عن هذه الأزمة المالية العالمية عما سواه من أحداث اقتصادية الى يومنا هذا نظرا للهلع والخوف الذي اصاب الناس ورجال المال والأعمال من تكرارها او عودتها لما حل لبعضهم من
عسر او افلاس ومالها من تأثير كارثي على الاقتصاد العالمي كافة حيث ما زالت مظاهرها وآثارها بادية الى يومنا هذا.
ونتيجة لذلك,انكب الباحثون والاختصاصيون على تناول الموضوع بالبحث والتحليل الدقيق على الخوض في اسباب الازمة ومحاولة تفسيرها ومنحها من الاهتمام الشيء الكثير من لدن جميع وسائل الاعلام المرئي والمقروء مما زاد من إشاعة الهلع بين الناس، والغريب حقا ان الكثيرين من هؤلاء، ولاسيما في الدول العربية لا يتوانون عن التأكيد بأّنهم لا يعرفون التفاصيل عن أسباب هذه الأزمة ولا كيفية حدوثها.ومما زاد من الحيرة، عودة النقاشات الإيديولوجية مثل الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي، أو الأزمة الدورية للرأسمالية، أو سقوط النموذج الليبرالي وعودة التأميم والاشتراكية؛ في حين ان الأخصائيين من جهة أخرى فسروا ذلك بأن ما يحدث هو امر بسيط، يمكن تفسيره وتحديده .
وعليه سنحاول تناول الموضوع من خلال تحليل الإشكال التالي
ما المقصود بالأزمة المالية؟ ما أسبابها؟ ما هي نتائجها ؟ وما هي الحلول الممكنة لهذه الأزمة؟
هذا التساؤل يفرض علينا بداية بالتعرض لمفهوم الأزمة المالية من خلال التعريف به، وعرض المراحل التي تعكس التطور التاريخي للأزمات المالية العالمية بصفة عامة، ثم تسليط الضوء بتركيز أكثر على الأزمة المالية لسنة 2008،جذورها، وتأثيراتها على الوطن العربي عموما، وعلى المغرب خصوصا وأخيرا نختم بملخص عن الدروس المستفادة من هذه الأزمة.
المبحث الأول: الأزمة المالية العالمية مفهومها والتطور التاريخي للازمات المالية العالمية
سنقسم هذا المبحث الى مطلبين نتناول في المطلب الاول مفهوم الازمة وخصائصها وانواعهاعلى ان نقف في المطلب الثاني على التطور التاريخي للازمات المالية التي حلت بالعالم.
المطلب الأول:مفهوم الأزمة المالية وخصائصها وانواعها
اولا مفهوم الازمة
يعرف الاقتصاديون بان الأزمة هي ظاهرة تعرف بنتائجها الوخيمة على الاقتصاد من جهة وعلى الوضعية الاجتماعية لافراد المجتمع، ومن مظاهرها مثلا انهيار البورصة، وحدوث مضاربات نقدية كبيرة ومتقاربة، وبطالة متفشية.[1].
والأزمة المالية بشكل خاص انهيار النظام المالي برمته مصحوبا بفشل عدد كبير من المؤسسات المالية وغير المالية مع انكماش حاد في النشاط الاقتصادي الكلي.
وهي تكون في شكل انهيار مفاجئ في سوق الأسهم، أو في عملة دولة ما ، أو في سوق العقارات، أومجموعة من المؤسسات المالية، لتمتد بعد ذلك إلى باقي الاقتصاد، ويحدث مثل هذا الانهيار المفاجئ في أسعار الأصول نتيجة بيع وشراء كميات ضخمة من نوع أو أكثر من الأصول المالية أو المادية كالأسهم أو المنازل بأسعار تفوق أسعارها الطبيعية أو الحقيقية..
خلاصة القول , ان الأزمة المالية هي تلك التغيرات المفاجئة التي قد تؤثر كليا أو جزئيا على مجمل المتغيرات المالية، وعلى حجم إصدار وأسعار الأسهم والسندات، وإجمالي القروض والودائع المصرفية، و معدل الصرف، وتؤدي الى انهيار شامل في النظام المالي والنقدي.
ثانيا الخصائص الاساسية للازمة
وتبرز الخصائص الأساسية للأزمة المالية في النقاط التالية[2]
-حدوثها بشكل عنيف ومفاجئ، واستقطابها لاهتمام الجميع
-التعقيد، والتشابك، والتداخل في عواملها وأسبابها
-نقص المعلومات الكافية عنها
-تصاعدها المتواصل يؤدي إلى درجات عالية من الشك في البدائل المطروحة لمجابهة الأحداث المتسارعة
-سيادة حالة من الخوف من آثار الأزمة وتداعياتها
مما يفرض لمواجهة الأزمة استحضار درجة عالية من التحكم في الطاقات والإمكانيات، وحسن توظيفها في إطار تنظيمي يتسم بدرجة عالية من الاتصالات الفعالة التي تؤمن التنسيق والفهم الموحد بين الأطراف ذات العلاقة.
ثالثا:أنواع الأزمات المالية
يمكن تصنيف الازمات الى عدة انواع نحصرها فيم يلي[3]:
أزمة مصرفية: تظهر الأزمات المصرفية عندما يواجه بنك ما زيادة كبيرة ومفاجئة في طلب سحب الودائع وبالتالي تحدث "أزمة سيولة" لدى البنك،وعندما تتوفر الودائع لدى البنوك وترفض ،منح القروض خوفًا من عدم القدرة على الوفاء فتحدث أزمة إقراض أو ما يسمى "ازمة الائتمان العام"
أزمة عملة "أزمة ميزان المدفوعات": تحدث الأزمة عندما تتعرض عملة بلد ما لهجوم مضاربي شديد يؤدي إلى انخفاض قيمتها انخفاضا كبيرا، وهو ما يفرض على السلطات النقدية خفض قيمتها وبالتالي تحدث أزمة انهيار سعر صرف العملة. ازمة أسواق المال "حالة الفقاعات": تحدث الأزمات في الأسواق المالية نتيجة ما يعرف اقتصاديًا بظاهرة "حالة الفقاعة" والتي تحدث عندما يرتفع سعر الأصل بشكل يتجاوز قيمته العادلة نتيجة شدة المضاربة ويكون الهدف من شراء الأصل هو الربح الناتج عن ارتفاع سعره وليس بسبب قدرة هذا الأصل على توليد الدخل، و لكن بمجرد عودة أسعار الأصول إلى قيمتها الحقيقية يحدث الانهيار وتصل إلى أدنى مستوياتها، ويرافق ذلك حالات من الذعر والخوف فيمتد أثرها نحو أسعار الأصول الأخرى سواء في نفس القطاع أو قطاعات أخرى.
المطلب الثاني التطور التاريخي لحدوث الازمات المالية العالمية
شهدت الأسواق المالية العالمية خلال القرن العشرين انهيارات كبيرة تسببت في حدوث أزمات مالية تميزت بسرعة انتشارها وتباين أسباب حدوثها، وكان آخرها الأزمة العالمية الأمريكية والتي سنحاول
التركيز عليها.
وفيما يلي نعرض بعضها
ازمة 1929
شهدت العلاقات النقدية والمالية الدولية استقرارا نسبيا بعد تجاوز الازمة التي اجتاحت معظم دول العالم خلال فترة الحرب العالمية الاولى,ومع استمرار ارتفاع اسعار الاوراق المالية ببورصة نيويورك منذ عام 1924 على مدى خمس سنوات متتالية حيث سجل مؤشر داوجونز ارتفاعا كبيرا الى ان وصلت الى اعلى مستوياتها في 28 اكتوبر سنة 1929 اذ انتقل من 110 نقطة الى 300 نقطة بنسبة 273 بالمائة مما أدى إلى حدوث أزمة حقيقية بخسارة المستثمرين لعملياتهم في الأسواق المالية بحوالي 200 مليار دولار، وإفلاس حوالي 3500 بنك في يوم واحد، وتميزت هذه الأزمة بالخصائص التالية
-زعزعة الاستقرار النسبي في النظام الرأسمالي بكامله.
- كانت لها صفة الدورية انطلاقا من ارتباطها الوثيق بالأزمات الاقتصادية الدورية في النظام الرأسمالي.
- استمرارها لفترة طويلة نسبيا.
- اختلاف مدة وحدة الأزمة من بلد لآخر بشكل كبير.
- تخفيض قيم العملات الرئيسية الدولية.
- توقف 25 دولة عن سداد قروضها الخارجية منها ألمانيا و النمسا.
- الممارسات غير الأخلاقية واستغلال ثقة العملاء والتلاعب في أسعار الأوراق المالية.
ازمة 1987 و1989
خلال الثمانينات حدثت أزمتين متتاليتين هما أزمة 1987 و 1989ويعود السبب الأساسي لنشوئهما في تغيرات الأسعار في أسواق رأس المال الناتجة عن اختلال التوازن بين العرض و الطلب، وفيما يلي نتناول أهم أسباب وتداعيات الأزمتين ضمن النقاط التالية
1- أزمة 1987 "أزمة الاثنين الأسود"
-انخفاض اسعار التداولات المالية ببورصة وول ستريت بنيويورك في 19 اكتوبر 1987 صاحبه اندفاع المستثمرون إلى بيع أسهمهم مما أدى إلى انخفاض مؤشر داو جونز بمقدار 508 نقطة في يوم واحد، مما أثر على باقي البورصات العالمية وكانت الخسائر كبيرة
-انخفاض أسعار أسهم بورصة نيويورك نتيجة الخلل في التوازن بين العرض والطلب الناشئ من جراء كثرة أوامر البيع بشكل واسع
- نشاط السوق المالية الدولية بشكل مذل حيث بلغ ذروته سنة1987
- قوة ارتباط الأسواق المالية فيما بينها
ضخامة الصفقات والعمليات المتداولة في الأسواق المالية العالمية
- تنوع الأصول المتعامل بها
- استخدام أحدث الأساليب في الاتصال، وأكثر التقنيات تطورا في إدارة الأنشطة والعمليات ساعد على سرعة انتقال الأزمات من سوق لآخر
- قوة العلاقات النقدية والمالية كان من أهم قنوات انتقال الأزمة، ومثال ذلك تداول العملات الرئيسية. كالدولار تسببت تدهور قيمته في تفاقم الأزمة المالية الدولية في أكتوبر 1987
- التفسيرات المتناقضة التي تتعلق بكفاءة السوق المالية
2-ازمة 1989
بدأت آثار الأزمة في شهر سبتمبر 1989 عقب إعلان الحكومة الأمريكية عن رفع5% من أسعار الجملة والتجزئة ، مع امتناع البنك المركزي الأمريكي " البنك الاحتياطي الفدرالي" عن تخفيض أسعار الفائدة ، وفي 13 أكتوبر1989 انخفض مؤشر بنسبة 190 نقطة ، أي داو جونز بمقداره 7% ، وفي طوكيو فقد مؤشر نيكاي 647 نقطة ، كما أضاع مؤشر فايننشال تيمز 142 نقطة وتختلف أزمة 1989 بالمقارنة بأزمة أكتوبر 1987 لأسباب عديدة أهمها
- تحسن الظروف الاقتصادية وعدم توافر ما يدل على اقتراب حدوث أزمة اقتصادية
- نظرا لارتفاع عوائد الأسهم بسبب ارتفاع مستوى نشاط معظم الشركات وتحسن أرباحها، ولم تكن هناك دوافع لبيع الأسهم ، لهذا كانت زيادة عرض الأسهم للبيع ضعيفة نسبيا و بعيدة عن أحداث تدهور في الأسعار
- اقتصار بيع الأوراق المالية الأسهم خاصة على المستثمرين الصغار دون تدخل الشركات الكبيرة ، مما يعني ضعف حجم و نطاق العمليات و بالتالي عدم تسببها في التأثير بشكل كبير على الأسعار
- عدم وجود توقعات حول إمكانية ارتفاع أسعار الفائدة بشكل ملحوظ
- إن إسراع المستثمرين عام 1987 لبيع أسهمهم تسبب فعلا في انخفاض الأسعار أما عام 1989 فضل المستثمرين عدم الاستعجال بالبيع ، مما ساعد على تهدئة الأسواق والحد من انخفاض الأسعار
- اتسم موقف الحكومة الأمريكية باللامبالاة في أزمة أكتوبر 1987 اتسم مما أثر سلبا وزاد في تفاقم الأزمة ، على خلاف عام 1989 حيث سارعت الحكومات إلى التدخل لإيقاف الأزمة ، عن طريق مواجهة عمليات البيع المتزايدة بحجم كبير جدا من السيولة ، وهو ما ساعد على احتواء الأزمة
كما شهدت فترة التسعينات العديد من الازمات منها الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق المالية الناشئة كالمكسيك , والأرجنتين ، وفنزويلا " 1994 " ويقصد بالأسواق الناشئة على أنها أسواق مالية لبلدان تعودت على تلقي تدفقات رؤوس أموال خارجية ضخمة لفترة طويلة فأصبحت أكثر اندماجا في السوق الدولية واستجابة وأشد حساسية لآليات السوق ، ومع توقف هذه التدفقات النقدية حدثت الأزمة المالية وأصبح الاقتصاد يواجه التزامات وديون مالية
اما دول شرق اسيا فقد عرفت أزمات مالية قبل عام 1997 كأزمة اندونيسيا عام 1978 ، وكوريا عام1980 ، إلا أن أزمة 1997 كانت من أخطرها ، وتعود أسبابها إلى تجاهل حكومات دول اندونيسيا ، تايلاند ، كوريا ، ماليزيا للمشاكل المالية التي تتفاقم نتيجة ثقتهم في الأداء الاقتصادي المتميز مما سبب لها أزمة سعر صرف حقيقية سنة 1997 حيث انخفضت أسعار الصرف بفعل عمليات المضاربة على سعر العملة و تدنت الأرباح في أسواق الأسهم مما اضطر السلطات النقدية إلى رفع الفائدة لهدف وقف التحويل من العملة الوطنية إلى العملات الأجنبية خاصة الدولار الأمريكي ، فارتفعت أسعار الفائدة في أسواق بعض هذه الدول إلى 200 % من السعر السابق ، مما دفع بالمستثمرين للتخلص من الأوراق المالية التي لديهم والاستفادة من سعر الفائدة ، وبلغت نسبة انخفاض أسعار الأسهم ما بين 25 بالمائة و 50 بالمائة وأثر ذلك بدوره سلبا على أسواق الدول المتقدمة كبورصة نيويورك ، لندن ، باريس ، فرانكفورت ، وطوكيو.
وتتلخص أهم الأسباب الرئيسية لأزمة دول جنوب شرق أسيا ضمن النقاط التالية
- كثرة تدفق رؤوس الأموال نحو هذه البلدان بسبب النمو الاقتصادي المرتفع ، والاستقرار السياسي ، وإلغاء أوجه الرقابة على حركة رؤوس الأموال.
- منح قروض للقطاع الخاص دون ضمانات كافية.
- ضعف الجهاز المصرفي والمالي وعدم القدرة على تطويره ، بالإضافة إلى انسحاب الحكومة من القطاع المصرفي نتج عنه عدم كفاءة التخصيص المحلي للموارد الأجنبية
- حرية البنوك في الاقتراض من الأسواق العالمية بأسعار فائدة منخفضة مما أدى إلى زيادة الإنفاق
- تحويل الاستثمار في الأوراق المالية إلى إيداعات بالبنوك بسبب الرفع في أسعار الفائدة للحد من التحويلات من العملة الوطنية إلى العملات الأجنبية
- توسيع التعامل بالمشتقات المالية فتح المجال واسعا للمضاربات المحفوفة بالمخاطر
- الاعتماد في تمويل العجز في الموازنة العامة على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية
هذا الى حدود سنة 2008 وهي سنة حدوث الازمة العالمية المالية والتي تمثل الموضوع الرئيسي لعرضنا وسنتناوله بالتفصيل في المبحث الموالي.
المبحث الثاني:الأزمة المالية العالمية 2008
من خلال هذا المطلب سنقف على تشخيص الازمة المالية العالمية في المطلب الاول في حين سيكون حديثنا عن تاثيرها على الاقتصاد الوطني المغربي وعن تدابير الوقاية منها.
المطلب الأول:تشخيص الأزمة المالية العالمية 2008
أولا: بداية الأزمة المالية الحالية[4]
انطلقت بداية الأزمة الجديدة مع إعلان مؤسسة مالية عملاقة، هي "ليمان براذرز" عن إفلاسها الوقائي، وهذه كانت بداية رمزية خطرة، لأن هذه المؤسسة العريقة كانت من الشركات القليلة التي نجت من مذبحة الكساد الكبير في عام 1929، وتعتبر من أقدم المؤسسات المالية الأمريكية، التي تأسست في القرن التاسع عشر، وهذا ما اكد تنبؤات "ألن غرسيبان"، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي السابق، بأن مؤسسات مالية ُ كبرى جديدة ستسير على درب "ليمان براذرز". في سبتمبر 2008 بدأت أزمة مالية عالمية والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929 م، ابتدأت الأزمة أولا بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم ليشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008 م إلى 19 بنكًا، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكا
ثانيا المراحل الكبرى في الأزمة المالية منذ اندلاعها[5]
نوجز المراحل الكبرى في الأزمة المالية التي اندلعت في بداية العام 2007 في الولايات المتحدة وبدأت تطال أوروبا كما يلي
- فبراير 2007: عدم تسديد قروض الرهن العقاري الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد هذا التراكم في الولايات المتحدة سبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات مصرفية متخصصة
-غسطس 2007: البورصات تدهورت أمام مخاطر اتساع الأزمة، والمصارف المركزية تدخلت لدعم سوق السيولة
- أكتوبر إلى ديسمبر2007 : عدة مصارف كبرى أعلنت انخفاضًا كبيرًا في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن العقاري.
- يناير 2008: الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) خفض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة
إلى 3.50 %، كإجراء استثنائي؛ ثم جرى التخفيض تدريجيا إلى 2% بين شهري كانون الثاني ونهاية نيسان
- فبراير2008: الحكومة البريطانية أممت بنك "نورذرن روك
- مارس 2008: تضافر جهود المصارف المركزية مجددا لمعالجة سوق القروض
- مارس2008: "جي بي مورغان تشيز" أعلن شراء بنك الأعمال الأمريكي "بير ستيرنز" بسعر متدن ومع المساعدة المالية للاحتياطي الاتحادي
-7سبتمبر 2008:وزارة الخزانة الأمريكية وضعت المجموعتين العملاقتين في مجال قروض الرهن العقاري: "فريدي ماك" و"فاني ماي" تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها لإعادة هيكلة ماليتهما، مع كفالة ديونهما حتى حدود 200 مليار دولار
-15 سبتمبر 2008:اعترف بنك الأعمال "ليمان براذرز" بإفلاسه بينما أعلن أحد أبرز المصارف الأمريكية وهو "بنك أوف أميركا" شراء بنك آخر للأعمال في بورصة وول ستريت هو بنك "ميريل لينش"
- عشرة مصارف دولية اتفقت على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال 70 مليار دولار لمواجهة أكثر حاجاتها إلحاحًا، في حين وافقت المصارف المركزية على فتح مجالات التسليف؛ إلا أن ذلك لم يمنع تراجع البورصات العالمية
-16 سبتمبر 2008 الاحتياطي الاتحادي والحكومة الأمريكية تؤممان بفعل الأمر الواقع أكبر مجموعة تأمين في العالم "أي آي جي" المهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 9.79 % من رأسمالها.
-17 سبتمبر 2008البورصات العالمية واصلت تدهورها والقروض يضعف في النظام المالي و المصارف المركزية كثفت من العمليات الرامية إلى تقديم السيولة للمؤسسات المالية -
-18 سبتمبر 2008:البنك البريطاني "لويد تي أس بي" اشترى منافسه "أتش بي أو أس" المهدد بالإفلاس
- السلطات الأمريكية أعلنت أنها تعد خطة بقيمة 700 مليار دولار لتخليص المصارف من أصولها غير القابلة للبيع
-19 سبتمبر 2008:الرئيس الأمريكي جورج بوش وجه نداء من أجل "التحرك فورًا بشأن خطة إنقاذ المصارف لتفادي تفاقم الأزمة في الولايات المتحدة
-23 سبتمبر 2008 الأزمة المالية طغت على المناقشات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك
- الأسواق المالية ضاعفت قلقها أمام المماطلة حيال الخطة الأمريكية للإنقاذ المالي
-26 سبتمبر 2008:انهيار سعر سهم المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية "فورتيس" في البورصة. بسبب شكوك بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها؛ وفي الولايات المتحدة اشترى بنك "جي بي مورغان" منافسه "واشنطن ميوتشوال" بمساعدة السلطات الفدرالية
-28 سبتمبر2008: خطة الإنقاذ الأمريكية موضع اتفاق في الكونغرس؛ بينما أوروبا جرى تعويم "فورتيس" من قبل سلطات بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وفي بريطانيا جرى تأميم بنك "برادفورد وبينغلي
-29 سبتمبر2008 : مجلس النواب الأمريكي رفض خطة الإنقاذ ، وبورصة وول ستريت انهارت بعد ساعات قليلة من تراجع البورصات الأوروبية بشدة ، في حين واصلت معدلات الفوائد بين المصارف ارتفاعها مانعة المصارف من إعادة تمويل ذاتها
- أعلن بنك "سيتي غروب" الأميركي أنه يشتري منافسه بنك "واكوفيا" بمساعدة السلطات الفدرالية
- نوفمبر2008 : مجلس الشيوخ الأميركي أقر خطة الإنقاذ المالي المعدلة
ثالثا اسباب الازمة[6]
1-أزمة الرهن العقاري: يعتبر موضوع الرهن العقاري السبب الرئيس والمباشر للأزمة، حيث شجع الازدهار الكبير لسوق العقارات الأمريكية ما بين عامي 2001 و 2006 البنوك وشركات الإقراض على اللجوء إلى الإقراض العقاري مرتفع المخاطر ، ويتم بموجبه التعاقد بين ثلاث أطراف بين مالك لعقار ومشتري وممول بنك أو شركة تمويل عقاري على أن يقوم المالك ببيع العقار للمشترى بمبلغ معين ويدفع المشترى جزءًا من الثمن ( 10 % مثلا) ويقوم الممول في ذات العقد بدفع باقي الثمن للبائع مباشرة واعتباره قرضا في ذمة المشتري مقابل رهن العقار للممول ويسدد القرض على أقساط طويلة 30 سنة بفائدة تبدأ عادة بسيطة في السنتين الأوليتين ثم تتزايد بعد ذلك و يسجل العقار باسم المشتري ويصبح مالكه له حق التصرف فيه بالبيع أو الرهن. وكون البنوك أغفلت التحقق من الجدارة الائتمانية للمقترضين وأغرتهم بفائدة بسيطة في الأول ثم تزايدت وتوسعت في منح القروض مما خلق طلبا متزايدا على العقارات إلى أن تشبع السوق فانخفضت أسعار العقارات وعجز المقترضون عن السداد وكانت البنوك قد باعت هذه القروض إلى شركات التو ريق التي أصدرت بها سندات وطرحتها للاكتتاب العام وبالتالي ترتب على الرهن العقاري كم هائل من الديون مرتبط بعضها ببعض في توازن هش أدى إلى توقف المقترضين عن السداد وبالتالي حدثت المشكلة.
كما توسعت المؤسسات المالية في إعطاء القروض للمؤسسات العقارية وشركات المقاولات والتي زادت عن 700 مليار دولار. لكن ارتفاع معدل الفائدة العام أدى إلى إحداث تغير في طبيعة السوق الأميركية تمثل في انخفاض أسعار المساكن، الأمر الذي شكل بداية اشتعال الأزمة إذ توجب على الكثير من المقترضين سداد قروضهم ، فبدأت المؤسسات المالية وشركات الإقراض تعاني تداعيات هذه القروض الكبيرة المتراكمة.
وأدى ارتباط عدد كبير من المؤسسات المالية خاصة الأوروبية والآسيوية بالسوق المالية الأمريكية إلى أن تطال الأزمة شركات القروض العقارية والمصارف وصناديق التحوط وشركات الاستثمار والأسواق المالية في جميع أنحاء العالم.
وبلغ حجم القروض المتعثرة للأفراد نحو 100 مليار دولار، مما أدى إلى تراجع أسهم المؤسسات المالية المقرضة وهبوط مجمل الأسواق المالية الأمريكية ثم الأسيوية والأوروبية تبعًا لها
2- التوريق أو الخصم : عندما تتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهون العقارية، يقوم باستخدام هذه "المحفظة من الرهون العقارية“ لإصدار أوراق مالية جديدة يقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى بضمان هذه المحفظة ، وهو ما يطلق عليه التوريق ، حيث أن البنك لم يكتف بالإقراض الأولي بضمان هذه العقارات ، بل أصدر موجة ثانية من الأصول المالية بضمان هذه الرهون العقارية فالبنك يقدم محفظته من الرهون العقارية كضمان للاقتراض الجديد من السوق عن طريق إصدار سندات أو أوراق مالية مضمونة بالمحفظة العقارية ، وهكذا فإن العقار الواحد يعطي مالكه الحق في الاقتراض من البنك ، ولكن البنك يعيد استخدام نفس العقار ضمن محفظة أكبر ، للاقتراض بموجبها من جديد من المؤسسات المالية الأخرى ، وهذه هي المشتقات المالية ، وتستمر العملية في موجة بعد موجة ، بحيث يولد العقار طبقات متتابعة من الإقراض بأسماء المؤسسات المالية واحدة بعد الأخرى ، هكذا أدي تركز الإقراض
في قطاع واحد ”العقارات“ على زيادة المخاطر ، وساعدت الأدوات المالية الجديدة "المشتقات“ على تفاقم هذا الخطر بزيادة أحجام الإقراض موجة تلو الموجة.
وإذا تعثر مالكي العقارات عن السداد أو انخفضت قيمة العقارات في الأسواق فإن حملة السندات يسارعوا إلى بيع ما لديهم فيزيد العرض وينخفض سعرها وتزيد الضغوط على كل من المؤسسات المالية وشركات التو ريق وهكذا يمكن القول إن التو ريق بما ينتجه من تضخم لقيمة الديون وانتشار حملة السندات الدائنين وترتيب مديونيات متعددة على نفس العقار هو حجر الزاوية في حدوث الأزمة المالية"
3-المشتقات المالية : وأثر المشتقات على الأزمة يظهر في أن التوسع في اشتقاق أدوات مالية جديدة تعتمد على الثقة في تحقيقها مكاسب في المستقبل ، ونظرًا لانهيار أسعار الأسهم والسندات الصادرة عن البنوك والشركات الاستثمارية انهارت قيمة هذه المشتقات وحدث ذعر في الأسواق المالية نتيجة لتزاحم الجميع على تصفية مراكزهم فانخفضت مؤشرات الأسواق انخفاضًا كبيرًا أدى إلى شلل هذه الأسواق ، ومن العجب أن من أهم أهداف هذه المشتقات هو مواجهة المخاطر التي يمكن أن تحدث وأظهرت الأزمة عجزها حتى عن حماية نفسها
4- نمو نشاط المضاربات: إن النمو المتعاظم في حجم قطاع المضاربات لم يقابله حصول نمو حقيقي مماثل في القيمة
الاقتصادية للمؤسسات المصدرة لهذه الأسهم ، لذلك فقد أجريت المضاربات في أسواق البورصات العالمية بصورة غير منضبطة وغير مستندة إلى أسس اقتصادية سليمة مما تسبب لاحقا في عرقلة التسديد وحصول أزمة .
نتج توسع نشاط المضاربة في سوق العقارات في الولايات المتحدة عن الأرباح العالية المحققة فيه، ومن التسهيلات الائتمانية الواسعة التي قدمتها البنوك للمستثمرين في هذا القطاع ، كل ذلك شجع المستثمرين على التوسع الكبير في الاستثمار في هذا القطاع ، وأدى إلى حصول فارق كبير بين أسعارها الحقيقية والسوقية ، وعندما حصل تغير في المتغيرات المؤثرة على عوامل العرض والطلب حدثت الأزمة، التي سرعان ما انتقلت إلى الأنشطة الأخرى والدول الأخرى المرتبطة معها بعلاقات بينية واسعة:
5-نقص أو انعدام الرقابة أو الإشراف الكافي علي المؤسسات المالية الوسيطة: تخضع البنوك التجارية في معظم الدول لرقابة دقيقة من البنوك المركزية، ولكن هذه الرقابة تضعف أو حتى تنعدم بالنسبة لمؤسسات مالية أخرى مثل بنوك الاستثمار وسماسرة الرهون العقارية أو الرقابة على المنتجات المالية الجديدة مثل المشتقات المالية أو الرقابة علي الهيئات المالية التي تصدر شهادات الجدارة الائتمانية، وبالتالي تشجع المستثمرين علي الإقبال علي الأوراق المالية.
المطلب الثاني : أثار الأزمة المالية 2008 على الاقتصاد المغربي و التدابير الوقائية لتجنبها
مما لا شك فيه أن الاقتصاد المغربي كغيره من الاقتصاديات العالمية تأثر بالأزمة المالية العالمية ، وإن كان بنسبة أقل مقارنة بالدول الأخرى و ذلك للأسباب التالية[7]
- عدم وجود سوق مالية وطنية مرتبطة بأسواق مالية عالمية بالأساس
- عدم وجود ارتباطات مصرفية للبنوك المغربية مع البنوك العالمية بالشكل الذي يؤثر عليها اذ من الواضح بهذا الصدد أن الأزمة المــالية التـــي عرفتها البلدان المتطورة لم يكن لهــا انعكاس مبــــاشر علــى المغرب و علــى قطـــاعه المالي والبنكـــي ، لسبب بسيط يرجع إلـــى عدم ارتبـــاط هذا القطــاع بالمنظــــومة المـالية العالمية. فالبنوك المغربية لا تمسك سندات أمريكية كما هو الحال بالنسبة لبعض البنوك الأوروبية.
كما أن النظام البنكي المغربي قد خضع في السنوات الأخيرة لعملية تنقية و تصحيـــح بفضل البرامج التي استهدفت تحسين أداء المؤسسات المالية العمومية ، مما أدى إلــــى تقليص جلي لحجم القروض السيئة و دعم القاعدة المالية لهذه المؤسسات و بصفة عامة لمجموع القطاع البنكي.
-انفتاح الاقتصاد المغربي بشكل نسبي على الاقتصاد العالمي،بخصوص بعض الصادرات الى بعض الدول التي تأثرت بالأزمة المالية العالمية سيكون لها تأثير ايضا على الاقتصاد الوطني المغربي اذ ادى استقرار الكساد خلال سنة 2009 إلى تقلص في السوق الأوروبية لبعض المنتوجات المصدرة تقليديا لهذا الأخير..و سيكون قطاع النسيج و قطـــاع مكونات صناعـــات السيارات بالطبع علــــى رأس القطاعات التصديرية التــي ستتأثر بانخفاض الطلب الأوروبــــي بسبب عــامل الأزمة. كمــــا أن انحدار قيمة الروبل الروســـي بسبب الهشاشة البنيوية للاقتصاد الروســـي ستخلق متـاعب لصادرات المغرب من الحوامض التي يوجه قسط وافر منها إلى هذه السوق ، و سيزيد من القدرة التنافسية للصادرات الروسية من الفوسفاط. كما أن انخفاض قيمة الجنيه الأسترليني خلقت متاعب لمبيعات النسيج إلى إنجلترا. و أخيرا ستتأثر مبيعات الفوسفاط و مشتقاته التي تتوجه بالأساس إلى الهند و البرازيل و بعض البلدان الآسيوية بالمد الإنحداري الذي مسّ كل المواد الأولية..
على المدى البعيد[8] ׃ و هنا ينصح ولعلو المغرب بالحضور النوعي في كل النقاشات التي تهمّ الاقتصاد العالمي و الانخراط الجدي في الإصلاحات التي تهم الأنظمة الأساسية للمؤسسات الاقتصادية الدولية..
مـع الحرص علـــى جعـل قضايــا التنمية و محاربة الفقـــر حــاضـرة بقــوة فــــي أجندة الإصلاحـات المستقبلية.
هذا، علاوة على الإنعكاسات السلبية التي خلفها تراجع عائدات المهاجريـن المغاربة نظرا للتسريحات الواسعة التــي مسّت صفوف اليد العاملة فــي العديد من الشركات والوحدات الإنتاجية بالدول الأورربية. كمـــا يجب أن نضيف أيضا تراجع قطاع السياحة الذي لم يسلم بدوره من التبعات السلبية للأزمة القائمة.
الخاتمة
وفي الأخير أعود لأؤكد على أن المغرب ، شأنه شأن باقي الدول النامية ، يبقى فــــي حاجة ماسة إلى بناء سياسة اقتصادية قوية ، منفتحة على الاقتصاديات الإقليمية والدولية ، لكن مع الحرص على عدم التفريــط فـي حقهـا السيادي المتعلق طبعا بتقريـر مصائرهـا واختياراتهـا الاقتصادية ، والسياسية و الاجتماعية..
و لأنّ العـالم اليوم يشهد بروز أقطـاب و تكتلات اقتصادية كبرى ، فإن المغرب و جيرانه مطـالبين، أكثر من أي وقت مضى ، بتجاوز كل العراقيل و الخلافات القطرية بينهم ، و العمل الجدي من أجل إعادة بنـــــاء الإتحاد المغاربي -اقتصاديا على الأقل - حتى يتسنى لأقطاره الحصول على موطئ قدم ما فـــــي ساحة تسودهـــا داروينية اقتصادية شرسة لا تعرف معنـى للرحمة إزاء الضعفــاء ... و إلا فإن التاريـــخ سيعاقب كل من تخلّف عن الركب.
المراجع المعتمدة
- فتح الله ولعلو، نحن و الأزمة الإقتصادية العالمية. الناشر ׃ المركز الثقافي العربي. الطبعة الأولى 2009
- مجلة السياسة الدولية، العدد׃ 175 (يناير 2009). مطابع الأهرام التجارية قليوب-مصر
- مجلة شؤون دولية/ دجنبر/يناير 2009
------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] مجلة شؤون دولية/ دجنبر/يناير 2009
[2] مجلة السياسة الدولية، العدد׃ 175 (يناير 2009). مطابع الأهرام التجارية قليوب-مصر
[3] مجلة السياسة الدولية، العدد׃ 175 (يناير 2009). مطابع الأهرام التجارية قليوب-مصر
[4] مجلة شؤون دولية/ دجنبر/يناير 2009
[5] مجلة شؤون دولية/ دجنبر/يناير 2009
[6] مجلة شؤون دولية/ دجنبر/يناير 2009
[7] فتح الله ولعلو، نحن و الأزمة الاقتصادية العالمية. الناشر ׃ المركز الثقافي العربي. الطبعة الأولى 2009.
[8] فتح الله ولعلو,مرجع سابق
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك