القائمة الرئيسية

الصفحات

الصياغة القانونية

الصياغة القانونية
الصياغة القانونية

مقدمة
كما نعلم أن من أهم عناصر تقدم الأمم والمجتمعات الحديثة هو أن تكون مؤسساتها الحديثة مبنية على قوائم تشريعية ثابتة وفق أحكام الدستور، وكذلك خلق منظومة تشريعية حديثة تواكب الاستراتيجيات الرئيسية للدولة وهذا لن يتأتى إلا من خلال سن تشريع فعال يتصف بالدقة والوضوح، ويراعي مبادئ العدالة وحقوق الإنسان ، ويواكب المواثيق الدولية وفق رؤيا مستقبلية.
تحقيقا لهذه الأهداف يجب عند صياغة أي قانون أن يحرص الصائغ على ثبات واستقرار القاعدة القانونية لكي تولد الثقة لدى الأفراد. 


لكي يبلغ أي مشروع إلى هذه الأهداف لابد له من التحكم في أصول الصياغة القانونية لأنه مسألة حتمية في ظل العولمة والاتجاه الدولي الحالي لتوحيد القوانين.
وهذا ما دفعنا إلى اختيارنا لهذا الموضوع (الصياغة القانونية) لأنه يتجلى في عزم بلادنا في الآونة الأخيرة على إصلاح النظام القانوني وذلك بالاعتماد على فن الصياغة القانونية.
من خلال كل ما سبق يمكن أن نطرح عدة إشكالات فهي كالتالي :
1)  ماذا نعني بالصياغة القانونية ؟ وماهي أنواعها وقواعدها ؟ وماهي أهم مراحلها و شروطها ؟ .
2)  ماهي عيوب الصياغة القانونية والحلول المقترحة لها لتجاوزها؟

المبحث الأول: ماهية الصياغة القانونية 

المطلب الأول : تعريف الصياغة القانونية وأنواعها.
الفقرة الأولى: تعريف الصياغة القانونية :

ينبغي قبل تعريف الصياغة القانونية أولا أن نعرف بمفهوم التشريع لأنه يستحيل أن نتطرق لمفهوم الصياغة القانونية قبل أن نفهم ما معنى التشريع .

1ـ التشريع: "هو مجموعة من القواعد القانونية التي تخاطب السلوك الاجتماعي وتكون مصحوبة بإلزام وتصدر عن الهيئة التشريعية، أو إحدى سلطات الدولة المخول لها ذلك"[1].
إذن فهذه السلطة هي مخولة لهيئة معينة في الدولة وبالتالي تسمى بمفهوم الصائغ الذي يتولى مهمة الصياغة القانونية[2].

2 ـ الصياغة القانونية: لتعريف الصياغة القانونية يجب أن نحدد مفهومها من حيث المفهوم البسيط والدقيق .

أ ـ المفهوم البسيط :
لغة : "تعني تهيئ الشيء وبنائه"[3] اصطلاحا : "أداة لتحويل المادة الأولية التي تتكون منها القاعدة القانونية إلى قواعد عملية صالحة للتطبيق الفعلي على نحو يحقق الغاية التي يفصح عنها جوهرها"[4].

ب ـ المفهوم الدقيق :
"الصياغة القانونية: هي علم وفن يستخدم في إنشاء القواعد القانونية والتشريعية أو بواسطتها يصوغ المشرع القواعد القانونية انطلاقا من المعطيات الطبيعية والتاريخية والعقلية والمثالية للمجتمع، فذلك في شكل قواعد قانونية ميسورة الفهم سهلة التطبيق على أرض الواقع"[5].
وبمعنى آخر تعني كذلك "هي عملية تحويل القيم التي تكون مادة القانون إلى قواعد قانونية صالحة للتطبيق"[6].
وهناك من يطلق عليها تسميات أخرى فد يكرسون يسميها بالقانون الوقائي" والبعض الآخر يطلق عليها اسم[7] "لوجستك" أو "أصول الصياغة التشريعية"[8].
فالصياغة القانونية وطبيعتها ومضمونها تختلف حسب التغيير الذي جاء في نوع الصياغة والتي تنطرق لها في الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية : أنواع الصياغة القانونية

الصياغة القانونية تعتبر الثوب الذي يظهر به التشريع وهذه الصياغة من حيث أسلوبها يمكن أن تكون صياغة جامدة أو صياغة مرنة وذلك يعتمد على مدى السلطة التقديرية التي منحها المشرع للقاضي في النصوص القانونية وسنوضح ذلك في ما يلي :

1 ـ الصياغة الجامدة :
تعتبر الصياغة القانونية جامدة إذا كانت تواجه فرضا معينا أو التزاما قانونيا أو وقائع محددة تتضمن حلا ثابتا وبطريقة قاطعة وهو ما يعطي للنص الثبات القانوني ولا يصح الاجتهاد في مضمونها[9].
مثال 1: المادة 209 من مدونة الأسرة تنص على ما يلي : "سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة".
مثال 2 : تحديد مواعيد الطعون والاستئناف.
لكن هذا النوع يعرف مزايا[10] مهمة وهي كالتالي أهمها:
ـ يحاول من خلالها المشرع الوصول إلى الأهداف التي يقصدها من النصوص القانونية.
ـ يمنع على القاضي أن يلجأ إلى تكملة النصوص القانونية الناقصة إلى حد يخول له خلق حلول وعقوبات معينة لأن مهمته محصورة في تطبيق ماهو قائم في النص فقط . 
لكن رغم هذه المزايا فهي لم تسلم من العيوب وهي كما يلي :

2ـ الجمود وعدم المرونة:
لأنه كلما زاد اللفظ تحديدا وجمودا كلما زادت شقة البعد بين حقائق الحياة المتغيرة والمتنوعة لماذا؟
لأن الصائغ عند صياغته لأي نصوص قانونية لن يستطيع الإحاطة مسبقا بكل الأفعال المستقبلية التي يجب حظرها[11].
ـ أن هذا النوع يفرض على القاضي عدم التوسع في تفسير القانون وتكييفه على نحو معين يواكب ويواجه الأفعال المستجدة والضارة بالمجتمع[12].

3 ـ الصياغة المرنة:
تكون الصياغة مرنة إذا اكتفت القاعدة القانونية بإعطاء القاضي معيارا مرنا يستهدي من خلاله على تكييف الوقائع عن كل حالة على حدى من القضايا المعروضة عليه تبعا للظروف و الملابسات المختلفة وذلك بهدف الوصول للحل المناسب[13].
مثال: القاعدة القانونية التي تعطي للواهب الحق في الرجوع في الهبة حتى كان تستدعي ذلك عذر مقبول ولاشك أن معيار العذر المقبول معيار مرن يتيح للقاضي السلطة الكاملة في تقديره وفقا لظروف كل حالة[14].
وكذلك حتى هذا النوع من الصياغة له مزايا وعيوب.

ـ المزايا:
ـ الحد من جمود النصوص القانونية.
ـ إعطاء سلطة تقديرية للقاضي .                                     

ـ العيوب : ويعاب على هذا النوع ما يلي :
•        أن القاضي قد يكون بتقديره للأحكام وذلك أن يؤدي إلى عدم الاستقرار القانوني وعدم المساواة الواقعة بين المتهمين.
•        إذن بعد أن تطرقنا إلى أنواع الصياغة القانونية وتعريفها فماهي قواعدها؟ والمراحل التي تمر منها الصياغة القانونية.
بالإضافة إلى هذين النوعين من الصياغة القانونية هناك أنواع أخرى من الصياغة وتتمثل فيما يلي :

أولا : الصياغة المسببة :

وهي تستعمل لتحديد من يسري عليه النص وبالتالي لا يخضع للاجتهاد في تحديد مدلوله. مثال المادة الثانية من مدونة الأسرة[15].

ثانيا : الصياغة العامة :

وهي تستعمل باختلاف المراد في النص وباختلاف الحالات التي تندرج تحتها[16].

المطلب الثاني : قواعد الصياغة القانونية ومراحلها.
الفقرة الأولى: قواعد الصياغة القانونية

كما جاء في المحور السابق أن الصياغة القانونية هي علم وفن وحرفة[17] لها معايير وقواعد ومنهجية وأساليب بدونها لا يمكن للصائغ أن يمارس دوره بشكل يحقق الغاية من التشريع وبذلك لابد من القواعد التي تضبط الآلية وتسهل إدراك الغرض من التشريع لأن أدراك القاعدة القانونية جزء من تطبيقها[18].
وتقسم القواعد التي تضبط الصياغة القانونية إلى قسمين كما ذكر حيدر سعدون وقسمها إلى قسمين "قسم شكلي وقسم موضوعي"، في حين ترى الدكتورة : هدى عطية الله الجزائرية في أحد أبحاثها في الصياغة القانونية أن قواعد الصياغة قسمين هما :
o     قاعدة المنطق العلمي
o     وقاعدة حرفية الصائغ.
ونحن سنقتصر على ما تطرق إليه الأستاذ حيدر سعدون نظرا لمرونة التعبير خاصة وأن بالتمعن في بحث الأستاذة نجدها تطرقت لنفس القواعد لذلك اكتفينا بما أورده الباحث والأستاذ حيدر سعدون.
ـ فعلى المستوى الشكلي : أكد على المعرفة بالقواعد العامة وإستراتيجية الجهة صاحبة التشريع والمؤثرات العامة والخاصة في النص التشريعي وهي نفس القواعد التي تطرق إليها الأستاذ محمد الغالي في ندوة "فن الصياغة القانونية وتأثيره على سير العدالة"[19].
وهذه  القواعد هي كما يلي :

1ـ موافقة قواعد اللغة :
لابد للصائغ من المعرفة الجيدة باللغة التي تصدر بها النصوص التشريعية معرفة جيدة وواسعة وأن يعرف تراكيب الجمل ومبانيها وصياغتا ومؤداها ، بحيث أن هذه المعرفة تسهل توصيل المعنى من القاعدة القانونية وهذا يعني أن الصائغ في المغرب يجب عليه الإلمام الجيد باللغة الرسمية (العربية)[20].

2 ـ موافقة القواعد القانونية :
كما نعلم جميعا أن القواعد القانونية تنقسم من حيث أشخاص الرابطة القانونية (العام ـ الخاص ) (الدولةـ الأفراد).
ومن حيث قوة الإلزام القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام ومصالح الدولة والقواعد المكملة المتعلقة بمصالح الأفراد التي يجوز الاتفاق على مخالفتها[21].

3 ـ موافقة الجهة صاحبة التشريع :
يجب التأكيد على أن الارتقاء بمستوى العمل والذي تكون أساسه وبنائه النصوص التشريعية يجب عدم الابتعاد عن التطور الذي تشهده الجهة صاحبة التشريع.

4 ـ المؤثرات العامة والخاصة بالنص التشريعي :
إذ يجب على الصائغ أن يوافق بين الظروف العامة والخاصة للدولة والمجتمع (التقاليد ، العادات ، والثقافة ...) وبين المعاهدات الدولية وتشريعات الدولية.

ـ القسم الموضوعي :

في هذا القسم يتم التأكد أولا من آليات التنفيذ الفعلي (الواقع المادي) وكذلك آليات السريان (المكاني ـ الزماني ـ الموضوعي)[22] والتأكيد عن الأحكام الموضوعية (جميع التصرفات والالتزامات والحقوق والشروط والوقائع) التي يرغب المشرع في وضعها داخل قالب قانوني بالإضافة إلى الأحكام التي تضمنت لها  التطبيق من حيث الإلزام (التجريد ـ العقاب) بالإضافة على كذلك الأحكام الانتقالية والختامية.

ويجب التأكيد على الأساسيات الهيكلية لصياغة التشريعة بمفاصلها الأساسية هي :

1ـ الآمر بالإصدار : وفيه تقوم الجهة المخولة بإصدار التشريع وهنا يتعين التمييز بين الجهة التي تضع الدستور وبين الجهة التي تضع القوانين والجهة التي تعني بوضع النصوص التطبيقية[23].
2 ـ العنوان : يقصد به العنوان الأساسي للتشريع وفيه تثبت نوع القانون ورقمه.
3 ـ الديباجة: فيها نوضع الغاية والأهمية من التشريع والهدف الذي يتوخى المشرع تحقيقه.
4 ـ على الأحكام : (العامة ـ الموضوعية ـ الختامية) .
5 ـ التقسيمات الفرعية للتشريع المقترح إن صياغة تشريع مقترح ينظر إليه من حيث الموضوع محل التشريع فيجب أن تتضمن حده التقسيمات الفرعية العناوين الخاصة للمواضيع المنبثقة عن عنوان التشريع الأصلي وفي إطار من المسلسل المنطقي وإن كان التشريع المقترح تعديل أو إلغاء على قانون قائم فإن صياغة لنصوص التشريعية قد لا تستوجب تقسيمات فرعية للتشريع المقترح.
وبعد التعرض إلى قواعد الصياغة بشيء من التفصيل ننتقل إلى مراحل الصياغة القانونية.

الفقرة الثانية : مراحل الصياغة القانونية

تمر الصياغة القانونية بمراحل متعددة بدءا من التكليف بعده المهمة إلى أن يتم الانتهاء.
ويمكن إجمال هذه المراحل فيما يلي :

1 ـ مرحلة الأسباب الموجبة:
وذلك بالإجابة عن السؤال التالي "هل نحتاج إلى تشريع ؟
فالإجابة عن هذا السؤال له دور إيجابي يتمثل في تجنب تضارب القوانين والإسراف التشريعي.
وبذلك يجب أن يكون الدافع إلى إعداد قانون هو الواقع الذي دفع بالصائغ إلى إعداد قالب للوقائع والتصرفات الغير المقننة... .
وهذا يستدعي الكفاءة والخبرة بالميدان ، كما يتطلب إعداد ملف يتم فيه جمع الوثائق المستعان بها والمناقشات ذات الصلة بالموضوع (مشروع قانون) وصولا إلى الصيغة النهائية .

2 ـ مرحلة الاقتراح وإعداد المسودة :
يتعين التمييز في الجهة التي تملك مهمة وضع التشريع بين تلك المخصصة بوضع الدستور وتلك التي ترجع لها صلاحية وضع القانون وتلك التي عهد إليها المشرع بسن النصوص التنظيمية.
فالدستور: جرى العمل على وضعه من طرف سلطة تأسيسية واستفتاء الشعب.
السلطة التي تملك حق سن القانون : الفصل 70 من الدستور والفصل 78.
الأولى أعطى التصويت للبرلمان والثاني أعطى لرئيس الحكومة وأعضاء البرلمان حق التقدم باقتراح القوانين[24].
ـ السلطة التي تملك حق وضع النصوص التنظيمية .
الفصل 72 من الدستور (السلطة التنفيذية).
بعد كل هذا يحال المشروع على البرلمان للمصادقة (الفصل 84 من الدستور).

3 ـ مرحلة إصدار التشريع وسريانه :
بعد مرحلة الاقتراح والمصادقة عليه من مروره بمرحلتين حتى يصبح قانونا قابلا للسريان.
المرحلة 1 : أن يتم إصداره من قبل جلالة الملك الفصل 50 من الدستور.
المرحلة 2 : النشر بالجريدة الرسمية حتى يعلم به الكل (لا يعذر أحد بجعله للقانون).

المبحث الثاني: شروط الصياغة القانونية وعيــــوبها والحلول المطروحـــــة

المطلب الأول: الشروط الواجب إتباعها في الصياغة القانونية

هنا يجب التمييز ما بين الشروط الواجب إتباعها في صنع النص القانوني والشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني.

الفقرة الأولى: الشروط المتطلبة في صنع النص القانوني

تقتضي الصياغة القانونية أتباع جملة من الإجراءات لحل أهمها :

1 ـ ضرورة سن القانون، ذلك أن الخطوة الأولى نحو صياغة أي نص تشريعي هو وجود اقتراح كصياغة نص قانوني جديد أو تعديل  نص قائم ، ولكن قبيل البحث في الاقتراح يجب أن يتسنى للصائغ البحث في مدى ضرورة القانون وحاجة المجتمع لمثل ذلك التشريع[25].

2 ـ مبدأ اشتراط علم المخاطب بالقانون به : استنادا إلى القاعدة القانونية (الجهل بالقانون لا يعتبر عذرا) يجب أن تتضمن المسودة آلية وصول النص المقترح إلى المخاطب به ولا يقصد منه الوصول هو النشر فقط ويجب كذلك أن تدرج النصوص السابقة في حالة الإلغاء أو تعديل النصوص السابقة من خلال النص المقترح وليس أن يذكر رقم التشريعات السابقة فقط.

3 ـ إدخال النصوص القانونية المناسبة : من خلال استخدام طرق وآليات إدخال النصوص جيدا، ولتحقيق ذلك وجب على الصائغ أن يلم بمدونة النصوص بطرق جيدة ، ولتحقيق ذلك وجب على الصائغ أن يلم بمدونة آداب النصوص التشريعية ، وضرورة استخدام أدوات الترقيم وأصول اللغة  استخداما صحيحا[26].

4 ـ أن يؤخذ في الاعتبار عند تحديد التاريخ الذي سينعقد فيه القانون .ما قد يقتضيه ذلك تحديد فترة ما, تفصل بين نشر القانون و العمل به أو إعطاء فترة انتقالية يضيق بعدها.

5 ـ مراعاة تحقيق الفعالية لأحكام التشريع المقترح ، فموضوع التشريع أو القانون بوجه عام هو تنظيم سلوك الأشخاص ـ طبيعيين كانوا أم اعتباريين . بالمجتمع ، وحتى يؤتى هذا التنظيم أكله ويحقق غايته، ينبغي أن يراعى عند سنه تحقيق الفعالية لأحكامه، مما يقتضي أن يقترن الخروج على قواعده غير المكملة بجزائها ، وألا يتوسع في الاستثناء من أحكامه .

كما تقتضي متطلبات الصياغة القانونية، أن تكون العملية التشريعية سليمة من حيث الضبط والصياغة القانونية، حيث يستوجب على الحكومة تهيئة جهات متخصصة في اقتراح وبناء القواعد القانونية في المراحل التي تندرج فيها هذه العملية.
أيضا توفير الموارد البشرية المناسبة واحدة من التحديات الرئيسية المؤثرة في تحقيق فعالية الهيئات التشريعية بإنجاز المهام المنوطة به على الوجه الذي يضمن الإسهام في بناء النظام القانوني في الدولة وبما يحقق الاستقرار في الحياة العامة ، والانسجام مع المعايير الدولية.
وكذلك من متطلبات الصياغة القانونية ضمان سهولة الحصول على المعلومات الثقافية القانونية للمشتغلين بالصياغة باعتبارها جزء لا يتجزأ من عملية تحسين الصياغة القانونية وتوفير مصادر الثقافة القانونية الذي يقتضي وجود مصادر دعم لوجستكي ومعلوماتي تقني ، كتخصيص دائرة متخصصة بالأبحاث والدراسات، توفير قاعدة مجموعات لمساندة التشريع وضمان سهولة الوصول إلى المعلومة المرتبطة بالتشريع المقترح، هذا من جهة ومن جهة أخرى تنمية المهارات اللغوية والقانونية والمهارات المتعلقة بسعة التصور والافتراض للمشتغلين بالعملية التشريعية عموما[27].
وتجدر الإشارة إلى ملاحظة أساسية مفادها أنها لا يتوجب النظر إلى عملية الصياغة على أنها عمل تقني محض وإنما باعتبارها فنا وعملا احترافيا يرتبط بالمرجعيات ومن تم تحتاج الصياغة القانونية لأجل بلورة قوانين مؤطرة لأوضاع قانونية معينة تفرض حقوقا، وتستوجب واجبات في إطار نظري ومنجهية اشتغال[28].
وصفوة القول, يجب أن تكون صياغة جميع النصوص الصادرة عن المنظمات العمومية خاضعة لمبادئ وشروط الصياغة الجيدة وأن تعمل على استشراف المستقبل والتنبؤ بكل تغيير قد يحصل أو على الأقل أن تتيح إمكانية التعديل وفق المتغيرات والتطورات التي تلحق بالمجتمع، كذلك فعملية الصياغة من حيث أنها ترتبط بمراكز وأوضاع المواطنين ومن شأنها أن تحدث تغييرات في حقوق وواجبات الأفراد، يفترض أن تتوفر فيها مجموعة من الضوابط والشكليات.

الفقرة الثانية : الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني

يجب على الصائغ الإحاطة بثقافة المجتمع وقيمته والمعرفة العميقة لمشاكله وقضاياه، كما يتوجب عليه أن يكون مترجما أمينا لتلك الأفكار والتوجهات المقبولة ، أي العلم بالثقافة والمرجعيات المهيمنة.
كما يتوجب على الصائغ أن يكون واعيا بمشروعه لكي يترجمه في القواعد التي سيحررها ، وهذا يستلزم فيه أن يكون على علم دقيق بالثقافة القانونية وبمكونات المنظومة القانونية، هذا بالإضافة  إلى علمه بمسار السياسات العامة وتوجهات مختلف الفاعلين بصددها موقعة مشروعه القانوني في إطارها[29].
كذلك يتعين على الصائغ أن يكون ملما بجميع العلوم والمرجعيات والحقول المعرفية المتكاملة والمتدخلة في عملية الصياغة من قبيل علم اللغة، علم القانون، علم السياسة علم الاجتماع ...
ناهيك عن أنه يفترض في الصائغ أن يكون متمسكا من اللغة ومدركا كخصائص ومصطلحات ومفردات ومعاني الخطاب القانوني ، كما يفترض فيه أن تكون لديه وسيلة للتواصل والتبليغ والذي تتيح له إيصال الأفكار والتوجهات والمبادئ المراد تضمينها في النص القانوني.
علاوة على أنه يجب على الصائغ أن يحصل لديه تميز بين وظيفة صاحب التصور السياسي الذي يحدد الاختيارات والمواقف والمبادئ والتوجهات لبلورة مشروع النص القانوني المراد إعداده، وبين وظيفة المحرر القانوني الذي تنحصر وظيفته في ترجمة تلك الاختيارات والتصورات والتوجهات وصياغتها صياغة قانونية محكمة وبكيفية أمينة[30].
وحسب الإشارة في هذا المقام أنه لا يكفي في الصائغ أو محرر النصوص القانونية أو تتوفر لديه مجموعة من المبادئ والمقومات والشروط والخصائص التي أتينا على ذكرها فيما سبق، إذ عليه كذلك أن يحترم بعض التقنيات والقواعد اللازمة في مجال إعداد وصياغة النصوص، فالوعي بها من شأنه أن يجنب النصوص رداءة الصياغة ويضمن لها بالتالي الجودة والإتقان ، ومن ضمن هذه القواعد والتقنيات ما يلي :
o     اعتماد وحدة الدلالة من خلال ضبط المصطلح.
o     تفادي استعمال المصطلحات العامة والفضفاضة ، واستعمال مصطلحات دقيقة حتى يكون كل قارئ لهذا النص معنيا بمنطوقه ويجد نفسه مخاطبا بأحكامه.
o     توخي العمومية والتجريد من خلال اعتماد صيغ عامة تنطبق على الوقائع القانونية وليس على الأشخاص .
o     عدم استعمال مرادفات للمصطلح والاكتفاء باستعمال مصطلح واحد للدلالة على معنى واحد، كذلك يجب عدم إقران هذا المصطلح بكلمات من شأنها أن تعطي معاني كثيرة للقاعدة أو تتيح إمكانية تأويلها على غير المقصود بها.
o     انتقاء مصطلحات مضبوطة من أجل إعطاء حمولة محددة للنص.
o     اعتماد الصيغ القانونية المتواتر والمتعارف عليها.
o     الاعتماد على الوضوح من حيث المضامين والأهداف وتجنب غموض النص ما أمكن.
o     محاولة تقديم حلول للإشكالات الحاصلة والمطروحة على مستوى الممارسة العملية .
هذه القواعد والتقنيات هي التي تشك مناط الخطاب القانوني وعلى ضوئها[31] تتضح مميزات وخصائص اللغة القانونية والتي تعتبر لغة متخصصة ترتبط ارتباطا شديدا بمجالات إنتاج النص القانوني وتشكل الأداة المركزية لصياغة القاعدة القانونية، والصائغ عليه أن يكون على دراية بها أثناء عملية تحرير وإعداد النصوص القانونية ، على اعتبار أنها تتيح للنص التطبيق الجيد على مستوى الواقع . فالصياغة الجيدة تساعد على الفهم السليم لمحتوى النصوص مما يساعد على التحكم في مخاطر التفسيرات والتأويلات المتضاربة وبالتالي الحفاظ على الحقوق وحمايتها وضمان تحقيق العدالة.

المطلب الثاني : عيوب الصياغة القانونية والحلو ل المقترحة :
الفقرة الأولى: عيوب الصياغة القانونية

إن الصياغة القانونية باعتبارها وسيلة لتحويل قيم قانونية إلى قواعد سهلة الفهم وقابلة للتطبيق من الناحية العملية لا تخلو من بعض العيوب التي يمكن أن تؤثر في صلب القاعدة القانونية وتفرغها من محتواها كما تبعدها أيضا عن الغاية أو الهدف الذي جاءت من أجله.
ومن بين هذه العيوب يمكن ذكر :
ـ الخطأ المادي : وهو خطأ يقع أثناء مرحلة الطباعة والذي يمكن أن يؤثر في المعنى أو تغيير ما أراده المشرع.
ـ الخطأ القانوني: وهو عبارة عن نقص يشوب القاعدة القانونية وذلك بإغفال لفظ في النص التشريعي ، وهو عادة غير مقصود فيجب تداركه.
ـ الغموض: بحيث يكون النص مبهما وغير واضح، أي الصيغة التي وضع فيها لا تدل على ما فيه مما يجعله صعبا في الفهم دون تدخل المشرع من خلال إصدار تفسيرات لإزالة هذا الغموض.
ـ التعارض : اصطدام نص مع نص آخر بحيث يستحيل الجمع بينهما على الرغم من فهم مضمون كل واحد على حدة.
ـ عدم ترتيب وتبويب النصوص وفقا للأصول العلمية وقواعد المنطق .
ـ عدم وضوح إرادة المشرع من النص القانوني بسب ضعف الحرفة التشريعية للصائغ.
ـ عدم أخذ رأي الجهات المعنية من أجل الإحاطة العلمية بالظاهرة الاجتماعية محل التشريع مما يدفع المشرع إلى المسارعة بتعديل التشريع بعد فترة وجيزة من صدوره.
كانت هذه وبإيجاز شديد بعض العيوب التي تشوب الصياغة التشريعية لكون هذه العيوب كثيرة ومتعددة ولا يمكن الإحاطة بجلها.

الفقرة الثانية : الحلول المقترحة

باعتبار عيوب الصياغة لها مشاكل تؤثر على جودة  المنتوج التشريعي وتمس أيضا بالغاية والهدف من وراء النصوص القانونية ، فإنه يجب البحث عن الحلول لهذه المشاكل ، ومن بين هذه الحلول المقترحة :
١. ان يتم تدريس مادة الصياغة القانونية ضمن المواد المقررة لمناهج كليات القانون في المغرب .كمادة مستقلة على مستوى عال و تجدر الإشارة إلى أنه في هذا الصدد توجد مدرسة مختصة في كل من المانيا وسويسرا مختصة بالصياغة التشريعية .
٢. ترتيب مراحل الصياغة القانونية منذ بدء التكليف بالصياغة حتى مرحلة اقرار مسودة التشريع المقترح ترتيباً واضحاً مرقما عًلى ان يتم الفصل بين كل مرحلة من المراحل والاشارة الى ذلك الفصل ضمن مسودة التشريع المقترح .
٣. احترام قواعد العدالة والمساواة واحترام الجانب الدينى ومراعاة فكرة الأمن القانوني في كافة مراحل الصياغة .
٤. تنظيم الية موحدة للصياغة القانونية تتفق مع الجسد القانوني في المملكة  والمتكون من التشريعات النافذة وبما لايتعارض مع المبادىء العامة الدولية المعتمدة للصياغة القانونية .
٥. اقتراح تدريبات تطال شرائح واسعة ومختلفة من الجهات ذات العلاقة وتشمل تدريبات موجهة للعاملين في الهيئات والاقسام الخاصة باقتراح ومراجعة مسودات مشروعات القوانين ويجب ان تشمل التدريبات الجهات المساندة للتشريع والجهة المسؤولة عن مراجعة التشريعات واعضاء السلطة التشريعية وكذلك اشراك منظمات المجتمع المدني في هذه التدريبات .
٦. استخدام التنظيم الالكتروني في كل مراحل التشريع.
٧. بغية الوصول إلى الأثر المرجو من التشريع المقترح يجب تقليل عدد كلمات النص إلى الحد الأدنى الذي يحقق الغرض من التشريع بدون استخدام الحشو اللغوي في النص المقترح وباستخدام أسلوب التقارب بين الغرض من التشريع مع الجهة المعنية بتنفيذ التشريع ومراعاة الفائدة المرجوة من التشريع كونه يمثل منظومة قيمة ذات اثر اجتماعي .
من خلال كل ما سبق فالصياغة القانونية يجب أن تتوفر فيها شروط من الناحية النظرية أي الأفكار المعبرة عن روح النص القانوني وكذلك شروط و جميع الإجراءات والوسائل التي تتيح إمكانية صياغة نص قانوني متماسك ومقنن الجودة.

خاتمة

الصياغة الجيدة تساعد على الفهم السليم لمحتوى النصوص مما يساعد على التحكم في مخاطر التفسيرات والتأويلات المتضاربة وبالتالي الحفاظ على الحقوق وحمايتها وضمان تحقيق العدالة.

لائحة المراجع

• حيدر سعدون المؤمن : "دائرة الشؤون القانونية قسم اقتراح التشريعات".
• الأساليب الفنية للصياغة الجنائية ، "بحث متاح على شبكة الأنترنيت".
• مدونة الحقوق العينية قانون رقم 39.08.
• محمد الغالي ندوة :"فن الصياغة القانونية وتأثيره على سير العدالة منتدى البحث القانوني مراكش الجمعة 16 يوليوز 2010.
• الدستورالمغربي2011.
• عبد الكريم الطالب : "المبادئ الأساسية للقانون والحق " الطبعة الثانية ، الصفحة 22 وما بعدها.
• فورنيبر جاك : المفهوم الحديث للصياغة القانونية ، محاضرات ألقاها في جامعة ينوزيت .
• هيثم الفقهي : الصياغة القانونية.
• محاضرات ألقاها الأستاذ عادل لخصاصي لطلبة الفصل الثاني حقوق.
• محاضرات ألقاها الأستاذ نجيب نعومي لطلبة الفصل الثاني حقوق.
• حلمي محمد الحجار ، المنهجية القانونية ، مرجع سابق ، ص : 308 ، ف 142.
Lauis-philipe pigon /la raisonnement de la rédaction juridique.
Yann tanguy .la recherche documentaire en droit 1edition.1991
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]  ـ عبد الكريم الطالب .
[2] - "الوجيز في المبادئ الأساسية للقانون الخاص".
[3] ـ حيدر سعدون المؤمن : "دائرة الشؤون القانونية قسم اقتراح التشريعات".
[4] ـ نفس المرجع السابق أعلاه.
[5] ـ في الصياغة القانونية وتأثيره على سير العدالة "الدكتور محمد الغالي" ، في منتدى البحث القانوني مراكش الجمعة 16 يوليوز 2010.
[6] - نفس المرجع السابق أعلاه.
[7] - حيدر سعدون ، مرجع سابق.
[8] - الأساليب الفنية للصياغة الجنائية ، "بحث متاح على شبكة الأنترنيت".
[9]  ـ حيدر سعدون ، نفس المرجع السابق.
[10] - حيدر سعدون ، نفس المرجع السابق.
[11]  ـ حيدر سعدون ، نفس المرجع السابق.
[12] ـ حيدر سعدون ، نفس المرجع السابق.
[13] ـ حيدر سعدون ، نفس المرجع السابق.
[14] - المادة 283 من مدونة الحقوق العينية قانون رقم 39.08.
[15] - تسري أحكام هذه المدونة على :
1 ـ جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى.
2 ـ اللاجئين بمن فيهم عديموا الجنسية، طبقا لاتفاقية جنيف المؤرخة بـ 28 يوليوز لسنة 1951 المتعلقة بوضعية اللاجئين.
3 ـ العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا.
4 ـ العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم.
أما اليهود المغاربة فتسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية.
[16] - حيدر سعدون ، بحث متاح على شبكة الأنترنيت.
[17] - حيدر سعدون المؤمن : "مبادئ الصياغة القانونية".
[18] - حيدر سعدون المؤمن : نفس المرجع السابق.
[19] - محمد الغالي ندوة :"فن الصياغة القانونية وتأثيره على سير العدالة منتدى البحث القانوني مراكش الجمعة 16 يوليوز 2010.
[20] - الفصل 5 من الدستور.
[21] - عبد الكريم الطالب : "المبادئ الأساسية للقانون والحق " الطبعة الثانية ، الصفحة 22 وما بعدها.
[22] - عبد الكريم الطالب ، نفس المرجع السابق ، الصفحة 89 وما بعدها.
[23] - عبد الكريم الطالب : نفس المرجع ، الصفحة 36 إلى 34.
[24] - للمزيد من التفصيل راجع مؤلف عبد الكريم الطالب ، نفس المرجع السابق ، ص : 36-34.
[25] - فورنيبر جاك : المفهوم الحديث للصياغة القانونية ، محاضرات ألقاها في جامعة ينوزيت .
[26] - هيثم الفقهي : الصياغة القانونية.
[27] - محاضرات ألقاها الأستاذ عادل لخصاصي لطلبة الفصل الثاني حقوق.
[28] - محاضرات ألقاها الاستاذ نجيب النعومي لطلبة الفصل الثاني حقوق.
[29] - حلمي محمد الحجار ، المنهجية القانونية ، مرجع سابق ، ص : 308 ، ف 142.
[30] - محاضرات ألقاها الأستاذ عادل الخصاصي مرجع سابق.
[31] - محاضرات ألقاها الأستاذ عادل الخصاصي ، مرجع سابق.

---------->مواضيع ذات صلة

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات