القائمة الرئيسية

الصفحات

الاتصال السياسي

الاتصال السياسي
الاتصال السياسي


مقدمة

ماهو الاتصال، و كيف تطور كحق من حقوق الإنسان، ثم ماهي عناصر عملية الاتصال، وأهدافها ، وتطورها.

1- تعريف الاتصال:
يرجع أصل كلمة اتصال (Communication)، إلى اللغة اللاتينية (Communis)، والتي ترادف باللغة الإنجليزية كلمة "Common" بمعنى: عام أو شائع أو مألوف في نفس الوقت. كما تعكس كلمة اتصال أيضا، خلق جو من الألفة والاتفاق بين الأفراد والجماعات، وذلك بهدف مشاركتهم في تبادل المعلومات والأفكار والآراء والاتجاهات[1].
ويعتبر الاتصال بين الأشخاص أو بين الجماعات عنصرا أساسيا لتنظيم المجتمع. وقد يأخذ هذا الاتصال صيغة الكلام، أو سلوكا أو كتابة[2].
وقد تستخدم كلمة اتصال في معاني متعددة، لكن في المجال الإعلامي يمكن تعريف الاتصال كما ذهب إلى ذلك "بيرلو D.Berlo" بأنه العملية التي يتم بها نقل المعلومات والأفكار والاتجاهات من شخص لآخر. أو كما قال " أندرسون Anderson" هو العملية التي ينقل فيها شخص معين المعنى إلى مستمع أو أكثر من خلال استخدام رموز واضحة صوتية أو مرئية[3].
والإعلام والاتصال شيئان مرتبطان. وإن دققنا في الفرق بينهما، يبقى الاتصال مفهوما أشمل من الأول، باعتبار أن الإعلام يقوم على الاتصال، وباعتبار الإعلام وسيلة من وسائل الاتصال.

2- الحق في الإعلام والاتصال:
تعود الأصول التاريخية لفكرة الحق في الإعلام والاتصال إلى الدعوات الأولى إلى حرية الرأي وحرية التعبير، والتي حصلت على أول اعتراف رسمي بها في المادة 11 من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان سنة 1789 الذي نص على ما يلي: "حرية إيصال الأفكار والآراء واحدة من أغلى حقوق الإنسان، فكل مواطن يستطيع إذا الكلام، الكتابة، الطباعة بحرية، إلا في حالات إساءة استعمال هذه الحرية المحددة في القانون"[4].
وقد ركزت هذه النظرة آنذاك، أي النظرة إلى الاتصال، على جانب الحرية أكثر من تأكيدها على جانب الحق، واستمر هذا المفهوم خلال القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن العشرين، حيث عرف تغييرات تحت تأثير النظرية الاشتراكية التي اعتبرت أنه لا يكفي تسجيل حرية الرأي والصحافة، بل يجب إفساح الطريق لممارستها باعتبارها حقا.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع التطور السريع الذي شهدته وسائل الاتصال وتقنياتها، بدأ تعبير حرية الإعلام يحل محل حرية الصحافة باعتباره مفهوما أرحب وأوسع. وهكذا صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 بعد ميلاد الأمم المتحدة لينص في مادة التاسعة عشر على أن لكل فرد الحق في إبداء آراءه دون تدخل، وأن لكل فرد الحق في حرية التعبير، بما في ذلك حرية استقاء المعلومات أو الأفكار من أي نوع، وتلقيها، ونقلها بغض النظر عن الحدود.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت قرارها المشهور رقم 59 في 14 دجنبر 1946 في أول دورة لها، نص على أن "حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لحمايتها". وأن "حرية الإعلام تتطلب بالضرورة ممن يتمتعون بمزاياها، أن تتوفر لديهم الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها. فالالتزام الأدبي بتـقصي الحقائق دون انحياز، ونشر المعلومات دون تعمد، شيء يشكل أحد القواعد لحرية الإعلام".
ثم توالى بعد ذلك الاعتراف العالمي بحرية الإعلام ومتعلقاتها. وتعتبر الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 أسبق الوثائق الدولية في تقرير حق الاتصال، حيث نصت في مادتها العاشرة على أن لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت، وذلك دون أي تدخل من السلطات العامة، ودون تقيد بالحدود الجغرافية.
وقد جددت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيدها على حق الإعلام، وعملت على توسيعه مع بعض القيود في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 في مواده من 18 إلى 20.
وإذا وضع العهد قيودا على ممارسة حق الإعلام والاتصال، فإن الضمانة الأساسية على عدم الإساءة في استعمال هذه القيود، هو كونها (أي القيود) محصورة في حدود القانون وما هو ضروري لاحترام حقوق وسمعة الآخرين، وحماية الأمن الوطني أو النظام العام، أو الصحة أو الأخلاقيات العامة. كما منعت المادة 20 من العهد الدعاية للحرب بالقانون، وكذا الترويج للأفكار والاتجاهات العدائية المبنية على أساس وطني أو عنصري أو ديني[5] .

3- عملية الاتصال:
تتم عملية الاتصال بين طرفين يتخاطبان، ويستطيعان عن طريق الاتصال بينهما أن يتشاركا في فكرة أو رأي أو شعور أو عمل ما. وتقوم عملية الاتصال على أربعة عناصر هي:
أ- المرسِل وهو الخطيب الذي يتوجه بالاتصال إلى آخر أو آخرين.
ب- الموضوع وهو الرسالة التي يتوجه بها الخطيب، وهي عبارة عن أفكار وآراء ومفاهيم يرغب المرسل في إيصالها للآخرين أو أن يأخذوا بها.
ج- المرسل إليه أو المتلقي أو المستقبِل الذي يتلقى الرسالة، وقد يكون شخصا أو عدة أشخاص.
د- وسيلة الاتصال وهي العنصر المهم في عملية الاتصال، وهو الذي يمكن من إيصال الرسالة من المرسل إلى المرسل إليه. ووسيلة الاتصال هي وسيلة التعبير، وهي إما لفظية أو مكتوبة أو رمز أو إشارة. فوسيلة الاتصال هي وسيلة الإعلام[6].
ويعتبر عنصر التفاعل من أهم العناصر الأساسية التي تقوم عليها عملية الاتصال، لاسيما وأنه عن طريق التفاعل تظهر خاصية المشاركة وتبادل المؤثرات أو الاهتمامات المتبادلة نحو حقيقة الاتصال ذاتها. قد تختلف وسيلة الاتصال لكن يعتبر عنصر التفاعل هو المحور الرئيسي، الذي على ضوئه يتم تحديد كافة المتغيرات الأخرى التي تتضمنها عملية الاتصال.
ومن الضروري النظر إلى الاتصال أو العملية الاتصالية باعتبارها واقعة اجتماعية
(un fait social) إذا جاز لنا استعارة هذا المفهوم من عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم E.Durkheim ، خصوصا وأن دراسة عملية الاتصال تتم في الواقع المجتمعي ذاته.
ويضع "ميلفن ديفلور" (M.Defleur)، وهو أحد علماء نظريات الاتصال الجماهيري، رؤية متخصصة لعملية الاتصال والإعلام، مستعيرا هذا المفهوم من رائد علم الاجتماع الأمريكي "تالكوت بارسونز" (T.Parsons) صاحب النظرية  الشهيرة عن الأنساق الاجتماعية، حيث حاول "ديفلور" أن يبرهن على خاصية وسائل الاتصال الجماهيري، والتي تظهر عندما نحلل العلاقة المتبادلة بين دور هذه الوسائل وعلاقتها المتبادلة بالمجتمع الذي توجد فيه. وهذا ما يظهر بوضوح عندما نهتم أيضا بدراسة الدور الوظيفي والاجتماعي لوسائل الاتصال الجماهيري، وخلال المراحل التطورية للمجتمعات[7].
وتعتبر تحليلات (لاسويل H.Lasswell) من التحليلات الهامة التي أعطت اهتماما ملحوظا لعملية الاتصال. وذلك عندما طرح نموذجه التقليدي الذي يحمل إسمه، محاولا أن يوضح طبيعة عملية الاتصال، من خلال تحديده لمكونات وعناصر هذه العملية في إطار خمسة تساؤلات ترتبط بالعملية الاتصالية وهي: من المرسل ؟ ما ذا يقول ؟ ما هي الوسيلة ؟ من المستقبل ؟ بأي تأثير ؟[8]
وعلى الرغم من أهمية هذه التصورات حول عناصر العملية الاتصالية، توجد بعض الأفكار أكثر حداثة، ظهرت فيما بعد، لتضيف عناصر أخرى من أهمها: الموقف الاتصالي العام، والهدف الذي تسعى لتحقيقه عملية الاتصال، ورجع الصدى (أو التأثير العكسي) من المستقبِل إلى المرسِل، والخبرة المشتركة، وطبيعة اللغة بين المرسِل والمستقبِل. هذا بالإضافة إلى وجود عناصر أخرى تلعب دورا أساسيا في العملية الاتصالية، وهي الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية والاقـتصادية والتي لا يمكن تجاهلها عند دراسة مضمون ومحتوى العملية الاتصالية[9].

4 - أهداف الإعلام والاتصال:
تلعب وسائل الإعلام دورا هاما في المجتمع إلى درجة أصبحت معها الحكومات تخصص أقساما ودوائر ووزارات إعلام، تتولى متابعة تحقيق أهداف داخلية وخارجية من طريق تلك الوسائل. ومن تلك الأهداف رفع مستوى الجماهير ثقافيا، وتطوير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. أما على المستوى الخارجي فمن أهداف دوائر الإعلام تعريف العالم بحضارة الشعوب ووجهات نظر الحكومات في المسائل الدولية.
ولم يقتصر الاهتمام بوسائل الإعلام على الحكومات فقط، بل إن مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية اهتمت بها بعد أن وعت بأهميتها وبحاجتها إليها بما يحقق أهدافها وأغراضها[10].
ويمكن اختزال وظائف الإعلام في المجتمع في خمس وظائف رئيسية هي:
أ‌-      توجيه وتكوين المواقف والاتجاهات؛
ب‌- تنمية الثـقافة والمعلومة؛
ج- تنمية التواصل الاجتماعي؛
د- الترفيه ؛
ذ- الإعلان والدعاية.[11]

5- تطور وسائل الإعلام والاتصال   
تطور الإعلام ووسائله مع تطور الأزمنة وتقدم التكنولوجيا، وفي هذا الصدد يعتبر ظهور المطبعة على يد "غوتنبرغ" في القرن الخامس عشر وتطورها، تأسيسا لمرحلة جديدة خرج معها الإعلام من مرحلة الفوضى والاضطراب إلى مرحلة حرفية صناعية منظمة.

وشهد القرن السابع عشر تنفيذ فكرة جمع الأخبار وقيام أصحاب المطابع بطبع النشرات الإخبارية، كما عرف هذا القرن أيضا ظهور أول صحيفة مطبوعة على المطبعة الحديثة، وبعد ذلك تطور الإعلام ، ووجدت وسائل جديدة لدعم تطوره، منها ظهور وكالات أنباء بين أعوام 1840 و1850، وبداية الفن الصحفي المعتمد على العنوان البارز والرسم. ثم مع القرن 17 ظهرت الصورة الفوتوغرافية التي كان لها أثرها في تاريخ الإعلام الصحفي.
وإذا كان الإعلام قد بدأ وتكون مع الصحافة في القرون السابقة، فإن ظهور وسائل إعلامية جديدة في القرن العشرين، مثل  السينما والراديو والتلفزيون قد أحدث ثورة إعلامية واسعة[12] . والحقيقة إن وسائل الإعلام عرفت تطورا وتنوعا كبيرا على مر العصور، وراوحت تلك الوسائل بين بصرية وسمعية ولفظية وكتابية وبدائية وتقنية متقدمة[13].
وقد كانت الوسائل اللفظية – الشفهية هي الأكثر انتشارا في المجتمعات البدائية، وفي المجتمعات التي لم يتوفر لها الإلمام بالكتابة، ومن تلك الوسائل الخطبة، والندوة. أما وسائل الإعلام الكتابية فتتمثل في الكتاب، والرسائل المكتوبة، والصحافة المكتوبة التي ما زال تأثيرها ساريا في العصر الحالي، إذ تكمن أهميتها في كونها تؤمن اتصال يوميا ومباشرا مع الجمهور. اتصال هدفه نقل الخبر والرأي والتحليل أو الصورة إلى القارئ، فعبر الجريدة اليومية أو المجلية الدورية يقوى الاتصال إلى درجة تصبح معها آراء الجمهور والجماعات هي حصيلة ما تضمه صحيفة ما من آراء ومعلومات[14].
وعموما يمكن تحديد وسائل الاتصال الحديثة التي ظهرت ابتداء من القرن 18 في التلغراف، والتليفون، والراديو، والسينما، والتلفزيون، والأقمار الصناعية، والكمبيوتر والانترنيت.
يمكن أن نتساءل الآن عن علاقة الاتصال بالديمقراطية؟ وعن مقومات الاتصال السياسي؟ و عن دلالات وأبعاد الاتصال الانتخابي؟
إن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة هي ما سيشكل مواضيع الفصول الثلاثة التالية:
الفصل الأول     : الاتصال والديمقراطية ؛
الفصل الثاني   : الاتصال السياسي ؛
الفصل الثالث   : الاتصال الانتخابي.

الفصل الأول: الاتصال والديموقراطية


ارتبط ظهور الديموقراطية و تطورها بتطور وسائل الاتصال[15]، بل إن بداية التطور الديمقراطي يرجع بالأساس الى اختراع الطباعة التي أتاحت تنقل وتبادل الأفكار بين مختلف المفكرين وبالتالي تبلور فكر ديموقراطي. ولا يمكن تحقيق انتشار عالمي للديموقراطية دون إنتاج مكثف لتقنيات وأدوات الاتصال، التي أضحت من التطور إلى حد أصبح معه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على الأنظمة المتسلطة الديكتاتورية مراقبتها (راديو، تلفزيون، فاكس، انترنيت...) .
وبالرغم من الاختراقات العديدة، التي أضحت تعيشها وسائل الإعلام في الدول الديموقراطية نفسها: ضغط لوبيات المصالح ؛ استغلال الدعم الإشهاري ؛ التدخل المباشر في بعض الأحيان من طرف الحكومات بدعوى المصلحة العامة..، فإن ذلك لم يمس في شيء من قيمة واعتبار وسائل الإعلام كعامل دمقرطة أساسي .
وإذ كان تطور وسائل الإعلام مرتبط بمستوى معين من التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية. فإن ذلك لا يعني أن تطوره يبقى لصيقا بالدول التي تحظى بهذه التنمية، بل تكفي الإرادة السياسية في الإخبار وفي تيسير الوصول للحقيقة التي تعتبر السبيل الوحيد للوصول للثقة الشعبية والمساهمة بالتالي في تطوير الوعي العام. فالبرازيل والهند على سبيل المثال، لم تحل الصعوبات الاقتصادية التي التي تعيشها دون نجاحهما في الحصول على انتخابات نزيهة وإعلام يحظى بالمصداقية.
إلا أنه وكما أن الإعلام وسيلة للدمقرطة، وفي هذه الحالة يلعب دور المساعد والحاث والمشجع والمعبئ للنقاش والتواصل، فإن بالمقابل يمكن أن يكون موجها للدعاية لنظام أوتوقراطي، شمولي  ببثه كل ما من شأنه إشاعة الأفكار الشمولية المدعمة لركائز النظام القائم. ومع ذلك فإن وسائل الإعلام تظل ضرورية بالنسبة للمجتمعات الديموقراطية أو التي تسعى أن تكون كذلك ، لما يمثله الخبر و المعلومة والحق في الوصول إليهما من أهمية بالغة في تأسيس عنصر الثقة بين الحاكمين والمحكومين.[16]
 وبالنظر لدور الإعلام في الإخبار والمساهمة في تكوين الرأي العام فهو يشكل جزءا لا يتجزأ من التعريف الحديث للديموقراطية . وقد أشار "رولان كايرول" ، في مؤلفه (الإعلام والديموقراطية)، وهو عالم سياسي و إعلامي، إلى تعاظم دور ومسؤوليات الإعلام، في محيط أضحى يتسم بتراجع الأيديولوجيات وبتلاشي الانتماء الحزبي والاهتمام بالسياسة . كما ذكر أن العلاقة بين الخبر والإعلام ونظام الحكم، فطن إليها المفكرون الأوائل قبل ظهور المفاهيم الحديثة والجوهرية للديموقراطية.   حيث أن أرسطو مثلا، أكد مرارا على دور الرأي العام كعنصر أساسي لدعم السلطة السياسية. الجديد فقط هو أن هذه العلاقة، تم التأكيد عليها بعد تطور الديموقراطية واختراع الاقتراع العام؛ وظهور صحافة الجماهير، حيث أن حكم الشعب يفترض مراقبة دائمة لممارسة السلطة عن طريق الرأي العام، والذي تشكل وسائل الإعلام الأداة الأكثر فاعلية لتكوينه، باعتبارها أفضل واسطة بين الحكام والمحكومين.

المبحث الأول : تأثير الإعلام في الحياة الديموقراطية

يمكن تحديد ستة أدوار لوسائل الإعلام تؤثر من خلالها على الحياة السياسية والديمقراطية بشكل عام:

أ- التأثير الأول يمكن أن نسميه بشخصنة السلطة عبر وسائل الإعلام وبالخصوص التلفزة، إذ من خلال تقديمها للصورة فهي تعطي حمولة خاصة للظاهرة: من جهة من خلال تلخيصها للنقاش السياسي الدائر، ومن جهة ثانية بتبسيطها لصراع الأفكار و القوى، انطلاقا من الشخصيات المتواجهة. حيث أن التلفزة تقدم الحياة السياسية و الانتخابية و كأنها مواجهة بين الزعماء أو مباراة رياضية.
 وبتقريبها للزعماء من المشاهدين داخل بيوتهم، وباختيارها لأبرز الزعماء وتشجيعها للنجومية، وخلقها نوعا من الألفة بين الزعماء المقدمين على الشاشة الصغيرة، فإن التلفزة تدفع بقوة إلى تطوير الشخصانية السياسية.
وعلى سبيل المثال فقد لعبت التلفزة دورا هاما في تقديم صورة إيجابية عن "كيندي" والجنرال "دوكول" لدى الجماهير. كما أنها بقدر ما يمكن أن تبرز زعماء مغمورين، يمكن أن تنزل من شعبية آخرين مشهورين.

ب- التأثير الثاني، الذي تمارسه وسائل الإعلام على السير العادي للأنظمة الديمقراطية، يتمثل في دورها في وضع "جدولة " للمشاكل والرهانات المطروحة والقضايا الساخنة في الساحة السياسية، أو ما يسميه العلماء الأنجلوساكسونيون ب"الأجندة سيتينغ". ذلك أنه في خضم ردود فعل الأحزاب
والحكومات و المؤسسات السياسية و القوى الضاغطة بخصوص مواضيع
وظواهر معينة، ومن خلال اقتراح هذه الهيئات حلولا لتلك المواضيع والظواهر ، ونشرها بلاغات وبيانات بخصوص ذلك ، فإن وسائل الإعلام تلعب دور المصفاة لهذه الحلول وترتيبها حسب الأولويات و الأهمية قبل تقديمها للمستهلك/المشاهد

ج- التأثير الثالث، الذي تمارسه وسائل الإعلام على الأنظمة الديمقراطية، يتمثل في توفقها في تغيير أماكن السياسة، حيث أمست وسائل الإعلام ومنها التلفزة بالخصوص المكان الرئيسي للسياسة. وباتت البرامج الكبرى والنقاشات المتلفزة تشكل الأوقات الساخنة للحياة السياسية والحملات الانتخابية. وحيث أن الأحداث السياسية أصبحت تدور تحت أنظار الكاميرات التلفزية وفي الاستوديوهات. من هنا بدأت الهيئات الوسيطة البرلمانية والحزبية تفقد جزءا من أدوارها لصالح التلفزة.
وهنا يمكن التذكير بالنقاشات السياسية الكبرى التي احتضنتها وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية بين "كينيدي" و"نيكسون" سنة1960، وبين  "كارتر" و "ريغن" في 1980، وبين "بوش"و"كلينتون" سنة 1992 . وفي فرنسا خلال الدورات الانتخابية الرئاسية بين "ديستان" و"ميتران" سنة 1974 وسنة1981، وبين "شيراك" و "ميتيران" في 1988، و"شيراك" و"جوسبان" في 1995 ... حيث بدت التلفزة والصحف وأيضا موجات الإذاعة فضاءات رئيسية تدور فيها النقاشات السياسية أكثر من البرلمان والهيئات الحزبية.

د-التأثير الرابع، الذي تمارسه وسائل الإعلام في علاقتها بالحياة السياسية، يتمثل في كونها تمكن المواطن من معرفة الأحداث خاصة منها السياسية، إذ هي التي تقوم بهيكلة وترتيب المحيط السياسي، ومن هنا تكمن خطورة هذا الدور وتطرح مسألة مصداقية هاته الوسائل باعتبار أن المواطن يتلقى منها المعلومات وكأنها حقائق. لكن مع ذلك تبقى له إمكانية انتقاء و تأويل المعلومة السياسية حسب اعتقاده وفكره وإنتماءه.

ه- التأثير الخامس يمكن أن نسميه ب"مسرحة السياسة"، ويتعلق الأمر هنا بدور وسائل الإعلام، وخاصة التلفزة في العمل على التكييف التدريجي للخطابات السياسية شكلا و مضمونا مع القانون الإعلامي. إذ بمجرد تقرير ترويجه عبر التلفزة ، فإن الخطاب السياسي يكون ملزما بمراعاة  القواعد الخاصة بالتلفزة . وهنا تأتي "الفرجة" كخاصية أساسية لفعالية التلفزة.

و- التأثير السادس الذي تمارسه وسائل الإعلام على الحياة الديمقراطية، يتجسد في ما للرسالة الإعلامية من آثار على السلوك السياسي، وبالخصوص السلوك الانتخابي للمواطن. حيث تفيد الأبحاث السوسيولوجية في هذا الصدد، بأن للإعلام دور أساسي في تثبيت القناعات و الآراء الموجودة سلفا لدى المواطن، وبأن هذا الدور يكون أكثر فعالية في تثبيت الآراء المتذبذبة، وأحيانا قليلة، قد ينجح في تحويل أصوات الناخبين من هذا المعسكر الى ذاك خصوصا في حالة تقارب الأصوات، بحيث نصبح كما لو إننا بصدد ميزان انتخابي كل كفة تحتوي على 50 بالمائة من الأصوات، إذ في هذه الحالة يكون ترجيح أصوات المترددين من الناخبين لهذا الاتجاه أو ذاك جد مؤثر، بل إنه موضوع الحملة الانتخابية، والتي يلعب فيها الإعلام دورا كبيرا خصوصا وأنه المصدر الرئيسي للإخبار عن العالم السياسي.

المبحث الثاني: دور الفضائيات في توسيع الديمقراطية بالدول الإفريقية

منذ نهاية الثمانينيات، اجتاحت رياح التغيير البلدان الإفريقية، وأصبحت الديمقراطية متمركزة في الوعي المجتمعي إذ لا يمكن الالتفاف عليها. وكان أكبر مظهر للإصلاح هو التخلي عن أنظمة الحزب الوحيد وإقامة التعددية الحزبية، فظهرت العديد من التشكيلات السياسية في هذه البلدان: 230 حزبا بالزايير، 42 بالكامرون، 40 بالكوت ديفوار، 34 ببنين، 16 بنجيريا، 12 بموريتانيا سنة 1992 .
كما ظهر نوع من السلطة المضادة والاعتراف بالحريات، وبالخصوص حرية التعبير، وتحرير القطاعات السمعية البصرية الإفريقية. وقد ساهمت إقامة دول الشمال لسياسات سمعية بصرية موجهة لإفريقيا، تحكمها اعتبارات جديدة، مثل تنمية الشبكات الدولية للبث، وزوال الصراع غرب/شرق مع نهاية الشيوعية... هذه العوامل ساهمت في وضع بنيات جديدة للاتصال في جميع البلدان الإفريقية. هذه الوضعية الدولية الجديدة ، الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفياتي كانت سببا في تثبيت وتنمية الشبكات الدولية للأخبار بإفريقيا. وبذلك مست الفضائيات "استقلالية" أنظمة الاتصال للدول الإفريقية، حيث أن لجوء الدول الغربية إلى الساتل لإذاعة برامج قنواتها، أدى إلى المساس بعرف مفاده أن السيادة الوطنية تعني في المجال السمعي البصري، مراقبة الدولة للتلفزة داخل حدودها. وبعد أن كانت التلفزة طيلة عقود "أداة للسلطة" و "وسيلة للتحكم في العقول" خدمة للأنظمة القائمة،اندثر هذا المفهوم في أواخر الثمانينيات مع نهاية التحكم المباشر للحكومة في المعلومة المتلفزة.
وباقتناء البارابول والتقاط الفضائيات، أصبح من الصعب على الأنظمة القائمة فرض تصور واحد للواقع، حيث دخلت إفريقيا في عالم السمعي البصري، وحيث الصور المنقولة غيرت التصور الذي كان في الأذهان عن الواقع، وحيث العلاقات الاجتماعية أضحت تستلهم نماذج من خارج الحدود، التي أصبحت هي نفسها عاجزة عن الوقوف في وجه تدفق المعلومات والأخبار التي تحملها الصور التلفزيونية.
فدخول قنوات دولية، غير مكترثة بالحدود الوطنية، خارجة عن أي تحكم للسلطات الإفريقية، جعل كل مراقبة مستحيلة. فما لا يمكن مشاهدته وسماعه في القناة الوطنية، أصبح ممكنا التقاطه عبر الفضائيات الدولية.
من هنا يمكن تفسير قلق وانزعاج القادة الأفارقة من هذه القنوات، حيث اعتبرتها حكومة نيجيريا في يناير 1993 غزوا ثقافيا، واتهمها الرئيس الأول الزيمبابوي في 1983 بنشر أخبار كاذبة وتحريض المواطنين ضد حاكميهم...
إلا أن هذه الاتهامات لم تثن عزيمة المشاهدين الأفارقة الذين لم يعودوا يتقبلون اعتبارهم قاصرين يتلقون ما تختاره الدولة لهم بدون نقاش. وبذلك أصبح ترويج المعلومة والخبر في هذه الدول لصيقا بمفهوم الديمقراطية، إذ أن المعلومة هي قبل كل شيء عامل مساهم ومشجع على الديمقراطية.
ومن انعكاسات انتشار الفضائيات في الدول الإفريقية أيضا، تخلي المشاهدين الأفارقة عن تلفزتهم الوطنية، التي أضحت عاجزة عن إشباع رغبتهم في الإخبار وفي معرفة الحقيقة كما هي، وذلك مقابل توجههم للفضائيا الأجنبية وخصوصا منها الغربية والفرنسية أساسا ، التي تكشف لهم في كثير من الأحيان عما يجري داخل حدودهم.
وهكذا فإن إمكانية استقبال أكثر من قناة، قلبت المعطيات في إفريقيا رأسا على عقب، وساهمت في تأسيس علاقات جديدة بين المشاهدين الأفارقة وتلفزتهم الوطنية. إذ أن تعدد قنوات التلفزة الملتقطة عبر الفضائيات، قطع حبل الصلة بين المواطن وتلفزته الوطنية، إن لم يكن بينه وبين حاكميه، فأضحى التفاوت كبيرا بين مواطن أكثر انفتاحا على الصور الإصلاحية للعالم، وبين حكام يسعون إلى التحكم في صور التلفزة المحلية. وبذلك ساد منطقان متواجهان في هذه البلدان: هناك المراقبون، الذين يدافعون على ضرورة مراقبة المعلومة، وعلى عدم السماح ببثها إلا عبر وسائل الإعلام المحلية تحت مبرر الحفاظ على الاستقرار. ومن جهة ثانية هناك المستهلكون الذين يطالبون باحترام حرية الخبر وتمكين القنوات الأجنبية من بث برامجها بكل حرية. فالمراقبون يقولون بأن المجتمعات الإفريقية تقوم على بنيات إرثية وثقافية غير ناضجة، وينكرون حق التعبير على المجتمع بدعوى الحفاظ على التماسك الاجتماعي، وهو الأمر الذي يدفع نخب هذه الدول من أطر وموظفين وطلبة إلى التوجه إلى القنوات الأجنبية لإشباع رغباتهم وحاجاتهم من الإخبار والثقافة.
ففي 16 بلدا من إفريقيا السوداء الفرانكفونية، اعترف 65 بالمائة من الأشخاص المستجوبين سنة 1993، بأن الصور التي بثت عبر الفضائيات غيرت من مواقفهم اتجاه حاكميهم. فقط 7 بالمائة منهم ارتأوا ضرورة احتكار الدولة لمجال الأخبار والمعلومات. وقبل ذلك في غشت 1988، استطلعت مديرة التلفزة الوطنية ل"بوركينافاسو" آراء المشاهدين البوركينابيين حول تلفزتهم المحلية، وعبرت النتائج بوضوح عن عدم رضاهم عن أداء تلفزتهم، ونعتوها بكونها دعائية أكثر من أي شيء آخر. وفعلا فإنه في فترات الإضرابات والمظاهرات والحروب، لا تمد التلفزات الوطنية الإفريقية مشاهديها سوى بالتصور الرسمي للأحداث، والذي غالبا ما يكون بعيدا عن الواقع.

الفصل الثاني: الاتصال السياسي


يقصد بالاتصال السياسي عملية نقل الرسائل بين الفاعلين السياسيين على الأصعدة المحلية والوطنية والدولية من ناحية، وبينهم وبين المواطنين العاديين من ناحية أخرى. ويتكون نسق الاتصال السياسي، شأنه شأن أي نسق اتصالي، من مرسِل ورسالة وقناة نقل الرسالة ومستقبِل.[17]
والمرسِل أو المستقبِل قد يكون فاعلا سياسيا (فرد، جماعة، مؤسسة سياسية، منظمة دولية...) أو مواطنا عاديا. والرسالة في أغلب الأحيان تكون مكتوبة أو شفوية، فيما تكون في بعض الأحيان فعلا، أو سلوكا (التصويت، الاغتيال السياسي، إضراب). ويتم نقل الجزء الأكبر من الرسائل السياسية عن طريق وسائل الإعلام، والمؤسسات الحكومية والأحزاب وجماعات المصالح والبعثات الدبلوماسية، فضلا عن الاتصال الشخصي. ومن بين العلماء الذين اقترن اسمهم بالاتصال السياسي نذكر "كارل دوتـش" و"دافيد إيستون" و"غابرييل ألموند".

المبحث الأول: الاتصال السياسي عند "كارل دوتش"

تعتبر دراسة الاتصال السياسي قديمة قدم الفكر السياسي ذاته، إلا أن الأدبيات السياسية الحديثة والمعاصرة أولت اهتماما بارزا لتحليل أشكال الاتصال ومضامين الرسائل وقنوات نقلها وتأثيرها على المستقبلين. ويبرز في هذا الشأن من بين علماء السياسة اسم "كارل دوتـش" الرائد في توجيه النظر للاتصال السياسي كبؤرة مركزية لعلم السياسة، ولعملية الاتصال بحسبانها الجانب المحوري في أي نظام سياسي[18]. فالاتصال يشكل برأيه عصب النظام السياسي، الذي لا يعدو أن يكون شبكة اتصالية واسعة. وقد عرض أطروحاته وأفكاره بهذا الخصوص في مؤلفه الشهير "أعصاب الحكومة"
(The nerves of government) ، وجاء فيه أن النظام السياسي يضم أربعة أنساق فرعية وهي: نسق الاستقبال، ونسق الذاكرة، ونسق القيم، ونسق التنفيذ[19].
وتتلقى أجهزة الاستقبال المعلومات من بيئة النظام الداخلية والخارجية لتقوم بنقلها إلى جهاز صنع القرار. ويعتمد أعضاء هذا الجهاز على المعلومات المستقبلة والذاكرة (أي المعلومات والخبرات السابقة المختزنة سواء في عقولهم أو في السجلات)، وعلى القيم التي تحكم تفضيلاتهم القرارية في اتخاذ قرار ما، يرسل إلى أجهزة التنفيذ التي تتخذ الأفعال والتدابير الكفيلة بتطبيقه. هذه القرارات والأفعال التنفيذية تثير لدى المستقبلين ردود أفعال مختلفة تتلقاها أجهزة الاستقبال لتحولها بدورها إلى مركز القرار. ويسمى ذلك بالتغذية العكسية التي قد تكون إيجابية تدفع النظام إلى انتهاج السلوك نفسه، أو سلبية تدفع النظام إلى تعديل سلوكه أو التحول عن الهدف الأصلي إلى هدف جديد فيما لو اتضحت صعوبة تحقيقه.
ويستند تحليل الاتصال كما صاغه "دوتش" إلى مجموعة افتراضات:

1-  ترتبط قدرة النظام السياسي على استقبال ومعالجة كل المعلومات الواردة في أية لحظة زمنية، بعدد وأنواع وحالة القنوات الاتصالية المتاحة. كما ترتبط بدرجة الدقة في جمع المعلومات ودرجة التشويه الذي يطرأ على المعلومات فيما بين لحظة استقبالها ولحظة الاستجابة لها. إذ كلما كان هناك عدم دقة في جمع المعلومات، أو ازدادت درجة التشويه، لابد وأن يواجه النظام متاعب، لأن استجابته (قراراه) لن تكون للموقف الفعلي وإنما لتصور غير دقيق ومشوه لخصومه؛

2-  يرتبط نجاح النظام في تحليل المعلومات التي يتلقاها، بقدرته على استدعاء الخبرات والمعلومات المختزنة؛

3-  كلما قلت فترة الإبطاء، أي الفترة الزمنية التي تقع بين استقبال المعلومات والاستجابة لها، دل ذلك على زيادة كفاءة النظام في الاستجابة للمطالب؛

4-  إذا عالج النظام المعلومات على الوجه السليم، فمن المتوقع أن تكون قراراته كافية لتلبية المطالب؛

5-  يتطلب اكتساب النظام مقدرة التعليم، أي القدرة على تصحيح وتطوير سلوكه، أن يتخلى عن عادات وإجراءات وتصورات قديمة، وأن يرسي بدلا منها عادات وتصورات وترتيبات جديدة.
وإذا كان أنصار المقاربة الاتصالية يؤكدون على ثلاث مزايا لها:
o       أولها سهولة رصد وقياس عناصر النسق الاتصالي،
o        وثانيها معرفة العوامل المؤثرة في استقبال المعلومات،
o    وثالثها قياس تأثير الاتصال على أداء النظام السياسي، فإن المنتقدين يؤاخذون على هذه المقاربة استخدامها مفاهيم مستعارة من فضاء هندسة الاتصال، والقوى في تحليل النظام السياسي. الذي يباشره الإنسان صاحب العواطف التي يصعب التحكم فيها أو التنبؤ بها. كما يؤاخذون عليها أيضا، وجود عناصر في نسق الاتصال، يصعب إخضاعها للقياس، مثل معنى الرسالة، وشدة الرسالة، والعلاقة بين مصدر الرسالة و تأثيرها[20].

المبحث الثاني : الاتصال السياسي عند "إيستون" و "ألموند"

ركز  "دافيد ايستون" على أهمية الاتصال وذلك بناء على ربط مدخلات النظام السياسي بمخرجاته، من خلا ل التغذية الاسترجاعية (أو العكسية)، مرجعا أي خلل في الانسجام بين عنصري المدخلات والمخرجات إلى التشويه المتعمد أو التلقائي الذي يحيط بالعنصر الأول. والذي يتوقف عليه نوع الاستجابة[21].
ويعتبر أنصار المنهج البنيوي – الوظيفي أيضا أن الاتصال هو من وظائف النظم السياسية، حيث يميز "غابرييل ألموند" بين نوعين من الوظائف الأساسية:
-   الأول على مستوى المدخلات، ويتمثل في التنشئة والتجنيد السياسي وتجميع المصالح والتعبير عنها، والاتصال بين مختلف أجزاء الجسد السياسي.
-   والثاني على مستوى المخرجات، ويشمل صنع القاعدة القانونية وتنفيذها والتقاضي بخصوصها.
ويشير "ألموند" إلى أن فعالية أداء النظام على المستويين معا محكوم بفعاليته في ممارسة وظيفته الاتصالية. فالتعبير عن المصالح يقتضي حدا أدنى من الاتصال بين أصحاب تلك المصالح للتعرف على الظروف المحيطة بالنظام والإمكانات السانحة لممارسة الضغط عليه في اتجاه تلبية مصالحهم. كما أن صنع وتنفيذ القاعدة القانونية يستدعي نظاما دقيقا لجمع المعلومات وتدقيقها وتحليلها.
وفي أداء الوظيفة الاتصالية بأبعادها المختلفة ميز "ألموند" بين خمسة أنماط أساسية هي:
1-    الاتصالات الشخصية المباشرة، التي تتم عادة بمعزل عن الأبنية وخارج أطرها؛
2-    الاتصالات التقليدية التي تتم في حدود الجماعات الأولية كالأسر والنوادي والكنائس؛
3-    الاتصالات التي تضطلع بها مؤسسات المخرجات مثل البرلمان والأجهزة البيروقراطية؛
4-  الاتصالات التي تنفذها مؤسسات المدخلات مثل الأحزاب السياسية وجماعات المصالح؛
5-    وأخيرا الاتصالات التي تباشرها مختلف وسائل الإعلام[22].

الفصل الثالث: الاتصال الانتخابي

يعتبر الاتصال الانتخابي من أهم الدعامات التي تستند إليها الأحزاب السياسية في وجودها وأيضا في استمرارها، وذلك بالنظر للدلالات والأبعاد الرمزية السياسية والمؤسسية التي يحملها. 

المبحث الأول: الأحزاب السياسية والاتصال الانتخابي

تحتاج الأحزاب السياسية، شأنها شأن جميع المؤسسات السياسية في الدولة، إلى الدعم الشعبي والمؤازرة الشعبية ، حيث يمكن القول أن الاتصال السياسي هو أهم الركائز التي يجب أن يقوم عليها الحزب، ومن المعروف أن هدف أي حزب هو الوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه، وهذا لا يمكن أن يتحقق له ما لم يتمتع بالتأييد الجماهيري الواسع، وهذا التأييد لا بد من توفيره عن طريق التأثير في هذه الجماهير التي تشكل الرأي العام داخل الدولة، وهنا تظهر أهمية الاتصال السياسي الذي يمارسه الحزب في الدولة لبناء أكبر حجم ممكن من التأييد الشعبي له ولبرامجه السياسية[23] .
فالاتصال السياسي هو وسيلة الحزب الإيجابية التي يقوم عن طريقه أعضاء الحزب بالحوار المفتوح مع جماهير الشعب بهدف ترسيخ مذهب الحزب لديهم، وكسب الدعم الشعبي لمشروع و سياسة وبرامج الحزب، حيث يستمعون لملاحظة الجماهير تجاه بعض الأوضاع وانطباعاتهم تجاهها، ويقوم أعضاء الحزب ثانية، خلال اجتماعاتهم الحزبية بمناقشة مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، ليتم صهرها في برامج الحزب المختلفة من قبل خبرائه[24] .
وبذلك يضمن الحزب نوعاً من التفاعل مع الإرادة الشعبية المحيطة به، بحيث تؤدي الاستجابة لرغبات ومتطلبات الجماهير في السياسة العامة للحزب، إلى تحقيق قدر كبير من التوافق بين الحزب والشارع الشعبي، وذلك يعود على الحزب بالفائدة العظيمة في أوقات الانتخابات، عندما تجد الجماهير فيه المحقق لطموحاتها وتطلعاتها، ويؤدي هذا في الأحوال الطبيعية لوصول الحزب ذو التوافق الأكبر مع الإرادة الشعبية إلى سدة الحكم في البلاد، وإذا ما أصبح الحزب في السلطة، أصبح واجباً عليه التركيز أكثر على الاستمرارية بهذا التوافق مع الجماهير لضمان الاستمرارية في الحكم.
ولكي تفرض الأحزاب نفسها على الواقع السياسي في بلد ما، فهي بحاجة ان تحقق أكبر قدر ممكن من التأييد الجماهيري لمشاريعها المجتمعية ولبرامجها السياسية، وبذلك فهي تتعامل بالدرجة الأولى مع الجماهير. والطريق الأمثل لكسب هذا التأييد وقياس مدى توفره، هو مفهوم الرأي العام الذي تسعى عملية الاتصال السياسي التي يلجأ إليها الحزب لتحقيق اكبر قدر من التأثير في الجماهير عن طريقه.
ويمكن تعريف الرأي العام على أنه " مجموعة من الآراء التي يحملها غالبية المواطنين حول موضوع يشغل الاهتمام العام " [25].
وتأخذ الأحزاب السياسية بمختلف وسائل الدعاية في سبيل الدعوة لفكرة أو برنامج معين، سواء الصحف أو الراديو أو التيلفزيون أو النشرات أو الخطب أو باستعمال شبكة الإنترنيت، ليس فقط للانتخابات والسلطة، ولكن أيضاً لخدمة أيديولوجية تعتنقها وتعمل في إطارها[26].

المبحث الثاني: أبعاد الاتصال الانتخابي

يقصد بالاتصال الانتخابي مجموع الأنشطة الرمزية المرتبطة بالعملية الانتخابية، وهو يتميز بخاصيتين اثنتين:
-       الأولى أنه يبنى على علاقات مرتبطة بأشخاص؛
-       الثانية أنه يقوم بهيكلة الوقت السياسي، حيث يتم التركيز على الحياة السياسية بالعودة المنتظمة للاستحقاقات الانتخابية، لأن المجالس والسلطات تجدد باستمرار  من ولاية لأخرى[27].
وللإحاطة المعرفية بالأبعاد المختلفة للاتصال الانتخابي، من الضروري محاولة الإجابة عن الاسئلة الآتية:
-       هل يمكن الحديث عن دلالات للظاهرة الانتخابية؟
-        أي وظيفة للاتصال الانتخابي؟
-        أي بعد رمزي للعمليات الانتخابية؟
-       ما علاقة التمثيلية والاتصال الانتخابي؟

1-دلالات الظاهرة الانتخابية
يدرك الجسم الانتخابي وجوده من خلال النشاط الانتخابي: يتعلق الأمر هنا بعملية تحديد رمزي مؤسسي، عملية من خلالها يتشكل في الوقت نفسه صنفان من الهوية المؤسسية: هوية جماعية (الهيئة المنتخبة)؛ ومجموع الهويات الفردية (هويات الناخبين الذين يقومون بالفعل الانتخابي).وهكذا تحدد الظاهرة الانتخابية ملامح الهوية في الممارسات السياسية، لأن العملية الانتخابية تضمر الهوية التي نحملها من خلال العازل الانتخابي ومن خلال سرية الاقتراع، وأيضا لأن المشاركة في الاقتراع تدرج الناخب في الهوية الجماعية التي يحددها المفهوم الانتخابي.وبانتخاب أشخاص لشغل الوظائف المتبار ى حولها، يمنح الاقتراع كذلك الهوية السياسية للفاعلين السياسيين المنتخبين.
وبذلك يمنح الاقتراع هوية للمنتخب المعين بالاقتراع، وهوية للهيئة المنتخبة التي أفرزتها العملية الانتخابية.
وهكذا تعطي الظاهرة الانتخابية وجودا سياسيا للمنتخب، وأيضا للمؤسسة المنتخبة التي تكتسب شرعية الفاعل الجماعي الذي أفرزته مجموع الاختيارات الفردية[28].

2- وظيفة الاتصال الانتخابي
يهدف الاتصال الانتخابي إلى التعريف بالمرشحين لدى الناخبين، من خلال بورتريهات وصور رمزية لهم تقدمهم في الفضاء العمومي بصفتهم فاعلين سياسيين، وتمنحهم بالنتيجة وجودا في الحقل الانتخابي.
الاتصال الانتخابي هو بهذا المعنى، مجموع استراتيجيات وأنماط التمثيلية التي من خلالها يكسب المرشح هوية رمزية، تجعل منه موضوعا لاختيارات الناخبين.
فالاتصال الانتخابي يعطي "صورة" للمرشح، الذي سيصبح منذ دخوله الحملة الانتخابية منخرطا في نسق رمزي للمواجهة وللتفسير وللاختيار النهائي. هذه "الصورة" هي مجموع الخطوط المشكلة للتمثيلية الرمزية لهويته السياسية.
لكن حتى قبل إنتاج صور المرشحين، وتقديم الترشيحات، يسعى الاتصال الانتخابي إلى إقناع الناخب بجدوى المشاركة في الاقتراع، والكشف له عن دلالة الهوية السياسية الي يحملها بصفته كناخب. وبذلك فمن وظائف الاتصال الانتخابي من جهة التحفيز على المشاركة الانتخابية حتى يكون الانتخاب تمثيليا قدر الإمكان، ومن جهة ثانية إكساب المواطنين هوية رمزية خاصة من خلال العملية الانتخابية.
فالتأسيس الرمزي للناخبين يقوم على استراتيجيات وممارسات تواصلية تحدد في آخر المطاف تمثيليات المؤسسة الانتخابية. والاتصال الانتخابي هو كذلك تمثيل رمزي للمؤسسة المعنية: لأن المشاركة في الاقتراع تستوجب معرفة:
-       لماذا سنصوت؟
-        لأي ولاية انتخابية؟
-       بأي سلطات؟
-        بأي مسؤوليات على عاتق الفاعلين السياسيين الذي سيفرزهم الاقتراع؟
في آخر المطاف، فالاقتراع يشكل بالنسبة للناخب، التعبير القوي عن الهوية والمكانة السياسية التي يعطيها للمؤسسة المعنية، وعن الدلالة التي يعطيها لفعله الانتخابي[29].

3- البعد الرمزي للعمليات الانتخابية
يجد الانتخاب معناه الحقيقي، في كونه يضع الناخب في صلب المجال السياسي، بمنحه فرصة تعبير تأخذ شكل اختيار انتخابي، وبمنحه أيضا إمكانية اختيار الهوية السياسية الملائمة أكثر بنظره -من حيث التمثيلية- للمؤسسات وللحياة السياسية.
فالعملية الانتخابية بهذا المعنى، هي بالنسبة للمواطن عملية من خلالها يكتسب هويته السياسية، من جهة من خلال التعبير عنها بالتصويت، ومن جهة ثانية من خلال إحالتها إلى الهوية الرمزية للمرشح.
وبتحديدها لسلوكيات، ولأنشطة رمزية خاصة، ولممارسات مؤسسية خاصة بالفعل الانتخابي، تعد الانتخابات جزءا مؤسسا لعملية التصويت، فهي تمنح للناخب فرصة إدراك الأهمية المؤسسية للفعل الذي يقوم به، وتكسبه هوية سياسية يمنحه إياها التصويت. هذه الممارسات الانتخابية المشتركة للمواطنين، هي التي تؤسس للهوية الجماعية، سيما وأنها تضمن عمومية الفعل الانتخابي. وبذلك تشكل الانتخابات ضمانة لتجسيد الاختيار الديمقراطي. فالهدف من سرية الاقتراع هو أولا وقبل كل شيء، تفادي الضغوطات على الأفراد، وتفادي كل انتقام محتمل ضد ناخبين لم يصوتوا لفائدة هذا المرشح أو ذاك. بل أكثر من ذلك تعني سرية الاقتراع عدم السقوط في التمييز بسبب الانتماء السياسي والاجتماعي المعبر عنه في العملية الانتخابية. إذ السرية هي التي تضمن تساوي جميع الأصوات. وبالنتيجة يمثل الاقتراع التعبير الديمقراطي عن المجموع بدون تمييز للساكنة السياسية.
وبتغييبها للهوية الفردية لكل ناخب، من خلال التعبير الجماعي عن التصويت، تبني سرية الاقتراع البعد الرمزي للمواطنة، كما أنها تجعل من الاستشارات الانتخابية وساطات للتعبير عن الساكنة بأكملها، الشيء الذي يضمن الشرعية السياسية للمرشحين المنتخبين، وبالنتيجة يمنحهم كامل المصداقية لممارسة السلطة[30].

4- التمثيلية والاتصال الانتخابي
يحدد الاتصال الانتخابي التمثيلية السياسية للناخبين. فمن خلاله يتم الكشف عن خطاب المرشحين، وعن هويتهم السياسية، وكذا عن رهانات الاستشارات الانتخابية.
وعبر الاتصال الانتخابي يتمكن الناخبون من الإحاطة بجوهر مبدأ الديمقراطية التمثيلية، ومن القدرة على الاعتراف للفعل الانتخابي بوجوده ودلالته السياسية. يمكن أن نتحدث عن الاتصال الانتخابي هنا كمرآة سياسية بقدر ما تعتبر تمثيلية المرشحين والمنتخبين مرآة سياسية بين المواطنين وممثليهم.
وأخيرا يقدم الاتصال الانتخابي المرشحين كممثلين عن الناخبين، يتعلق الأمر هنا بإضفاء نوع من الشخصنة على العملية الانتخابية، مصحوبة بالدراما والتشويق في انتظار النتائج، مما يضفي على الظاهرة الانتخابية طابع التمثيلية المسرحية، حيث من جهة، المرشحون يمثلون الأحزاب، والآراء، والمواقف، والقوى السياسية. وهم بهذا المعنى يشكلون وساطات خاصة تمثل الهويات السياسية الجماعية الخاصة بالأحزاب التي توجههم وتمنحهم الشرعية. ومن جهة ثانية يمثل المنتخبون بلا تمييز الجسم الانتخابي الذي أفرزهم. وبهذا المعنى يمنح الاتصال السياسي للعملية الانتخابية دلالتها الكاملة للتعبير عن العلاقة التمثيلية بين الناخبين والمنتخبين[31]. 
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] عبد الله محمد عبد الرحمان: سوسيولوجيا الاتصال والإعلام. دار المعرفة الجامعية 2002. ص:51
[2] Michel Martin: Communication et médias et mass culture, domination et opposition. Presse de l'université du Québec. Télé université.1991. p:4
[3] عبد الله محمد عبد الرحمان: مرجع سابق، ص: 54
[4] محمد حسين طلال: "التداول الإعلامي والحق في الاتصال، ورقة قدمت إلى العراق، وزراة الثقافة والإعلام، دائرة الشؤون الثقافة، حق الاتصال في إطار النظام الإعلامي الجديد: الأبحاث والدراسات التي قدمت إلى الندوة العربية (حق الاتصال) التي انعقدت في بغداد، 26-30 ستنبر 1981. أورده: د.راسم محمد الجمال: الاتصال والإعلام في الوطن العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. ط 1 بيروت 1991 ص:20.
[5] د. راسم محمد الجمال: الاتصال والإعلام في الوطن العربي. مرجع سابق. ص:20 و21.
[6] طلعت همام. مرجع سابق. ص: 25
[7] عبد الله محمد عبد الرحمان، م س. ص: 59 وبعدها
[8] نفس المرجع السابق ص: 62
[9] نفس المرجع السابق ص: 62
[10] طلعت همام: مائة سؤال عن الإعلام. م.س. ص:12
[11] طلعت همام، م.س ص:13
[12] طلعت همام، مرجع سابق ص: 8
[13] نفس المرجع السابق ص: 9
[14] نفس المرجع السابق ص: 10
[15] انظر الدراسة التي ساهمنا بها تحت عنوان: "دور وسائل الإعلام في تدعيم مسلسل الدمقرطة في افريقيا" في الملتقى الدولي الأول للإعلام والديمقراطية، والذي نظمته شعبة القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، بتعاون مع مركز ابن بطوطة للأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية، يوم 18 أبريل 2002
[16]  انظر : راجي عنايت، كيف يجب أن يفكر الإنسان العربي في مستقبل التعليم، الإدارة، الاقتصاد، الممارسة الديمقراطية، الإعلام. دار الشروق. القاهرة،1992.
انظر كذلك:
 Leo Bogart, Media and démocraty. Ed 1994
[17] موسوعة العلوم السياسية، جامعة الكويت، مطابع دار الوطن، الكويت،1993/1994،ص58
[18] نفس المرجع السابق، ص 59.
[19] ن م س ،ص 59.
[20] ن م س،ص:59
[21] موسوعة العلوم السياسية، مرجع سابق، ص:466
[22] ن م س، ص: 466
[23] الدكتور ابراهيم ، الاتصال السياسي والأحزاب السياسية، انظر الموقع الإلكتروني:  www.arab4ever.com
[24]  المرجع السابق  نفسه
[25]  المرجع السابق نفسه
[26] المرجع السابق نفسه
[27]  انظر :Lamizet Bernard, Communication politique, institut d études  politiques de Lyon, 2002-2003
الموقع الإلكتروني: doc-eip.univ-lyon2.fr
[28] المرجع نفسه
[29] المرجع السابق نفسه
[30]  المرجع نفسه
[31] المرجع السابق نفسه 

------> قد يهمك أيضا

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات