القائمة الرئيسية

الصفحات

العقد الإلكترونـي وعلاقته بقانون الالتزامات والعقود

العقد الإلكترونـي وعلاقته بقانون الالتزامات والعقود


قديما اخترع الانسان الكتابة كوسيلة للتواصل مثلما اخترع لها عدة حوامل او دعائم مادية تطورت بتطور الانسان من الورق الاشجار الى الورق الذي اضحى اهم حامل مادي للكتابة التي تطورت هي الاخرى من الكتابة بخط اليد الى الطباعة.

وفضلا عن الكتابة اخترع الانسان عدة وسائل للاتصال عن بعد ، فأشعل النار عاليا وشيد الابراج واستعملها للتواصل واخترع البريد ووضف الانسان.

وقد تطور الامر كتيرا منذ القرن التاسع عشر حيث اخترع الانسان عدة وسائل اخرى للاتصال عن بعد سلكية ولاسلكية كالهاتف والتلغراف وبلغ هدا التطور مداه في القرن 20 مع الاقمار الصناعية والألياف البصرية ، حيث تطورت وسائل الاتصال  بشكل مهول وخاصة منها الانترنيت الذي يعد اليوم اهم وسيلة اتصال الكترونية جد متطورة يمكن بواسطتها ارسال عدد من البيانات والصور الرقمية تبادل المعطيات   دون تدوينها على الورق.

 بل لم يعد يستغنى عن هذه الوسيلة الحديثة في الاتصال ،وفي التبادل التجاري (التجارة الالكترونية) ، وفي التعاقد بالبيع والشراء ونحوهما (التعاقد بشكل الكتروني او العقود الالكترونية كما هو الاسم الشائع )،

وتحويل الاموال ، وفي المستقبل القريب في تعامل الادارة مع المواطنين (الادارة الالكترونية او الحكومة الالكترونية )[1]

هذه التطورات دفعت بالمشرع المغربي إلى إصدار قانون رقم 05ء 53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية ونظم من خلاله شروط صحة هذه المحررات وحجيتها.

ولمناقشة أهم الإشكالات التي تطرحها العقود الإلكترونية وخاصة مسألة الإثبات على ضوء القواعد العامة من جهة، وقانون 05ء53 من جهة أخرى، و مدى استيعاب القواعد العامة لإثبات العقد الإلكتروني.  :


المبحث الأول: الأحكام العامة للعقد الإلكتروني


العقد الإلكتروني تسمية لطائفة من العقود نشأت بظهور المعاملات التجارية والمدنية التي تتم عبر شبكة الأنترنت . والطريقة التي يتم بها التعاقد في هذا النوع من المعاملات تختلف عن طرق إبرام العقود الكلاسيكية فهي طريقة إلكترونية، مجالها شبكة الأنترنت، تنعدم فيه الكيانات المادية، كما أن لغة تحريره وتوقيعه رقمية.

وإذا كانت معظم التشريعات على المستوى الدولي والوطني مازالت تسعى إلى وضع قوانين أكثر ملائمة لتنظيم التجارة الإلكترونية. إلا أن هذا لا يعني أن العقد الإلكتروني لا يخضع للقواعد العامة في التعاقد[2].

وفي هذا الصدد سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نخصص الأول لماهية العقد الإلكتروني، ونتناول في الثاني إبرام وتنفيذ العقد الإلكتروني.

المطلب الأول: ماهية العقد الإلكتروني

وفيه سوف نتناول ؛تعريف العقد الالكتروني وطبيعته القانونية 

الفقرة الأولى: تعريف العقد الإلكتروني

من خلال تصفحنا مقتضيات قانون 05.53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية نجد المشرع لم يضع لنا تعريفا لهذا العقد .وهذه عادته ولاعيب عليه في هدا الشأن لان التعاريف هي متروكة للفقه .

وهكذا يرى  جانب من الفقه أن المقصود بالعقد الإلكتروني هو ذلك العقد الذي يتم إبرامه عبر شبكة الأنترنت، فهو عقد عادي إلا انه يكتسب الطابع الإلكتروني من الطريقة التي ينعقد بها أو الوسيلة التي يتم إبرامه من خلالها.

كما يمكن تعريف العقد الإلكتروني على أنه " العقد الذي يتم انعقاده بوسيلة إلكترونية كليا أو جزئيا، وتتمثل الوسيلة الإلكترونية في كل وسيلة كهربائية أو مغناطيسية أو ضوئية أو إلكترومغناطيسية، أو أي وسيلة أخرى مشابهة صالحة لتبادل المعلومات بين المتعاقدين"[3].

وفي مشروع القانون الموحد الذي أعدته اليونسترال للتجارة الإلكترونية لم يدرج أي تعريف للعقد الإلكتروني، وإنما اكتفى بتعريف تبادل المعلومات الإلكترونية واصفا إياه بأنه "النقل الإلكتروني للمعطيات ما بين جهازين للكمبيوتر أو أكثر باستخدام نظام متفق عليه لإعداد المعلومات"[4].

 كما ورد في القانون المصري أن العقد الإلكتروني هو " كل عقد تصدر فيه إرادة أحد الطرفين أو كليهما أو يتم التفاوض بشأنه أو تبادل وثائقه كليا أو جزئيا عبر وسيط إلكتروني"[5].

من خلال التعاريف المتقدمة يمكن لنا أن نستخلص ملامح العقد الإلكتروني، فهو لايعدو في الظاهر إلا أن يكون اتفاق إرادتين أو أكثر على إنشاء ترتيب أثر قانوني، بإنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله ؛ وبهذا المعنى لا يختلف عن العقد التقليدي، كما أن أركان العقد الإلكتروني هي ذات أركان العقد المدني ( تراضي، محل، سبب)، بالإضافة إلى أن شروط صحة الرضا والمحل السبب تتفق مع الشروط المقرر لذلك في العقود التقليدية...، من هنا نؤكد أن العقود الإلكترونية ليست صورة جديدة من صور العقود وإنما هي ذات العقود المألوفة مع اختلاف وسيلة التعاقد فالعقود التقليدية تبرم وفقا للإجراأت والطرق العادية المستندة إلى الكتابة الورقية أساسا في حين أن العقود الإلكترونية تبرم بطرق إلكترونية وعن بعد، ودون تبادل مادي للأوراق والمستندات.

وأيا كان التعريف المعتمد فإن العقد الإلكتروني يتسم بالخصائص التالية :

+ استخدام الوسائل والوسائط الإلكترونية.

+ الإبرام فيه يتم عن بعد دون التواجد المادي للأفراد.

+ يحتاج إلى وسائل إثبات خاصة.

الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني

إن التساؤل الذي يطرح بصدد الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني يتمحور بين ما إذا كان هذا الأخير ينعقد بين حاضرين أو بين غائبين أو يختلط فيه الأمران.

كما أن التساؤل الذي يطرح نفسه، هو هل هذه العقود الإلكترونية عقود تراض تخضع لمبدأ سلطان الإرادة أم هي عقود إذعان لا دور فيها لحرية الأطراف، يتم فيها الخضوع لشروط موضوعية من طرف معين ؟

ويرى جانب من الفقه أن التعاقد الإلكتروني يشبه التعاقد بالمراسلة[6]، في حين يرى اتجاه فقهي آخر أن العقد الإلكتروني نوع من العقود التي تجري عن بعد، أي بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، وإذا كان التعامل هنا يشبه التعاقد عن طريق الهاتف أو الفاكس، فإن الخلاف بينهما يتجلى في عنصر التفاعلية بين أطراف العقد الذي توفره شبكة الأنترنت، تلك التفاعلية التي تحول غياب الأطراف الفعلي إلى حضور افتراضي يسمح لهم بتبادل المعلومات إلى حد إبرام العقد وتنفيذه على الشبكة ذاتها[7].

وإذا كانت الطريقة التي تبرم بها العقود الإلكترونية جعلت البعض يدرجها في نطاق عقود الإذعان، إلا أن ذلك أمر متجاوز في الوقت الراهن، فالأصل أن العرض الإلكتروني بمثابة إيجاب قابل للتفاوض بشأنه، وعليه فإن المبدأ هو أن هذه العقود هي من العقود التي لا إذعان فيها.

إلا أنها تكون عقود إذعان متى توافرت فيها شروط تمكن من اعتبارها كذلك وفق ماهو متعارف عليه في القواعد العامة لنظرية العقد.

المطلب الثاني : إبرام العقد الإلكتروني وتنفيذه

كما لايخفى على الجميع ان  العقد الإلكتروني يخضع في أحكام إبرامه وتنفيذه وانقضائه لمقتضيات نظرية العقد وفق ما نص عليه قانون الالتزامات والعقود المغربي، إلا ما استثناه قانون 05.53 صراحة، مع العلم أن العقد المبرم إلكترونيا، يقتضي في غالب الأحيان تنفيذه إلكترونيا أيضاً.

الفقرة الأولى : إبرام العقد الإلكتروني

بقراءة فصول ق ل ع نلاحظ أن المشرع المغربي فيما يخص العقد الإلكتروني نظم أحكامه العامة مثله مثل العقد التقليدي، إلا أنه في الفصل2 ـ65 استثنى من التطبيق الفصول من 23 إلى 30 المتعلقة بالإيجاب والقبول، وكذا الفصل 32 من ق ل ع المتعلق بالبيع بالمزايدة العلنية، وأورد مكانها تحت عنوان " العرض" أحكاما خاصة بالإيجاب، وتحت عنوان : " إبرام عقد بشكل إلكتروني" أحكاما خاصة بالقبول.

أولا : الإيجاب الإلكتروني

نعلم أن  الإيجاب هو ذلك  التعبير البات الصادر من أحد المتعاقدين والموجه إلى الطرف الآخر بقصد إحداث أثر قانوني، ويعرفه البعض بأنه إعراب عن إرادةء صريح أو ضمنيء به يعرض شخص على آخر أو على عدة أشخاص آخرينء معينين أو غير معينينء إبرام عقد بشروط معينة[8]، في حين أن الإيجاب الإلكتروني يتم بواسطة المحادثة الإلكترونية أو عن طريق البريد الإلكتروني.

وحتى يكون الإيجاب الإلكتروني صحيحا يجب أن يوافق الموجه إليه صراحة على استخدام هذه الوسيلة الالكترونية وهدا مانستشفه  من الفصل 65ـ3 ، ويعتبر إدلاء المعنيين ببريدهم الإلكتروني بمثابة الموافقة الصريحة[9].

اما الشكل الذي يجب ان يأتي فيه الايجاب نجد ان المشرع في الفصل 65ء4من ق ل ع الزم الموجب الذي يقترح بصفة مهنية او طريقة الكترونية توريد سلع او تقديم خدمات او تفويت اصول تجارية  او احد عناصرها ان يضع رهن اشارة المستهلك المحتمل التعاقد معه الشروط التعاقدية المطبقة بشكل يمكن من الاحتفاظ و استنساخها.

 وهدا المقتضى يجد مبرره الاساسي في حماية المستهلك وهذه شكلية تضاف الى ما تضمنه قانون حرية الاسعار والمنافسة وقانون حماية المستهلك 31ـ08 .

وفضلا عن توضيح الشروط العامة للتعاقد فقد نصت الفقرة الثالثة من نفس الفصل على مجموعة من البيانات التي يجب ان يتضمنها هدا الايجاب 

اما المدة التي يظل الموجب ملزما بإيجابه   فهنا الامر يستدعي منا التطرق لحالتين = حالة يحدد فيها الملزم مدة لايجابه وحالة لم يحدد فيها الملزم اي مدة ؛ففي الحالة الاولى فالموجب يظل ملزما بايجابه طيلة المدة التي حددها اما بالنسبة للحالة التي لم يحدد فيها مدة او تعذر تحديدها لاي سبب كان فانه يظل ملزما بايجابه طالما ظل الولوج الالكتروني متيسرا بفعل الموجب نفسه لابفعل غيره

ثانيا : القبول الالكتروني

وقد عالجه المشرع تحت عنوان واسع في الفرع آلثالث =ابرام عقد بشكل الكتروني =وخصص له فصلا واحد هو الفصل 65ـ5   ومنه سوف نتطرق لشكل القبول ثم اقتران القبول بالايجاب .

=أ=شكل القبول

ليس هناك اي شكل خاص للقبول في ضوء القواعد العامة ل ق ل ع المغربي اما القبول الالكتروني فيخضع لشكل معين حددته الفقرة الاولى من الفصل 65ـ5 فهي تشترط ان يحصل القبول لانعقاد العقد على الشكل التالي

ففي مرحلة اولى يقوم من وجه اليه الايجاب باختيار البضاعة التي يريد  من بين تلك المعروضة للشراء بواسطة النقر في الخانة المحددة لذلك

وفي المرحلة الثانية يقوم الموجب بالإشعار بطريقة الكترونية ودون تأخير غير مبرر بتسلمه القبول الموجه اليه فيعرض على من قبل التعاقد معه ملخصا لطلبه قصد تمكينه من التحقق من تفاصيل الامر الصادر عنه و من السعر الاجمالي  ومن تصحيح الاخطاء المحتملة

وفي مرحلة ثالثة يقوم الطرف القابل بتاكيد الامر المذكور لاجل التعبير عن قبوله بواسطة النقر مرة ثانية   

=ب= اقتران القبول بالايجاب

متى يعتبر العقد قد انعقد بطريقة الكترونية ؟

قد يفهم من الفقرة الاولى من الفصل 65ـ5ان العقد ينعقد بمجرد الاعلان عن القبول او التصريح به لكن بالتمعن في قراءة تلك الفقرة في ضوء المراحل التي يمر منها القبول نجده لايكفي الاعلان عن القبول وانما لابد من تصديره اي ارساله الى الموجب وذلك عن طريق تاكيد الموجب له الامر الصادر عنه بواسطة النقر مرة ثانية  



الفقرة الثانية : تنفيذ العقد الإلكتروني

لا ريب أن العقد الإلكتروني يخضع لأحكام تنفيذ الالتزام العامة الواردة في ق.ل.ع، إلا أن هناك بعض الطرق التقنية التي تتماشى مع طبيعة العقد الإلكتروني حيث تمكن من تنفيذه إلكترونيا كما في إبرامه، وذلك تدعيما للسهولة والسرعة في إجراء التصرفات القانونية التي تعتبر من أهم غايات التعاقد الإلكتروني.

أولا : البنوك الإلكترونية

وهي مواقع تبادلية تمكن البنك من ممارسة نشاطه بطريقة إلكترونية حيث يعهد إلى العميل بتسيير حسابه وإجراء مختلف الحوالات من حسابه داخل البنك نفسه أو خارجه،  وهنا لابد من التمييز بين البنك الإلكتروني الذي هو خدمة تبادلية تيسر تنفيذ الالتزامات إلكترونيا عن طريق إجراء الدفعات والحوالات، وبين ما يقدمه البنك من خدمات عبر مواقع معلوماتية تمكن من حصول العميل على المعلومات التي تخص حسابه أو مواقع اتصال تخول للعميل إمكانية التواصل مع البنك، ففي مثل هذه الحالات لا يمكن أن نقر بوجود بنك إلكتروني يمكن من تبادل النقود، لأن الخدمات هنا لا ترقى إلى درجات التبادل الذي يسمح بالوفاء بالالتزام.

ثانيا : بطائق الأداء الإلكتروني

بطائق الأداء الإلكتروني أو بطاقة الاعتماد هي بطاقات مستطيلة من البلاستيك تحمل إسم المؤسسة المصدر لها وشعارها وتوقيع حاملها ورقم حسابه وتاريخ انتهاء صلاحيتها، وتمكن هذه البطاقة حاملها من سحب مبالغ نقدية من ماكينات سحب النقود.

وتنقسم بطائق الأداء إلى ثلاثة أنواع : بطاقة الائتمان، بطاقة السحب الآلي، والبطاقة الذكية، .

1/ بطاقة الائتمان :

 هي بطاقة تصدرها مؤسسة مالية باسم أحد الأشخاص، تقوم بوظيفة الوفاء والائتمان. و تخول هذه البطاقة لحاملها الحق في الحصول على تسهيل ائتماني من مصدر هذه البطاقة لحاملها، حيث يقدمها للتاجر ويحصل بموجبها على السلع والخدمات، تسدد قيمتها من الجهة مصدرة البطاقة، ويجب على حاملها سداد القيمة للجهة المصدرة خلال الأجل المتفق عليه، وبذلك تمنح حاملها أجلا حقيقيا وهو ذلك الأجل الذي اتفق على السداد خلاله مع الجهة مصدرة البطاقة.
والجهات المصدرة لهذه البطاقة تحصل على الفوائد مقابل توفير اعتماد لحاملها، ولذلك هذه البطاقات أداة ائتمان حقيقية، فضلا عن كونها أداة للوفاء.

ولكي يستطيع  البائع إن يقبل الوفاء مقابل السلع والخدمات باستخدام هد النوع من البطائق البنكية، يجب أن يتوفر على حساب بنكي تم يجب أن يتوفر على ما يعرف باسم مدخل الوفاء الأمن، بحيث يقوم  هذا المدخل بنقل البيانات الخاصة بالبطاقة البنكية والمعلومات المالية بصورة أمنية من موقع خاص بالتاجر إلى معامل أو معالج البطاقة البنكية وهو عبارة عن طرف ثالث يعمل مابين البنك الخاص بالتاجر والخاص بالمشتري ودوره هو الكشف عن البطاقة المذكورة  بياناتها والتأكد من صلاحيتها، وبعد ذلك الموافقة على عملية البيع كما يقوم المعالج بتحويل المبلغ المستحق لتاجر الكترونيا من حساب المشتري إلى حساب البائع.[10]

2/ بطاقة السحب الآلي : هي بطائف لتحويل القيمة المالية من حساب لآخر مروراً بعملية التأكد من الهوية وكشف الحساب التي تجري عن طريق مسجل إلكتروني تمرر البطاقة عبره.



3/ البطاقة الذكية : هي عبارة عن بطاقة تحتوي على معالج دقيق يسمح بتخزين الأموال من خلال البرمجة الآمنة، وهذه البطاقة تستطيع التعامل مع بقية الحاسوبات، ولا تتطلب تفويض أو تأكيد صلاحية البطاقة من أجل نقل الأموال من المشتري إلى البائع[11].

4/ الشيكات الالكترونية:

تعتمد هده الشيكات  على وجود وسيط بين المتعاملين ويطلق عليه جهة التخليص وغالبا ما يكون البنك، بحيت يتم فتح حساب وتحديد التوقيع الالكتروني للمشتري ويقوم المشتري مثلا بتحرير الشيك وتوقيعه الالكتروني ويرسله بالبريد  الالكتروني المؤمن إلى البائع الذي يوقعه كمستفيد تم يقوم بإرساله  الى البنك الذي يراجعه  ويخطر كل من الطرفين بتمام إجراء المعاملة المصرفية أي خصم الحساب  من رصيد المشتري وإضافته لحساب البائع .[12]

المبحث الثاني: النظام القانوني لإثبات العقد الالكتروني:


إن الإثبات بمعناه القانوني هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية ترتب في مواجهة من ينكرها أثرا قانونيا لمن يدعيها.[13]

    فالشخص لا يستطيع أن يصل إلى حقه عند المنازعة فيه إلا إذا طلب من القضاء حماية هذا الحق، فإذا رفع النزاع إلى القضاء، فإنه لا يستطيع أن يأخذ بما يدعيه الشخص من حق لنفسه ما لم يتحقق من أن ما يدعيه موافق للحقيقة.[14]

    أما بالنسبة للإثبات في العقود التي تجري عبر الإنترنت أنها لا تقوم على دعامة مادية ورقية ثابتة،  يمكن الرجوع إليها كلما اقتضى الأمر ذلك، بل هي مثبتة على دعائم إلكترونية غير مادية، و هو الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يسمى الإثبات الالكتروني.[15]

المطلب الأول: وسائل إثبات العقد الالكتروني:

من أهم الإشكالات التي تواجه العقد الإلكتروني هي كيفية إثباته، وما مدى نجاعة الوسائل المعتمدة في ذلك، ولتوضيح ذلك سنناقش كلا من الكتابة الإلكترونية (فقرة أولى) والتوقيع الإلكتروني (فقرة ثانية) والتشفير كآلية لحماية البيانات الإلكترونية (فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: المحرر الالكتروني و حجيته في الإثبات على ضوء القانون 53ء05:

    أولا: تعريف المحرر الالكتروني:

لقد نصت المادة الأولى من قانون الاونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية على تعريف رسالة البيانات بأنها"المعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو إنشاؤها أو استلامها أو تخزينها بوسائل الكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة ، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تبادل البيانات الالكترونية ،أو البريد الالكتروني ،أو البرق ،أو التلكس أو النسخ البرقي

و نجد أن قانون الاونسترال عرف المحرر الإلكتروني من خلال تعريفه لرسالة البيانات ، خلافا لقانون المعاملات الالكترونية الأردني الذي عرف المحرر الالكتروني في المادة الأولى منه و ذلك من خلال تعريفه لرسالة المعلومات و الذي جاء مطابقا للتعريف الذي جاء به  قانون الانسترال النموذجي.[16]

أما قانون التوقيع الالكتروني المصري فقد عرفه بأن:

"المحرر الالكتروني رسالة بيانات تتضمن معلومات تنشأ كليا أو جزئيا بوسيلة الكترونية أو رقمية، أو ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة."[17]

كما أضاف المشرع الفرنسي في المادة 1316 من القانون المدني الفرنسي بشان الإثبات عن طريق الوسائل الالكترونية في تعريفه للمحرر المستخدم في الإثبات بأنه :"كل تتابع للحروف أو الرموز أو الأرقام أو إشارات أخرى تدل على المقصود منها و يستطيع الغير أن يفهمها[18] ..."

 في مقابل المشرع المغربي لم يعرف المحرر الالكتروني في حين المشرع التونسي الذي عرف المحرر الالكتروني في الفصل 455 مكرر من ق.ل.ع.على الشكل التالي :

"الوثيقة الالكترونية هي الوثيقة المتكونة من مجموعة أحرف و أرقام أو أية إشارات رقمية أخرى بم في ذلك تلك  المتبادلة عبر وسائل الاتصال تكون ذات محتوى يمكن فهمه و محفوظة على حامل الكتروني يؤمن قراءتها و الرجوع إليها عند الحاجة "[19]

ثانيا: حجية المحرر الالكتروني:

قبل التعديل الجديد لمفهوم الدليل الكتابي كانت الوثائق الالكترونية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع ، شأنها في ذلك شأن كافة وسائل الإثبات الحر ،لاسيما في الميدان الجنائي و التجاري و الإداري، حيث يسود مبدأ قناعة القاضي، و كذا في المنازعات التي لم تكن قيمتها تتجاوز مبلغ 250  درهما [20].و من تم فان الوثائق الالكترونية لم تكن تدخل في مجال الإثبات المقيد الذي يفرض فيه القانون وسائل إثبات محددة سلفا تلزم القاضي و الأطراف على حد سواء ،إذا المبدأ العام هو إعداد محرر مكتوب مذيل بتوقيع بخط، الأمر الذي لا يمكن مراجعته إلا بتدخل من المشرع[21].

وإذا كان أول المستجدات التي جاء بها القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية هو الاعتراف الصريح بالكتابة الالكترونية كشكلية لانعقاد التصرفات القانونية في حدود معينة ، فإنه قد أحال الفصل 1ء2 من ق.ل.ع .بشأنها على المقتضيات التي خص بها الوثيقة الالكترونية كوسيلة للإثبات و التي ضمنها في الفصول 417 و ما بعده من ق.ل.ع.حيث جعلها مساوية للوثيقة المحررة على الورق سواء كانت مطلوبة للانعقاد أو للإثبات فقط.[22]

كما أن المشرع المصري قد منح المحررات الناتجة عن الفاكس و التلكس و الميكروفيلم و أي وسيلة الكترونية مماثلة نفس القوة القانونية للمحررات التقليدية سواء أكانت أصل المستند أو صورته، ذلك بشرط أن يتم إصدار قرار من وزير العدل يحدد القواعد و الضوابط الخاصة بمثل هذه المحررات، إضافة إلى ضرورة شرط الاستعجال ليتم إسباغ الحجية عليها . و في حال عدم توافر هذا الأخير فإن للمحررات التي تتم بالوسائل التي حددها المشرع في قانون التجارة لا تكون لها حجية المحررات التقليدية في الإثبات. و هو نفس المقتضى الذي يأخذ به في مجال التحكيم  حيث منح حجية قانونية للوسائل الالكترونية، و اشترط توفر الكتابة لتحقيق ذلك ، بالإضافة إلى اتفاق إرادة طرفي التحكيم المسبقة لقبول مثل هذه الوسائل و مخرجاتها[23].

أما المشرع الفرنسي فقد أكد هذه الحجية بطريقة أخرى، فبعد أن منح هذه السندات الحجية القانونية الكاملة في المادة1316 ء1ءمن القانون المدني الفرنسي المعدل بموجب القانون رقم (230 لسنة 2000)الصادر في 13مارس 2000.عاد و أكد في الفقرة الثانية من هذه المادة على انه عند قيام التعارض بين سند الكتروني و سند تقليدي ،فيجب على القاضي أن يفاضل بينهما دون أن يعتمد على الوسيلة التي عقد  بها هذا السند ،أو بعبارة أخرى لا يجوز للقاضي في هذه الحالة أن يقدم السند التقليدي على السند الالكتروني كون الأخير أعد على ركيزة الكترونية[24] .

 لذا فمن بين أهم الغايات التي يسعى إلى تحقيقها القانون رقم 53 ء05 هي إعادة النظر في مفهوم الدليل الكتابي قصد تجاوز الفراغ التشريعي الذي كان يعرفه القانون المغربي في مجال الإثبات بالطرق الالكترونية الحديثة من جهة ،و توسيع مفهوم المحرر الكتابي ليشمل أيضا حتى المحرر الالكتروني وفقا للشروط التي حددها سواء كان ناتجا عن ورقة رسمية أو ورقة عرفية[25] . كما اعتبر المشرع أن المحرر الالكتروني كالمحرر التقليدي يمكن أن يكون عرفيا أو رسميا أو في شكل أي وثيقة أخرى من مراسلات، و قوائم و غيرها مما جاء في الفصل 417 من ق.ل.ع الذي أصبح على الصيغة التالية"الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية و يمكن أن ينتج أيضا من المراسلات و البرقيات و دفاتر الطرفين، و كذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين على الوجه المطلوب، و الفواتير المقبولة و المذكرات و الوثائق الخاصة.أو من أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة كيفما كانت دعامتها و طريقة إرسالها.

إذا لم يحدد القانون قواعد أخرى و لم تكن هناك اتفاقية صحيحة بين الأطراف، قامت المحكمة بالبت في المنازعات المتعلقة بالدليل الكتابي بجميع الوسائل و كيفما كانت الدعامة المستعملة."

إلا أن الملا حظ أن الوثيقة الالكترونية العرفية لا تطرح نفس الإشكال الذي تطرحه الوثيقة الالكترونية الرسمية مما يستدعي بيان ذلك:

أ : الوثيقة(المحرر) الالكترونية العرفية:

الورقة العرفية[26] هي التي يتم تحريرها من طرف من لهم مصلحة فيها دون تدخل الموظف العمومي، على خلاف الأوراق الرسمية[27] التي تعتبر بوجه عام معدة للإثبات ،فان الأوراق العرفية على نوعين، أوراق تعد مقدما للإثبات  وتكون موقعه ممن حجة عليهم كعقد البيع و الكراء، و أوراق لم تعد مقدما  للإثبات  ولكن  القانون يجعل لها حجية في الإثبات إلى مدى معين  واكترها  لا يكون موقعا ممن هي حجة عليه كقواعد المحاسبة التي حلت محل الدفاتر التجارية  وقد يكون بعضا موقعا كالرسائل وأصول البرقيات.[28]

الوثيقة الالكترونية العرفية حتى تكتسب حجية في الإثبات يشترط فيها أن تستوفي شروط الفصلين417 ء1 و 417ء2من ق.ل.ع وهي كالتالي:

.تعرف بالشخص الذي صدرت عنه :

معنى هذا الشرط أن تدل المعلومات المحفوظة على السند (المحرر) الالكتروني  على هوية الشخص الذي انشأ هذه  المعلومات أو تسلمها،و يجب أن تدل هذه  المعلومات أيضا على لحظة إرسال أو تسلم هذا السند. و لتحقيق هذا الشرط يجب أن تكون المعلومات المحفوظة على السند مفهومة و واضحة و قابلة للقراءة حتى يمكن الاحتجاج بمضمون هذا السند ، ومن المعلوم أن السندات الالكترونية تكتب بلغة خاصة ثم تترجم إلى لغة مقروءة من قبل الإنسان عن طريق برامج معدة لهذا الشأن[29].

و التعرف على الشخص الذي صدرت عنه الوثيقة يجب أن يتم بصفة قانونية، لأن المعطيات الخاصة بالتعريف ذات طابع شخصي تستوجب الحماية، وبالتالي يمنع استعمال الوسائل غير المشروعة للتعرف على أي شخص.

2/ أن تكون معدة و محفوظة ضمن شروط تضمن تماميتها :

و هذا أيضا من الشروط الأساسية للاعتداد بالوثيقة الالكترونية و لمساواتها للوثيقة المحررة على الورق .فهذه الأخيرة قابلة بطبيعتها للحفظ مهما طال الزمن لان حامل الكتابة فيها الذي هو الورق، قابل للحفظ و التخزين و الأرشفة. أما الدعامة الالكترونية، أيا كان شكلها ،فيجب أن تكون قابلة بدورها للحفظ بالطرق الفنية المعروفة حيث أن المشرع المغربي لم يعرف الحفظ  كما لم يبين أشكاله بخلاف ما فعله القانون التونسي المتعلق بالتجارة الالكترونية في الفصل الرابع منه "يعتمد حفظ الوثيقة الالكترونية كما يعتمد حفظ الوثيقة الكتابية، و يلتزم المرسل بحفظ الوثيقة الالكترونية في الشكل المرسلة به و يلتزم المرسل إليه بحفظ هذه الوثيقة في الشكل الذي تسلمها به.

و يتم حفظ الوثيقة الالكترونية على حامل الكتروني يمكن من :

+ الاطلاع على محتواها طيلة مدة صلاحيتها.

+ حفظها في شكلها النهائي بصفة تضمن سلامة محتواها.

+ حفظ المعلومات الخاصة بمصدرها ووجهتها و كذلك تاريخ و مكان إرسالها و استلامها"[30].

و عموما فإن المشرع اشترط أن تكون الوثيقة الالكترونية معدة و محفوظة ضمن ظروف تضمن تماميتها،  ويمكن القول بان المقصود بها شمولية المضمون و تمامه دون زيادة أو نقصان، سواء بقصد أو بغير قصد.

و إذا كانت المعادلة التي اقرها المشرع ما بين المحررين (المحرر التقليدي و المحرر الالكتروني ) معادلة تامة فان المحرر الالكتروني قابل للتغيير في كل لحظة ،لان كتابة على وسيط متقلب و إن كانت هناك برمجيات توفر الأمن للمحرر ، بينما المحرر الورقي كتابة على وسيط تابت و دائم إذا تم حفظه بعناية ،حيث يمكننا أن نستشف أي تغيير فيه ، سواأ كان ذلك شطب أو محو أو زيادة ،حيث يترك آثار معينة، و من ثمة كان من الأفضل إقرار بعض التفاوت في المعادلة بينهما[31].

3/  أن تحمل توقيعا مؤمنا.

4/   أن تحمل تاريخا ناتجا عن التوقيع الالكتروني المؤمن.

هذه الشروط سبق بيان الأول و الثاني منهما بتفصيل، أما الشرطان الثالث و الرابع فسنقف عليهما عند دراسة التوقيع الالكتروني.

ب : الوثيقة (المحرر) الالكترونية الرسمية:

الوثيقة الالكترونية الرسمية هي التي بالإضافة إلى توفرها على الشروط الأربعة للوثيقة الالكترونية العرفية أعلاه، يتحقق فيها شرط خامس: نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 417 من ق.ل.ع. و هو أن يوضع التوقيع عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق.

و من المعلوم أن الوثيقة الرسمية بشكل عام ،هي التي يتلقاها موظف عمومي له صلاحية التوثيق في مكان إبرام العقد،  فالموثق على هذا النحو يتولى مهمة الإشراف و المصادقة على تعبير الأطراف عن إرادتهم بالموافقة على التصرف و يكون بذلك مسؤولا عما شهد به من وقائع و اتفاقات وقعت أمامه،  و يختم الوثيقة بتوقيعه إلى جانب توقيع الأطراف و يحتفظ بأصلها في ديوانه و لا يسلم لهم سوى نسخة منها،  و الوثيقة الرسمية بهذا الشكل تتوفر على قوة إثباتيه و تنفيذية في نفس الوقت.[32]

أما الوثيقة الالكترونية فتتميز بكونها محررة بلغة رقمية تقرا على الشاشة و تفرض النقل الالكتروني للمعطيات لوجود مسافة جغرافية تفصل بين المتعاقدين. 

ومن هذا المنطلق تأتي التساؤلات الآتية :

+ كيف نتصور حضور الموظف الرسمي لواقعة وضع التوقيع الالكتروني؟ هل بحضوره الفعلي الملموس بذاته و صفته أو بحضور افتراضي على الشبكة؟  وهل يضع توقيعه الالكتروني هو أيضا على الوثيقة ؟

+ كيف يتم حفظ الوثيقة الالكترونية ؟[33]

نتناول الجواب عن هذه التساؤلات في ما يلي:

إن الحضور الشخصي للموثق في المعاملة الالكترونية لا يمكن أن يكون في مجلس واحد بسبب تباعد الأطراف مكانيا، إذ لو كان المجلس واحد ما كانت هناك حاجة للتعاقد الالكتروني أصلا،  ومن تم فان ما يمكن تصوره هو حضور الموثق الفعلي لوضع التوقيع الالكتروني لأحد الأطراف فقط ثم بعد ذلك يرسل الوثيقة الكترونيا للطرف الآخر للغرض نفسه  أمام موثق آخر أو أمام نفس الموثق إذا تسنى له الانتقال لذلك الطرف، و أما إذا تصورنا الحضور الافتراضي للموثق فمعنى ذلك أن معاينته كذلك تكون افتراضية لوضع التوقيع الالكتروني، و هذا يتطلب معدات تقنية و برمجيات متطورة جدا لكي توفر مجالا لتلاقي الموثق بالأطراف على شبكة الانترنيت على غرار الندوة الفيديوفونية أو منتدى النقاش و هي إمكانيات غير متاحة حاليا للموثقين في أغلب البلدان المتقدمة فبالأحرى في بلادنا إذا مازال استعمال وسائل الاتصال في التوثيق مقتصرا لدينا على الطبع و تخزين البيانات و على البريد الالكتروني و الويب.

و أما مهمة الموثق في التعاقد الالكتروني، فإن النص حددها على سبيل الحصر في معاينة وضع التوقيع على الوثيقة، إذا جاء فيه " تصبح الوثيقة رسمية إذا وضع التوقيع المذكور عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق ".

أما بالنسبة للتساؤل عن توقيع الموظف العمومي على الوثيقة الرسمية الالكترونية إلى جانب الأطراف، فإن المشرع سكت عن هذه المسألة، لكن من الناحية المنطقية لكي يشهد الموثق على واقعة وضع التوقيع الالكتروني، لا بد من الناحية القانونية أن يوقع هو أيضا على المحرر الالكتروني و يتحمل مسؤولية هذا التوقيع[34].

نفس الإشكال بالنسبة لحفظ الوثيقة، فهي بالنظر إلى طبيعتها غير المادية، لا يمكن حفظها إلا إلكترونيا، و إذا أفرغت على دعامة ورقية أو إلكترونيه كالقرص المرن أو الأسطوانة فإن نقل المضمون على هذه الدعامة أو تلك لا يجعل منها وثيقة أصلية.

و إذا كان الموثق يحفظ أصل المحرر الرسمي التقليدي في ديوانه. فهل يحفظ أصل المحرر الإلكتروني على الشبكة سرا حتى على أطراف العقد ؟ أم على الغير فقط؟

إن الجواب بالإيجاب على الحالة الأولى يفترض توفر الموثق على شفرة سرية خاصة به و في هذه الحالة ليس بإمكان أطراف العقد سوى أن يطلبوا منه المفتاح للولوج إلى أصل المحرر لاستخراج نسخة منه.

أما في الحالة الثانية و هي التي ذهب إليها المشرع على ما يبدوا، فإن الولوج إلى أصل المحرر يكون متاحا بكل حرية لأطراف العقد دون سواهم و إلى ذلك يشير الفصل 440 من ق.ل.ع كما تم تعديله [35]"...تقبل للإثبات نسخ الوثيقة القانونية المعدة بشكل إلكتروني متى كانت الوثيقة مستوفية للشروط المشار إليها في الفصلين 417ء1و 417ء2 و كانت وسيلة حفظ الوثيقة تتيح لكل طرف الحصول على نسخة منها أو الولوج إليها ".

ينص الفصل 419 من ق.ل.ع  أن "الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع و الاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره و ذلك إلى أن يطعن فيها بالزور. إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود و حتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون الاحتياج إلى القيام بدعوى الزور.

و يمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة."

إن الورقة الرسمية متى استوفت الشروط و تمت بالمعايير التي حددها القانون إلا و اكتسبت حجية قاطعة لا بالنسبة للمتعاقدين فحسب بل حتى بالنسبة للغير، و باستقراء الفصل يتضح أن هناك نوعان من البيانات يكسبان الورقة الرسمية حجيتها و هي :

البيانات التي قام بها الموظف في حدود مهمته و بينهما في الورقة الرسمية من قبل التاريخ، مكان التلقي، توقيعه، و توقيع دوي الشأن و الإجراأت المصاحبة لذلك من تسجيل و غيره.

الاتفاقات و الوقائع التي حصلت في محضر الموظف من طرف المتعاقدين، و هذا يتعلق بموضوع الورقة الرسمية التي حررت بمعرفة الموظف العمومي بيعا أو غير ذلك، و هذا البيانات بنوعيها تكسب الورقة الرسمية حجية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور لأنها فيها مساس بأمانة الموظف العمومي[36].

و تجدر الإشارة في الأخير، إلى مسألة نسخة المحرر الالكتروني، حيث أن التوقيع في المفهوم التقليدي هو الذي يرفع قيمة الوثيقة إلى مرتبة الأصل أما في المجال المعلوماتي، فلا فرق بين أصل الوثيقة الالكترونية و بين نسختها لأن التقنيات المعلوماتية لها خاصية إعادة إنتاج نفس الوثيقة ، و من تم صعوبة التمييز بين الأصل و النسخة و في هذا الاتجاه ذهب القانون رقم 53.05 في تعديله للمادة 65ء7 من ق.ل.ع عند تناوله لتعدد أصول المحرر الالكتروني، حيث اعتبر أن صفة الأصل متوفرة في المحرر الالكتروني متى كان ذلك المحرر معدا و محفوظا وفقا لأحكام الفصول 1ء417  و في 2ء417 و 3ء417 و كانت الوسيلة المستعملة تسمح لكل طرف بالحصول على نسخة منه أو الولوج إليه، و يتبين هذا الحكم تقريبا من خلال فصل 440 من ق.ل.ع "تقبل للإثبات نسخة الوثيقة القانونية المعدة بشكل إلكتروني متى كانت الوثيقة مستوفية للشروط المشار إليها في الفصلين 1ء417 و 2ء417 و كانت وسيلة حفظ الوثيقة تتيح لكل طرف الحصول على نسخة منها أو الولوج إليها "[37]

الفقرة الثانية: التوقيع الإلكتروني وحجيته في الإثبات على ضوء القانون رقم 53-05:



حتى يكون للسند التقليدي الحجية الكاملة في الإثبات لابد أن يشتمل على توقيع باعتباره العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي ومكملا لها وهو ما أكده المشرع المغربي في الفصل 426 من ق ل ع الذي جاء فيه " يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد الشخص الملزم بها بشرط أن تكون موقعة منه ويلزم أن يكون التوقيع بيد الملتزم وأن يرد في أسفل الورقة ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع ويعتبر وجوده كعدمه".

يتبين أن المشرع المغربي حصر التوقيع على المحرر باليد على خلاف المشرع المصري والأردني اللذان اعتبرا التوقيع باليد أو الختم أو بصمة الأصبع جائزا[38].

أما بالنسبة للوثيقة المعدة بشكل إلكتروني فإن المشرع المغربي قد نص على إلزامية توفرها على توقيع كذلك، وهذا التوقيع يكون بدوره إلكترونيا.

فما هي إذن ماهية التوقيع الإلكتروني وما هي شروطه، وما هي الحماية المقررة له.

أولا: ماهية التوقيع الإلكتروني

1/ تعريف التوقيع الإلكتروني

لقد تباينت التعريفات التي أعطيت للتوقيع الإلكتروني، فهناك من اعتمد في تعريفه له بالنظر إلى الوسيلة التي يتم بها أو ما يقوم به من وظائف ودوره في إضفاء الحجية على المحررات والمعاملات الإلكترونية.

إن المشرع المغربي من خلال قانون 05.53 لم يعرف التوقيع الإلكتروني بل عمل على توسيع مجالات المعاملات الإلكترونية بحيث يشمل العروض التعاقدية والمعلومات المتعلقة بالسلع والخدمات وركز القانون على التوقيع الإلكتروني باعتباره القاسم المشترك في المعاملات الإلكترونية[39].

وقد عرفت المادة الثانية من قانون اليونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية التوقيع الإلكتروني بأنه " بيانات في شكل إلكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة إليها ومرتبطة بها منطقيا بحيث يجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع بما فيه إرسالية البيانات، ولبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات"[40].

2/ صور التوقيع الإلكتروني

أ) التوقيع الكودي أو المفتاحي

يتم بواسطة اعتماد مجموعة من الأرقام أو الحروف المعلومة من صاحبها، ويسود هذا النظام في التعاملات البنكية أو المعاملات المالية، وأوضح مثال على ذلك بطاقة الائتمان التي تحتوي على رقم سري لا يعرفه سوى صاحب البطاقة.

ب) التوقيع بالقلم الإلكتروني 

ويتم ذلك عن طريق توصيل قلم إلكتروني بجهاز حاسوب حيث يقوم الراغب في التعاقد بالتوقيع بواسطته، وذلك عن طريق استخدام برنامج خاص بالحاسوب ولهذا البرنامج وظيفتين، الأولى تتجلى في التقاط التوقيع، والثانية التحقق من صحته ومدى مطابقته للمعلومات المخزنة في الشفرة البيومترية.

ج) التوقيع البيومتري

ويعتمد في هذا التوقيع على الخصائص الفيزيائية والطبيعة السلوكية للأفراد للتحقق من شخصية المتعامل وتحديد هويته، ومن بين الصفات التي تعتمد في هذا التوقيع نجد البصمة الشخصية، نبرة الصوت، مسح العين...[41].

ثانيا : شروط التوقيع الإلكتروني

عالج المشرع المغربي في المادة 6 من القانون 05.53 الشروط الواجب توفرها في التوقيع الإلكتروني ليرتب آثاره القانونية، وهذه الشروط هي كالتالي :

الشرط الأول : أن يكون التوقيع الإلكتروني خاص بالموقع على الوثيقة الإلكترونية.

الشرط الثاني : أن يتم إنشاء التوقيع الإلكتروني المؤمن بوسائل تمكن الموقع من الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية.

الشرط الثالث : قيام الارتباط الوثيق بين التوقيع الإلكتروني المؤمن والوثيقة المنشئة للتصرف القانوني.

الشرط الرابع: خضوع التوقيع لآلية إنشاء مثبتة بشهادة المطابقة وضوابطها.

الشرط الخامس : يتعين لأن يشار إلى معطيات التوقيع الإلكتروني المؤمن في الشهادة الإلكترونية المؤمنة المنصوص عليها في المادة من القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

ويتمتع التوقيع الذي تتوفر فيه الشروط السالفة الذكر بالحجية التامة، وبالتالي يمكن اعتماده كأداة من أدوات الإثبات القانونية، كما يجب على من يتمسك بالتوقيع الإلكتروني الذي لا تتوفر فيه الشروط الخاصة بالتوقيع الإلكتروني المؤمن أن يقيم الدليل أمام المحكمة على جدارة الوسيلة المستعملة في إنشاء التوقيع مع إعطاء القضاء سلطة واسعة لتحديد قيمة ذلك التوقيع الإلكتروني.

ثالثا : الحماية المقررة للتوقيع الإلكتروني

عاقب المشرع في المادة 35 من القانون 05.53 بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم كل من استعمل بوجه غير قانوني العناصر الشخصية لإنشاء التوقيع الإلكتروني المتعلقة بالغير وذلك لما للتوقيع الإلكتروني المؤمن من آثار تتناول جميع عناصر العقد الإلكتروني وتتعدى المتعاقدين إلى الأغيار وتنعكس على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يتناولها العقد الموجه بطريقة إلكترونية.

الفقرة الثالثة : التشفير كآلية لحماية البيانات الإلكترونية

أولا : تعريف التشفير

لقد عرفه أستاذنا عبد القادر العرعاري بقوله يقصد بالتشفير تلك العملية التي تهدف الى إخفاء المعلومات اللازمة للاستئثار بالشفرة التقنية اللازمة للحفاظ على سرية تبادل المعطيات القانونية بشكل الكتروني ، لضمان الاستعمال  الحضري لهده المعلومات من طرف من له الحق في دلك فان القانون وضع أسلوبا فريدا من نوعه لضمان سرية تبادل وتخزين المعلومات والتوقيعات  الالكترونية . [42]

والتشفير هو عملية تغيير في البيانات بحيث لا يستطيع قراءتها سوى الشخص المستقبل وحده باستخدام مفتاح التشفير، من هنا تظهر العلاقة بين التوقيع الإلكتروني والتشفير، فالتوقيع الرقمي هو ختم رقمي مشفر يضمن عدم تعرض الرسالة للتعديل والاختراق، وتستخدم التوقيعات الإلكترونية ما يعرف بنظام شفرة المفتاح الشفري العام والذي يستخدم منهجا معينا مستعينا بمفتاحين مختلفين ولكنهما  مترابطان حسابيا، واحد لتحويل البيانات إلى أشكال تبدو وكأنها لا يمكن فهمها، والمفتاح الآخر للتثبت لصحة التوقيع الإلكتروني أو لإعادة الرسالة إلى شكلها الأصلي، وهو ما يسمى بنظام التشفير اللاتماثلي.

ولم يعرف المشرع المغربي التشفير ولكن تحدث عن وظائفه ووسائله وعرف خدمته تعريفا موجزا في المادة 12 بقوله : " أنها عملية تهدف إلى استخدام وسائل التشفير لحساب الغير، فهي خدمة تقدمها جهة معينة حددها القانون لفائدة جهة أخرى مستفيدة من تلك الخدمة"[43].

ثانيا : القيود الواردة على وسائل التشفير

إن استيراد وسائل التشفير أو توريدها أو استخدامها أو تقديم الخدمات المتعلقة بها ليس حرا أو مطلقا وإنما مقيد بمشروعية الأهداف المتوخاة من التشفير من جهة، وبالحفاظ على مصالح الدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي من جهة أخرى، ولذلك فإن استخدام التشفير يخضع للتنظيم المحدد في المادين 13 و14 من القانون 05.53 كما يلي[44] :

أ) التصريح المسبق

ويتم اللجوء إليه عندما يتعلق الأمر باستخدام وسائل التشفير وخدمات التشفير لغاية التصديق على إرسالية أو ضمان تمامية المعطيات المرسلة بطريقة إلكترونية فقط، وما عدا ذلك فإن الأمر يستوجب الترخيص المسبق.

ب) الترخيص المسبق

عندما يتعلق الأمر بالعمليات التي تتعدى تقديم التصريح المسبق، أي تجاوز عملية التصديق وضمان تمامية المعطيات المرسلة المشار إليها أعلاه،  فإنها تصبح متوقفة على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق، غير أن المادة 13 قد أسندت للحكومة مهمة تحديد الوسائل والخدمات المستوفية للمعايير المطلوبة في التصريح المسبق، وكذا الطريقة التي يتم وفقها الإدلاء بذلك التصريح أو الترخيص.

ج) النظام المبسط للتصريح أو للترخيص المسبق أو للإعفاء

يمكن للحكومة أن تقرر نظاما مبسطا للتصريح أو الترخيص أو الإعفاء منهما، سواء بالنسبة إلى وسائل وخدمات التشفير، أو بالنسبة إلى بعض فئات المستعملين.

د) حصر توريد وسائل التشفير وخدماته على فئة محددة قانونا

جعلت المادة 14 من القانون، مهمة توريد وسائل أو خدمات التشفير الخاضعة للترخيص، من اختصاص مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية المعتمدين لهذا الغرض، وفي حال تعذر ذلك، أي في حال عدم وجودهم تسند تلك المهمة إلى الأشخاص الراغبين في تقديم تلك الخدمات، شريطة أن يكونوا معتمدين من لدن الإدارة لهذا الغرض.

المطلب الثاني : خدمة المصادقة الإلكترونية

إن الحديث عن خدمة المصادقة الإلكترونية يقتضي منا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، تتمحور الأولى حول السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية، أما الثانية فستتمحور حول مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية والحماية المقررة لهم.

الفقرة الأولى:السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية

أنشأ المشرع المغربي جهازا مكلفا باعتماد ومراقبة عمليات المصادقة الإلكترونية، يحمل اختصارا إسم " السلطة الوطنية" أسند إليها مجموعة من المهام المحددة في المواد من 15 إلى 19 من قانون 05.53، ومن أهم هذه المهام :

+ اقتراح معايير نظام الاعتماد على الحكومة وكيفية اتخاذ التدابير اللازمة لتفعيله.

+ اعتماد مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية ومراقبة أعمالهم (م 15).

+ مسك سجل بأسماء مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية المعتمدين، ينشر كل سنة في الجريدة الرسمية (م 16).

+ التأكد من احترام مقدمي الخدمات المصادقة الإلكترونية الذين يسلمون شهادات إلكترونية مؤمنة، للالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون وفي النصوص التطبيقية له (المادة 17).

+ يجوز لها إما تلقائيا وإما بطلب من أي شخص يهمه الأمر أن تتحقق بنفسها، أو أن تنتدب خبراء للتحقق من مطابقة نشاط مقدم الخدمة، الذي يسلم شهادات إلكترونية مؤمنة لأحكام هذا القانون (المادة 18).

+ يحق لأعوانها وكذا لخبرائها المنتدبين، بعد إثبات صفتهم ولوج أي مؤسسة والاطلاع على كل الآليات والوسائل التقنية المتعلقة بخدمات المصادقة الإلكترونية المؤمنة، يعتبرونها مفيدة أو ضرورية لإنجاز مهام التحقيق المكلفين بها، في إطار المادة 18 من نفس القانون (م 19)[45].

الفقرة الثانية : مقدمو خدمات المصادقة الإلكترونية

أولا : شروط اكتساب صفة مقدم خدمة المصادقة الإلكترونية

اكتساب صفة مقدم خدمة المصادقة الإلكترونية على التوقيع الإلكتروني، يجب أن يكون طالب الاعتماد متوفرا على الشروط المنصوص عليها في المادة 21 من قانون 05.53 وهي أن يكون شخصا معنويا في شكل شركة يكون مقرها بتراب المملكة المغربية، ومن ثم فإن هذه المهمة لا تسند للأشخاص الطبيعيين.

* أن يكون الشخص المعنوي متوفرا على شروط إضافية أخرى، ذات طابع مزدوج تقني وقانوني معا وهي :

+ الوثوق بخدمات المصادقة الإلكترونية التي يتوافر عليها، سيما السلامة التقنية والتشفيرية الخاصة بالوظائف التي تؤديها نظم ووسائل التشفير التي يقترحها.

+ توفره على مستخدمين لهم الكفاءة اللازمة لتقديم خدمات المصادقة الإلكترونية.

+ التوفر على نظام أمني للوقاية من تزوير الشواهد الإلكترونية ...

واستثناء من هذه الأحكام نصت المادة 43 من القانون على أنه يمكن اعتماد الأشخاص المعنوية للقانون العام من أجل القيام بالخدمات الإلكترونية، وذلك باقتراح من السلطة الوطنية.

ويتحمل مقدم خدمة المصادقة الإلكترونية مجموعة من الالتزامات منصوص عليها ضمن نفس المادة المذكورة (21)، وهي :

+ أن يتحقق من هوية الشخص الذي سلمت له الشهادة الإلكترونية، وأن يقوم بإخبار الشخص الذي يطلب الشهادة الإلكترونية كتابة، وقبل إبرام عقد تقديم خدمة المصادقة الإلكترونية بما يلي :

* كيفية وشروط استعمال الشهادة.

* كيفية المنازعة وطرق تسوية الخلافات.

كما يتحمل مقدمو المصادقة الإلكترونية ومستخدميهم كذلك، مسؤولية كتمان السر المهني، تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل.

بالإضافة إلى المسؤولية عن التهاون وقلة الكفاءة أو القصور المهني المادة 24 من قانون 05.53.

وكذلك المسؤولية عن المحافظة على معطيات إنشاء الشهادة الإلكترونية.

ثانيا : الحماية المقررة لمقدمي الخدمات الإلكترونية

لجأ المشرع المغربي إلى حماية مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية بأن قرر عقوبات حبسية من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من 100.000 إلى 500.000 درهم، كل من أدلى عمدا بتصاريح كاذبة أو سلم وثائق مزورة إلى مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية (المادة 31).

وباستقراء المادة 31 يظهر أن المشرع استعمل كلمة تصاريح بصيغة الجمع، مما يطرح السؤال في حالة إدلاء المعني بالأمر بمجرد تصريح واحد، فهل يشمله مقتضى هذه المادة أم يتعين الالتزام بحرفية النص ؟ كما أن التصريح فعل إيجابي مما يثير التساؤل حول الكتمان مما إذا كان مشمولا بنفس المادة خصوصا متى كان الكتمان عن عمد.

انطلاقا أيضا من المادة 31 يظهر أن المشرع لم يعرف مفهوم الوثيقة المزورة، مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة للقانون الجنائي.

ومن الواضح أن العقوبة الواردة في هذه المادة، أنها عقوبة قاسية سواء في شقها السالب للحرية أو من حيث مقدار الغرامة.

ولتعزيز الحماية المقررة لمقدمي الخدمات الإلكترونية جاءت المادة 38 من قانون 05.53 تنص على أنه بصرف النظر عن المقتضيات الجنائية الأكثر صرامة يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم، كل من استعمل بصفة غير قانونية عنوانا تجاريات أو إشهارا، وبشكل عام كل عبارة تحمل على الاعتقاد أنه معتمد وفقا لأحكام المادة 21 السالفة الذكر.


خاتمة

حاولنا من خلال هذا العرض المتواضع الإحاطة بمختلف الجوانب العملية والقانونية لظاهرة التعاقد الإلكتروني وذلك على ضوء القانون 05.53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الذي شكل بحق إضافة نوعية لظهير الالتزامات والعقود المغربي، على الرغم من النواقص والعيوب التي شابت القانون المذكور، خصوصا على مستوى الصياغة القانونية المقتبسة من النص الأصلي الفرنسي.

وتبقى الإشكالية الأساسية المرتبطة بالتعاقد الإلكتروني هي عدم نضوج هذه التجربة بشكل كافي في المغرب رغم توفر الإطار القانوني الملائم، الشيء الذي أثر بشكل واضح على تعاطي القضاء المغربي مع هذا النوع من القضايا بسبب ندرة النزاعات المعروضة أمامه.

الأمر الذي يحتم ضرورة تدخل المشرع المغربي بالقوانين والأحكام اللازمة للفصل في المنازعات التي قد تثور بشأن مثل هذه التعاقدات الحديثة لبيان ماهية القوانين التي تحكمها حتى تتوافر الحماية القانونية للمتعاملين في هذا المجال من خلال وسط قانوني تحيطه العديد من الضمانات التي تعمل على تدارك المخاطر التي قد تصيب المعاملات المبرمة عن بعد ويواكب التطور المتنامي في مجال التجارة الإلكترونية التي أصبحت حقيقة قائمة لا تقف آفاقها وإمكانياتها عند حد.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] احمد ادريوش تاملات حول قانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية الطبعة الاولى 2009  الصفحة 5 ء6
[2] ء الدكتور العربي جنان : " التعاقد الإلكتروني في القانون المغربي، دراسة مقارنة، الكتاب الأول، سنة 2010، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، الداوديات، مراكش، ص 10.
[3] ء محمد أمين الرومي : النظام القانوني للتحكيم الإلكتروني، الطبعة الأولى، 2006، ص 12.
[4] ء د. العربي جنان، مرجع سابق، ص 11.
[5] ء د. العربي جنان، مرجع سابق، ص 12.
[6] ء  الدكتور أسامة أولحسن مجاهد، خصوصية التعاقد عبر الأنترنت، دار النهضة العربية للنشر، القاهرة، 2003،  ص 81ء80.
[7] ء الدكتور العربي جنان، مرجع سابق، ص 14.
[8] ء محمود عبد الرحيم الشريفات، التراضي في تكوين العقد عبر الأنترنت، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 2009، مطبعة دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص 128ء129.
) ضياء علي احمد نعمان المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الالكتروني بالبطائق البنكية – دراسة مقارنة –الجزء الأول 2010 مطبعة  المطبعة  والوراقة الوطنية  ص  433 و434[10]
[11] ء نضال سليم برهم، أحكام عقود التجارة الإلكترونية، الطبعة الأولى، مطبعة دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص 118 إلى 122.
) ضياء علي احمد نعمان المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الالكتروني بالبطائق البنكية – دراسة مقارنة –الجزء الأول 2010 مطبعة  المطبعة  والوراقة الوطنية  ص432[12]
[13] : عبد الرزاق السنهوري، " الوسيط في شرح القانون المدني، الإثبات، آثار الالتزام" الجزء الثاني، دار إحياء التراث العربي، ص13.
[14] : جلال علي العدوي، أصول أحكام الالتزام و الإثبات، طبعة أولى سنة1996. مطبعة منشأة المعارف بالإسكندرية، ص247.
[15] : إلياس ناصيف، العقود الدولية، العقد الإلكتروني في القانون المقارن، مطبعة منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة أولى سنة2009.ص190.
[16] : عرفت المادة (2) من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رسالة المعلومات بأنها: "المعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو تسلمها أو تخزينها بوسائل إلكترونيه أو بوسائل مشابهة بما في ذلك تبادل البيانات الإلكترونية أو البريد الإلكتروني أو البرق أو التلكس أو النسخ الرقي"
[17] : مونسالويير.4وليكي.چوم
[18] : أنظر المادة 6/13 من القانون المدني الفرنسي.
[19] : د. أحمد أدرويش ، "تأملات حول قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، منشورات سلسلة المعرفة القانونية، سنة2009 ص 59.
[20] : بمقتضى التعديل الجديد الذي أدخله القانون رقم05ء53 على الفصل 443 من قانون الالتزامات و العقود "الاتفاقات و غيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، و التي تتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، و يلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، و إذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو توجه بطريقة إلكترونية".
[21] : ذ. العربي جنان، مرجع سابق، ص108.
[22] : ذ. أحمد ادريوش، مرجع سابق، ص59.
[23] : ذ. محمد فواز المطالقة ،الوجيز في عقود التجارة الإلكترونية، دار الثقافة للنشر و التوزيع سنة2008 ص 241. 242.
[24] : ذ. مصطفى موسى العجارمة، التنظيم القانوني للتعاقد عبر الانترنت، المرجع السابق، ص 134.
[25] : ذ. أحمد ادر يوش، مرجع سابق، ص62.
[26] : الورقة العرفية هي تلك التي يقوم بتحريرها الأفراد فيما بينهم دون تدخل الموظف العمومي.
[27] : ينص الفصل 418 من ق ل ع: "الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد و ذلك في الشكل الذي يحدده القانون. و تكون رسمية أيضا:
ء          الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم
ء          الأحكام الصادرة  من  المحاكم المغربية و الأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها "
* الورقة الرسمية التي تستوفي شروطها القانونية تكون حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع و الإنفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضر و ذلك إلى أن يطعن فيها بالزور، لكن الأوراق العرفية على نوعين أوراق عرفيه معدة للإثبات تكون موقعة ممن هي حجة عليه و أوراق غير معدة للإثبات و لكن القانون يجعل لها حجية في الإثبات إلى مدى معين، حيث نص الفصل 424 من ق ل ع "المحررات العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات و البيانات التي تتضمنها و ذلك في الحدود المقررة في الفصلين 419ء 420  عدا ما يتعلق بالتاريخ بما سيذكر بعد".
[28] : ذ.المعطي الجبوجي، القواعد الموضوعية و الشكلية لّإثبات و أسباب الترجيح بين الحجج، مكتبة الرشاد ص60.
[29] : ذ. مصطفى موسى،  العجارمة مرجع سابق، ص131.
[30] : ذ. أحمد ادر يوش، مرجع سابق، ص63.
[31] : ذ. العربي جنان، مرجع سابق، ص 123.
[32] : العربي جنان، مرجع سابق، ص110.
[33] :  ذ.محمد العروصي، التعاقد التجاري عن طريق الانترنت المجلة المغربية للأعمال و المقاولات، عدد 10 مارس 2006.ص19.
[34] : يوسف أ وبعير،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، مرجع سابق ص 127.128.
[35] : ذ. العربي جنان، مرجع سابق، ص 112.111.
[36] : ذ. المعطي الجبوجي، مرجع سابق، ص58ء59.
[37] : ذ العربي جنان، المرجع السابق،  ص 113.
[38] ء ادريس النوازلي، مرجع سابق، ص 63.
[39] ء النوازلي،  مرجع سابق، ص 63.
[40] ء التراضي في تكوين العقد عبر الأنترنت، محمود عبد الرحيم الشريفات، دراسة مقارنة، ط1، 2009، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، ص 202.
[41]   للمزيد من الاطلاع، راجع ادريس النوازلي، ص 66ء68.
 عبد القادر العرعاري النضرية العامة للعقود المسماة –عقد البيع الطبعة 2011 الثالثة  مطبعة الكرامة الرباط ص 63[42]
[43] إدريس النوازلي، مرجع سابق، ص 68ء69.
[44] العربي جنان، التعاقد الإلكتروني في القانون المغربي، دراسة مقارنة، ط 1، 2010، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص 121ء122.
[45] العربي جنان، التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية (القانون المغربي رقم 05.53)، دراسة تحليلية نقدية، الطبعة الأولى 2008، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص 60ء61.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات