القائمة الرئيسية

الصفحات

علاقة الشروط الجزائية بالشروط التعسفية


علاقة الشروط الجزائية بالشروط التعسفية

 مقدمة

إن الأصل في إبرام العقود هو مبدأ سلطان الإرادة، والعقد شريعة المتعاقدين حسب الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود، وكل إخلال بالالتزام التعاقدي إلا ويرتب التعويض، و هذا الأخير إما أن يكون قانونيا أو قضائيا أو اتفاقيا.
و التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي كثيرا ما يكون تقديره مجحفا من طرف المتعاقد الأقوى على حساب الطرف الضعيف، الذي يذعن لهذه الشروط الجزائية التعسفية. كما أنه أمام التطور الاقتصادي و الاجتماعي و تنامي القوة الاقتصادية للمهنيين أصبحت الشروط التعسفية تعرف انتشارا واسعا في العقود التي تربطهم بالمستهلك باعتباره الطرف الضعيف.
إلا أن النظريات التقليدية أبانت بوضوح قصورها في تحقيق حماية فعالة للمستهلك من الشروط التعسفية بصورة عامة و الشروط الجزائية التعسفية بصورة خاصة، الأمر الذي حذا بالمشرع المغربي بإصدار قانون 31ـ08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك الصادر في 18 فبراير 2011 ،و قبل ذلك تتميم الفصل 264 من قانون الالتزامات و العقود بموجب القانون رقم 95ـ27 المؤرخ في 13 يوليوز 1995 الذي منح للمحكمة سلطة التدخل لتعديل التعويض الاتفاقي إذا كان زهيدا أو مبالغا فيه.
و قد عرف كل من الشرط الجزائي و الشرط التعسفي تطورا تاريخيا مهما، بدء ا من الإيمان المطلق بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين و قدسيته ، مرورا بمرحلة ارتباك بين مؤيد لفكرة مراجعة العقد و مسلم باعتبار العقد قانون بالنسبة لعاقديه، ثم وصولا إلى مرحلة تخويل القاضي السلطة الواسعة في المراجعة و التعديل.
وتتمثل أهمية الموضوع في إبراز مدى الارتباط القائم بين الشرط الجزائي والشرط التعسفي، ومن هنا يمكن طرح الإشكالية التالية:
ما مدى الارتباط القائم بين الشرط الجزائي والشرط التعسفي ؟ وهل يوجد تقاطع بينهما ؟
هل هناك تنظيم موحد لكل من الشرط الجزائي والشرط التعسفي أم أن تنظيمهما موزع مما يجعل عناصر الارتباط بينهما محدودة ؟
 ثم ما هي حدود الرقابة القضائية على الشروط الجزائية التعسفية ؟
 أسئلة وأخرى سوف نحاول الإجابة عنها عبر منهج تحليلي وصفي  

المبحث الأول: أحكام الشرط الجزائي والشرط التعسفي


      سنحاول في هذا المبحث الإشارة إلى ماهية كل من الشرط الجزائي والشرط التعسفي (كمطلب أول) ثم الفروق بينهما (كمطلب ثاني).

المطلب الأول: ماهية الشرط الجزائي والشرط التعسفي  

      سوف نتطرق في هذا المطلب إلى تبيان ماهية الشرط الجزائي وتمييزه عن بعض المفاهيم الأخرى في (الفقرة الأولى) ثم تبيان ماهية الشرط التعسفي وعناصره ومظاهره في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف الشرط الجزائي وتمييزه عن بعض المؤسسات المشابهة له
أولا: مفهوم الشرط الجزائي، شروطه وخصائصه  

الشرط الجزائي هو ذلك الشرط المدرج في صلب العقد والذي يتفق الأطراف بمقتضاه على تحديد مبلغ نقدي لتعويض الطرف المضرور في حالات الإخلال بالالتزام، فهو بذلك نوع من الجزاء المدني الذي يتخذ باتفاق الأطراف المتعاقدة، إلا أن المحكمة تملك سلطة واسعة في مراجعة مبلغ الشرط الجزائي بالتخفيض منه أو الزيادة فيه إذا تبين لها أن المبلغ المتفق عليه غير عادل أو غير مناسب لحجم الضرر[1].
وقد كان هذا الشرط منظما بمقتضى القواعد العامة المتعلقة بأحكام التعويض الاتفاقي، إلى أن صدر القانون رقم 27.95 المؤرخ في 11 غشت 1995 والذي أضاف فقرات لأحكام الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود حيث تنص هذه الفقرات على أنه:" يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه .
يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي.
يقع باطلا كل شرط يخالف ذلك."  
حيث يلجأ المتعاقدان إلى تضمين العقد الذي يربط بينهما بنود وشروط مسبقة تحدد مقدار التعويض المستحق لأحدهما في حالة عدم تنفيذ الالتزام من الطرف الآخرء أي المدينء أو بمجرد التأخير في تنفيذه حيث يهدف المتعاقدان من ورائه عدم ترك مسألة تقدير التعويض للقاضي. وتجدر الإشارة على أن شروط استحقاق هذا الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض بصفة عامة والمتمثلة أساسا في أركان المسؤولية العقدية، فالخطأ يتجلى في إخلال المدين بتنفيذه كليا أو جزئيا أو لمجرد التأخير فيه، ووقوع ضرر للدائن وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر[2]، وحتى يرتب الشرط الجزائي آثاره القانونية لابد من إنذار المدين بضرورة تنفيذ التزامه، وهذا ما تضمنه ء في حالة التأخيرء الفصل 255 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه:" يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام" وكذلك ما يقضي به الفصل 263 من ق.ل.ع الذي جاء فيه: " يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين."
أما بالنسبة للضرر فهو كل خسارة تلحق الدائن وكل نفع يفوته بسبب إخلال المدين بالتزامه وهذا ما نص عليه الفصل 264 من ق.ل.ع: " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين عن عدم الوفاء بالالتزام."
وليقوم هذا الشرط صحيحا منتجا لكافة آثاره ينبغي توافر خاصيتين:
وبالتالي تتمثل الخاصية الأولى: في أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض وإنما ينشأ هذا الأخير كإخلال بالتزام عقدي[3] فهو يشكل شرطا من شروط العقد، فهو تقدير مسبق من جانب طرفي العقد لمبلغ التعويض المستحق في حالة الإخلال بالالتزام الأصلي سواء بعدم الالتزام كليا أو جزئيا أو التأخير فيه، وذلك قبل تحقق شروط هذا الاستحقاق، ألا وهو حصول الإخلال وتحقق الضرر لأنه في حالة الاتفاق على هذا الشرط بعد حصول الضرر نكون هنا أمام عقد صلح وليس شرط جزائي[4].
أما بالنسبة للخاصية الثانية، فتتجلى في أن الشرط الجزائي لا يستحق إلا بعد عدم تنفيذ المدين لالتزامه الأصلي، فالشرط الجزائي لا يوجد مستقلا بذاته بل يكون دائما تابعا للالتزام الأصلي ذلك أنه لم يقصد لذاته وإنما بمناسبة الاتفاق على التزام آخر. ويترتب عن هذه التبعية نتيجتين:
وتتجلى النتيجة الأولى في عدم إمكانية إعطاء الدائن والمدين الخيار بين تنفيذ العقد الأصلي وبين التحول عن ذلك التنفيذ العيني إلى تنفيذه عن طريق الشرط الجزائي[5]، فالأسبقية تكون دائما للتنفيذ العيني أما الشرط الجزائي فالتزام احتياطي فقط باعتباره مجرد تعويض للدائن عن عدم التنفيذ.
أما النتيجة الثانية فتتمثل في أن بطلان الالتزام الأصلي يستتبعه حتما بطلان الشرط الجزائي والعكس غير صحيح.

ثانيا: تمييز الشرط الجزائي عن بعض الأنظمة المشابهة له

سنحاول تمييز الشرط الجزائي عن الشرط كوصف للالتزام، ثم تمييزه عن مؤسسة العربون وكذا الغرامة التهديدية.
تمييز الشرط الجزائي عن الشرط كوصف للالتزام:
عالج المشرع الشرط باعتباره وصفا قد يلحق المتعاقدان بالالتزام بعد أن يصبح متكاملا ومستوفيا لكافة عناصره بغيت تحديد مصيره في المستقبل، وقد نظمه المشرع في الفصول من 107 إلى 126 من ق.ل.ع المغربي، وقد عرفه في الفصل 107 أن: " الشرط تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع، إما وجود الالتزام أو زواله."
 فتعليق الالتزام على شرط واقف أو فاسخ لا يتم إلا بإرادة الأطراف ولا يترتب بحكم القانون أو بأمر القضاء، أما الشرط الجزائي فيقترن بعقد استجمع أركانه ولا يعلق عليه ويشكل فقط أحد بنوده، بحيث يكون الالتزام الأصلي بسيطا وناجزا ووجوده محقق ونفاذه فوري، بخلاف الشرط كوصف للالتزام.
كما أن الشرط كوصف للالتزام يحتفظ بذاتيته واستقلاليته ولا يشكل التزاما تبعيا، عكس الشرط الجزائي الذي يرتب التزاما على عاتق المدين بأداء التعويض المحدد في العقد في حالة الإخلال بالالتزام، وبالتالي يكون هذا الشرط التزاما تبعيا يدور وجودا وعدما مع الالتزام الأصلي[6].
تمييز الشرط الجزائي عن مؤسسة العربون:
نظم المشرع العربون في الفصل 288 من ق.ل.ع المغربي، حيث عرفه على الشكل التالي:
"العربون هو ما يعطيه أحد المتعاقدين للآخر بقصد ضمان تنفيذ تعهده."
 وبالتالي فاعتبار العربون أداة لضمان تنفيذ العقد وفقا لما جاء في الفصل 288 من ق.ل.ع، فالعربون له كيان يهدف إلى ضمان حق الأولوية في استحقاق الشيء المتعاقد عليه، وبمجرد دفع هذا العربون إلا ويكون ذلك دليلا على التعاقد وارتباط الإرادتين، وأي تراجع عن مواصلة التنفيذ إلا ويعد إخلالا بالتزام قانوني قائم الذات، فجزاء المخل بالتنفيذ هو فقده لحجم العربون الذي دفعه قل أو كثر وهو بذلك يقترب من مفهوم الشرط الجزائي الذي يحدد الأطراف بمقتضاه نوعية الجزاء الذي يتحمله الطرف المخل بالتزاماته إزاء الطرف الآخر[7].
 تمييز الشرط الجزائي عن الغرامة التهديدية:
قد يعمد المتعاقدان بمحض إرادتهما إلى ترتيب جزاء عن إخلال أحدهما بالتزاماته، فيؤدي الطرف المخل تعويضا نقديا يمنحه للطرف الآخر كجزاء عن هذا الإخلال، وهو ما يسمى بالشرط الجزائي، أما الغرامة التهديدية المنصوص عليها في الفصل 448 من ق.م.م وإن كانت تتفق مع الشرط الجزائي في أن كلاهما عبارة عن جزاء على عدم تنفيذ التزام أو على التأخر في تنفيذه، لكن هذا لا يمنع من وجود فوارق بينهما:
-         إذا كانت الغرامة التهديدية تجد سندها في القانون، فإن الشرط الجزائي يبقى خاضعا لإرادة الأطراف.
-         لا يحكم بالغرامات التهديدية إلا في الالتزامات التي يكون موضوعها القيام بعمل أو الامتناع عنه، في حين أن الشرط الجزائي يمكن أن يقع الاتفاق على ترتيبه كجزاء عند الإخلال بأي التزام كيفما كان موضوعه.
-         الغرامة التهديدية يحكم بها القاضي، أما الشرط الجزائي فيتفق عليه مسبقا كل من الدائن والمدين.
-         وأخيرا أن الغرامة التهديدية تقدر على أساس الوحدة الزمنية، أما الشرط الجزائي فغالبا ما يقدر موضوعه كمبلغ نقدي ناجز من قبل الطرفين المتعاقدين مع إجازة المحكمة تعديله طبقا للفصل 264 من ق.ل.ع المغربي.

الفقرة الثانية: ماهية الشرط التعسفي(مفهومه،عناصره ومظاهره)

 بعد تطرقنا في الفقرة الأولى لماهية الشرط الجزائي، نتطرق في الفقرة الثانية لماهية الشرط التعسفي مع تبيان عناصره وصوره.

أولا: مفهوم الشرط التعسفي وعناصره 

يقصد بالتعسف لغة الاستخدام السيئ[8] أما اصطلاحا فهو الاستخدام الفاحش لميزة قانونية[9].
وقد عرف بعض الفقه[10] الشرط التعسفي بأنه الشرط المعد سلفا من طرف المتعاقد القوي، بمقتضاه يستطيع جني منفعة فاحشة.
وقد عرفت المادة 35 من قانون 10 يناير 1978 الفرنسي الشروط التعسفية بأنها تلك الشروط التي تبدو مفروضة بواسطة المهني على غير المهني أو المستهلك من خلال التعسف في استعمال سلطته الاقتصادية، وتسمح للمهني بالحصول على ميزات مبالغ فيها.
 فحسب القانون الفرنسي يجب توفر عنصرين أساسيين لاعتبار الشرط تعسفيا: أولهما عنصر شخصي يتعلق بالتعسف في استعمال السلطة الاقتصادية للطرف المهني على حساب المستهلك الطرف الضعيف في العقد، وثانيهما عنصر موضوعي يتعلق بالميزة الفاحشة أو المفرطة التي يحصل عليها المهني بمناسبة التعاقد، فهذه الميزة يحصل عليها نتيجة للقوة الاقتصادية التي يتمتع بها هذا الأخير، وهكذا فإن أحد العنصرين يعد نتيجة طبيعية للعنصر الآخر.
وقد أكد المشرع الفرنسي في مدونة الاستهلاك التي ظهرت بمقتضى القانون 26 يوليوز 1993 أنه في العقود المبرمة بين المهنيين وغير المهنيين أو المستهلكين تعتبر شروطها تعسفية التي يترتب على موضوعها أو آثارها خلق حالة من عدم التوازن بين حقوق والتزامات الأطراف المتعاقدة.
 وبالرجوع إلى مقتضيات القسم الثالث من القانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، فقد عرف المشرع في المادة 15 منه بأنه: " يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك."
 ويظهر أن كلا من التشريع الفرنسي والمغربي قد تأثرا بتوجهات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالشروط التعسفية الصادر بتاريخ 5 أبريل 1993.
كما أن كل التعاريف الفقهية لا تخرج عن المسار الذي نهجته التعاريف التشريعية إذ كلها تركز على عنصر الاختلال الذي يتسبب فيه الشرط التعسفي لانعدام التوازن بين الطرفين المتعاقدين[11].

ثانيا: مظاهر وصور الشرط التعسفي

لم يكتف كل من المشرع المغربي والفرنسي بالمعيار العام أي معيار عدم التوازن البين بين حقوق والتزامات المهني والمستهلك في تحديد الشرط التعسفي، بل إن المشرع الفرنسي أضاف لوائح تتعلق بهذه الشروط بمقتضى المرسوم المؤرخ في 24 مارس 1978 والتي أصبحت تعرف بلائحة الشروط السوداء، وبذلك تعذر على القضاء الفرنسي العمل خارج هذه اللوائح المحددة لنماذج الشروط التعسفية والتي تستوجب الإلغاء.
أما بالنسبة للتشريع الألماني والذي ميز بين ثلاث أنواع من الشروط التعسفية في العقد: هناك الشرط التعسفي العام فالقانون الألماني اعتبره باطلا غير مجد إذا تعارض مع مبدأ حسن النية في التعامل أو كان شرطا مجحفا للطرف المتضرر من الشرط، وفي حالة الشك حول مضمون هذا الأخير فإنه يفترض فيه أنه شرط غير ملائم إلى أن يثبت العكس.
 ثم لائحة الشروط الرمادية والتي قرر المشرع منع التعامل بها مع منح المحكمة تقدير عنصر التعسف في هذه الشروط الواردة على سبيل المثال لا الحصر.
وأخيرا لائحة الشروط السوداء والتي حصرها القانون الألماني في 16 شرطا تعسفيا لا يحق للمحاكم فيها تفسير الشرط أو تقديره فهي تعتبر باطلة في كل الحالات.
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد كان أقرب للتصور الذي تبنته المفوضية الأوروبية بخصوص الشروط التعسفية والتي أوردها في المادة 18 من قانون 31.08 على سبيل المثال لا الحصر، والمتمثلة في 17 شرطا تعسفيا حسب العناصر المتطلبة في المادة 15 من نفس القانون، فمن الصعب جدا وضع لائحة حصرية للشروط التعسفية لأنها تتجدد باستمرار. كما خول المشرع المغربي للقضاء التدخل في تفسير معنى هذه الشروط الغامضة أو المشكوك فيها لصالح المستهلك كما تنص على ذلك المادة 9 من قانون 31.08.
فإن كل هذه الشروط التعسفية تخدم مصالح المهني أو المشترط بصفة عامة، وبالتالي كان لابد للمشرع والقضاء التدخل لحماية الطرف الضعيف في العقد [12].

المطلب الثاني : الفروق بين الشرط الجزائي و الشرط التعسفي

 رغم أن الشرط الجزائي يمكن أن يكون شرط تعسفي ،إلاأ نه يجب التفرقة بينهما في النقاط التالية:

أولا:من حيث الغاية
ثانيا: من حيث مبدأ سلطان الإرادة
ثالثا: من حيث الجزاء

أولا: من حيث الغاية

في الشرط الجزائي يقصد المتعاقدان تجنب تحكم القضاء في تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن متى أخل بالتزامه،كما قد تكون الغاية منه التحايل على أحكام القانون المتعلقة بقواعد التأخير أو تأكيد التزام المدين في التعهد عن الغير بتحديد مبلغ التعويض الذي يلتزم به المتعهد مقدما إذا لم يقبل الغير التعهد.[13]
و من خلال الفصل 264 يتبين لنا أن الشرط الجزائي له طابع تعويضي اتفاقي عن الضرر الذي لحق الدائن نتيجة إخلال المدين بالتزاماته و طابع تهديدي لانه غالبا ما يتم اللجوء لهذه الشروط كوسيلة لضمان تنفيذ الالتزامات الناشة غالبا عن البيوع الائتمانية أو عقد المقاولة أو عقد الائتمان الايجاري[14]. لكن تحول غرض الشرط الجزائي من التعويض إلى التهديد جعله وسيلة إثراء بلا سبب .و الشرط التعسفي  تكون غايته  تحقيق الربح بالنسبة للمورد على حساب المستهلك الذي يشكل الطرف الضعيف في العلا قة التعاقدية ،لأن المهني هو من يقوم بتحرير العقود الاستهلاكية النموذجية بشكل منفرد و مسبق و لو كان بشكل غير عادل ،مراعيا لمصالحه دون المستهلك ،و هنا يعتبر المورد متعسفا في استعمال حقه في التعاقد نظرا  لحاجة المستهلك في التعاقد.

 ثانيا: من حيث مبدأ سلطان الإرادة

في الشرط الجزائي، أسس الفصل 230 من قانون الالتزامات و العقود،قاعدة مهمة مفادها أن الاتفاقيات المبرمة عن تراض تشكل القانون الذي يمتثل إليه المتعاقدان ولا يمكن إلغاء إلا برضا الطرفين ،فهذا المبدأ يعني أن الفرد حر في التعاقد أو عدم التعاقد فالحرية هي الأصل ،وما دامت الإرادة هي أساس كل التزام بصفة عامة ،وكل عقد على وجه الخصوص ،فالعقد شريعة المتعاقدين و باعتبار الشرط الجزائي اتفاقا عقديا فانه يستمد قوته من هذا المبدأ ، بناء ا على الفقرة الثانية من الفصل 264 ق.ل.ع فالمتعاقدان اتفقا على مقدار التعويض عن الضرر الذي من شأن عدم الوفاء بالالتزام الأصلي أن يسفر عنه ، و هما أقدر من يستطيع تقدير ذلك التعويض .
لذلك فإن اتفاقهما يلزمهما إعمالا لإرادتهما و انسجاما مع الطابع الجزافي لذلك التقدير الذي يفترض إعماله فيما بينهم ولو لم يتناسب مع مقدار الضرر الحاصل فعلا، بل حتى ولو لم يقع الضرر .
أما بالنسبة للشرط  التعسفي فإن النظرية التقليدية لمبدأ الحرية التعاقدية المطبقة في مجال الشرط أفرزت مشكل اختلال التوازن العقدي ، فالتمسك الشديد لمبدأ سلطان الإرادة إذا كان له ما يبرره في الماضي حيث كانت القدرة على التفاوض و معرفة شروط العقد لا تتفاوت من شخص لآخر إلا بشكل نسبي . فإن تطور الحياة اقتضى على بعض الأطراف اشتراط شروط مجحفة تعسفية عند اللاتباين الاقتصادي للأطراف خصوصا في مجال العقود الاستهلاكية التي أصبحت في تزايد مستمر يتمكن فيها الطرف القوي من ممارسة نفوذه الاقتصادي على الطرف الضعيف .
فالمهني كثيرا ما يعمد إلى صياغة شروط قد تبدو سليمة بمنطق الحرية التعاقدية لكن في حقيقتها هي عبارة عن شروط تعسفية إذعانية. تعكس حقيقة الهوة بين إرادة انكبت على تحضير عقد يطغى عليه هاجس الربح السريع و المصلحة للمهني ، و إرادة لم تستطع سوى قبول هاته الشروط المجحفة إما لعدم كفاءتها و قصور خبرتها أو ضعف مكانتها الاقتصادية .
ففي الشرط التعسفي توضع الشروط التعسفية مسبقا من الجانب القوي و ما على المتعاقد الأخر إلا قبول هذه الشروط على ما هي عليها أو الامتناع عن التعاقد أصلا[15]
و هذا التحرير المسبق لعقود الإذعان من طرف المهني يشكل في الواقع ممارسة لسلطة واقعية و ليس حقا ذاتيا[16]

ثالثا: من حيث الجزاء

الشرط الجزائي جزاءه يقتصر على تعديل مضمون الشرط دون اللجوء لإبطاله . فالمادة 149 من القانون المدني المصري خولت للقضاء سلطة تخفيض أو تعديل الشرط الجزائي.
أما المغرب فقد كان قبل تعديل الفقرة الثانية من الفصل 264 يقسم على اتجاهين اتجاه محافظ على مصداقية الشروط الجزائية لأنها منبعثة من الإرادة الحرة للأطراف المتعاقدة ، و اتجاه آخر يقر لقضاة الموضوع مشروعية التدخل لتعديل مضمون هذه الشروط تحقيقا للتوازن العقدي ، لكن بعد صدور قرار 10 أبريل 1991 من المجلس الأعلى الذي منح فيه لمحكمة الموضوع إمكانية تعديل مضمون الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه.
وقد تم إصدار قانون 95ـ27 بإضافة الفقرة الثانية من الفصل 264 التي جاء فيها:"يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أ الرفع من قيمته إذ كان زهيدا.و لها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي".
من هنا فإذ كان الشرط الجزائي متعسفا جاز للقضاء التدخل لتعديله و بهذا يكون المشرع المغربي واكب التشريعات الحديثة التي اهتمت بحماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية[17]
في الشرط التعسفي، تنص المادة 19 من قانون رقم 08ـ31 المتعلق بحماية المستهلك على أنه يعتبر باطلا و لاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد و المستهلك.
و عليه فإن كل شرط  تعسفي يكون مصيره البطلان مع بقاء العقد على حالته الأصلية ، فبطلان الشرط التعسفي يعد من النظام العام حسب المادة 20 من قانون 08ـ31 ، و لا يقتصر البطلان على الطرف المتضرر من الشرط فقط بل يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أن تثير هذا البطلان لما له علاقة بالنظام العام . و لا داعي لإبطال العقد مادام يمكن فصل الشرط التعسفي عنه و يمكن من إزالة الضرر دون المساس بالعقد.

المبحث الثاني: رقابة القضاء على الشروط الجزائية التعسفية


يعتبر موضوع الشروط الجزائية التعسفية مجالا خصبا لإعمال القاضي لسلطته في التكييف و المراقبة، فالشرط الجزائي عرف تاريخا غنيا بالاجتهادات القضائية سواء الوطنية أو المقارنة ، و سواء قبل إقرار تدخل المحكمة لتعديله و حتى بعد هذا التعديل ، كما هو الشأن بالنسبة للشروط التعسفية التي كانت محل اهتمام القضاة و هاجسهم في الحفاظ على توازن العقد إذ بعد استقراء العديد من القرارات القضائية تبين أن المحاكم كانت كثيرا ما تخرج عن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وكل ذلك لتحقيق مبدأ العدالة و حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.
وعلى هذا الأساس سوف نتطرق في هذا المبحث لرقابة القضاء على الشروط الجزائية التعسفية من خلال مطلبين : المطلب الأول إبراز دور القاضي في حماية المستهلك من الشروط التعسفية من خلال قانون الالتزامات و العقود و قانون حماية المستهلك، والمطلب الثاني سنتناول فيه سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي التعسفي.   

  المطلب الأول: القاضي بين قانون ل ع و قانون 08ـ31 لحماية المستهلك من الشروط التعسفية      

ارتأينا تخصيص هذا المطلب لبعض المبادئ العامة التي كانت و لازالت تصادف القاضي أثناء دراسته لملف القضية أو النزاع المعروض عليه بخصوص حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية لإقامة توازن العقد ، منها قواعد جاءت في قانون الالتزامات و العقود، سواء قبل تعديل الفصل 264 أو بعد تعديله بموجب قانون 95ـ27، ثم قواعد جاءت في قانون 08ـ31 المتعلق بحماية المستهلك .
هذه القواعد تتعلق بالشروط التعسفية، و الشروط الجزائية ،و الشروط الجزائية التعسفية بصورة خاصة ، بداية من قواعد عيوب الرضا، مرورا بتأويل القاضي لعناصر العقد، وصولا إلى قواعد حماية المستهلك وفق قانون 08ـ31 و الجديد التي جاءت لنا به في هذا المجال ، و سوف يتم تقسيم هذه القواعد إلى مبادئ تقليدية و أخرى مستجدة بموجب قانون 08ـ31.

الفقرة الأولى: المبادئ التقليدية

هذه المبادئ التقليدية هي الواردة في قانون الالتزامات و العقود و تتمثل في:

أولا : نظريات عيوب الرضا

في إطار هذه النظريات، فإن السؤال الذي يطرح هو: ماهي الحدود المفروضة على القاضي من أجل إقامة توازن العقد ؟
هنا يمكن القول بأنه نتيجة للتطورات الاقتصادية و الاجتماعية، أصبحت هذه النظريات قاصرة على تحقيق حماية فعالة للمتعاقد الأقل خبرة و الأقل كفاءة، في مواجهة مجموعة من الشروط المجحفة .وبالتالي محدودية سلطة القاضي في فرض رقابته على الشروط التعسفية التي يضمنها الطرف القوي في العقد على حساب الطرف الضعيف.
ويظهر قصور هذه النظريات أيضا من خلال الجزاء الذي ترتبه وهو الإبطال سواء تعلق الأمر بنظرية الغلط أو التدليس ؛الإكراه؛أو الغبن الاستغلالي وهذا قد لا يكون مفيدا للمستهلك الذي يريد استبعاد الشرط التعسفي مع الإبقاء على العقد قائما[18]

ثانيا: التعسف في استعمال الحق

يقصد بالتعسف في استعمال الحق، استعمال الشخص لحق يخوله له القانون بكيفية تحدث أضرارا للغير، أو متى كانت الفائدة التي سيحققها من وراء ذلك الاستعمال، لا تتناسب مع الأضرار الجسيمة التي سيلحقها بالغير.[19]
فالأصل، أن الشخص إذا استعمل حقا مشروعا له لا يسأل عن هذا الاستعمال، و هذا ما نصت عليه المادة 94 من قانون الالتزامات و العقود، إلا أن المتعاقد  إذا استعمل حقه في التعاقد لا يجب أن يتعسف في استعماله، و بالتالي فرض شروط مجحفة على الطرف الآخر.
لذلك فإن للقاضي الدور الكبير في كشف عنصر التعسف. فقد يتذرع المتعسف بأنواع من الأسباب و التبريرات التي تحمل في ظاهرها انعدام التعسف، و عند التحري يبدو عكس ذلك، و قاضي الموضوع هو الذي يرجع له الأمر في النهاية لاستخلاص عنصر التعسف من كل نازلة على حدة ، و له السلطة التقديرية في التوصل إلى ذلك في شتى الوقائع و الأحوال بعد موازنة بين المصالح و الأضرار[20].
إلا أن جزاء التعسف في استعمال الحق، و المتمثل في إصلاح الضرر المترتب عن هذا التعسف بإزالة أسبابه و كذا تعويض المتضرر لا يعتبر جزاء ناجعا و فعالا للمستهلك الذي يرغب في إلغاء الشرط التعسفي و حده مع الإبقاء على العقد[21].

ثالثا : الإثراء بلا سبب

 مضمون هذه النظرية أنه لا يسمح لأي شخص بأن يثرى على حساب الغير بدون سبب، و شروط هذا الإثراء بلا سبب وجود إثراء في ذمة شخص يقابله افتقار في ذمة شخص آخر دون أن يتوافر لهذا الإثراء سبب قانوني.
و هذا ما أشار له حكم  المحكمة الابتدائية  بالدار البيضاء  الصادر  بتاريخ  1ـ 01ـ1986  إذ جاء فيه ما يلي : " و حيث أنه بالنسبة للإثراء بلا سبب استنادا للفصل 66 ق.ل.ع نلاحظ أن كلا من الفصلين 66 و 67 من نفس القانون يقول أن الشخص الذي افتقر و أثرى شخصا آخر على حسابه بدون سبب يبرر هذا الإثراء يمكنه أن يحصل على تعويض من الشخص المثري ، و حتى يستحق الشخص التعويض يجب أن يكون الإثراء قد استوفى شروطا مادية و أخرى قانونية .

الشروط المادية :

ـ يجب أن يكون المدعى عليه في دعوى الإثراء قد استفاد من الإثراء و هذا لم تثبته المدعية.
ـ أن يكون إثراء المدعى عليه أدى إلى افتقار المدعي ، و هذا أيضا لم يثبت خصوصا و أن من بين ما استلزمه الفصل المذكور أن يتسلم المدعي عليه شيئا من ملك الغير بدون سبب.
ـ علاقة تربط بين الإثراء بلا سبب "[22].
لذلك، فهذه النظرية لا تساعد القاضي بصفة جيدة لإقامة توازن العقد الذي تكتنفه شروط تعسفية و التي قد تكون جزائية، فمن أجل حماية المستهلك من الشروط الجزائية التعسفية  أو الشروط التعسفية بصفة عامة يستلزم  غياب سبب الإثراء ، و هذا السبب موجود في العلاقة بين المستهلك و المهني وهو العقد.
وهذا ما يجعل نظرية الإثراء بلا سبب قاصرة عن ضمان حماية فعالة لرضا الطرف الضعيف في العقد، لأنها تعتمد على وجود مصدر قانوني غير صحيح أكثر من اعتمادها على صحة شروط أو بنود هذا المصدر التي غالبا ما تكون مجحفة و مشوبة بالتعسف.

رابعا : تفسير العقد بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم

جاءت هذه القاعدة منصوص عليها في الفصل 473 من قانون الالتزامات و العقود، إذ أنه عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم.
فهذه القاعدة أيضا جاءت قاصرة عن تحقيق حماية للمستهلك، رغم أن القضاة استخدموا هذا الفصل في أكثر من حالة، فكان وسيلة لحماية الطرف الضعيف في العقد من الشروط التعسفية، و ذلك بتفسير أي شك في أحد بنود العقد لمصلحة الطرف الضعيف، و خاصة في عقود الاستهلاك و تأكيدا لذلك نجد القرار الصادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) بتاريخ 28 فبراير 1962 إذ جاء فيه  : " إن قضاة الموضوع يقررون و بكل حرية قصد الأطراف و معنى و هدف الاتفاقيات التي يجعلها التفسير في تعارض و في حالة الشك يؤول الالتزام في الجانب الأنسب للملتزم "[23]
و ضعف هذه القاعدة وقصورها يتمثل في كونها لا تخدم بالأساس مصلحة الطرف الضعيف، لأن الملتزم قد يكون دائنا أو مدينا، و الدائن قد يكون مستهلكا أو مهني، كما هو الأمر بالنسبة للدائن الذي قد يكون هو الآخر مستهلكا أو مهني. بالإضافة إلى أنه إذا كانت عبارات العقد صريحة امتنع البحث عن قصد صاحبها .
 و هذا  هو  ما أكدته  محكمة  النقض في  القرار الصادر بتاريخ  13 ـ 11ـ1962   و الذي جاء  فيه : " إن قضاة  الموضوع مكلفون بتطبيق الاتفاقيات المبرمة و ليس من الجائز لهم تغييرها متى كانت شروطها واضحة و  بينة ".[24]

الفقرة الثانية: المبادئ المستجدة وفق قانون حماية المستهلك

سوف نتطرق في هذه الفقرة إلى كل من مسألة تأويل العقد بالمعنى الأكثر فائدة للمستهلك، عبء الإثبات ، تمتيع المستهلك بعدة خيارات في مجال الاختصاص القضائي ، ثم تدخل الجمعيات لدعم مركز المستهلك أمام القضاء .

أولا: تأويل العقد بالمعنى الأكثر فائدة للمستهلك

نصت المادة 9 من قانون 08ـ31 على أنه في حالة الشك يفسر العقد بالمعنى الأكثر فائدة بالنسبة للمستهلك، هذا بالنسبة للعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها المقترحة على المستهلك كتابة.
و هذه القاعدة هي التي تم التطرق لها أعلاه، إلا أن الذي يميزها هنا هو أنها تهدف دائما تحقيق مصالح المستهلك سواء كان دائنا أو مدينا لذلك اعتبرت نقطة إيجابية في مجال حماية المستهلك من الشروط التعسفية ثم من الشروط الجزائية التعسفية على وجه الخصوص .
 كما أن للقاضي في هذه الحالة سلطة واسعة في جعل كل عناصر العقد لصالح المستهلك، لكن متى كانت شروط العقد واضحة تتقلص سلطة القاضي في التفسير، و بالتالي يمنع البحث عن قصد صاحبها.

ثانيا: حرية المستهلك في اختيار المحكمة المختصة

من الإيجابيات التي جاء بها قانون 08ـ31 ، منح المستهلك عدة خيارات في مجال الاختصاص القضائي.  
إذ أصبحت للمستهلك الحرية في اختيار المحكمة المختصة، و بالتالي يمكن له رفع الدعوى إما أمام محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك، أو أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في وقوع الضرر، حسب الفصل 202 من قانون 08ـ31 ،و كل اتفاق يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن لأن ذلك له علاقة بالنظام العام.

ثالثا: تدخل الجمعيات لدعم مركز المستهلك أمام القضاء

 خول المشرع للجمعيات إمكانية التدخل، من خلال الانضمام للدعوى الفردية للمستهلك لحمايته من الشروط التعسفية، وإما للدفاع عن المستهلك من خلال دعوى التمثيل .
 و تتضح أهمية دور الجمعيات خصوصا بالنسبة للمستهلكين الدائنين الذين ينتمون للطبقات المتوسطة أو الضعيفة ، وبالتالي يصعب عليهم تحمل كل تكاليف التقاضي من رسوم  قضائية و مصاريف الخبرات و أتعاب المحامي ، وحتى إن كان المستهلك ميسورا فإن طول المساطر وتعقيدها وكثرة الشكليات غالبا ما تدفع  بالمستهلك بالعزوف عن اللجوء إلى المحكمة، ثم الخضوع لرغبة المهني .
أما بالنسبة للحالة التي تقوم فيها الجمعيات بالدفاع عن المستهلكين من خلال دعوى التمثيل، فالجمعية يمكن لها أن ترفع دعوى لطلب إبطال شروط تعسفية يحتوي عليها عقد معين.
 هنا يبرز لنا الدور المهم الذي  تلعبه الجمعية في حماية المستهلك الفرد أو فئة معينة من المستهلكين لحمايتهم من الشروط التعسفية بصفة عامة أو الشروط الجزائية المجحفة بصفة خاصة، باعتبارها نوع من أنواع الشروط التعسفية المنصوص عليها في المادة 18 من القانون القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك .

رابعا:  عبء الإثبات

نصت الفقرة الأخيرة من المادة 18 من قانون 08ـ31 على أنه» : في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا، يجب على المورد الإدلاء بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع«  و هذه القاعدة من النظام العام إذ يقع باطلا كل اتفاق مخالف.
و بناأ على ذلك، فإن المهني هو الذي يلقى عليه عبء إثبات عدم التعسف في العقد وأن التعويض الإتفاقي الوارد في العقد مناسب و غير مجحف، لتبقى في الأخير السلطة التقديرية للقاضي واسعة في اعتبار أن العقد يتضمن شرطا جزائيا تعسفيا أم لا و إذا كان يحمل طابع التعسف فإنه يقرر البطلان أو التعديل و هذا هو ما سيتم معالجته في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي التعسفي

قبل إقرار المشرع لإمكانية تعديل الشرط الجزائي التعسفي كان هناك اختلاف في توجه القضاء المغربي و المقارن.
فمنهم من قدس مبدأ العقد شريعة المتعاقدين الواردة في الفصل 230 من قانون الالتزامات و العقود المغربي الذي تقابله المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي، فرفضوا كل تعديل لعناصر العقد استنادا على مبدأ القوة الملزمة للعقد و الحفاظ على استقرار المعاملات. وهذا ما أكده  قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البیضاء عدد 144 بتاریخ 1988ـ1ـ19 جاء ما یلي: "الشرط الجزائي شرط اتفاقي و لیس بوقتي و لا تھدیدي و إنما ھو اتفاق نھائي قابل للتنفیذ على حالھ والأصل فیھ عدم التخفیض، و ھو ما سار علیھ اجتھاد ھذه المحكمة التي تؤكد أنھ إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي یقصر في تنفیذه یدفع مبلغا معینا من النقود على سبیل التعویض فلا یجوز أن یعطى لتعویض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل".        
ومن القضاة من قبل التعديل استنادا على فكرتي العدل و الإنصاف للتلطیف من إطلاق القوة الملزمة للعقد. و أھم قرار صدر في ھذا السیاق ھو اجتھاد المجلس الأعلى في سنة 1991[25] و الذي أحدث تحولا خطیرا بخصوص أحكام الشرط الجزائي و خالف الاتجاه الذي كان مستقرا علیھ القضاء المغربي بشكل جعل المشرع یتدخل لتبني ھذا الاجتھاد والاصطفاء بھ لمرتبة القاعدة القانونیة.[26]
وبهذا منح المشرع المغربي للقاضي المغربي رخصة التدخل لمراجعة الشروط الجزائية و ذلك بموجب الفصل 264 من قانون الالتزامات و العقود المغربي المتمم بالقانون رقم 95ـ27 فقرر تعديل هذه الشروط بالزيادة أو النقصان إذا كانت متعسف فيها، و كل شرط مخالف لذلك يقع باطلا بحسب الفقرة الأخيرة من نفس الفصل.
كما نصت المادة18 من قانون 08ـ31 على شروط جزائية تعسفية من خلال البند الأول و الرابع و السادس، فبالنسبة للبند الأول يتمثل الشرط الجزائي التعسفي في انتقاص حق المستهلك في الاستفادة من التعويض في حالة إخلال المورد بأحد التزاماته ،و بالنسبة للبند الرابع  نجد أن الحد من حقوق المستهلك القانونية بشكل غير ملائم إزاء المورد أو طرف آخر في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب من لدن المورد لأي من الالتزامات التعاقدية يمثل التعويض الاتفاقي الزهيد ،أما في ما يتعلق بالبند السادس فهو واضح حيث جاء فيه فرض تعويض مبالغ فيه عند عدم وفاء المستهلك بالتزاماته أي الشرط الجزائي المبالغ فيه
و لقد قضى المشرع المغربي لهذه الشروط الجزائية الواردة في قانون حماية المستهلك جزاء البطلان مع امكانية الإبقاء على العقد قائما، و جاء هذا البطلان في ارتباط بالنظام العام أي لا يجوز الاتفاق على مخالفته.
هنا يطرح السؤال حول تعارض مقتضيات ق.ل.ع. و ق 08ـ31: إذا تضمن عقد معين شرطا جزائيا مبالغا فيه أو زهيدا، فهل سيقرر القاضي البطلان حسب أحكام القسم الثالث من قانون 08ـ31 أم سيقضي بتعديل الشرط الجزائي حسب أحكام الفصل 264 من قانون الالتزامات و العقود؟
يمكن القول أنه، إذا ضمن الشرط الجزائي التعسفي في عقد استهلاكي سيتم بطلان الشرط الجزائي التعسفي مع امكانية الإبقاء على العقد قائما، أما إذا ضمن التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي في عقود المساومة أو العقود الاختيارية حيث  التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية فإن القاضي سيقضي بتعديل التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي .
و انطلاقا مما تم ذكره فإن القاضي إذا قرر تعديل الشرط الجزائي فإنه إما أن يقرر الزيادة من مقدار الشرط الجزائي و إما التخفيض منه.

الفقرة الأولى : تخفيض القاضي لمقدار التعويض الإتفاقي

نصت الفقرة الثالثة من الفصل 264 من قانون الالتزامات و العقود على : "يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه... و لها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي".
من خلال هذا الفصل نجد بأن القاضي يخفض من مقدار الشرط الجزائي أو التعويض الاتفاقي في حالتين :
1ـ إذا كان هذ التعويض الاتفاقي مبالغا فيه
2ـ إذا قام المدين بالتنفيذ الجزئي

أولا : حالة التعويض الاتفاقي المبالغ فيه

يطرح السؤال ما هو معيار التخفيض ؟ ماهي درجة المبالغة المقصودة ؟ ثم ما مدى سلطة القاضي في تعديل التعويض الاتفاقي ؟
لم يحدد المشرع المغربي ،و لا الفرنسي حجم المبالغة ليبقى المجال مفتوحا أمام الأراء الفقهية و الاجتهاد القضائي في تحليل درجة المبالغة و حدود التخفيض. فالمبالغة لا تتحقق بمجرد حصول التفاوت بین مبلغھ و قیمة الضرر. فذلك التفاوت أمر عادي في تقدیر یتم بشكل مسبق و في وقت قد لا تتوافر فیھ لدى المتعاقدان المعطیات الكافیة لتحدید التعویض بشكل دقیق مادام أن الضرر أمر مستقبلي لم یتحقق بعد ، و إذا اتضح بعد ذلك أن الضرر الذي وقع لم یكن بالمقدار الذي ظنھ الطرفان قبل وقوعھ وأن تقدیرھما لھذا الضر كان مبالغا فیھ ،فإن الأمر لا یخلوا عندئذ من غلط في التقدیر أو ضغط وقع على المدین فقبل شرطا یعلم أنھ مجحف بھ ،فیكون الواجب ھو تخفیض التعویض[27]
و قد أوجد بعض الفقه معيارين لتقدير درجة المبالغة في التعويض الاتفاقي، الاول هو معيار موضوعي و الثاني معيار شخصي، إلا العمل القضائي نجده قد أخذ بالمعيارين معا. فما مقومات المعيارين الموضوعي والشخصي ؟ و كيف تم الأخذ بالمعيارين معا في إطار العمل القضائي؟

أ ـ المعيار الموضوعي

يقوم هذا المعيار على أن تقدير درجة المبالغة لا يمكن أن يقاس إلا بالأرقام، وقد حاول البعض وضع مقاییس حسابیة للمبالغة فذھب "بوكاري"إلى أنھا تتحدد في ضعف مقدار الضرر ونصف بحیث لو افترضنا أن مقدارا لضرر الحاصل ھو ألف أورو فإن اشتراط شرط جزائي بقیمة 2500 أورو مقبول وما یفوق ذلك يبرر المراجعة ، و ذھب"فانسون "إلى أنھ في میدان التمویل بالكراء یكون الشرط الجزائي مبالغا فیھ إذا تعدى مبلغھ ب % 50 قیمة الضرر  [28]

ب ـ المعيار الشخصي

يستند القائلون بهذا المعيار على أهمية التنفيذ بالنسبة للمتعاقدين، ثم الوضع الاقتصادي، و الخبرة القانونية و الاقتصادية التي يتمتع بها الدائن بالإضافة إلى سوء أو حسن نية المدين.
كل هذه الاعتبارات التي يقوم عليها المعيار الشخصي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لإقرار التخفيض و كمثال على ذلك:
"قامت شركة بتوريد أجهزة تبريد للشركة المدعى عليها، و نص الاتفاق بينهما على أن تلتزم الشركة المدعى عليها ، بأن لا تغير أو تؤثر في العلامات ، و ألا تقوم بالبيع بأقل مما هو مدون في كشف الأسعار ، و أن تقوم بدفع 5000 درهم كتعويض اتفاقي عن كل جهاز تبريد يباع أو يتم عرضه للبيع إخلالا بالشروط المذكورة .
فغرامة 5000 درهم كتعويض لبيع جهاز واحد مثلا بسعر أقل من السعر المحدد ، ربما تظهر غير مناسبة و الضرر الذي حدث ، و مبالغ فيه بشكل كبير ، و لكن بالنظر إلى أهمية تنفيذ شروط العقد بالنسبة للشركة الموردة ، و بالنظر إلى أن الأنباء قد تنتشر فورا مما يهدد سمعتها التجارية ، فإن الضرر الذي سيعود على الشركة الموردة قد يصبح من المستحيل تقديره ومن ثم تزول صفة الفداحة عن المبالغة التي تميز التعويض الاتفاقي "[29]

ت ـ الجمع بين المعيارين الشخصي والموضوعي

لقد انتقد كل من المعيارين الشخصي و الموضوعي لكون كل واحد  منهما غير قادر على وضع حل ثابت في هذه المسألة " فتقدير درجة المبالغة طبقا للمعيار الموضوعي يترتب عليه عمليا إسقاط جميع الظروف و الجوانب الشخصية في العلاقة التعاقدية ، و في هذا ظلم جد بين، كما أن تقدير المبالغة بالاعتماد على المعيار الشخصي وحده يؤدي عمليا إلى تعدد الحلول لاختلاف الاعتبارات الشخصية من طرف لآخر ".[30]
و أمام قصور هذين المعيارين إذا تم الاعتماد على واحد دون الآخر، تبين من خلال الممارسة القضائية أن القضاء الفرنسي أسس أحكامه ليس فقط على المبالغة في التقدير بل أيضا بالنظر إلى ظروف التعاقد و بهذا تم الجمع بين المعيارين ا لشخصي و الموضوعي.[31]
وبهذا يقوم القاضي بتعديل الشرط الجزائي بالنظر إلى التفاوت الكبير الحاصل بين الضرر الحقيقي اللاحق بالدائن،و بين المبلغ المتفق عليه ، مع مراعاة ظروف كل قضية دون إغفال لحسن أو سوء نية المدين.
نفس المسلك الذي سارت عليه المحاكم المغربية التي أسست أحكامها هي الاخرى بالنظر إلى بالضرر الحقيقي اللاحق بالدائن و الظروف الاقتصادية العامة و الوضعية الاجتماعية للمتعاقدين[32]
ومثال ذلك ما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بفاس:"...أن الضرر الحاصل للمدعية ضئيل بالمقارنة مع مقدار التعويض سيما و أنه يسهل على هذه الأخيرة الحصول على أجيرة بديلة في سوق العمل حيث يكثر العرض على الطلب في وقت وجيز ..."[33]
و يمكن للمحكمة اللجوء إلى الخبرة لإعمال سلطتها في التخفيض، وهذا ما سار عليه توجه محكمة النقض المغربية في قرار مؤرخ في 2008 والذي لجأت فيه إلى الخبرة تلقائيا و ذلك للحماية من التعسف حيث جاء في القرار:" بمقتضى الفصل  3من قانون المسطرة المدنية يبت القاضي دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ، ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة ، و أن للمحكمة طبقا للفصل 334 من القانون المذكور أن تأمر تلقائيا بأي إجراء من إجراأت التحقيق ، و منها الخبرة .
و بمقتضى الفصل 264 من قانون الالتزامات و العقود يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا، أو التأخير في تنفيذه ، و يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه ، و يقع باطلا كل شرط يخالف ذلك ، و لذلك فالمحكمة مصدرة القرار عندما أمرت بإجراء خبرة ثانية تلقائيا ، و اعتمدت الفصل 264 المذكور و خفضت بمالها من سلطة مبلغ التعويض المحدد في العقد ، فقد عللت قرارها تعليلا كافيا"[34].

ثانيا: حالة التنفيذ الجزئي للالتزام

نصت الفقرة الثالثة من المادة 264 من ق.ل.ع  على أنه يمكن للمحكمة التخفيض من مقدار التعويض  المتفق عليه و ذلك بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي.
في هذه الحالة يكون دور القاضي هو البحث إلى أي حد عاد التنفيذ الجزئي على الدائن بالفائدة ليقوم بتخفيض التعويض الاتفاقي بنسبة النفع الذي عاد على الدائن.
إن التخفیض في ھذه الحالة ، یستلزم أن لا یكون المتعاقدان قد قررا تعویضا اتفاقیا لعدم التنفیذ الجزئي.
كما تجدر الإشارة هنا إلى طبيعة الالتزام فيما إذا كان يقبل التجزيئ أم لا، ذلك أنه لا يمكننا الحديث عن حالة التنفيذ الجزئي إذا كانت طبيعة الالتزام لا تقبل التجزيئ. إضافة إلى أن الدائن حر في أن يقبل هذا التنفيذ الجزئي أو لا يقبله، ما لم ينص الاتفاق على خلاف ذلك.
وبالتالي فالتنفيذ الجزئي للالتزام إما أنه يحقق نسبة من النفع التي تعود على الدائن و إما أن لا يعود هذا التنفيذ الجزئي  على الدائن بأية فائدة  تذكر.[35]
وهذا يعني أنه مادام  هذا التنفيذ لم يعد على الدائن بأية فائدة لا يكون هناك أي مبرر للتخفيض . لكن إذا ما عاد التنفيذ الجزئي للالتزام على الدائن بنسبة من النفع فإن تقدير هذه المنفعة متروكة لقاضي الموضوع و ذلك بالنظر لظروف كل قضية على حدة وأهمية التنفيذ بالنسبة للدائن، فمثلا إذا تأكد القاضي أن نسبة النفع عادت على الدائن ب 60% من مجموع التنفيذ الكلي فإنه ينتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة طرح هذه النسبة من مبلغ التعويض الاتفاقي الكلي ،فتصبح نسبة ما سيستحقه الدائن من هذا التعويض هي 40% من قيمة التعويض.[36]

الفقرة الثانية : زيادة مقدار التعويض الاتفاقي

يقوم قاضي الموضوع بزيادة مقدار التعويض الاتفاقي في حالتين : الحالة الاولى تعتبر من باب القواعد العامة وهي المنصوص عليها في الفصل 232 من ق.ل.ع المتعلقة بالتدليس و الخطأ الجسيم، ثم الحالة الثانية و هي المتعلقة بقيمة التعويض الاتفاقي الزهيدة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من الفصل 264 من ق.ل.ع.

أولا: حالة القيمة الزهيدة

 يمكن للدائن أن يقدر مسبقا مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق به من جراء عدم تنفيذ المدين لالتزامه .
لكن إذا ما  تم تحديد التعويض الاتفاقي تافها أو يقل عن مقدار الضرر ، فإنه يفهم منه أنه إعفاء كلي أو جزئي من المسؤولية، وبمفهوم المخالفة للفصل 232 من ق.ل.ع فإنه يمكن أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص إذا كان خطأه يسيرا وليس فيه تدليس . إذن جواز اشتراط تعويض اتفاقي أقل في حالة الاخلال بالالتزام الكلي أو الجزئي أو التأخير في التنفيذ.
وهنا يكون على الدائن أن يثبت بأن الاتفاق المسبق على قيمة زهيدة لم يقصد منه الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف بل الامر لا يعدو أن يكون مجرد خطأ في التقدير الذي لم يتناسب مع الضرر الحاصل .
كما أنه إذا كان الفرق بين الضرر و التعويض خفيفا و لم يصل إلى درجة الزهد فان القاضي ليس ملزما بزيادة مقدار هذا التعويض ما دام أن الأمر يتعلق بالزهد وسلطة القاضي تقتصر وضع تناسب وليس تساوي[37] مبلغ الضرر مع التعويض.
وللقاضي سلطة في الزيادة أو لا، و يمكن له أيضا أن يلجأ للخبرة.

ثانيا: حالة التدليس أو الخطأ الجسيم

ينص الفصل 232 من ق ل ع على أنه "لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطإه الجسيم وتدليسه" وبمفهوم المخالفة فإنه يمكن للأطراف أن يتفقا مقدما على عدم مسؤولية الشخص عن خطإه اليسير.
فإذا وقع شرط الإعفاء صحيحا فانه يترتب عليه إعفاء المدين من المسؤولية العقدية بالقدر الذي جاء فيه هذا الشرط، وإذا وقع شرط الإعفاء باطلا، فيبطل الشرط ويبقى العقد صحيحا. لكن لا يجوز التخفيف من المسؤولية العقدية بالمخالفة لقاعدة تتعلق بالنظام العام.
و بهذا يمكن القول أن مبدأ المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي يتلاءم أكثر مع المعطيات الاقتصادية الحديثة التي تقضي بمحاربة الاستغلال و الشروط التعسفية حماية للمستهلك.

خاتمة

تأسيسا على ما سبق يمكن أن نستنتج مدى الارتباط القائم بين الشرط الجزائي و الشرط التعسفي لكن نطرح التساؤل التالي : لماذا أعاد المشرع تنظيم الشرط الجزائي في قانون 08ـ31 بعد ما كان منظما في الفصل 264 من قانون الالتزامات و العقود ؟هل ذلك يعود للصعوبة التي قد يجدها القاضي في تعديل العقد أم أن الأمر يتعلق فقط بالتأكيد على أهمية الشرط الجزائي و الإقرار له بالبطلان لاعتباره منفذ يلجأ له المهني لفرض تعويضات مجحفة على حساب المستهلك؟

لائحة المراجـــع

+    د.عبد القادر العرعاري، مصادر الإلتزامات ء الكتاب الأولء نظرية العقد ط 3 – 2013 دار الأمان الرباط.
+    د.عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات ء الكتاب الثانيء  المسؤولية المدنية – ط 3/2011 دار الأمان الرباط.
+     عبد الرزاق أحمد السنھوري : الوسیط في شرح القانون المدني الجدید. ج: 2 .دار النھضة العربیة 1968
+    فؤاد معلال، الشرط الجزائي في القانون المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، 1992-1993.
+    نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، الإسكندرية مصر 1995، الطبعة الأولى .
+   سلطة القاضي في تعديل التعويض الاتفاقي (دراسة مقارنة) ؛عبد الرزاق أيوب ؛ رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ؛مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء؛الطبعة الأولى.
+    ادريس فتاحى : اتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية في القانون المغربي و القانون المقارن .
+    أمينة ناعمي قاضية بالمحكمة الابتدائية بتمارة ـ دكتورة في الحقوق ؛أحكام الشرط في القانون المدني المغربي على ضوء الفقه و العمل القضائي ؛دراسة مقارنة ؛ مطبعة الأمنية ـ الرباط .
+    حماية المستهلك من الشروط التعسفية أثناء التعاقد ؛ محمد المسلومي ؛ منشور بمجلة المحاكم المغربية ؛العدد 100 ؛ ينايرـ فبراير 2006.
+    محمد رياضي ـ أستاذ بجامعة القاضي عياض مراكش ـ التعسف في استعمال الحق على ضوء المذهب  المالكي و القانون المغربي ؛ المطبعة و الوراقة الوطنية بمراكش .
+    مجلة المحاكم المغربية / عدد 100 يناير / فبراير 2006
+    المجلة المغربية للقانون السلسلة الجديدة عدد 14 ، 1987.
+    مجلة القضاء  و القانون، العدد 48 و 49  
+    الاستاذ احميدو أكري؛ مستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط ؛ الشرط الجزائي من خلال الاجتهاد القضائي المغربي و المقارن؛ من منشورات مجلة الإشعاع ؛العدد :10 سنة 1994
+    مجلة القضاء المدني ـ العدد5ـ شتاء/ ربيع 2012
+    عرض لطلبة ماستر المقاولة و القانون مادة تقنيات العقود التجارية حول موضوع الشرط الجزائي ؛تحت إشراف الدكتور منير مهدي؛ السنة الجامعية 2010ـ2011. 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات