القائمة الرئيسية

الصفحات

ورقة بحثية حول موضوع الهيئة المغربية لسوق الرساميل

الهيئة المغربية لسوق الرساميل

الهيئة المغربية لسوق الرساميل



تقديم
مما لا شك فيه أن نجاح أي سوق مالية يظل رهينا بمدى سيادة شروط الملاءمة والشفافية والمساواة داخله باعتبارها الدعائم الأساسية التي لا غنى عنها لتحقيق أهداف كل سوق مالية متطورة ومستقرة.
وقد ظهرت البوادر الأولى لنشوء سوق مالية للقيم المنقولة بالمغرب، بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أنشأت بالمغرب ولتلبية حاجيات الشركات الأجنبية غرفة تسعيرة القيم المنقولة، وذلك بتاريخ 7 نوفمبر. وأصبحت بذلك الغرفة المذكورة تحمل اسم "مكتب مقاصة القيم المنقولة".
وبعد التطور الذي عرفه الاقتصاد المغربي ظهرت الحاجة إلى إدخال اصلاحات على السوق المالية، هكذا تم اصدار قوانين متعلقة ببورصة القيم وشركات البورصة، ومجلس القيم المنقولة، هذا الأخير الذي أصبح يعتبر دركي البورصة بحكم التطور الذي عرفه من حيث التنظيم وطريقة سيرهوكذلك من حيث المهام الموكولة إليه لمنح هيئة السوق المالية السلط اللازمة وتمكينها من الوسائل الكافية قصد تولي الرقابة بشكل فعال بالنسبة للأسواق والمتدخلين ومواكبة منظومة تنمية الأسواق، وهو ما تم تأكيده سنة 2007 عبر اختيار مجلس القيم المنقولة كموقع على  اتفاقية  مع المنظمة الدولية للجن القيم بالإضافة إلى انتخاب مجلس القيم المنقولة كعضو باللجنة  التنفيذية  للجن القيم باعتبارها الهيئة  العليا لهذه المنظمة سنة 2008.
وفي سنة 2013 قررت الحكومة المغربية دعم استقلالية بورصة الدار البيضاء، عبر تحويل مجلس القيم المنقولة CDVM، المؤسسة العامة إلى شخص معنوي عمومي يتمتع بالإستقلال المالي يسمى "الهيئة المغربية لسوق الرساميل AMME" كملاءمة للاسم مع المهام التي ستقوم بها هذه الآلية الرقابية، فقد عهد إليها المشرع التأكد من حماية الادخار الموظف في الأدوات المالية والسهر طبقا لمبادئ حماية الادخار والمعاملة العادلة للمستثمرين وتأمين الشقافية ونزاهة سوق الرساميل وعلى اخبار المستثمرين والتحقق من المعلومات ونشر ها وفق الأنظمة الجاري بها العمل...اضافة إلى  تنظيم والسهر على احترام لقواعد المنظمة لعمل البورصة ومن هذا المنطلق سيعمل وضع الهيئة الجديدة لسوق الرساميل على تحسين جاذبية المغرب بشكل كبير لدى المستثمرين الأجانب، كما سيعطي بعدا جديدا لسوق الرساميل المغربي وبالتالي تجاوز الإطار التنظيمي السابق الذي يعتبر غير مناسب للتطور السريع لسوق الرساميل بصفة عامة وسوق البورصة بصفة خاصة ولاسيما     عشية اطلاق مدينة الدار البيضاء المالية.
و يكتسي موضوع هيئة الرساميل أهمية بالغة سواء على المستوى النظري أو العملي.
فعلى المستوى النظري فموضوع هيئة الرساميل من المواضيع القانونية الحديثة التي لازالت تحتاج إلى البدث والدراسة القانونية لارتباطه بمجموعة من المؤسسات القانونية.
أما على المستوى العملي فالموضوع يجد أهميته نظرا للتحولات الاقتصادية والمالية التي عرفها العالم والتي كان المغرب معنيا بآثارها وتداعياتها الأمر الذي فرض عليها التسلح بدركي للسوق المالية المغربية لخلق مناخ جديد لدعم الثقة في السوق المالي الوطني لدى أصحاب الشركات بعدما أحجمت العديد من الشركات عن إدراج اسمها في البورصة.
وحتى يقوم هذا الدركي بأداء مهامه التي هي في غاية الأهمية والحساسية فقد حاول المشرع هيكليته وتنظيمه بما يستجيب لطبيعة مهامه إلا أن ذلك لم يخف التساؤل حول استقلاليته  لما لها من أثر على فعالية تدخله في تنظيم سوق الرساميل بالمغرب لذلك تطرح إشكالية أساسية وهي ما مدى كفاية الآليات القانونية المتاحة للهيئة المغربية لسوق الرساميل لتخليق السوق المالي وضبط العملية الاقتصادية؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها تساؤلات فرعية وهي كيف نضم المشرع المغربي الهيئة المغربية لسوق الرساميل؟ وما هي الصلاحيات التي أوكلها لها المشرع لضبط وتخليق السوق المالية؟
للإجابة على هذه التساؤلات سوف نقوم بتقسيم الموضوع وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: التنظيم القانوني للهيئة ومحدودية الإستقلالية.
المبحث الثاني: صلاحيات الهيئة المغربية لسوق الرساميل ضمانة لضبط العملية الاقتصادية.
المبحث الأول: التنظيم القانوني للهيئة ومحدودية الاستقلالية
حتى يقوم هذا الدرعي بأداء مهامه التي هي في غاية الأهمية والحساسية فقد حاول المشرع هيكلته. وتنظيمه بما يستجيب لطبيعة مهامه (المطلب الأول) إلا أن ذلك لم يمنع المشرع من جعل الهيئة المغربية لسوق الرساميل تخضع لأليات رقابية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تكوين الهيئة المغربية لسوق الرساميل

سنتطرق في هذا المطلب إلى تأليف المجلس الإداري في (الفقرة الأولى) على أننتطرق إلى  رئيس المجلس في (الفقرة الثانية) والمجلس التأديبي في (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: المجلس الإداري
يتألف مجلس إدارة الهيئة المغربية لسوق الرساميل بالإضافة إلى رئيس من عدة أعضاء تم تحديد أغلبهم مسبقا من خلال صفاتهم، وهكذا يتضح من خلال المادة 15 من القانون  المنظم للهيئة أنه يسير الهيئة  مجلس إدارة يتألف بالإضافة إلى رئيسيه من ممثلين إثنين عن الإدارة من دوي الاختصاص ومن ممثل واحد عن بنك المغرب يعين بصورة قانونية من قبل والي بنك المغرب ومن ثلاث شخصيات تعين بصفة شخصية من لدن (وزارة المالية) بالنظر إلى كفاءتهم في المجالين المالي والقانوني ومشهود لهم بالنزاهة. ولا يجوز أن تنتمي هذه الشخصيات عند تسميتها وطيلة مدة انتدابها إلى الادارة العمومية أو إلى مؤسسة عمومية ولا أن تشغل مناصب المسؤولية داخل الأشخاص والهيئات الخاضعة لمراقبة الهيئة المغربية لسوق الرساميل.
ولقد كان الأمر في ظل القانون المنظم لمجلس القيم المنقولة الذي حلت محله الهيئة المذكورة حيث كانت مقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.93.689 [1]تحدد الأعضاء الممثلين للإدارة وهم وزير العدل أو ممثلهوالوزير المكلف بالمالية أو ممثله ومدير الخزينة العامة والمالية أو ممثله، فإن القانون المنظم للهيئة لم يعمل على تحديد ممثلي الإدارة واكتفى بالإشارة إلى أنه يتعين أن يكونوا من ذوي الاختصاص.
والمشرع لم يحدد مدة تعينهم وذلك نظرا لأن مهامهم داخل الهيئة تعتبر تابعة لمهامهم الرئيسية التي يعينون من أجلها[2].
ولا يجوز عزل أعضاء مجلس الإدارة المعينين بصفة شخصية إلا في حالة عدم قدرتهم على مزاولة مهامهم أو في حالة ارتكابهم خطأ فادحا أو عند وقوع حالة التنافي المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 15. وعند وقوع حالة التنافي يجب سلوك  مسطرةالفقرة الأخيرة من المادة 15.
ويستشف من خلال تحديد حالات التنافي المشار إليها ميل المشرع نحو إرساء جرعة كافية من الصرامة التي من شأنها أن تدعم سيادة الشفافية على مستوى تركيبة هذا المجلس حتى تكون مهمة السهر على المساواة في التعامل مع المكتتب أمرا قريب التحقق.
الفقرة الثانية: رئيس مجلس الإدارة
يستفاد من مقتضيات المادة 18 من القانون المنظم للهيئة المغربية لسوق الرساميل أن رئاسة مجلس إدارة هذه الأخيرة تسند إلى رئيس الهيئة المغربية لسوق الرساميل.
ويتمتع رئيس هذا المجلس بجميع السلط والاختصاصات اللازمة لإدارة وتسيير الهيئة والقيام  بالمهام المسندة إلى هذه الأخيرة، حسب مقتضيات المادة 18.
ولعل أهم ما يلاحظ على القانون الجديد أنه استغنى في تنظيميه لشركة الهيئة المغربية لسوق الرساميل عن جهاز في غاية الأهمية. ويتعلق الأمر بالمدير العام الذي كان يمثل قطب الرحى في نشاط مجلس القيم المنقولة بحكم لاختصاصات الواسعة التي كانت يتمتع بها والتي تستهل بتنفيذ قرارات مجلس الإدارة مرورا بتسيير المصالح التابعة لمجلس القيم المنقولة لتصل ذروتها من خلال تعيين مستخدمي المجلس وفصلهم من مهامهم.
وعلى العموم فإنه يعمل على تنفيذ قرارات مجلس الإدارة الذي يمكن أن يفوض له السلط أو المهام التي يراها ضرورية كما كان يجوز له بدوره أن يفوض إلى مستخدمي المجلس واحدة أو أكثر من السلط أو المهام المفوضة إليه من لدن مجلس الإدارة[3].
الفقرة الثالثة: المجلس التأديبي
يتكون المجلس التأديبي حسب المادة 19 من قانون الهيئة من ثلاثة أعضاء دائمين، من بينهم قاض يعينه الوزير المكلف بالمالية باقتراح من الوزير المكلف بالعدل وشخصين يتم تعيينها بصفة شخصية، بعد عملية انتقاء بناء على سيرهم الذاتية، من لدن مجلس إدارة الهيئة المغربية لسوق الرساميل اعتبارا إلى نزاهتهم وكفاءتهم في المجالين القانوني والمالي.
يرأس المجلس التأديبي العضو القاضي
أما في ما يخص مدة انتداب أعضاء المجلس التأديبي المعينين فهي أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة
أما عن مهام المجلس التأديبي وكيفية اشتغاله، فسيتم التطرق إليه في المطلب الثاني من هذا العرض.
المطلب الثاني: الرقابة على الهيئة
تخضع الهيئة المغربية لسوق الرساميل لنوعين من الرقابة هناك الرقابة الداخلية أو الادارية التي يتولاها مندوب الحكومة ولجنة الافتحاص ( الفقرة الأولى ) وكذا الرقابة الخارجية أو القضائية التي سنتطرق فيها للمحكمة المختصة وكذا مسطرة الطعن أمام هذه المحكمة ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: الرقابة الإدارية
تتجلى الرقابة الإدارية في الدور الذي يقوم به مندوب الحكومة ( أولا ) تم الدور الذي يقوم به مراقب الحسابات تانيا
أولا: مندوب الحكومة
تعين الإدارة مندوبا للحكومة لدى الهيئة المغربية لسوق الرساميل من بين الموظفين السامين من دوي الاختصاص بالوزارة المكلفة بالمالية ويوجه في نهاية كل سنة تقريرا إلى الوزير المكلف بالمالية حول القيام بمهنته والتي تستفاد من المادة 2 من القانون 43.12 والتي تتمحور حول مراقبة أنشطة الهيئة وإمكانياتها وحضور جلسات الهيئة بصفة استشارية والموافقة على توزيع أرباح الهيئة المغربية لسوق الرساميل.
والملاحظ أن هناك تناقضا في مهام مندوب الحكومة وبين الصفة الاستشارية والموافقة على توزيع أرباح الهيئة المغربية لسوق الرساميل، لكن في جواب السيد الوزير المكلف بالمالية دعا للتفريق بين مهام الهيئة التي لا يتدخل فيها مندوب الحكومة بل يكتفي بالسهر على حسن تطبيقها للقوانين والتشريعات وبين تدبير الهيئة حيث يتدخل مندوب الحكومة بخصوص توزيع الأرباح لأن الأمر يخص الدولة، وهو ما من شأنه تعميق رقابة الهيئة المغربية لسوق الرساميل في إطار التدبير الجيد لقواعد الحكامة الجيدة.
والجدير بالذكر أن مجلس القيم المنقولة كان يخضع لسلطة الوصاية بغرض تقييد أجهزته بالمهام المسندة إليه والسهر بوجه عام على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العامة. ولا تتنافى الوصاية مع شرط الاستقلالية لأنها تعني حق الرقابة على تقييد أعمال هذه الهيئة بالشرعية دون التدخل في مفهوم وجوهر العمل وآثاره[4].
ثانيا: لجنة الافتحاص
حسب المادة 23 من القانون رقم 12-43 تحدث الهيئة المغربية لسوق الرساميل بنية للمراقبة الداخلية مكلفة بالسهر على احترام مختلف أجهزة ومصالح الهيئة للمعايير والمساطر المطبقة على  أنشطتها وذلك عن طريق افتحاصات منتظمة ، تعد هذه البنية تقريرا سنويا ترفعه لمجلس إدارة الهيئة.
ويعرف مشروع قانون هيئة الأسواق المالية الفرنسية (AMF ) لجنة الافتحاص بكونها لجنة مكونة من المجلس الإداري المتدخل وأعضاء المجلس الإداري وهي المسؤولة عن الإشراف على العمليات المحاسبية وإبلاغ التقارير المالية للمتدخل وللمفتحص من قبل مفتحصهم الخارجي للبيانات المالية[5].
حيث نصت المادة 24 من قانون الهيئة المغربية لسوق الرساميل أن حسابات هذه الأخيرة تخضع لإفتحاص سنوي ينجز تحت مسؤولية مفتحص خارجي ويتم إعداده حسب معايير المهنة وحسب الأحكام التشريعة الجاري بها العمل ويوجه تقرير الإفتحاص إلى أعضاء مجلس الإدارة داخل أجل أقصاه ثلاثة أشهر من اختتام السنة المالية وبعد دراسته من طرف المجلس يتم نشره حسب كيفيات تحدد في النظام العام المشار  إليه في المادة 21 من هذا القانون.
من خلال نص المادة أعلاه يلاحظ حضور المفتحص الخارجي كأحد المستجدات التي جاءت بها الهيئة المغربية لسوق الرساميل بعكس مجلس القيم المنقولة الذي كان يتوفر على مفتحص داخلي فقط حيث يقوم المتدخل بتعيين مراقب داخلي مكلف بالحرص على وضع منظومة المراقبة الداخلية وعلى حسن سيرها وتطبيق القواعد المتعلقة بالأخلاقيات[6].
ويتأكد المراقب الداخلي من توجيه المستندات والمعلومات المطلوبة من المتدخل إلى مجلس الهيئة وفق الآجال والشروط التي حددها المجلس.
كما يجب ان يقوم المتدخل بتبليغ المجلس الاداري وفق الاجال و الشروط التي حددها المجلس
من خلال ما سبق يمكن القول بأن حضور المفتحص الخارجي في تشكيلة الهيئة المغربية لسوق الرساميل يضفي نوعا من الإستقلالية ويمكن ملاحظتها من ثلاث جوانب:
- الإستقلالية عند وضع برنامج الإفتحاص.
- الاستقلالية عند القيام بالإفتحاص.
- الاستقلالية عند إعداد التقارير.
ويلاحظ أن حضور المفتحص الخارجي جاء مكملا لدور المفتحص الداخلي فهذا الأخير يهدف الى تحسين وتطوير وإحكام نظام المراقبة الداخلية بينما المفتحص الخارجي يسعى إلى تصميم برنامج التدقيق وتحديد حجم العينات وكمية الاختيارات اللازمة لذلك[7].
الفقرة الثانية: الرقابة القضائية
لدراسة الرقابة القضائية على الهيئة سوف نقوم بالتطرق إلى المحكمة المختصة (أولا) على أن نعالج مسألة  الطعن أمام المحكمة المختصة (ثانيا).
                 
أولا: المحكمة المختصة
تتدخل السلطة القضائية ممثلة  فيشخص رئيس المحكمة المختصة بناء على طلب معلل من الهيئة المغربية لسوق الرساميل، إذ له أن يصدر بصفته قاضيا للمستعجلات أمرا بأن توضع تحت الحراسة الأموال أو القيم أو السندات أو الحقوق أو أية وثائق أو عناصر مادية أخرى مملوكة للأشخاص الداخلة في دعواها والمراقبة من لدن الهيئة المغرية لسوق الرساميل أيا كان الشخص الموجود بين يديه إذا كان من شأن إحدى المخالفات لأحكام هذا القانون أو النصوص التشريعية المشار إليها في المادة 4 أن تمس بحقوق المدخرين أو بسير سوق الرساميل يجوز له كذلك بنفس الصفة السابقة أن يأمر بناء على طلب معلل من الهيئة الزام الأشخاص المراقبين المذكورين بإداع مبلغ مالي يحدد قدره وأجل إيداعه حسب ما نصت عليه المادة 39 من القانون رقم 12-43.
ويلاحظ أن المشرع منح في هذا الصدد صلاحية التدخل للسلطة القضائية دون نشوء نزاع بمعنى قبل صدور قرار عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل وهذا يخالف تماما ما يجري به العمل إذ أن السلطة القضائية لا تتدخل إلا بعد نشوء نزاعات بنية البث فيه[8].
لكن ما يجب الإشارة إليه أن المشرع لم يحدد المحكمة المختصة، فهل من الممكن أن تحدث محكمة خاصة بشؤون الرساميل؟ خصوصا أن هناك اقتراح داخل القطب المالي المغربي لإحداث غرفة قضائية خاصة بالجرائم المالية.
أما بالنسبة لمجلس القيم المنقولة فقد كان إسناد النظر في القرارات الفردية إلى المحكمة التجارية. ولعل ما دفع المشرع المغربي إلى إسناد النظر إلى رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضي للأمور المستعجلة هو سعيه للإستفادة من المسطرة المستعجلة من جهة ومن الآجال القصيرة والإجراءات المرنة المتبعة أمام هذه المحاكم[9].
ثانيا: مسطرة الطعن أمام المحكمة المختصة
يمكن الطعن لأجل الشطط في استعمال السلطة في القرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل في اطار مزاولة مهامها أمام المحكمة الإدارية بالرباط حسب المادة 56 من القانون رقم 12-43.
وفي غياب النصوص الخاصة التي تنظم الطعن في قرارات الهيئة المغربية لسوق الرساميل يمكن الرجوع إلى القواعد العامة حيث أنه وحسب المادة 20 من القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية فكل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لإنحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، ويحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة.
فقد نصت المادة 56 من قانون الهيئة المغربية لسوق الرساميل على أنه "يمكن الطعن لأجل الشطط في استعمال السلطة في القرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل في إطار مزاولة مهامها أمام المحكمة الإدارية بالرباط.
و هدا الطعن يمكن ممارسته ممن توفرت فيه الشروط المنصوص عليها في القواعد العامة حتى ولو لم يرد بشأنه نص خاص، ويجب تقديمه أمام المحكمة الإدارية بالرباط وفق المسطرة المعمول بها في القانون المنظم للمحاكم الإدارية[10].
على العموم إن دور الهيئة المغربية لسوق الرساميل (التي حلت محل مجلس القيم المنقولة) وبالرغم من الانطباع الذي ترسخه تركيبتها كمصلحة تابعة للسلطة التنفيذية لا تتخذ قرارات خارج ما تراه هذه الأخيرة أو يعاكس سياستها فإنها تقل بالرغم من ذلك الساهر الأول على حماية الادخار المستثمر، كما تسهل وتسرع إنجاز التداولات داخل السوق المالية مهما كان حجمها ومهما كانت تعقيداتها ومراقبة هذه التداولات ومدى قانونيتها. اضافة إلى الضمان المستمر لنشر كل المعلومات التي من طبيعتها أن تسهل على المستثمرين انجاز القرارات المناسبة لاستثماراتهم[11].
بعد الحديث عن استقلالية الهيئة المغربية لسوق الرساميل من حيث تنظيمها القانوني سيتم التطرق  في المبحث الثاني لصلاحيات الهيئة.
مبحث ثاني: صلاحيات الهيئة المغربية سوق الرساميل- ضمانة لضبط العملية الاقتصادية-
تعتبر الهيئة المغربية لسوق الرساميل أداة فعالة لحماية السوق المالي وترسيخ مبادئ الشفافية والمساواة بين كل المتدخلين في هذا السوق وللقيام بالأدوار المنوطة بها خول لها المشرع مجموعة من الصلاحيات التي تتخذ مجموعة من الأبعاد منها ما هو رقابي حمائي (مطلب أول) وكذا مجموعة من الصلاحيات في المجال الجنائي وذلك من أجل خلق كيانات اقتصادية متينة تضمن الإستقرارالإقتصادي العام  وضبط السوق وردع المخالفين لها (مطلب ثاني).
مطلب أول: الاختصاصات الرقابية والحماية
أفرد قانون 43.12 من خلال مجموعة من المواد مهام رقابية على مجموعة من المؤسسات المالية وذلك لتحصين السوق (فقرة أولى) كما لها أدوارا وقائية للتدخل في مسار هذه المؤسسات كشريك في تجاوز الأزمات سواء داخل السوق المالية الداخلية أو الدولية من خلال التعاون الدولي في هذه السوق (فقرة ثانية).
فقرة أولى: المهام الرقابية
تمارس الهيئة المغربية لسوق الرساميل مهام رقابية مهمة على مجموعة من الفاعلين في السوق (أولا) كما تضطلع بمهام حمائية لا يستهان بها من أجل مراقبة المعلومات (ثانيا).
أولا: مراقبة الفاعلين في سوق الرساميل
تمارس الهيئة المغربية لسوق الرساميل اختصاصات المراقبة وفق النصوص التشريعية المعمول بها إزاء الهيئات والأشخاص الخاضعين لمراقبتها والمشار إليهم في المادة 4 من القانون رقم 43.12، كما تتأكد من احترامهم للأحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة عليهم ولاسيما تلك المتعلقة بما يلي:
·                       شركات البورصة والشركة المسيرة لبورصة القيم الخاضعة للظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.211 بتاريخ 4 ربيع الآخر 1414 (21 سبتمبر 1993)، المتعلقببورصة القيم، ففيما يخص شركات البورصة  فان القانون منحها الإحتكار لتداول القيم المقيدة ببورصة الدار البيضاء، فلشركة البورصة وسطاء يتمثل غرضهم الأساسي في تنفيذ المعاملات، المتعلقة بالقيم المنقولة في البورصة ولا يجوز لهم مزاولة نشاطهم إلا بعد الحصول على رخصة الاعتماد من الوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي الهيئة المغربية لسوق الرساميل.
·                       أما في ما يخص الشركة المسيرة للبورصة فهي شخص معنوي تحدث على شكل شركة مساهمة[12] ويقتصر غرضها حصرا على تدبير هيئات التوظيف الجماعي، وتخضع الشركات المسيرة، إلى اعتماد من الوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي الهيئة المغربية لسوق الرساميل.
·                       الهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة ومؤسساتها المسيرة ومؤسساتها الوديعة الخاضعة للظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.213 سنة 1993المتعلق بالهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة وتعتبر هذه الهيئة مؤسسة مالية مهمتها جمع الإدخار من المستثمرين لتوظيفه في قيم منقولة وفقا لمعايير محددة. ويسمح ذلك بتشكيل محفظة من القيم المنقولة، وتتحقق الهيئة المغربية لسوق الرساميل من احترام الأحكام القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل من طرف هيئات التوظيفالجماعي للقيم المنقولة أو من قبل المؤسسة المسيرة لها ومن قبل المؤسسة الوديعة.
·                       الوديع المركزي وماسكوا الحسابات والأشخاص المعنوية المصدرة الخاضعة للقانون رقم 35.96 المتعلق بإحداث وديع مركزي وتأسيس نظام عام لقيد بعض القيم في الحساب ويعتبر الوديع المركزي طبقا للقانون السالف الذكر مؤسسة مكلفة بحفظ السندات لحساب المنتسبين إليها وبتدبير نظام تسديد وتسليم السندات، فهي مكون أساسي في تنظيم تدفقات السندات ضمن السوق المالي ويوفر الأمان والسهولة الضرورية لحسن سير العمليات لما بعد السوق[13].
·                       أما في ما يخص ماسكو الحسابات فهو نشاط يقوم من خلاله وسيط مالي بفتح حسابات السندات وبتسجيل العمليات على السندات وبحفظ الأصول لفائدة زبنائه، يقوم بهذا النشاط ماسكو الحسابات الذين تم تأهيلهم لهذا الغرض بموجب قرار من الوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي الوديع المركزي.
·                       هيئات توظيف الأموال بالمجازفة وشركاتها المسيرة الخاضعة للقانون 41.05 [14]التي تنص المادة 2 منه، يزاول نشاط رأسمال المجازفة من قبل هيئات توظيف الأموال بالمجازفة، وتشمل هيئات توظيف الأموال بالمجازفة شركات رأسمال المجازفة والصناديق المشتركة لتوظيف الأموال بالمجازفة.
·                       صناديق التوظيف الجماعي للتسنيد ومؤسساتها للتدبير والإيداع الخاضعة للقانون رقم 33.06، والشركة المسيرة لصناديق التوظيف الجماعي للتسنيد شركة مساهمة يقتصر غرضها حصرا على تدبير شؤون صناديق التوظيف الجماعي للتسنيد.
·                       الأشخاص الذاتية أو المعنوية الخاضعة للأحكام القانون رقم 26.03 المتعلق بالعروض العمومية في سوق البورصة، التي تنص في المادة 2."يراد بالعرض العمومي الإجراء الذي يمكن شخصا طبيعيا أو معنويا، يتصرف لوحده أو باتفاق مع الغير حسب مدلول المادة 10 أدناه ويسمى "المبادر" من اطلاع الجمهور على أنه يعتزم شراء أو مبادلة أو بيع كل أو بعض السندات التي تتيح المشاركة في رأس المال أو تخول حقوق التصويت بالنسبة إلى شركة تكون سنداتها مقيدة في جدول أسعار بورصة القيم" فالمبادر يقوم بإيداع مشروع لعرض عمومي (مادة 8) وذلك بهدف شراء أو بيع حقوق التصويت في الشركة وممارسة حقوق تصويت لتنفيذ سياسة مشتركة إزاء الشركة أو العمل على انجاح أو افشال عرض عمومي.
أما عن أطراف هذا الاتفاق فيفترض أن يكون هذا الاتفاق مبرم بين شركة وأعضاء مجلس ادارتها أو مجلس رقابتها، أو بين الأزواج والأقارب والأصهار إلى غاية الدرجة الثانية للأشخاص السابقة، أو بين شركات تابعة لشركة أم أو بين شركات يراقبها نفس الشخص أو الأشخاص أو بين شركة وشركات تابعة لها والشركات التي تراقبها وفقا للمادة 144 من القانون رقم 17.95.
·                       الأشخاص الذين يدعون الجمهور إلى الإكتتاب وفق مقتضيات القانون رقم 44.12 المتعلق بدعوة الجمهور للإكتتاب والقانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.
وتتمثل دعوة الجمهور إلى الإكتتاب في الأسهم في إدراج قيمة منقولة أو حصص صناديق التوظيف الجماعي للتسنيد وهيئات توظيف الأموال بالمجازفة في بورصة القيم أو في أي سوق منظمة أو اصدار أو تفويت السندات المذكورة أعلاه إلا الجمهور مع اللجوء بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى السعي أو الإشهار أو بواسطة وسيط مالي.
·                       الأعضاء المكلفون بالتداول والأعضاء المكلفون بالمقاصة والأعضاء المكلفون بالتداول والمقاصة والشركة المسيرة وغرفة المقاصة الخاضعة للنصوص التشريعية المتعلقة بالسوق الأجلة للأدوات المالية.
·                       عمليات الاستحفاظ الخاضعة للقانون رقم 24.01 المتعلق بالاستحفاض لسنة 2004 والاستحفاظيفيد حسب المادة الأولى من القانون المذكور "بأنه العملية التي يفوت بموجبها شخص معنوي أو صندوق توظيف مشترك صندوق توظيف جماعي للتسنيد بكامل ملكية القيم أو السندات أو الأوراق المالية المنصوص عليها في المادة 2 من هذا القانون إلى شخص معنوي، آخر أو إلى صندوق توظيف مشترك أو صندوق توظيف جماعي للتسنيد مقابل ثمن متفق عليه وبمقتضى هذه العملية يلتزم كل من المفوتوالمفوت إليه بصورة لا رجعة فيها بأن يسترد الأول القيم أو السندات أو الأوراق المالية وأن يردها الثاني بالثمن وفي التاريخ المتفق عليه.
ثانيا: مراقبة المعلومات
تظل مراقبة المعلومات المنشورة من قبل المصدرين وأعمال التحسيس والتأطير من أهم الوسائل التي تقوم بها الهيئة المغربية لسوق الرساميل، ويتم تأطير واجبات الإعلام التي يخضع لها المصدرون وتنظمها الأحكام القانونية والتنظيمية للدوريات التي تصدرها الهيئة (المادة السادسة) حيث تحدد هذه الأحكام القانونية طبيعة المعلومات التي يتعين نشرها وكذلك الإجراءات المرتبطة بنشرها.
وطبقا للمادة 5 من القانون 43.12 يمكن للهيئة المغربية لسوق الرساميل أن تطلب من الأشخاص أو الهيئات التي تخضع لمراقبتها المشار إليهم في المادة 4 في هذا القانون اطلاعها على جميع الوثائق والمعلومات اللازمة للقيام بمهامها.
كما يمكن للهيئة ان تجري في كل وقت وحين عمليات مراقبة ميدانية وعلى الوثائق لهؤلاء الأشخاص أو الهيئات للتأكد من احترامهم للأحكام التشريعية أو التنظيمية التي تخضع لها أنشطتهم.
كما تنص المادة 3 من القانون رقم 43.12 على أنه يعهد إلى الهيئة المغربية لسوق الرساميل التأكد من حماية الإدخار الموظف في الأدوات المالية، كما تم تعريفها في المادة 2 من القانون 12.44 المتعلق بدعوة الجمهور إلى الإكتتاب وكذا مراقبة المعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية والهيئات التي تدعو الجمهور إلى الإكتتاب في أسهمها أو سنداتها، والخاضعة لمختلف التشريعات المنصوص عليها في المادة 4 في هذا القانون وفي هذا الإطار تقوم الهيئة بالسهر على ضمان المساواة في التعامل مع المكتتبين، وذلك من خلال مراقبة تهدف إلى التحقق من أن المعلومات التي يجب تقديمها إلى المكتتبين في الأدوات المالية وإلى الجمهور قد تم إعدادها ونشرها وفق القوانين والانظمة الجاري بها العمل، والتأكد من المساواة في التعامل مع المكتتبين، والسهر على سير أسواق القيم المنقولة على أحسن وجه والتأكد على الخصوص من الإنصاف والشفافية[15]، وذلك للدور الهام والفعال الذي تلعبه المساواة في الحصول على المعلومة بالنسبة للمساهمين وكذا المدخريين، فهي بمثابة الواجهة الزجاجية الشفافة التي تعرض من خلالها الحقيقة المالية للشركة، إذا أنه اعتمادا عليها يمكن للمقاولة اجتذاب مصادر تمويل متنوعة وجديدة، حيث أن المعلومات التي تكون غير محاطة بضمانات تصبح سلاحا خطر قد يؤدي بالمدخر كما السوق بأكملها ثمنها. فالمدخر الذي يفقد الثقة في هذه المعلومة يفقدها بالتبعية في السوق المالية ويصبح أقل اهتماما واقبالا على الاستثمار من خلالها وهو ما ينعكس بكيفية مباشرة على الإقتصاد بصفة عامة حيث تشح مصادر التمويل التي تعد الرأسمال اللازم لتطور هذه الشركات.
ان الديموقراطية المطبقة داخل شركات المساهمة تظل في حاجة إلى ترسيخ المساواة في المعاملة وفي اعلام كل الفاعلين وبشكل قوي وهو ما حاول المشرع التنصيص  عليه وتأكيده من خلال رقابة الهيئة المغربية لسوق الرساميل على شفافية المعلومة والحرص على التأكد من المساواة أمامها[16].
فقرة ثانية: المهام الحمائية للهيئة
تلعب الهيئة المغربية لسوق الرساميل أدوار حمائية هامة، كما نصت على ذلك المادة، الثالثة ولعل من أهمها تدبير المخاطر كأحد أهم المستجدات التي جاءت بها هذه الهيئة (أولا) وكذا دعم التعاون الدولي في مجال مراقبة سوق الرساميل (ثانيا).
أولا: تدبير المخاطر
حسب المادة 26 من القانون رقم 43.12 يجب على كل من الرئيس المدير العام والمدير العام والمدير العام المنتدب وأعضاء الإدارة الجماعية والمدير وكل شخص يشغل منصبا مماثلا داخل شخص أو هيئة يخضعان لمراقبة الهيئة المغربية لسوق الرساميل بموجب هذا القانون، اخبار أعضاء مجلس إدارة أو مجلس رقابة مؤسستهم وكذا رئيس الهيئة المغربية لسوق الرساميل بكل خلل أو حدث خطير يطرأ على نشاط أو تدبير المؤسسة المذكورة من شأنه أن يعرض وضعية المؤسسة للخطر أو أن يمس سمعة المهنة.
وكما تنص المادة 27 من قانون 43.12 على وجوب اخبار الهيئة المغربية لسوق الرساميل من طرف مراقبي الحسابات عن كل حدث أو قرار علموا به خلال مزاولتهم لمهامهم لدى شخص أو هيئة خاضعين لمراقبة الهيئة المغربية لسوق الرساميل.
وبالخصوص تلك التي من شأنها أن:
- تؤثر على الوضعية المالية للشخص أو الهيئة المذكورين.
- تعرض استمرارية الإستغلال للخطر.
- أو تؤدي إلى التحفظ أو رفض الإشهاد على الحسابات.
يقوموا مراقبو الحسابات باطلاع الهيئة المغربية لسوق الرساميل بكل الخروقات والبيانات غير المطابقة للحقيقة التي قد يكتشفونها أثناء مزاولة مهامهم.
يجب أن تحترم الالتزامات المذكورة في الفقرتين الأولى والثانية من هذه المادة 27 من طرف مراقبي حسابات الشركة الأم والشركات التابعة لها والأشخاص الخاضعين لمراقبة الشخص أو الهيئة المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة وذلك حسب مدلول المادتين 143 و144 من القانون رقم 17-95 المتعلق بشركات المساهمة، وذلك عندما يحتمل أن تكون الوقائع والقرارات والخروقات المعانية بالشركة الأم والشركات التابعة والأشخاص الخاضعين للمراقبة آثار من نفس الطبيعة على الشخص أو الهيئة الخاضعين لمراقبة الهيئة المغربية لسوق الرساميل كما لا يلزم مراقبو الحسابات بالسر المهني وبالتالي فهم معفون من المسؤولية في حالة اطلاع الهيئة المغربية لسوق الرساميل عن المعلومات والوثائق في إطار تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون حسب المادة 29.
ثانيا: دعم التعاون الدولي
تمثل الهيئة المغربية لسوق الرساميل المغرب لدى المؤسسات الدولية التي ثم إحداثها من أجل دعم التعاون الدولي في مجال مراقبة سوق الرساميل وذلك في حدود الاختصاصات التي يمنحها نلها هذا القانون (الفقرة 5 من المادة 3 من قانون 43.12) .

يجوز للهيئة المغربية لسوق الرساميل حسب المادة 59 من القانون رقم 43.12 أن تبرم اتفاقات مع الهيئات الأجنبية التي تمارس نفس المهام على أن تراعي في ذلك مصادقة المملكة المغربية على اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مبرمة مع الدول المعنية ومنشورة في الجريدة الرسمية بصورة قانونية .
يجوز للهيئة المغربية لسوق الرساميل تطبيقا للاتفاقات المذكورة انجاز عمليات بحث ومراقبة ميدانية أو على الوثائق بطلب من هيئات الأجنبية تمارس اختصاصات مماثلة لاختصاصاتها شرط المعاملة بالمثل، وذلك وفق نفس الشروط والإجراءات  وتحت طائلة نفس العقوبات   المنصوص عليها لأجل القيام بمهتها في هذا القانون.
لا يحول الالتزام بكتمان السر المهني المفروض على مستخدمي الهيئة المغربية لسوق الرساميل دون قيام هذه الأخيرة بتبليغ المعلومات التي تتوفر أو تحصل عليها إلى هيئات الدول الأخرى التي تمارس اختصاصات مماثلة بطلب منها، مع مراعاة المعاملة بالمثل وشريطة أن تكون الهيئة الأجنبية المختصة خاضعة لكتمان السر المهني مع نفس الضمانات المعمول بها بالمغرب على الأقل.
ترفض الهيئة المغربية لسوق الرساميل المساعدة التي تطلبها منها هيئة أجنبية تمارس اختصاصات مماثلة لأجل القيام بعمليات بحث ومراقبة ميدانية أو على الوثائق أو توجيه المعلومات المتوفرة لديها  أو التي حصلت عليها إذا كان من شأن تلبية الطلب أن تمس بسيادة المغرب أو سلامته أو مصالحه الاقتصادية الأساسية أو النظام العام به أو إذا عوقبوا بموجب حكم نهائي من أجل نفس الأفعال.
مطلب ثاني: صلاحيات هيئة الرساميل في الميدان الزجري: ضمانة لتخليق السوق المالي
تعتبر البورصة من أهم أجهزة ومكونات الأسواق المالية، هدفها هو تأمين السيولة    والإسهام في عمليات الاستثمار والتنمية الاقتصادية، ولكونها تشكل حلقة وصل بين جميع فعاليات الشبكة المكونة للاقتصاد الوطني[17]( وأمام هذا الدور المتعاظم الذي باتت تلعبه البورصة ) لم يكن المشرع ليبقى بمنأى عن التدخل وتنظيم سوق البورصة خاصة والسوق المالية عامة بقواعد زجرية للحد أو على الأقل مكافحة كل التصرفات التي تتنافى مع المصلحة الاقتصادية.
فالتدخل التشريعي في الأسواق المالية بالأداة الجنائية تمليه عدة اعتبارات أبرزها طمأنة المستشرين وحماية الادخار، وضبط العملية الاقتصادية، وفي هذا المطلب سنتناول كل حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ( فقرة أولى ) في حين أن الفقرة الثانية سنخصصها لأنواع الجرائم التي تحرك في شأنها الدعوى العمومية ( فقرة ثانية ).
فقرة أولى: الحق في تحريك الدعوى العمومية
اعترف المشرع المغربي للهيئة المغربية لسوق الرساميل بمجموعة من الصلاحيات التي تتدرج في الشق الجنائي، حيث أعطى الحق لرئيس الهيئة المغربية لسوق الرساميل افتتاح كل تحقيق بمبادرة منه أو تنفيذا لقرار يتم اتخاذه من طرف مجلس الهيئة وفق أحكام المادة 18 من قانون 43.12، وهذا التحقيق يعطي الإمكانية للهيئة بجمع معطيات متعلقة بكل الأشخاص الخاضعين لرقابة الهيئة والذين تم تعدادهم في المادة 4 من نفس القانون، وهذه التحقيقات التي تجرى من طرف الهيئة قد تسفر عن اكتشاف مخالفات لتتم إحالتها على وكيل الملك لدى المحكمة المختصة ( أولا ) كما أن الإحالة لا تتم بمجرد النتائج التي يتم التوصل إليها في التحقيق بل يمكن للهيئة أن تتلقى شكاوى أو مطالب بوجود مخالفة للقانون وتحيل بدورها على وكيل الملك ( ثانيا )
أولا: إحالة المخالفات على وكيل الملك بعد اكتشافها بطريقة تلقائية
في إطار مزاولة الهيئة لمهامها في مراقبة المعاملات التي تتم في بورصة القيم، يحق لها اتخاذ قرار بإجراء بحث حول وقائع محددة تبعا للمعلومات التي تحصل عليها أثناء قيامها بمهام المراقبة[18] وذلك وفقا ما هو مؤطر بأحكام المادة 36 و37 من قانون " 43.12"
فالهيئة في إطار مراقبتها للمعاملات التي تتم في البورصة، تطلع على كافة الخبايا التي تكتنف تلك المعاملات، كما تعمل على تحليل المعلومات المتوفرة حول سير السوق ونوع المعاملات الرائجة فيه[19]
وما دامت الهيئة إذن تضطلع بمهام رقابية فعالة، تتيح لها الإمكانية لضبط المخالفات والمعاملات المشبوهة، فبمجرد ضبط إحدى المخالفات فالهيئة تضطلع بالحق في إحالة هذه المخالفات أمام أنضار وكيل الملك لدى المحكمة المختصة، والنيابة العامة بدورها لها الحق أن تمارس مهامها وفقا ما يقتضيه مبدأ الملائمة في المادة 49 من قانون المسطرة الجنائية.
والتوجه التشريعي المستحدث في ظل قانون "43.12" وسع من قائمة الأشخاص الخاضعين لرقابة الهيئة مقارنة مع النظام القانوني الذي كان عليه مجلس القيم المنقولة.
ومن بين الأشخاص الذي أصبحوا خاضعين لرقابة المغربية بموجب التوجه التشريعي المستحدث نجد كلا من:
- الأشخاص الذين يدعون الجمهور للاكتتاب وفق مقتضيات قانون 44.12 والقانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة
- الأشخاص المؤهلين المشار إليهم في المادة 31 من قانون 43.12
- الأشخاص الذين يساهمون بحكم أنشطتهم في إنجاز عمليات تتعلق بالأدوات المالية.
والجدير بالذكر في هذا الصدد هو أن مجلس القيم المنقولة أحال لأول مرة منذ إحداثه سنة 1993 خمسة ملفات على وكيل الملك لدى المحكمة المختصة وذلك في إطار بعض المعاملات أجريت بناءا على معلومات متميزة، وأخرى تتعلق بالتلاعب في أسعار الأوراق المالية، وهو ما شكل سابقة في تاريخ مجلس القيم المنقولة، لانتصابه طرفا مدنيا في هذه القضايا[20] والمحاكم المختصة بهذا النوع من المخالفات تم تحديدها بموجب مرسوم صادر في 4 نوفمبر 2011 الذي حدد المحاكم الاستئناف التي توجد بها أقسام الجرائم المالية وتعيين دوائر نفودها
محاكم الاستئناف    ------>                    دوائر نفوذها
الرباط   ------->                         الرباط / قنيطرة / طنجة / تطوان
الدار البيضاء     ---->       الدار البيضاء / سطات / الجديدة / خريبكة / بني ملال
 فاس   ---->           فاس / مكناس / الراشدية / تازة / الحسيمة / الناضور/ وجدة
مراكش      ------>            مراكش / أسفي / ورزازات / أكادير / العيون
  ثانيا   الإحالة على وكيل الملك بعد تلقي شكوى أو مطلب بوجود مخالفة
علاوة على اكتشاف الهيئة للمخالفات التي تتم على مستوى السوق المالية بطريقة تلقائية، خول لها المشرع إمكانية إجراء أبحاث حول تلك المخالفات بناءا على " شكاوى " أو "وشايات" تتلقاها من الغير، مع العلم أن المشرع في قانون 43.12 لم يشر إلى مصطلح وشايات، واكتفى بالشكايات والمطالب[21] وعليه يمكن للهيئة أن تتلقى مطالب تخطرها بالمخالفات التي يتعين عليها فتح تحقيقات بشأنها، سواء من طرف شركات البورصة أو الشركة المسيرة للبورصة أو الشركات المسعرة طبقا لأحكام المادة 26 و28 من قانون"43.12" كما يمكنها أن تتلقى إخطارا بهذه المخالفات من طرف جمعيات حاملي القيم المنقولة المكونة بصورة قانونية كجمعية حاملي السندات أو حاملي الأسهم الممتازة[22]...
إن هذه الطريقة في واقع الحال تعتبر ناجعة إلى حد كبير. نظرا لعدم إمكانية إلمام الهيئة بكافة المعاملات والعمليات التي تتم والتي قد تكون موضوع تجاوزات يتم ارتكابها من طرف المخالفين، ولا ينقص من أهميتها سوى انعدام تنظيم لها بشكل مفصل واقتصر المشرع على الإشارة إليها بطريقة مقتضبة في أحكام المادة 52 من قانون 43.12.
وبإضفاء مقارنة بين الهيئة المغربية لسوق الرساميل ومجلس القيم المنقولة نرى على أن المشرع اعترف للهيئة في هذا الصدد بنفس الصلاحيات التي كانت مخولة لمجلس القيم المنقولة فيما يتعلق بتلقي الشكايات والمطالب وإحالتها على النيابة العامة.
Ø                    والإشكال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى إلزامية إحالة الهيئة للمطالب التي تتلقاها إلى النيابة العامة المختصة، وباستقرار المادة 52 نجد المشرع استعمل عبارة " يجوز " بما يفيد أن الهيئة هي صاحبة الصلاحية في تكريس مبدأ الملائمة لاتخاذ ما تراه ملائما.[23]
فقرة ثانية: أنواع الجرائم المرتكبة في سوق الرساميل
إن إجراءات البحث التي اعترف بها المشرع لفائدة الهيئة المغربية لسوق الرساميل، يمكن أن ينتج عنها اكتشاف مجموعة من الأفعال المحظورة، تكتسي صبغة إجرامية بمفهوم قانون " 43.12 "، وفي إطار رغبة المشرع للتصدي لكل التصرفات الأنانية التي يمكن أن تصدر عن الفاعلين الاقتصاديين وحماية الادخار والمصلحة الاقتصادية العامة للبلاد،  مادمت هذه الأخيرة هي الموجه الأساسي للإعلان عن مدى ازدهار الدولة من عدمها، وأمام الرغبة التشريعية هاته تدخل قانون 43.12 وألقى الحظر على مجموعة من التصرفات التي يمكن أن تصدر عن المخاطبين بأحكام المادة 4 من نفس القانون، منها ما يتعلق بجرائم التوظيف الغير القانونية للمعلومات المهنية ( أولا )، والجرائم المرتبطة بنظام المراقبة ( ثانيا )
أولا: جرائم التوظيف الغير القانوني للمعلومات
وتنقسم هذه الجرائم إلى 3 أنواع من الجرائم، جريمة الاستعمال التعسفي للمعلومات المتميزة (أ) جريمة إطلاع الغير على معلومات متميزة (ب) وجريمة نشر معلومات كاذبة أو مضللة (ج)
أ‌)                      الاستعمال التعسفي لمعلومات متميزة
تتم المعاملات في أسواق الرساميل طبقا لمجموعة من الضوابط الخاصة، بغية الحفاظ على حسن سير السوق وحماية الادخار الموظف في القيم المنقولة[24] والحفاظ على التوازن الطبيعي لعمليات العرض والطلب، وسعيا من الإرادة التشريعية لتحقيق هذه الحالة تم تأطير مجموعة من التصرفات التي قد تصدر عن الفاعلين الاقتصاديين بموجب عقوبات جنائية تسعى في حد ذاتها إلى حماية الادخار والاقتصاد الوطني، فالهيئة المغربية تضطلع بدور فعال في ضمان مبدأ الشفافية، باعتبار هذا الأخير أحد أهم المكتسبات التي تبعت الثقة والطمأنينة في أنفاس المستثمرين والفعالين الاقتصاديين.[25] وعرف المشرع "المعلومات المتميزة، كل معلومة مازال الجمهور يجهلها والتي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بواحد أو أكثر من المصدرين للأدوات المالية أو بواحد أو أكثر من الأدوات المالية والتي إن علمت من طرف الجمهور يحتمل أن يكون لها تأثير على سعر الأدوات المالية المعنية، أو المتصلة بهذه الأخيرة." وحتى يضفى على الاستعمال التعسفي لمعلومات متميزة وصف جريمة درج الفقه والقضاء على ضرورة توفر مجموعة من الشروط:
·                       أن تكون هذه المعلومات سرية، والمعلومة السرية لا تفقد هذا الوصف إلا في حالة نشرها على العموم وفق القوانين الجاري بها العمل
·                       أن تكون دقيقة، بمعنى أن تنشر هذه المعلومات بشكل مفصل لكل جزئياتها
·                       معلومة أكيدة، وهذا الشرط هو الذي يؤكد انعدام وصف جريمة في حالة استعمال التعسفي لمعلومات متميزة إذا كانت هذه الأخيرة خاطئة
·                       معلومة ذات أهمية يتعيين أن تكون هذه المعلومة مؤثرة وتلعب دورا كبيرا في انجاز عمليات غير مشروعة داخل السوق المالي
وكما هو معلوم فإن كل الجرائم وفق ما تقتضيه كل القوانين يجب أن تتوفر على ركن مادي وركن معنوي، إضافة إلى الركن القانوني تكريسا لمبدأ "شرعية التجريم "
الركن المادي: يتجسد الركن المادي لهذه الجريمة في حالة قيام شخص بعمليات غير مشروعة لحسابه الخاص، أو نقلها إلى الغير قصد مساعدته على إنجاز بعض المعاملات من خلال استعمال معلومات متميزة وخاصة، قبل أن يطلع الغير عليها[26]
إذن فشراء أو بيع أدوات مالية أو المساعدة على ذلك هو المبرر الأساسي الذي يصح معه القول بإثبات الركن المادي للفعل الإجرامي المسمى في قانون 43.12 بجريمة الاستعمال التعسفي لمعلومات متميزة، ما يؤكد إذن على أن الفعل الإجرامي يمكن أن يتمثل في عدة صور:
·                       شراء و بيع أدوات مالية من طرف الفاعل بناءا على معلومات مدبرة حصل عليها من الوظيفة المنوطة به.
·                       كل شخص ساعد على إنجاز العملية وذلك بناءا على المعلومات المتميزة التي حصل عليها أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه
الركن المعنوي: بما أن جريمة الاستعمال التعسفي لمعلومات متميزة يمكن أن تتخذ إما صورة الاستعمال من الفاعل نفسه، أو يساعد شخصا آخر على ذلك، فإن العنصر المعنوي يشترط في الحالة الثانية فعلا دون الحالة الأولى.
وما يبرز التوجه التشريعي هذا هو أن المطلع في الحالة الأولى يقع عليه التزام بكتمان السر المهني، الأمر الذي يؤكد انعدام إمكانية تذرعه بحسن النية.
وأما الإطار القانوني لهذه الجريمة فيجد أساسه في أحكام المادة 42 من قانون 43.12.
ب‌)                  إطلاع الغير بمعلومات متميزة
إن هاجس المشرع المغربي هو حماية المعاملات داخل سوق البورصة، مادامت هذه الأخيرة هي مرتع كل المعاملات المتعلقة بالقيم المنقولة[27]، وذلك من خلال جعل كل المستثمرين سواء كانوا مساهمين قدامى أو مساهمين احتماليين سواسية في الحصول على المعلومة، وتكريس مبدأ المساواة بين كل الفاعلين الاقتصاديين في إطار الحق في الحصول على المعلومة، وهذه الاعتبارات هي التي كانت وراء تجريم إطلاع الغير على معلومات متميزة وهو ما نص عليه المشرع المغربي في أحكام المادة 43 من قانون 43.12
وبناءا عليه، يتعين على كل الشركات التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب أن تنصاع إلى أحكام المادة 43، حماية في ذلك لمبدأ المساواة، لكون تقلب أسعار القيم المنقولة وحساسية السوق المالية المفرطة تلعب دورا فعالا وحاسما في اتخاذ القرار من طرف المستثمرين، وهذا التوجه التشريعي هو في نهاية المطاف حماية لمبدأ المساواة وتكريس لمظاهر الشفافية في ميدان المال والأعمال.
والمعلومة المتميزة بمفهوم المادة (42) هي كل معلومة مازال الجمهور يجهلها والتي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بواحد أو أكثر من المصدرين للأدوات المالية أو بواحد أو أكثر من الأدوات المالية والتي إن علمت من لدن الجمهور يحتمل أن يكون لها تأثير على سعر الأدوات المالية المعنية أو المتصلة بهذه الأخيرة، كما يمكن أن تكون هذه المعلومات تتعلق بالتسيير التقني أو التجاري أو المالي للشخص أو بآفاق تطور أداة مالية مازال الجمهور يجهلها ويمكن أن تؤثر في قرار المستثمر، كالانتقال من نظام إلى نظام جديد في التسيير أو ولوج سوق جديدة[28]
والجدير بالذكر في هذا الصدد هو أن المشرع لم ينص على الركن المعنوي لهذه الجريمة، الأمر الذي يؤكد على أنها جريمة مادية بامتياز وتتحقق بمجرد نقل المعلومات من طرف أحد الأشخاص، خارج الإطار العادي للمهنة أو المهام المنوطة به، بمعنى أن مجرد الإهمال أوعدم الانتباه يقوم كافيا لتجسيد الركن المعنوي لهذه الجريمة التي عاقب عليها المشرع في المادة 43 من قانون 43.12 بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة  وغرامة من 20000 إلى 100000.
ج) نشر معلومات كاذبة أو مضللة
لقد أصبح لزاما في إطار الوضوح والشفافية على كل الأشخاص المعنوية ابتداء من قيامها بأول عملية إصدار جديدة للقيم المنقولة وطيلة تواجد قيمتها المسعرة بسوق البورصة، أن تنشر كل البيانات المتعلقة بوضعيتها المالية والاقتصادية بشكل لتمكين المدخرين والمستثمرين المحتملين من الاطلاع على الوضع الحقيقي للشركة التي يرغبون الادخار أو بالأحرى استثمار أموالهم فيها[29]
وفي هذا الصدد أيضا يمكن القول على أن شركات المساهمة التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها أن تقوم بإيداع الوثائق الموجهة للجمهور أمام الهيئة المغربية لسوق الرساميل من أجل التأشير عليها. لضمان حماية المدخرين وتشجيعهم على الاستثمار ونفس الشيء بالنسبة لإصدار سندات القرض، حيث ألزم المشرع شركات المساهمة التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب وفق المادة 293 من قانون 17.95 المعدل أن تصدر الاكتتاب في سندات القرض وفق الأحكام المؤطرة للهيئة المغربية لسوق الرساميل.
فعمليات النشر أصبحت أهم العناصر المؤطرة والمنشطة لأسواق الرساميل، لكون كل المستثمرين وشركات الوساطة ينتظرون بترقب عمليات نشر نتائج وحسابات الشركات المدرجة أسهمها في البورصة قصد انتهاز الفرصة والفرص الملائمة للتوظيف المالي، كما أن أهمية النشر تزداد كلما علمنا أن قرارات المستتمرين الأجانب باتت مرتبطة بمدى نزاهة وشفافية المعلومات  المنشورة من طرف الأشخاص التي تدعو  الجمهور إلى اكتساب.
وقد تطرق المشرع لهذه الجريمة في أحكام المادة 44 ، مع العلم أن هذه المادة تتطابق وأحكام المادة  26 من قانون المحدث لمجلس القيم المنقولة، حيث عاقبت بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وغرامة من 10 آلاف درهم إلى 500 الف درهم.
وتقوم هذه الجريمة على ركن مادي وركن معنوي :
الركن المادي
يتجسد الركن المادي لهذه الجريمة في الحالة التي يتم فيها نشر معلومات كاذبة ومضللة، بمعنى أن المعلومة تكون تدليسية، وأن يكون من شأن هذه المعلومات أن تؤثر في الأسعار أو تعرقل السير العادي للأسواق بوجه عام.
أما الركن المعنوي لهذه الجريمة هو سوء نية مصدر هذه المعلومات والمادة 44 اشترطت أيضا أن يكون لدى المصدرالقصد الجنائي، وذلك بغض النظر عن تحقق الغاية من الإصدار الكاذب للمعلومات ويكفي أن تكون هذه المعلومة من شأنها التأثير على الأسعار أو بصفة عامة أن توقع الغير في الخطأ .
ثانيا: الجرائم المرتبطة بنظام المراقبة
يقترن تنظيم الأسواق المالية بإنشاء أجهزة للاشراف والمراقبة لأن وضع الإطار السليم للمعاملات،  وتحديد أوضاع ولوج السوق لا يكفي  وحده مهما كانت دقة وإحكام الصياغة للمبادئ التي يقوم عليها تنظيم السوق، وفي التشريع المغربي تتوزع مهام الرقابة والإشراف على السوق المالية، بين كل من الهيئة المغربية لسوق الرساميل ، وهي ما يصطلح عليها بالرقابة الخارجية  ، إضافة إلى مراقبي  الحسابات الذين يمكن تسخيرهم من طرف الهيئة المغربية لسوق الرساميل والتي تندرج كل الجرائم المرتبطة بمهامهم ضمن الجرائم الداخلية.
أ‌.                       جرائم الرقابة الخارجية
تتراوح الجرائم المتعلقة بالرقابة الخارجية بين كل من جريمة عرقلة مهام المراقبة المنوطة بالهيئة المغربية لسوق الرساميل (1)، وجريمة الإخلال بالالتزام بالإعلام الواجب على كل شخص يدعو الجمهور إلى الاكتاب في أسهمه (2).
 1  جريمة عرقلة مهام المراقبة المنوطة بالهيئة المغربية لسوق الرساميل
اعترف المشرع للهيئة المغربية لسوق الرساميل بمجموعة من الصلاحيات الرقابية التي تهدف في عمقها إلى رصد كل الاختلالات والعمليات المالية المحظورة       وتعد عرقلة مهام  المراقبة  المنوطة بهذه الهيئة جريمة معاقبا عليها بموجب المادة 46 من قانون 43.12 والتي تتطابق وأحكام المادة 28 من قانون مجلس القيم المنقولة .
ويتجسد الركن المادي لهذه الجريمة في عرقلة مهمة المأمورين المنتدبين من طرف الهيئة المغربية لسوق الرساميل، بمعنى أن مجرد التعرض على المهام المنوطة بالهيئة والتي تندرج ضمن الرقابة يقوم كافيا لوصف الطابع الإجرامي على الفعل[30]
أما الركن المعنوي لهذه الجريمة لم يشترطه المشرع ما دامت حرفية نص المادة 46 لا تسعنا للحديث عليه.
2 جريمة حرفا الالتزام بالإعلام
تتمحور مهام الرقابة القبلية المنوطة  بالهيئة المغربية، حول المعلومات المطلوبة إلى الأشخاص التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في اسهمها او سنداتها، فالأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور للاكتتاب ملزمة وجوبا بوضع بيان يتضمن مجموعة من المعلومات الموجهة إلى الجمهور، وهذا البيان لا يطرح أمام الجمهور إلا بعد التأشير عليه من طرف  الهيئة المغربية لسوق الرساميل، والغاية من هذه الرقابة القبلية تتجسد أساسا في مراقبة مدى انسجام المعلومات الواردة في البيان مع القواعد والتنظيمية الجاري بها العمل [31]
فقد جاء في المادة 48 من قانون 43.12 والتي تتطابق مع المادة 29من قانون مجلس القيم المنقولة " كل من يقدم معلومات غير صحيحة أو يمتنع عن توجيه هذه المعلومات"
ومن هذا المنطلق فالهيئة أو المأمورين المنتدبين لديها صلاحية طلب معلومات تكميلية أو توضيحية لجعلها مطابقة  للأنظمة والقوانين الجاري بها العمل [32]، وتنفذ إجراءات المراقبة المتعلقة ببيانات  المعلومات حتى إلى العمليات التي تقوم بها الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور للاكتتاب في أسهمها أو سنداتها خارج المغرب، فهذه الحالة تقتضي وجوبا ودون الخضوع لالتزام الحصول على تأشيرة الهيئة، إخبار الهيئة داخل 15 يوما من أيام العمل السابقة للشروع في هذه العملية، كما نصت على ذلك أحكام قانون 44.12 بدعوة الجمهور إلى الاكتتاب وبالمعلومات المطلوبة إلى أشخاص معنوية والهيئات التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب.
ويجسد الركن المادي لهذه الجريمة في قيام كل شخص طبيعي لحساب شخص معنوي ويصدر بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بواسطة شخص أخر أسهما أو سندات يدعوا الجمهور إلى الاكتئاب  فيها دون أن تؤشر الهيئة المغربية لسوق الرساميل على بيان المعلومات.
والجذير بالذكر هو ان قيام هذه الجريمة لا يتوقف على أن يتوفر عنصر الاكتتاب فتوجيه الدعوة لوحده يكون كافيا لتجسيد الركن المادي لهذه الجريمة[33].
أما الركن المعنوي فإن حرفية المادة 23 من قانون 44.12 لا تشترط عنصر العمد بمعنى أن القصد يتوفر بمجرد العلم أن الشخص من المحظور عليه القيام بالأعمال المكونة للجريمة قبل التأشير على بيان المعلومات من طرف الهيئة المغربية لسوق الرساميل .
فيحين أن المادة 42 من قانون 43.12 نجدها تشترط توفر عنصر العمد
ب  جرائم المراقبة الداخلية
بالإضافة إلى تجريم الأفعال التي تحول دون قيام الهيئة بالمهام الرقابية المنوطة بها، عمل المشرع على إحاطة مهام الرقابة الداخلية المنوطة بمراقبي الحسابات بالحماية الزجرية لردع كل الممارسات التي تحول دون إمكانية قيامه – مراقب الحسابات – بالمهام المنوطة به، فمؤسسة مراقبي الحسابات أداة مستحدثة في ظل الحكامة الجيدة للتدبير المعلق في شركات المساهمة، ومظاهر الاستحداث تتجلى في الضمانات القانونية والعلمية التي توخاها
المشرع المغربي منذ سنة 1997، والتي شكلت قطيعة ولحظة تاريخية مع كل الممارسات التي كانت سائدة فيما قبل، والجرائم المرتبطة بمهام مراقبي الحسابات. وجرم المشرع كل الممارسات التي تحول دون قيام مراقب الحسابات بمهامه (.1.) وكذا خرقه لالتزام بالإعلام والإخبار المفروض عليه (  2   )
 1  جرائم إعاقة ممارسة مهام مراقب الحسابات:
تم التنصيص على هذه الجريمة في أحكام المادة 120من قانون المتعلق بالهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة، فهذه المادة جرمت كل الممارسات التي تعرقل أعمال التحقيق والمراقبة التي يقوم بها مراقب الحسابات أو الحيلولة دون إطلاعه في عين المكان على جميع الوثائق المفيدة لمزاولة مهامه[34]
والركن المادي لهذه الجريمة إذن يجد أساسه في كل الممارسات التي تحول دون قيام مراقب الحسابات بالمهام المنوطة به.
أما العنصر المعنوي فهو، يتجسد أساسا في توفر القصد الجنائي العمدي من طرف الفاعل الذي يعرقل مهام الرقابة
خرق مراقب الحسابات للالتزام بالاعلام
تقوم هذه الجريمة في حق مراقب الحسابات الذي لا يخبر الهيئة المغربية لسوق الرساميل بالاخلالات أو البيانات الغير الصحيحة التي لاحظها أثناء مزاولة مهامه
والتزام مراقبي الحسابات مؤطر بأحكام المادة 27 من قانون 43.12 يجب على مراقبي الحسابات أن يخبروا في الحال الهيئة المغربية لسوق الرساميل عن كل حدث أو قرار علموا أثناء مزاولة مهامهم لدى الشخص أو الهيئة خاضعة لمراقبة الهيئة المغربية لسوق الرساميل وبالخصوص تلك التي من شأنها أن تؤثر على الوضعية المالية للشخص المعنوي أو الهيئة الخاضعة لرقابة الهيئة المغربية لسوق الرساميل أو تعرض استمرارية الاستغلال للخطر أو تؤدي إلى التحفظ  او رفض الإشهاد على الحسابات والركن المادي لهذه الجريمة هو الامتناع عن تقديم إيضاحات حول الخروقات التي اكتشفها
أما الركن المعنوي فلم يتطلبه مشرع المادة 21، والجريمة بناءا على هذا التوجه التشريعي تتحقق بمجرد امتناع مراقب الحسابات عن الإعلام بالاخلالات، ولا سيما المادة 20 من قانون 43.12 لا تلزم مراقبي الحسابات بكتمان السر المهني ولا تقوم في حقهم المسؤولية في حالة اطلاع الهيئة المغربية لسوق الرساميل عن المعلومات والعوائق في إطار تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون.
. خاتمة
من خلال محاولتنا لدراسة موضوع هيئة الرساميل باعتبارها مؤسسة عمومية تسهر على التدبير الخلاق للأسواق المالية، اتضح لنا وبجلاء على أن المشرع حاول الارتقاء بهذه المؤسسة لتفعيل الأدوار المنوطة بها وذلك من خلال التوسيع من لائحة الفاعلين الاقتصاديين الخاضعين لرقابتها. ورغم ذلك فإن إشكالية الاستقلالية لازالت محل نقاش واسع داخل الأوساط الفقهية – الفقه الاقتصادي بطبيعة الحال، إضافة إلى إشكالية التبليغ من طرف الهيئة للمؤسسة الزجرية – القضاء الجنائي المالي – المحدث على صعيد بعض المدن بالمملكة.



[1]- أن المرسوم رقم 2.91.689 كما تم تتميمه وتعديله بموجب المرسوم الصاد عن الوزير الأول تحت رقم 204-551 الصادر بتاريخ 8 رمضان 1425الموافق ل،22 أكتوبر 2004 المنشور بالجريدة عدد 5262 بتاريخ 4 نونبر 2004 ص 2025.
[2]- عبد الرحمان السباعي، "مبدأ المساواة بين المساهمين في شركة المساهمة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة مولاي اسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، السنة الجامعية 2013/2014 ص 343.
[3]- عبد الرحمان السباعي، مرجع سابق ص 342.
[4]- سلوى بوزيان، مرجع سابق، ص 57-58.
[5]- نفس المرجع ص 60.
[6]- سلوى بوزيان، مرجع سابق، ص 63.
[7]- سلوى بوزيان، نفس المرجع، ص 68.
[8]- سلوى بوزيان، مرجع سابق ص 69.
[9]- سلوى بوزيان، نفس المرجع، ص 72.
[10]- حسب المادة 21 من القانون 90-41 يجب أن يكون طلب الإلغاء بسبب تجاوز السلطة مصحوبا بنسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه أسبقه تقديم تظلم غداري يتعين أن يصحب طلب الإلغاء أيضا بنسخة من القرار الصادر برفض التظلم أو بنسخة وثيقة تشهد بإيداع التظلم إن كان رفضه ضمنيا، والمادة 22
[11]- عبد الرحمان السباعي، مرجع سابق، ص 347.
[12]- قبل ذلك فإن الشركة المسيرة كانت عبارة عن مؤسسة عمومية.
[13]- حيث تعتمد طريقة سير الوديع المركزي على مبدأ الأساسي، إذ يقوم مصدر والسندات (الشركات المسيرة بالبورصة على سبيل المثال) بغتة حساب إصدار لدى الوديع المركزي مقابل العدد الإجمالي للسندات المصدرة، فالحسابات ذات الصلة هي حسابات ماسكي، الحسابات (الأبناك مثلا) التي تحتفظ بالسندات لحسابهم أو لحساب زبنائهم.
[14]- ظهير شريف رقم 1.06.13 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 41.05 المتعلق بهيئات توظيف الأموال بالمجازفة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5404 بتاريخ 16/03/2006 ص 735.
[15]- عبد الرحمان السباعي، مبدأ المساواة بين المساهمين في شركة المساهمة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة مولاي اسماعيل، مكناس، سنة 2014، ص 348.
[16]- نفس المرجع ص 350.
[17] - زكرياء العماري، حدود احتكار شركات البورصة للمعاملات المتعلقة بالقيم المنقولة، مقال منشور بمجلة القضاء التجاري العدد الثالث، 2014.
[18] - مع العلم أن ممارسة مهام الرقابة الموكولة للهيئة المغربية لسوق الرساميل تلغي طابع السرية الذي تمتاز به بعض المعلومات فلا يمكن الاحتجاج لمهامها بالسرية
[19] - يسأودارد، صلاحيات الهيئة المغربية لسوق الرساميل في البحث عن المخالفات، مقال منشور بمجلة القانون المغربي، العدد24، سنة 2014، ص 175.
[20] - سلمى بوزيان، الهيئة المغربية لسوق الرساميل، مرجع سابق، ص 132.
[21] - يسأداود، مرجع سابق، ص 175.
[22] - اعترف المشرع لحاملي سندات القرض أو أسهم ممتازة بالاجتماع الدوري في إطار جمعيات خاصة، راجع عبد الرحيم شميعة، مرجع سابق، ص 331.
[23] - والجدير بالذكر في هذا الصدد هو أن المشرع أعطى صلاحية البحث في المخالفات إلى مجلس الإدارة للهيئة وفقا المادة 37، والمأمور بين المنتدبين المعنيين من طرف الهيئة كما نصت على ذلك المادة 34، إضافة إلى الأبحاث المنجزة من أعوان وخياط الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة المختصة ولا يواجه أي من هؤلاء يكتمان السر المهني في إطار أداء مهامهم الرقابية كما نصت على ذلك المادة 34 من قانون 43.12
[24] - زكرياء العماري، مرجع سابق، ص 73.
[25] - سلمى بوزيان، مرجع سابق، ص 139.
[26] - سلمى بوزيان: مرجع سابق، ص 142.
[27] - زكرياء العماري، مرجع سابق، ص 73.
[28] - عبد الرحمان السباعي.مرجعسابق ,ص342.
[29] - سلمى بوزيان، مرجع سابق، ص
[30]سلمى بوزيان، مرجع سابق، ص155.
[31]سلمى بوزيان، مرجع سابق، ص157
[32]يسن أوداود، مرجع سابق ، ص 179.
[33]سلمى بوزيان، مرجع سابق، ص158.
[34] - سلمى بوزيان، مرجع سابق، ص 160.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات